الأزمة الفنزويلية تدخل نفقاً مظلماً

دول الجوار اقترحت تنظيم انتخابات جديدة وتقديم ضمانات لمادورو

مظاهرات رافضة لتولي مادورو ولاية رئاسية جديدة في كراكاس 3 أغسطس (أ.ف.ب)
مظاهرات رافضة لتولي مادورو ولاية رئاسية جديدة في كراكاس 3 أغسطس (أ.ف.ب)
TT

الأزمة الفنزويلية تدخل نفقاً مظلماً

مظاهرات رافضة لتولي مادورو ولاية رئاسية جديدة في كراكاس 3 أغسطس (أ.ف.ب)
مظاهرات رافضة لتولي مادورو ولاية رئاسية جديدة في كراكاس 3 أغسطس (أ.ف.ب)

دخلت الأزمة الفنزويلية في نفق مظلم، بعد تعنّت النظام وإصراره على إعلان فوز نيكولاس مادورو، وعدم الكشف عن بيانات نتائج الانتخابات، التي رفضتها المعارضة ومعها جهات إقليمية ودولية وازنة، وبعد انفراط التنسيق الإقليمي بين العواصم التي تسعى لإيجاد مَخرج سلمي يحول دون مزيد من التصعيد واتساع المواجهات الدامية التي أوقعت حتى الآن عشرات القتلى ومئات الجرحى بين المدنيين.

وبعد انكفاء المكسيك عن المبادرة الثلاثية، التي كانت أطلقتها مع البرازيل وكولومبيا، بسبب احتجاجها على موقف واشنطن الذي وصفه الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز أوبرادور بالمتهوّر، تراجع الرئيسان البرازيلي والكولومبي إيغناسيو لولا وغوستافو بترو عن إصرارهما على المطالبة بالبيانات للتأكد من النتائج، وانتقلا إلى طرح مقترحات منفردة لتسوية الأزمة التي يخشى كلاهما تداعيات انفجارها.

اقتراحات جديدة

طرح الرئيس البرازيلي إجراء انتخابات جديدة تحت إشراف حكومة ائتلافية بين النظام والمعارضة، في حين اقترح الرئيس الكولومبي خطة على مراحل، تبدأ برفع جميع العقوبات المفروضة على فنزويلا، وإصدار عفو وطني ودولي عام، مقابل ضمانات شاملة لجميع أطياف المعارضة تسمح لها بممارسة نشاطها السياسي من غير ضغوط ومُلاحقات، ثم تشكيل حكومة تساكن مؤقتة تمهيداً لإجراء انتخابات جديدة.

مادورو يتحدث للصحافة حول نتائج الانتخابات الرئاسية في كاراكاس يوم 9 أغسطس (أ.ب)

وبعد أن كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أعرب عن تأييده اقتراح إعادة تنظيم الانتخابات، ردّاً على سؤال، خلال مؤتمر صحافي، سارع البيت الأبيض لاحقاً إلى التوضيح بأن موقف الإدارة الأميركية لم يتغيّر، وهو الذي كان أعرب عنه جون كيربي الذي قال إن واشنطن ليست في وارد تقديم محفزات لمادورو كي يغادر السلطة، وإن مرشح المعارضة إدموندو غونزاليس هو الفائز في الانتخابات الرئاسية، مطالباً النظام الفنزويلي بالكشف عن بيانات الاقتراع.

وكان لولا قد كرر، في مقابلة، مساء الخميس، أنه لن يعترف بفوز مادورو في الانتخابات من غير الاطّلاع على البيانات، مشيراً إلى أن إجراء انتخابات جديدة بضمانات إقليمية ودولية يمكن أن يشكّل مَخرجاً من الأزمة. لكن زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو رفضت، بشكل قاطع، هذا الاقتراح، الذي وصفته بأنه يشكّل إهانة للناخبين الذين أعطوا المعارضة فوزاً ساحقاً في الانتخابات التي أُجريت أواخر الشهر الماضي.

وتُعدّ التسوية السلمية للأزمة الفنزويلية حيوية لكولومبيا التي تتقاسم حدوداً طويلة مع فنزويلا، نزح عبرها ما يزيد عن ثلاثة ملايين فنزويلي في السنوات الأخيرة، بعد أن كانت فنزويلا في السابق وجهة رئيسية للمهاجرين الكولومبيين. وقال الرئيس الكولومبي، غوستافو بترو، في منشور على «إكس»، إن الحل السياسي للأزمة الفنزويلية بيد نيكولاس مادورو، وعرض تجربة بلاده بوصفها وسيلة انتقالية للمساعدة على التوصل إلى حل نهائي في فنزويلا.

