الاتحاد الأوروبي ينضم للدول الرافضة الاعتراف بفوز مادورو

بابا الفاتيكان يدعو فنزويلا إلى «البحث عن الحقيقة»

جانب من المظاهرات الاحتجاجية ضد نتائج الانتخابات الرئاسية الفنزويلية الأخيرة في كاراكاس (أ.ف.ب)
جانب من المظاهرات الاحتجاجية ضد نتائج الانتخابات الرئاسية الفنزويلية الأخيرة في كاراكاس (أ.ف.ب)
TT

الاتحاد الأوروبي ينضم للدول الرافضة الاعتراف بفوز مادورو

جانب من المظاهرات الاحتجاجية ضد نتائج الانتخابات الرئاسية الفنزويلية الأخيرة في كاراكاس (أ.ف.ب)
جانب من المظاهرات الاحتجاجية ضد نتائج الانتخابات الرئاسية الفنزويلية الأخيرة في كاراكاس (أ.ف.ب)

صعّد الاتحاد الأوروبي الضغوط الدولية على الرئيس الفنزويلي، إذ انضمّ إلى واشنطن ودول في أميركا اللاتينية ترفض الاعتراف بالفوز الذي ادّعاه نيكولاس مادورو في الانتخابات الأخيرة التي اتّسمت بمزاعم حول حصول عمليّات تزوير.

وقال مجلس الاتحاد الأوروبي في بيان إن النتائج التي نشرها المجلس الوطني الانتخابي الفنزويلي في 2 أغسطس (آب) «لا يمكن الاعتراف بها». وأضاف البيان أن «أي محاولة لتأخير النشر الكامل لسجلات التصويت الرسمية لن تؤدي إلا إلى إلقاء مزيد من الشكوك» على صدقية الانتخابات.

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يقدم إلى البابا فرنسيس تمثالًا صغيرًا للدكتور خوسيه غريغوريو هيرنانديز، وهو شخصية شعبية بين الفنزويليين، في الفاتيكان في 17 يونيو (أرشيفية - أ.ب)

من جهته، دعا بابا الفاتيكان فرنسيس، الأحد، فنزويلا إلى «البحث عن الحقيقة»، مصعّداً الضغوط الدولية على مادورو بعد إعادة انتخابه المتنازع عليها، فيما رحبت المعارضة بطلب 7 دول أوروبية نشر «كل» سجلات التصويت. وتأتي دعوة البابا فيما يطالب عدد من الدول كاراكاس بنشر سجلات كل مركز من مراكز الاقتراع في انتخابات 28 يوليو (تموز) التي أعلنت المعارضة فوزها فيها.

وخلّفت الاضطرابات التي أعقبت إعلان فوز مادورو 13 قتيلاً (11 مدنياً و2 من أفراد قوات الأمن)، بينما اعتُقل أكثر من ألفي شخص، وفق منظمات معنية بحقوق الإنسان.

وأطلق البابا الأرجنتيني (87 عاماً) الذي كان يخاطب حشوداً في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان: «نداءً صادقاً إلى جميع الأطراف للبحث عن الحقيقة وتجنب أي نوع من العنف»، قائلاً إن فنزويلا تمر «بوضع حرج». كما دعا البابا البلاد إلى «تسوية الخلافات عبر الحوار ومراعاة المصالح الحقيقية للشعب، لا مصالح الأحزاب».

وصادق المجلس الوطني الانتخابي، الجمعة، على فوز مادورو بنسبة 52 في المائة من الأصوات مقابل 43 في المائة لإدموندو غونزاليس أوروتيا، الذي حلّ محل زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، بعد إعلان السلطات عدم أهليتها.

ولم يقدم المجلس الوطني للانتخابات الذي تتهمه المعارضة بالتبعية للحكومة، تفاصيل عمليات التصويت في كل مركز اقتراع على حدة، مدَّعياً وقوعه ضحية قرصنة حاسوبية.

«التحقق من السجلات»

وتعتقد المعارضة أن هذه مناورة لتجنب الكشف عن النتائج الحقيقية، وقد نشرت على موقع إلكتروني سجلات كل مراكز الاقتراع. وفقاً لهذه الوثائق التي رفض مادورو صحتها، فاز غونزاليس أوروتيا في الانتخابات بنسبة 67 في المائة من الأصوات.

