«القوة الهادئة» ترأس المكسيك

تحديات أمام كلاوديا شاينباوم أبرزها العنف الإجرامي والحفاظ على شعار «الفقراء أولاً»

كلاوديا شاينباوم تحتفل مع أنصارها بعد إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية في مكسيكو سيتي... الاثنين (أ.ف.ب)
كلاوديا شاينباوم تحتفل مع أنصارها بعد إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية في مكسيكو سيتي... الاثنين (أ.ف.ب)
TT

«القوة الهادئة» ترأس المكسيك

كلاوديا شاينباوم تحتفل مع أنصارها بعد إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية في مكسيكو سيتي... الاثنين (أ.ف.ب)
كلاوديا شاينباوم تحتفل مع أنصارها بعد إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية في مكسيكو سيتي... الاثنين (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ استقلالها عن التاج الإسباني عام 1821، اختارت المكسيك امرأة رئيسةً للجمهورية في انتخابات تميّزت بدموية غير مسبوقة سقط خلالها 37 مرشحاً برصاص منظمات المخدرات الإجرامية، التي يشكّل عنفها التحدي الأكبر أمام الرئيسة الجديدة كلاوديا شاينباوم باردو، التي حازت 60 في المائة من الأصوات مقابل 28 في المائة لمنافستها، سوتشيتل غالفيز، مرشحة تحالف الأحزاب المعارضة المحافظة، فيما حلّ المرشّح المستقل خورخي آلفاريز في المرتبة الثالثة بنسبة 11.5 في المائة من الأصوات.

وقد ضربت نسبة المشاركة في الانتخابات رقماً قياسياً، إذ زادت على 62 في المائة. فيما أكد المعهد الانتخابي الوطني أن شاينباوم حازت أكبر نسبة من التأييد في تاريخ الانتخابات المكسيكية، فضلاً عن نيل الحزب اليساري الحاكم، الذي كانت مرشحته، على الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، وفوز مرشحه لرئاسة بلدية العاصمة مكسيكو.

كلاوديا شاينباوم تلقي كلمة بعد إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية في مكسيكو سيتي... الاثنين (رويترز)

وتتجاوز النسبة التي حصلت عليها شاينباوم تلك التي فاز بها الرئيس الحالي مانويل لوبيز أوبرادور، عندما نال 53 في المائة من الأصوات عام 2018، مما يعد إنجازاً كبيراً بالنسبة إلى مرشحة لا تتحلّى بالكاريزما السياسية مقارنةً بالرئيس الحالي الذي كان لرصيده الشعبي الواسع كبير الأثر في فوزها، خصوصاً في بلد موصوف بنزعته «الذكورية» ومشكوك في استعداده لوصول امرأة إلى سدة الرئاسة.

وبعد أن تلقّت شاينباوم التهنئة من منافسيها، قالت إنها ستحرص على أن تكون رئيسة لكل المواطنين. وبعد أن وصفت فوزها بالتاريخي، أكدت أنها ستستمر في الدفاع عن سياساتها من موقع الرئاسة، وبالخروج إلى الشارع إذا لزم الأمر، مما يوحي بأنها عازمة على الاقتداء بالأسلوب الشعبوي، الذي وسم ولاية عرّابها الرئيس الحالي. وفي أول تصريح لها بعد إعلان الفوز قالت: «أقرّ المكسيكيون بنتائج الانتخابات، وأيَّدوا بأغلبية ساحقة مشروعنا السياسي. وأظهرت المكسيك أنها دولة ديمقراطية تؤمن بسلمية العملية الانتخابية، وبضرورة مضافرة الجهود لبناء دولة أكثر رفاهاً وإنصافاً».

سوتشيتل غالفيز خلال مؤتمر صحافي بعد إقرارها بفوز كلاوديا شاينباوم بالانتخابات الرئاسية في مكسيكو سيتي... الاثنين (إ.ب.أ)

العبرة السياسية الأولى التي يمكن استخلاصها من هذه الانتخابات، هي أن المشروع السياسي الذي أسسه مانويل لوبيز أوبرادور، حول شخصيته، وعلى مقاس أسلوبه ومزاجه، والذي كانت تدور تساؤلات حول استمراريته، قد أصبح راسخاً في المشهد السياسي المكسيكي ومؤهلاً لقيادته فترة طويلة.