مساعٍ دبلوماسية دولية

كانت البرازيل وكولومبيا والمكسيك قد باشرت، مطلع هذا الشهر، قيادة المساعي الدبلوماسية الدولية، مدعومة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدة عواصم إقليمية، للتوصل إلى مَخرج سلمي للأزمة الفنزويلية، بعد اتهامات المعارضة للنظام بسرقة الفوز في الانتخابات، ورفض مادورو تقديم البيانات التي تدعم تجديد ولايته للمرة الثانية.

مؤيدو الرئيس نيكولاس مادورو يتظاهرون تأييداً له بكراكاس في 5 أغسطس (أ.ف.ب)

لكن بعد إعلان الرئيس المكسيكي لوبيز أوبرادور أنه يُفضّل التريث لمعرفة قرار المحكمة العليا في فنزويلا، اتّجه الرئيسان؛ البرازيلي والكولومبي، لطرح مقترحات جديدة تساعد على الخروج من الطريق المسدودة التي وصلت إليها الأزمة، والتي تُهدّد بانفجار شعبي واسع بعد إصرار النظام والمعارضة على مواقفهما.

وبعد أن اصطدمت المساعي البرازيلية والكولومبية للدفع باتجاه إعادة تنظيم الانتخابات، بالرفض الأميركي، دعت زعيمة المعارضة، كورينا ماتشادو، التي ما زالت متوارية عن الأنظار مع مرشح المعارضة إدموندو غونزاليس، إلى مظاهرات حاشدة في فنزويلا والخارج، نهاية هذا الأسبوع؛ للدفاع عن فوز غونزاليس، ورفض إعادة تنظيم انتخابات جديدة.

فنزويليون يتظاهرون ضد مادورو في ساو باولو بالبرازيل 28 يوليو (أ.ف.ب)

الدبلوماسية البرازيلية، من جهتها، تبدو ميّالة إلى عدم التسرّع، في ضوء التصريحات التي صدرت عن مستشار لولا للشؤون الدولية، الذي قال إن ولاية مادورو لا تنتهي قبل مطلع العام المقبل، ومن ثم لا يزال هناك مجال لتمهيد الطريق أمام تسوية سِلمية. وتجدر الإشارة إلى أنه رغم اعتراف الولايات المتحدة بفوز مرشح المعارضة في الانتخابات، فإنها، خلافاً لما حصل عندما اعترفت بخوان غوايدو رئيساً مؤقتاً لفنزويلا، لم تعترف بغونزاليس رئيساً منتخباً، فضلاً عن أن الأزمة الفنزويلية ليست بين أولويات الإدارة الأميركية وهي على أبواب انتخابات رئاسية، وأمام جبهتين ساخنتين في الشرق الأوسط وأوكرانيا.



المعارضة الفنزويلية تدعو الجيش والشرطة لـ«الوقوف إلى جانب الشعب»

زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو تحيي أنصارها خلال مظاهرة بكراكاس في 3 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)
زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو تحيي أنصارها خلال مظاهرة بكراكاس في 3 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)
TT

المعارضة الفنزويلية تدعو الجيش والشرطة لـ«الوقوف إلى جانب الشعب»

زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو تحيي أنصارها خلال مظاهرة بكراكاس في 3 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)
زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو تحيي أنصارها خلال مظاهرة بكراكاس في 3 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

دعت المعارضة الفنزويلية، الاثنين، الجيش إلى «الوقوف إلى جانب الشعب» بعدما أعلن المجلس الانتخابي الوطني فوز الرئيس نيكولاس مادورو بولاية ثالثة، في نتيجة طعن بصحّتها كثر داخل البلاد وخارجها.

وكتبت زعيمة المعارضة، ماريا كورينا ماتشادو، ومرشح المعارضة، إدموندو غونزاليس أوروتيا، في بيان مشترك: «نناشد ضمائر الجيش والشرطة أن يقفوا إلى جانب الشعب وإلى جانب عائلاتهم هم».

وفي محاولة لضمّ الجيش إلى صفّهما، تعهدا بتقديم «ضمانات لأولئك الذين سيؤدّون واجبهم الدستوري»، مذكّرين بأنهما يملكان «أدلّة غير قابلة للجدل» على فوز غونزاليس أوروتيا بالانتخابات، وذلك بعدما حلّ مكان ماتشادو التي أُعلنت غير مؤهلة لخوض الاقتراع.

زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو ومرشح المعارضة إدموندو غونزاليس أوروتيا في مؤتمر صحافي بكراكاس في 29 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

وبعيد هذه الدعوة، أعلنت النيابة العامة الفنزويلية أنّها فتحت تحقيقاً جنائياً بحقّ كلّ من غونزاليس وماتشادو، وذلك بتهم عدة من بينها «اغتصاب السلطة ونشر معلومات كاذبة والتحريض على عصيان القوانين والتحريض على التمرد والتآمر الإجرامي».