وشكرت ماتشادو، الأحد، الدول الأوروبية السبع التي طلبت من فنزويلا في إعلان مشترك «نشر كل سجلات» مراكز الاقتراع سريعاً، مرحبةً بالتزام هذه الدول بـ«الديمقراطية». وقالت ماتشادو: «نحن نؤيد طلب التحقق من السجلات التي قدمناها، في أقرب وقت ممكن، على المستوى الدولي والمستقل». وتابعت: «نحن نقدِّر أيضاً الدعوة إلى وضع حد للاضطهاد والقمع الذي مورس في الساعات الأخيرة بقسوة ضد أبرياء يطالبون ببساطة باحترام السيادة الشعبية التي مارسوها يوم الأحد».

وتعتقد الولايات المتحدة التي تُبقي على عقوباتها ضد فنزويلاً، أن هناك «أدلة دامغة» على فوز غونزاليس أوروتيا. أما روسيا والصين، الحليفتان التقليديتان لكاراكاس، فتدعمان مادورو. وتُبدي دول مثل البرازيل وكولومبيا والمكسيك حذراً أكبر، وتُشدِّد على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة.

نتائج «لا يمكن الاعتراف بها»

وشدّد الاتحاد الأوروبي (الأحد) على أن نتائج الانتخابات الرئاسية في فنزويلا التي أُعلن رسمياً بموجبها فوز الرئيس نيكولاس مادورو بولاية ثالثة، «لا يمكن الاعتراف بها». وقال مجلس الاتحاد الأوروبي في بيان إن «المجلس الوطني للانتخابات في فنزويلا لم ينشر بعد السجلات الرسمية لمراكز الاقتراع، على الرغم من تعهده بذلك. نظراً لغياب أدلة داعمة، فإن النتائج التي نشرها المجلس الوطني للانتخابات في الثاني من أغسطس لا يمكن الاعتراف بها». وتابع البيان: «يطلب الاتحاد الأوروبي أن تُجري جهة مستقلة، وإذا أمكن هيئة ذات سمعة دولية، تحقيقاً جديداً في السجلات الانتخابية».

ودعا الاتحاد الأوروبي أيضاً الحكومة الفنزويلية إلى «وضع حد للاعتقالات التعسفية والقمع والخطاب العنيف ضد أعضاء المعارضة والمجتمع المدني، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين». وفي حديثه أمام آلاف من أنصاره مساء السبت، حذَّر مادورو من أنه لن يسمح للمعارضة بـ«اغتصاب الرئاسة مرة أخرى».

وكان ذلك تذكيراً منه بأن جزءاً من المجتمع الدولي اعترف بزعيم المعارضة خوان غوايدو «رئيساً» موقتاً عام 2019. وذلك بعد إعادة انتخاب مادورو المثيرة للجدل عام 2018، وهو اعتراف كان مصيره الفشل. كما اعترف حالياً عدد من الدول بغونزاليس أوروتيا «رئيساً منتخباً».

وأكد مادورو في خطابه الحازم اللهجة أن «دوريات الجيش والشرطة متواصلة في كل أنحاء فنزويلا لحماية الشعب». وهنَّأ مادورو، الأحد، الحرس الوطني البوليفاري، الهيئة العسكرية المسؤولة عن النظام العام، على «سلوكه المثالي» خلال المظاهرات ضد إعادة انتخابه المتنازع عليها والتي خلَّفت ما لا يقل عن 13 قتيلاً.

وقال مادورو في حفل بمناسبة الذكرى السابعة والثمانين لتأسيس القوات المسلحة: «أود أن أهنئ هذا الحرس الوطني المحترف والإنساني والقوي (...) لأنكم كنتم وما زلتم العمود الفقري للسلام وحماية الشعب والطمأنينة والأمن». وأضاف: «إننا نواجه في شوارع فنزويلا انقلاباً (...)، انقلاباً إمبريالياً وكميناً إمبريالياً».

وأحصت منظمات غير حكومية معنية بحقوق الإنسان 11 قتيلاً مدنياً على الأقل. وذكر مادورو من جهته أن اثنين من أعضاء الحرس الوطني قُتِلا.