أما العبرة الثانية، فهي أن الحزب الثوري المؤسسي، الذي كان لعقود بمثابة الحزب الوحيد وهيمن على المكسيك طيلة عقود، قد دخل مرحلة الانهيار الأخيرة بعد هزيمتين متعاقبتين في الانتخابات الرئاسية والاشتراعية، وليس معروفاً بعد مَن سيملأ الفراغ الكبير الذي تركه.

سيرة شاينباوم

تتحدّر شاينباوم من أسرة يهودية هاجرت من أوروبا الشرقية إلى المكسيك، وهي بدأت مسيرتها السياسية ناشطةً يساريةً في الحركات الطلابية واستمرت حتى مع دراستها في الجامعة، حيث نالت شهادة الدكتوراه في العلوم الفيزيائية، ثم التحقت بعدد من المنظمات غير الحكومية قبل أن تصبح عضواً في الهيئة الاستشارية التي شكَّلتها الأمم المتحدة حول التغيّر المناخي.

بعد ذلك انتقلت إلى الإدارة العامة عندما رشّحها الحزب الحاكم لرئاسة بلدية العاصمة، التي فازت بها وكانت أول امرأة أيضاً تتولى هذا المنصب، الذي استقالت منه عندما اختارها لوبيز أوبرادور لتكون خليفته في قيادة الحزب والترشح لرئاسة الجمهورية.

حشد كبير بساحة زوكالو في مكسيكو سيتي للاحتفال بفوز كلاوديا شاينباوم بالانتخابات الرئاسية... الاثنين (أ.ب)

ولا شك في أن شاينباوم، التي أطلق عليها معاونوها في رئاسة بلدية العاصمة لقب «القوة الهادئة»، قد استفادت من شعبية أوبرادور والإنجازات الاجتماعية التي حققها خلال ولايته، التي كان شعارها «الفقراء أولاً»، حيث تمكنت ملايين الأسر من تحسين ظروف معيشتها في السنوات الست المنصرمة بفضل الزيادات المتكررة في الأجور والمعاشات التقاعدية، والمنح الدراسية للطلاب من العائلات الفقيرة، والمعونات للمعاقين، ووضع حد أدنى للأجور كان يرتفع بنسبة سنوية متوسطها 20 في المائة.

ومن المرجح أن هذا التحسّن الملموس في الظروف المعيشية لغالب السكان، مشفوعاً ببحبوحة اقتصادية، جعل المكسيك تتقدم على الصين بوصفها أول مُصدّر إلى الولايات المتحدة، فيما كانت تحطّم أرقام الاستثمارات الخارجية المباشرة التي بلغت هذا العام 36 مليار دولار، وكان أعمق تأثيراً في الناخبين من القلق الناجم عن أعمال العنف التي تودي بما لا يقلّ عن 30 ألف قتيل كل عام منذ سنوات، والتي ستبقى محكّاً رئيسياً يقاس به نجاح الرئيسة الجديدة.


مقالات ذات صلة

المستشار الألماني «منفتح» على مناقشة موعد تنظيم انتخابات مبكرة

أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ب)

المستشار الألماني «منفتح» على مناقشة موعد تنظيم انتخابات مبكرة

صرّح المستشار الألماني أنه منفتح على مناقشة موعد تنظيم انتخابات مبكرة، في وقت يواجه ضغوطات لتسريع المسار الآيل إلى استحقاق انتخابي بعد انهيار ائتلافه الحكومي.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ المرشح الرئاسي الجمهوري آنذاك دونالد ترمب يلوح بيده خلال فعالية انتخابية بساحة دورتون في رالي بولاية نورث كارولينا  - الولايات المتحدة الأميركية 4 نوفمبر 2024 (رويترز)

