الرئيس الأرجنتيني يبدأ مسيرته نحو «تفكيك الدولة»

حقق انتصاراً برلمانياً جزئياً باتجاه نقل الصلاحيات التشريعية وخصخصة المؤسسات العامة

مظاهرات عنيفة أمام البرلمان في بوينس آيرس السبت غداة تمرير حزمة مشاريع الإصلاح التي قدمها الرئيس ميلي (أ.ف.ب)
مظاهرات عنيفة أمام البرلمان في بوينس آيرس السبت غداة تمرير حزمة مشاريع الإصلاح التي قدمها الرئيس ميلي (أ.ف.ب)
TT

الرئيس الأرجنتيني يبدأ مسيرته نحو «تفكيك الدولة»

مظاهرات عنيفة أمام البرلمان في بوينس آيرس السبت غداة تمرير حزمة مشاريع الإصلاح التي قدمها الرئيس ميلي (أ.ف.ب)
مظاهرات عنيفة أمام البرلمان في بوينس آيرس السبت غداة تمرير حزمة مشاريع الإصلاح التي قدمها الرئيس ميلي (أ.ف.ب)

بعد 3 أيام من المناقشات العاصفة والاحتجاجات العنيفة التي جابت شوارع العاصمة بوينس آيرس، وتخللتها مواجهات قاسية مع الشرطة، تمكَّن الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي من تحقيق أول «انتصار» برلماني له، عندما وافق مجلس النواب على مشروع «تفكيك الدولة» الذي قدَّمته الحكومة اليمينية المتطرفة، بأغلبية 144 صوتاً مقابل 109 أصوات. واضطر ميلي إلى سحب نصف القوانين التي يتضمنها المشروع، البالغ عددها 664 قانوناً، لتأمين التأييد اللازم في البرلمان الذي تمسك فيه المعارضة والأحزاب المستقلة بالأغلبية.

لكن هذا الانتصار الجزئي يبقى مؤقتاً، في انتظار إقرار المشروع في مجلس الشيوخ ليصبح نافذاً، وحيث من المتوقَّع أن يواجه معارضة شديدة عند مناقشة قوانين تفويض الصلاحيات التشريعية وخصخصة المؤسسات العامة التي عاد «صندوق النقد الدولي» وأوصى بها منذ أيام، عندما أقرَّ منح الأرجنتين قرضاً استثنائياً بقيمة 5 مليارات دولار.

وكان ميلي قد صرّح بدوره قائلاً: «أزف الوقت لكي يقرر ممثلو الشعب إذا كانوا بجانب حرية المواطنين أو بجانب مزايا الطبقة السياسية»، بينما كان النقاش يدخل مرحلته النهائية في أطول جلسة شهدها البرلمان الأرجنتيني.

ويسيطر حزب «الحرية تتقدم» الذي يرأسه ميلي على 38 مقعداً فقط من أصل 257 في مجلس النواب، لكنه أقام تحالفاً حكومياً مع حزب الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري الذي يسيطر على 37 مقعداً. أما الأصوات الأخرى المؤيدة للمشروع، فقد حصل عليها من «الحزب الاجتماعي الديمقراطي»، وبعض القوى الإقليمية وعدد من النواب البيرونيين الذين انشقوا عن تحالف «الوحدة من أجل الوطن» الذي يسيطر على 99 مقعداً ويشكّل الكتلة الرئيسية المعارضة.

مفاوضات لإقرار نهائي للمشروع

وبعد الموافقة الأولية على المشروع الذي يحمل اسم «قانون القواعد ونقاط الانطلاق نحو الحرية»، بدأ المفاوضون سلسلة من المفاوضات المكثفة على جميع الجبهات لتأمين الدعم اللازم في «مجلس الشيوخ» وعدم الاضطرار إلى تقديم المزيد من التنازلات.