وقال مادورو، الأحد، إنهما «قُتلا في كمائن نصبها مجرمون، مجرمون مأجورون تم إعدادهم وتدريبهم لهذا الانقلاب». وشدد على أن «الفاشية في فنزويلا لن تستولي على السلطة. أنا جاهز لأي شيء». أما ماتشادو التي قالت (الخميس) إنها تعيش «مختبئة» و«تخشى على حياتها»، فقد وعدت (السبت) في تجمع حاشد في العاصمة، بمواصلة النضال، قائلة: «لن نغادر الشوارع».



المشهد الانقسامي في فنزويلا يتعمّق... فأين سيقف الجيش؟

زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو والمرشح الرئاسي إدموندو غونزاليس أوروتيا يحييان مناصرين خلال تظاهرة في كاراكاس (أ.ف.ب)
زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو والمرشح الرئاسي إدموندو غونزاليس أوروتيا يحييان مناصرين خلال تظاهرة في كاراكاس (أ.ف.ب)
TT

المشهد الانقسامي في فنزويلا يتعمّق... فأين سيقف الجيش؟

زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو والمرشح الرئاسي إدموندو غونزاليس أوروتيا يحييان مناصرين خلال تظاهرة في كاراكاس (أ.ف.ب)
زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو والمرشح الرئاسي إدموندو غونزاليس أوروتيا يحييان مناصرين خلال تظاهرة في كاراكاس (أ.ف.ب)

قبل خمس سنوات وستة أشهر: «ها هي فنزويلا تسقط في دوّامة لعبة الاستقطاب العالمي، بين من لا يستطيعون أن يقدّموا لرئيسها المطعون بشرعيته سوى الدعم الكلامي...، وخصوم له يحاصرونه سياسياً ويعترفون بزعيم المعارضة... رئيساً».

كان الرئيس «المنتخب» يومذاك نيكولاس مادورو والرئيس «الآخر» رئيس البرلمان خوان غوايدو، وقد اندلعت أزمة سياسية واقتصادية حادة هددت بانزلاق الدولة النفطية نحو حرب أهلية لولا دعم الجيش لمادورو الذي بقي في منصبه فيما كان الملايين من الفنزويليين يخرجون من البلاد إلى كولومبيا المجاورة وسواها هرباً من التدهور الدراماتيكي لمستوى معيشتهم بعد انهيار عملتهم البوليفار.

اليوم يتكرر المشهد إلى حد كبير: مادورو رئيس منتخب وإدموندو غونزاليس أوروتيا رئيس تعترف به دول أخرى تعتبر أن السلطات زوّرت نتائج الانتخابات. وفي واجهة المشهد أيضاً زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو التي تملك شعبية وتأثيراً كبيرين في البلاد.

الواقع أن فنزويلا تعرف انقساماً منذ انتخاب الزعيم اليساري هوغو شافيز أواخر القرن العشرين، بين المواطنين من الطبقة المتوسطة وما فوق الذين عارضوا الرئيسين تشافيز (توفي عام 2013) وخليفته نيكولاس مادورو، وبين الطبقة الفقيرة التي ناصرت الزعيمين الشعبويين. أما اليوم فيبدو أن المشهد السياسي تغير، بمعنى أن أكثرية المواطنين تعارض السلطة. فقد تظاهر سكان الأحياء الفقيرة المحيطة بالعاصمة كاراكاس بالتكافل والتضامن مع سكان المدينة الأكثر ثراءً، وواجهوا معاً قوات الأمن التي استعملت معهم القمع العنيف.

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (أ.ب)

قال نيكولاس مادورو من قصر «ميرافلوريس» في كاراكاس، إنه لن يسمح باندلاع حرب أهلية، واتّهم «يداً أجنبية» باستهداف الاقتصاد والوقوف وراء الاحتجاجات الأخيرة، وتعهد عدم السماح للبلاد بالسقوط في أيدي «الإمبريالية والفاشية والمجرمين». وجزم بأنه لن يكون هناك تسامح مع المتظاهرين الذين يرتكبون أعمال عنف مؤكداً أنه يعرف من يحرّضهم ويموّلهم.

وأضاف في تلميح واضح إلى الولايات المتحدة: « إذا أرادت الإمبراطورية المضي قدماً في مخططها الإجرامي، فإننا سندافع عن وطننا حتى النهاية (...). سنحمي كل شعبنا. ومهما فعلنا، فإننا نفعل ذلك لحماية عمالنا وموظفينا وتجارنا وشعبنا».