6 أسباب أدت إلى فوز ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية

أشار تحليل لـ«وكالة الأنباء الألمانية» أن العامل الشخصي والمال والتبعيات والخوف وأسباباً إضافية أخرى، قادت إلى فوز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ كامالا هاريس (أ.ب)

الولاء لبايدن أم كثرة انتقاد ترمب... لماذا خسرت هاريس الانتخابات؟

تساءل الكثير من المواطنين الديمقراطيين عن أسباب الهزيمة الساحقة لهاريس في سباق بدا للجميع أنه متقارب بشكل كبير.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ أضاف ماسك وحده 26.5 مليار دولار إلى ثروته (أ.ب)

مكاسب قياسية لأغنى 10 أشخاص في العالم بسبب فوز ترمب

ارتفعت ثروات أغنى 10 أشخاص في العالم بشكل قياسي مع فوز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، أمس (الأربعاء).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس المنتخب دونالد ترمب أثناء توجيه شكره لسوزي وايلز (رويترز) play-circle 02:04

سوزي وايلز «الطفلة الجليدية»... من تكون مستشارة ترمب المفضلة؟

حرص الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، أثناء إعلان فوزه بالانتخابات على تقديم الشكر لمستشارته التي تولت تنظيم حملته الانتخابية سوزي وايلز.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

رئيس كوبا يحذّر من «الإخلال بالنظام» في ظل انقطاع الكهرباء

رجل ينظر إلى هاتفه المحمول في الشارع أثناء انقطاع التيار الكهربائي في هافانا (أ.ب)
رجل ينظر إلى هاتفه المحمول في الشارع أثناء انقطاع التيار الكهربائي في هافانا (أ.ب)
TT

رئيس كوبا يحذّر من «الإخلال بالنظام» في ظل انقطاع الكهرباء

رجل ينظر إلى هاتفه المحمول في الشارع أثناء انقطاع التيار الكهربائي في هافانا (أ.ب)
رجل ينظر إلى هاتفه المحمول في الشارع أثناء انقطاع التيار الكهربائي في هافانا (أ.ب)

حذر الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، اليوم (الاثنين)، من أنّ حكومته لن تتساهل مع أي إخلال بالنظام العام في الجزيرة التي تشهد منذ أيام انقطاعاً شبه تام للتيار الكهربائي، وضربتها اعتباراً من أمس العاصفة الاستوائية «أوسكار»، وفق ما أوردته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وفي ظل أسوأ أزمة تواجهها كوبا خلال ثلاثين عاماً، قال دياز كانيل الذي كان يرتدي الزي العسكري خلال لقاء بثّه التلفزيون الرسمي، إن الأهالي خرجوا، أول من أمس، لمحاولة «الإخلال بالنظام العام».

وأكد أن كل الضالعين في الاضطرابات سيحاكمون «بالصرامة التي تلحظها القوانين الثورية»، مشيراً إلى أن العديد من هؤلاء كانوا يتصرّفون «بناء على توجيهات مشغّلي الثورة المضادة الكوبية من الخارج».

منذ ثلاثة أشهر، يعاني الكوبيون انقطاعاً متكرراً ومتزايداً للتيار الكهربائي. والخميس، وصل العجز الوطني في الطاقة إلى 50 في المائة بعدما كان نحو 30 في المائة، ما زاد من سخط السكان.

وفي الأسابيع الأخيرة، استمرّ انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من عشرين ساعة في اليوم في العديد من المناطق، وصولاً إلى انقطاعه بشكل شبه كامل في جميع أنحاء البلاد الجمعة.

ضجيج ونفايات

أفاد شهود للوكالة، مساء أمس، بأنّ سكاناً خرجوا إلى الشوارع في هافانا للتعبير عن غضبهم.

وقالت امرأة تسكن منطقة سانتو سواريز إنّ «هناك أشخاصاً في الشارع يصدرون ضجيجاً بالأواني والمقالي ويصرخون: أعيدوا الكهرباء».

وأفاد مصور الوكالة بإقامة حواجز على الطرقات من خلال مستوعبات النفايات في منطقة سنترو.