وكانت الحكومة قد تراجعت في الأيام الماضية عن العديد من الإصلاحات الضريبية التي كانت تقدَّمت بها، مثل زيادة الضرائب على الصادرات، وعلى الرواتب المرتفعة للموظفين والعمال، وتعديل النظام الحالي لتحيين رواتب المتقاعدين، التي كانت تتعارض مع الوعود التي أطلقها ميلي خلال حملته الانتخابية.

كما اضطر الرئيس اليميني المتطرِّف إلى التخلّي عن أحد مطالبه الرئيسية بالحصول من البرلمان على صلاحيات تشريعية استثنائية طوال فترة ولايته.

ومن القوانين الأكثر إثارة للجدل في المشروع الذي قدَّمه ميلي قانون خصخصة المؤسسات العامة الذي يواجه معارضة شعبية واسعة. واضطرت الحكومة إلى خفض عدد المؤسسات التي تقترح تخصيصها من 41 إلى 27. وتخلّت عن اقتراحها تخصيص شركة النفط الرسمية، واكتفت بطرح تخصيص جزئي لمعظم الشركات العامة الكبرى.

وتواجه الحكومة معارضة شديدة للموافقة على طلبها الحصول على صلاحيات تسمح لها بالاقتراض الخارجي وتشديد الإجراءات الأمنية من غير الرجوع إلى البرلمان، كما تطالب وزيرة الداخلية التي نافست ميلي في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وكان دعمها له حاسماً لفوزه في الجولة الثانية.

ومنذ وصوله إلى الحكم، يسعى ميلي إلى أن يكون مُطلَق اليد في طلب قروض خارجية، كالذي حصل عليه الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري في عام 2018 من «صندوق النقد الدولي» بقيمة 44 مليار دولار، وما زالت الأرجنتين إلى اليوم عاجزة عن تسديده.

وتشهد العاصمة الأرجنتينية منذ أيام سلسلة من الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي تقودها القوى السياسية والنقابية اليسارية، بعد الإضراب العام الذي شلّ الحركة في معظم أنحاء البلاد، منتصف الشهر الماضي. ومن المتوقَّع أن تتفاقم موجة الاحتجاجات، مطالع الشهر المقبل، مع بداية الفصل الدراسي، بعد العطلة الصيفية التي تشهد عادة انحساراً في الحراك النقابي.

40 % يعانون الفقر

وتفيد آخر البيانات الرسمية التي صدرت، نهاية العام الماضي، بأن 40 في المائة من السكان و60 في المائة من الأطفال يعانون من الفقر، وأن نسبة التضخم بلغت 211 في المائة، لتحتل المركز الأول عالمياً قبل فنزويلا، وهي مرشحة لمزيد من الارتفاع في الأشهر المقبلة، بعد سحب الدعم الرسمي عن المحروقات والطاقة والنقل وإزالة القيود عن قطاعات المواد الغذائية والأدوية والتعليم الخاص.

وفي حين تستعد القوى السياسية للمعركة التشريعية الحاسمة في «مجلس الشيوخ»، حذرّت المعارضة البيرونية من أن خطوة الحكومة بسحب بعض مقترحاتها من مشروع تفكيك الدولة ليست سوى مناورة من ميلي للحصول على «وقف لإطلاق النار»، وخدعة يسعى من خلالها للحصول على صلاحيات مطلقة.


مقالات ذات صلة

الدولار… صداع مزمن يقض مضاجع المصريين

شمال افريقيا مصريون يسيرون أمام مكتب صرافة في القاهرة (أ.ب)

الدولار… صداع مزمن يقض مضاجع المصريين

تنعكس أي زيادة في سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري بصورة مباشرة على زيادة أسعار السلع والخدمات، في ظل اعتماد مصر على مواد مستورَدة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)

«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

تجمع شراكة «قلقة» مصريين بصندوق النقد الدولي، وسط مخاوف عميقة من تبعات الالتزام بشروطه وتأثيرها في قدرتهم على تلبية احتياجاتهم اليومية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
الاقتصاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا چورچييفا والوفد المرافق (رئاسة الجمهورية)