إذا كان من المتوقع أن يلوم مادورو واشنطن ويحمّلها مسؤولية الأزمة الطويلة، ويشبّه ما حصل في فنزويلا بالحصار الأميركي الطويل لكوبا، فإن المؤكد أن الانقسامات والاضطرابات التي تمخضت عنها الانتخابات الرئاسية تضرب الاستقرار وتقوّض الجهود لإنهاض الاقتصاد المنهك. والمؤكد ايضاً أن سبحة الدول التي ستعترف بإدموندو غونزاليس أوروتيا رئيساً ستكرّ بعد أن بدأت ذلك الولايات المتحدة. وبالتالي سيكون لفنزويلا مجدداً «رئيسان» وتتجدد الأزمة التي لم تؤدِّ في المرة الأولى إلى سقوط مادورو و«التشافيزية»، فيما انتهى مع مرور الوقت دور خوان غوايدو بعدما تخلت عنه واشنطن.

فهل يسقط نيكولاس مادورو هذه المرة بناءً على تغيّر المعطيات والديناميكيات داخل المجتمع الفنزويلي واتحاد القوى المعارضة في جبهة واحدة؟

الجيش ثم الجيش

لا بد من أن تتجه الأنظار إلى المؤسسة العسكرية الفنزويلية التي تضطلع بدور حاسم في مختلف مناحي الحياة في الدولة. فبعد سنوات من التلقين العقائدي الذي بدأ في عهد هوغو تشافيز (ترأس البلاد بين 1999 و2013) والنفوذ السياسي والاقتصادي المتزايد، أصبح الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى جزءاً راسخاً من الدولة العميقة. ويتولى جنرالات العديد من الوزارات ويديرون شركة النفط الوطنية، ولا توجد أي مصالح وأعمال لا تتمتع فيها الأجهزة الأمنية بنفوذ كبير ودور مؤثر.

زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو والمرشح الرئاسي إدموندو غونزاليس في لقاء شعبي حاشد بعد الانتخابات في كاراكاس (أ.ف.ب)

بالتالي، كان الجيش في السنوات الأخيرة داعماً أساسياً للسلطة السياسية، وعقبة كأداء في وجه التغيير. وبناء على ذلك، قال مادورو إن القوات المسلحة «الثورية» تدعمه «لأننا نجسّد اتحاداً مدنياً – عسكرياً – أمنياً مثاليّاً».

في المقابل، لم تبقَ المعارضة مكتوفة الأيدي، فقد تعهدت ماريا كورينا ماتشادو، زعيمة المعارضة التي مُنعت من خوض السباق الانتخابي بعد فوزها الساحق في الانتخابات التمهيدية في تشرين الأول (أكتوبر) بزعم أنها «دعمت العقوبات الأميركية، وكانت متورطة في فساد»، بجعل المؤسسة العسكرية أكثر احترافية وأفضل تجهيزاً من غير أن تنسى إغراء العسكريين برواتب أعلى. وقالت في شريط فيديو طويل توجهت به إلى العسكريين: «سنعمل لإعادة المؤسسات إلى مسارها الصحيح... لا تخذلونا. لن نخذلكم».

ولا شك في أن هذا الكلام يرمي إلى جذب المؤسسات العسكرية وإقناعها بأن التغيير السياسي سيكون مفيداً لها. وربما وجدت المعارضة مؤشرات إيجابية في قول وزير الدفاع فلاديمير بادرينو لوبيز قُبيل الانتخابات: «أياً يكن الفائز فليبدأ مشروعه للحكم، ومن لم يفز فليذهب ليستريح».

إلا أن هذا الكلام لا يعني ابتعاداً حتمياً للمؤسسة العسكرية عن مادورو، فلعبة المصالح كبيرة والأوراق لم تُكشف كلها بعد. ويجب ألا ننسى البعد الخارجي، فمقابل العداء الأميركي لمادورو، هناك دعم روسي وصيني له.

يبقى أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة في رسم المستقبل، مع التسليم بأن المؤشرات تبدو سلبية وتشي بأن البلاد ستنقسم على نفسها بحدّة غير مسبوقة، وهنا يبرز دور الجيش أكثر فأكثر، فهل سيبقى سنداً لمادورو حفاظاً على مصالحه، أم سيبتعد عن سفينة يرى كثيرون أنها ستغرق حتماً؟