وقالت النيابة العامة إن غونزاليس وماتشادو «يعلنان عن فائز زائف في الانتخابات الرئاسية (...) ويحرضان علناً عناصر الشرطة والجيش على العصيان».

وأدّت الاضطرابات التي أعقبت إعلان فوز مادورو إلى مقتل 11 مدنياً، وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان.

وأعلن مادورو مقتل اثنين من عناصر الحرس الوطني واعتقال أكثر من ألفَي شخص، واعداً بمواصلة القمع ضد ما وصفها بمحاولة «انقلاب إمبريالي».

الرئيس نيكولاس مادورو وزوجته سيليا فلوريس خلال تجمع بكراكاس السبت الماضي (أ.ف.ب)

وبعد يومين فقط من الانتخابات، التي أعلن رسمياً فوز مادورو فيها، أكّد وزير الدفاع الجنرال فلاديمير بادرينو ولاءه للرئيس.

وكتب بادرينو: «نؤكد مجدداً ولاءنا المطلق ودعمنا غير المشروط للمواطن نيكولاس مادورو موروس، الرئيس الدستوري وقائدنا الأعلى الذي أعيد انتخابه شرعاً من السلطة الشعبية» مضيفاً أن الجيش سيتحرك «بقوة» من أجل «الحفاظ على الانتظام الداخلي».

وأعلنت هيئة الانتخابات الوطنية أنّها سلّمت الاثنين محاضر فرز الأصوات في مراكز الاقتراع كاملة إلى المحكمة العليا.

ونشر في هذه المحاضر مطلب رئيسي للمعارضة وللدول التي تشكّك بفوز مادورو في الانتخابات.

ولم تقدّم السلطات الانتخابية حتى الآن تفاصيل حول الانتخابات في كلّ مركز اقتراع، بحجة أنها ضحية عملية قرصنة إلكترونية. وترى المعارضة في ذلك مناورة لتجنّب الكشف عن النتائج الحقيقية.

والجمعة، صادق المجلس الوطني الانتخابي على فوز مادورو بنسبة 52 في المائة من الأصوات مقابل 43 في المائة لصالح إدموندو غونزاليس أوروتيا.

لكنّ المعارضة طعنت بهذه النتائج، مؤكّدة أنّ مرشّحها فاز بنسبة 67 في المائة من الأصوات.

مؤيدو الرئيس نيكولاس مادورو يتظاهرون تأييداً له بكراكاس الاثنين (أ.ف.ب)

«محكمة راكعة»

ترى المعارضة، كما عدد كبير من المحللين أن المجلس الوطني الانتخابي والمحكمة العليا يخضعان لأوامر السلطة.

ويشير محامي المعارضة بيركينز روتشا إلى أن مادورو «يعترف ضمناً بأنه لا أحد يؤمن بإعلان (المجلس الوطني الانتخابي) لدرجة أنه يطلب تدخّل سلطة أخرى للتصديق على فوزه». ويضيف: «يعلم السيد مادورو أنه يستطيع الاعتماد على محكمة عليا راكعة أمامه».

مساء الاثنين، أعلنت رئيسة المحكمة العليا، كاريسليا بياتريز رودريغيز، تسلمها المحاضر، مشيرة إلى أن المحكمة لديها «15 يوماً قابلة للتمديد» لدراسة المحاضر.

واستدعت مرشحين ومسؤولين لجلسات استماع، بينهم غونزاليس أوروتيا الأربعاء والرئيس مادورو الجمعة.

وفي باريس، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه ونظيره البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا يدعمان «تطلعات الشعب الفنزويلي لإجراء انتخابات شفافة».

مؤيدو الرئيس نيكولاس مادورو يتظاهرون تأييداً له بكراكاس الاثنين (أ.ف.ب)

ودعت واشنطن على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر «الأطراف الفنزويلية إلى بدء نقاش حول انتقال سلمي ومحترم للسلطة»، وكذلك إلى «الشفافية ونشر النتائج المفصّلة».

ورداً على التصريحات الأميركية، اعتبرت وزارة الخارجية الفنزويلية أنه «من الواضح أن الولايات المتحدة تقود محاولة الانقلاب وتتجاهل الإرادة الديمقراطية للشعب الفنزويلي».

وسار الآلاف من أنصار مادورو، الاثنين، كما هو الحال كل يوم تقريباً منذ الانتخابات، في وسط كاراكاس للتعبير عن دعمهم له.

وقال مادورو «إما أنكم مع العنف أو مع السلام. إما مع الفاشيين أو مع الوطن. إما مع الإمبريالية أو مع فنزويلا».

ودعا خلال التجمّع كذلك إلى مقاطعة تطبيق «واتساب»، قائلاً: «قولوا لا لـ(واتساب)! (...) من خلال (واتساب)، يهددون الجيش الفنزويلي والشرطة وقادة الشارع والمجتمع».