حاجز من القمامة خلال الليلة الثالثة من انقطاع التيار الكهربائي على مستوى البلاد في هافانا (أ.ف.ب)

وكان انقطاع التيار الكهربائي أحد أسباب الاحتجاجات غير المسبوقة المناهضة للحكومة في 11 يوليو (تموز) 2021. وفي سبتمبر (أيلول) 2022، شهدت الجزيرة انقطاعاً شاملاً للتيار بعد مرور الإعصار إيان الذي ضرب الجزء الغربي منها.

والأحد، ضرب الإعصار أوسكار شرق كوبا في الساعة 17:50 (21:50 ت غ) كعاصفة من الدرجة الأولى، قبل أن يضعف ويتحوّل إلى عاصفة استوائية، وفق المركز الوطني الأميركي للأعاصير.

وبالنسبة إلى سكان الجزيرة البالغ عددهم نحو 10 ملايين نسمة، تضيف هذه العاصفة مشكلة إضافية إلى معاناتهم اليومية من انقطاع الكهرباء ونقص الغذاء والدواء والتضخم المتسارع.

وبحلول الساعة 23:00 بالتوقيت المحلي، كانت العاصفة مصحوبة برياح قوية بلغت سرعتها نحو 110 كيلومترات في الساعة، ومن المتوقع أن تستمر في التحرك عبر شرق كوبا اليوم.

وفي باراكوا، ضربت أمواج يصل ارتفاعها إلى أربعة أمتار الواجهة البحرية، بينما أفادت القناة التلفزيونية الرسمية بأنّ أسقف وجدران المنازل تضرّرت، كما سقطت أعمدة الكهرباء والأشجار.

عودة التيار الاثنين

وانقطع التيار الكهربائي بشكل شبه كامل عن البلاد الجمعة جراء توقف المحطة الحرارية الرئيسية الواقعة في ماتانزاس بغرب الجزيرة.

وتواجه كوبا صعوبات في شراء الوقود اللازم لتغذية المحطات الرئيسية، جراء تشديد الحصار الذي تفرضه واشنطن على الجزيرة منذ العام 1962.

وتتغذى الجزيرة بالكهرباء من ثماني محطات حرارية متهالكة ومعطّلة في بعض الأحيان أو تخضع للصيانة، بالإضافة إلى الكثير من محطات الطاقة العائمة التي تستأجرها الحكومة من شركات تركية، ومولّدات الكهرباء.

واستفاد مئات الآلاف من السكان من الكهرباء لبضع ساعات الأحد، قبل أن تُصاب الشبكة بالشلل التام مجدداً، وفقاً لشركة الكهرباء الوطنية.

مجموعة من السكان يمشون في أحد الشوارع أثناء انقطاع التيار الكهربائي في هافانا (أ.ب)

ولا تزال شوارع هافانا غارقة في الظلام، باستثناء أنوار الفنادق والمستشفيات وعدد من المطاعم أو الحانات الخاصة التي يمكن لأصحابها تشغيل مولّدات.

وقال وزير الطاقة والمناجم فيسينتي دي لا أو ليفي للصحافيين، أمس، إنّه ستتم استعادة التيار الكهربائي في معظم أنحاء البلاد بحلول مساء اليوم، مضيفاً أنّ «آخر عميل قد يحصل على الخدمة بحلول الثلاثاء».

أقرّ الرئيس الكوبي في خطابه بأنّ الوضع في شبكة الكهرباء لا يزال «معقداً» ويتسم بـ«عدم الاستقرار».

وكان دياز كانيل أعلن الخميس أن الجزيرة تشهد «حالة طوارئ» في مجال الطاقة.

وقال سيرغي كاستيو (68 عاماً) للوكالة بغضب: «الأمر خطير حقاً، لا توجد حياة هنا، وهذا البلد لا يستطيع تحمّل أكثر من ذلك»، مضيفاً: «منذ يومين، لم أتناول سوى وجبات خفيفة وبيتزا وغيرها من الوجبات السريعة».