أميركا ثم إسرائيل... وجهة الرئيس الأرجنتيني الجديد الأولى والثانية

كشف الرئيس الأرجنتيني الجديد المنتخب خافيير ميلي، عن أنه سيقوم في الأيام القليلة المقبلة، أي قبل تسلمه مهامه في العاشر من الشهر المقبل، بزيارة إلى الولايات المتحدة، حيث سيلتقي عدداً من الحاخامات اليهود في نيويورك وميامي، ولم يفصح إذا كان سيعقد لقاءات مع الإدارة الأميركية. وقال ميلي إن زيارته لها طابع «روحاني»، وتندرج في سياق زيارات مماثلة قام بها في السابق، حيث كان يجتمع بالزعماء الروحيين اليهود ويتابع تعاليمهم.

ميلي يُحيَّي مناصريه عقب إعلان النتائج التي أظهرت فوزه في الانتخابات الرئاسية (أ.ف.ب)

وقد أدلى ميلي بهذه التصريحات خلال مقابلة إذاعية فجر الثلاثاء، أكّد خلالها أنه سيتوجه بعد ذلك من نيويورك إلى إسرائيل التي كان وعد خلال حملته الانتخابية بأنه في حال فوزه سيكون أول قرار يتخذه على صعيد العلاقات الخارجية هو نقل سفارة القدس لديها من تل أبيب إلى القدس.

وقال ميلي إنه سيركّز سياسته الخارجية على ما أسماه «المحور الأميركي - الإسرائيلي»، وإنه لن يتفاوض مع الأنظمة الشيوعية مثل البرازيل والصين. وكانت ترددت أنباء في محيط الرئيس الجديد مفادها أنه يعتزم قطع العلاقات مع بكين؛ ما استدعى تنبيهاً من الخارجية الصينية بأن الإقدام على مثل هذه الخطوة سيكون خطأً فادحاً يلحق الضرر بالأرجنتين.

ويذكر أن أوّل الذين سارعوا إلى تهنئة الرئيس المنتخب كان الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو الذي سبق له هو أيضاً أن زار إسرائيل بُعيد انتخابه، حيث أعلن نقل سفارة بلاده إلى القدس. وقال بولسونارو إنه سيحضر حفل تنصيب الرئيس الأرجنتيني الجديد أواسط الشهر المقبل في بوينس آيرس. ومن رسائل التهنئة اللافتة التي تلقاها ميلي تلك التي بعث بها رئيسان سابقان للمكسيك، هما فيسنتي فوكس وفيليبي كالديرون، حيث قال هذا الأخير: «أثبتت الأرجنتين إرادتها في صون النظام الديمقراطي، بعكس المكسيك التي تجنح إلى وأد هذا النظام».

عَلم إسرائيلي كبير خلال مسيرة لأنصار خافيير ميلي في قرطبة في 14 نوفمبر الحالي (رويترز)

وبينما توقعت الأوساط الدبلوماسية مرحلة من التوتر الشديد في العلاقات الإقليمية بوصول ميلي إلى الرئاسة، يسود القلق أيضاً في أوساط الاتحاد الأوروبي الذي اكتفى رئيسه شارل ميشال برسالة تهنئة متأخرة قال فيها: «قال الشعب الأرجنتيني كلمته في انتخابات حرة وديمقراطية».

ويقول مسؤولون أوروبيون: إن وصول ميلي إلى الرئاسة يطرح علامات استفهام كبيرة حول المفاوضات الجارية بين الاتحاد ومجموعة بلدان «ميركوسور» (الأرجنتين، والبرازيل، والباراغواي وأوروغواي)، وحول العلاقات مع مجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي بعد الانفراج الذي ساد عقب سقوط بولسونارو في الانتخابات البرازيلية الأخيرة. وترى الأحزاب اليمينية المتطرفة في فوز ميلي فرصة لعودة الموجة المحافظة التي قادها دونالد ترمب ثم جايير بولسونارو في السنوات الماضية.

في غضون ذلك، تعيش الأرجنتين حالة من الغليان الشعبي والقلق الذي يتملّك معظم القطاعات الاقتصادية من الخطوات التي قال ميلي: إنه سيقدِم عليها في حال انتخابه، مثل التعامل الرسمي بالدولار الأميركي وإلغاء المصرف المركزي وعدد من وزارات الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم. لكن بعد ساعات من إعلانه عزمه على خصخصة عدد من الشركات العامة الكبرى مؤكداً «أن كل ما يمكن وضعه بيد القطاع الخاص سيذهب إلى القطاع الخاص»، سجّلت أسعار أسهم الشركات الأرجنتينية في سوق المال الدولية ارتفاعات تجاوزت 30 في المائة، في الوقت الذي يخشى المراقبون أن تشهد الأرجنتين في الأشهر المقبلة حالة من الاضطرابات الشعبية والعمالية كرد فعل على القرارات التي وعد الرئيس الجديد باتخاذها حال تسلمه مهامه.

وزير الاقتصاد سرجيو ماسّا يتحدث وبجانبه زوجته ملينا غالماريني بعد إعلان النتائج وخسارته (أ.ف.ب)

ومما يزيد من تعقيدات المرحلة المقبلة، أن الرئيس المنتخب الذي فاز بفارق كبير على منافسه وزير الاقتصاد الحالي سرجيو ماسّا تجاوز ثلاثة ملايين صوت، وأن الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ ما زالت بيد الحركة البيرونية التي كانت مرمى جميع الاتهامات والتهديدات التي صدرت عن ميلي خلال الحملة الانتخابية، حيث توعّد بالقضاء وعلى الطبقة السياسية الحاكمة وإفنائها. وسيجد الرئيس الجديد نفسه مضطراً إلى التفاوض مع الكتل البرلمانية الأخرى عند الإقدام على كل خطوة من برنامجه، ولن يكون أمامه خيار آخر سوى اللجوء إلى الرئيس الأسبق الليبرالي ماوريسيو ماكري الذي يسيطر على كتلة وازنة في البرلمان؛ الأمر الذي قد يدفع ميلي إلى التراجع عن تنفيذ بعض وعوده الانتخابية الراديكالية أو تخفيفها. يضاف إلى ذلك أن حزب الرئيس الجديد «الحرية تتقدم» لم يحصل على أي منصب من حكّام الولايات التي ما زال معظمها في قبضة الحركة البيرونية.

ومن بين التحديات الكبرى التي تنتظر الرئيس الجديد احتواء الاحتجاجات المتوقعة في الأوساط العمالية التي حذّرت قياداتها من أنها لن تقبل بإلغاء الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل الصحة والتعليم، التي كان وعد ميلي بإلغائها ونبّه بأنه جاهز لمواجهة المحاولات لمنعه من تحقيق برنامجه عن طريق العنف.