مصر تؤكد تفهم «صندوق النقد» للتحديات الإقليمية والدولية التي تواجهها

تضغط مصر لإعادة النظر في شروط برنامج قرض اتفقت عليه البلاد مع صندوق النقد الدولي، استناداً لما تمر به المنطقة من توترات سياسية وأمنية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا والوفد المرافق (رئاسة الجمهورية)

مصر: المراجعة الرابعة لبرنامج صندوق النقد تبدأ الثلاثاء

قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، اليوم (الأحد)، إن المراجعة الرابعة لبرنامج صندوق النقد الدولي مع البلاد ستبدأ يوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد (أرشيفية - رويترز)

السيسي يدعو مديرة صندوق النقد إلى «مراعاة التحديات»

أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن تطلع بلاده لاستكمال التعاون مع صندوق النقد الدولي، والبناء على ما تَحقَّق «بهدف تعزيز استقرار الأوضاع الاقتصادية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مؤتمر «كوب 16» للتنوّع البيولوجي يقرر تشكيل هيئة دائمة للشعوب الأصلية

الجلسة الختامية لمؤتمر «كوب 16» في كالي الكولومبية (أ.ف.ب)
الجلسة الختامية لمؤتمر «كوب 16» في كالي الكولومبية (أ.ف.ب)
TT

مؤتمر «كوب 16» للتنوّع البيولوجي يقرر تشكيل هيئة دائمة للشعوب الأصلية

الجلسة الختامية لمؤتمر «كوب 16» في كالي الكولومبية (أ.ف.ب)
الجلسة الختامية لمؤتمر «كوب 16» في كالي الكولومبية (أ.ف.ب)

اتفقت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالتنوع البيولوجي (كوب 16) في كالي بكولومبيا على إجراء يقضي بتشكيل هيئة دائمة للشعوب الأصلية للتشاور بشأن قرارات المنظمة الدولية المعنية بالحفاظ على الطبيعة.

ويُعَدّ تشكيل هذه الهيئة الاستشارية اعترافاً بالدور الذي تضطلع به الشعوب الأصلية في الحفاظ على الطبيعة على مستوى العالم، بما في ذلك بعض أكثر المناطق تنوعا بيولوجيا في كوكب الأرض، وفقا للمدافعين عن السكان الأصليين والبيئة.

وقد اجتمعت نحو 200 دولة في مدينة كالي بهدف تنفيذ اتفاقية «كونمينغ-مونتريال» الإطارية العالمية للتنوع البيولوجي لعام 2022، والتي تهدف إلى وقف التدهور السريع للطبيعة بحلول عام 2030.

وسوف تساعد الهيئة الاستشارية، التي ستمتد أيضا إلى المجتمعات المحلية، في دمج المعرفة والممارسات التقليدية في جهود الحفاظ على البيئة.

أعضاء في وفود تمثل شعوباً أصلية يحتفلون في كالي بعد قرار تشكيل هيئة دائمة للشعوب الأصلية (أ.ف.ب)

واتفقت الدول أيضاً، أمس الجمعة، على إجراء يعترف بدور الأشخاص من أصل أفريقي في رعاية الطبيعة والذي قالت كولومبيا إنه سيتيح لهذه المجتمعات الاستفادة من الموارد لتمويل مشاريع التنوع البيولوجي والمشاركة في المناقشات البيئية العالمية.

قوبل تبني هذا الإجراء بالهتافات والغناء من ناشطين، كما وجه وزير خارجية كولومبيا لويس جيلبرتو موريو الشكر قائلا إن هذا الإنجاز مهم خصوصاً لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

وأضاف موريو، وفق وكالة «رويترز»: «أراضينا، التي تضم جزءا كبيرا من الثروات الطبيعية للكوكب، موطن للمنحدرين من أصل أفريقي والشعوب الأصلية التي تعد ممارساتها المستدامة ضرورية لمواجهة التحديات البيئية التي نتقاسمها جميعا اليوم».

وأُعلن قبل أيام أن أرمينيا هي البلد المضيف للدورة المقبلة من المؤتمر (كوب 17) التي ستعقد عام 2026.