الأرجنتين على خطى «أميركا ترمب»

اليميني المتطرف خافيير ميلي يفوز بالرئاسة... ومحطته الأولى أميركا ثم إسرائيل

خافيير ميلي وصديقته فاطمة فلوريس يحتفلان بالفوز مساء الأحد في بيونس آيرس (أ.ف.ب)
خافيير ميلي وصديقته فاطمة فلوريس يحتفلان بالفوز مساء الأحد في بيونس آيرس (أ.ف.ب)
TT

الأرجنتين على خطى «أميركا ترمب»

خافيير ميلي وصديقته فاطمة فلوريس يحتفلان بالفوز مساء الأحد في بيونس آيرس (أ.ف.ب)
خافيير ميلي وصديقته فاطمة فلوريس يحتفلان بالفوز مساء الأحد في بيونس آيرس (أ.ف.ب)

دخلت الأرجنتين، الأحد، في دائرة الأنظمة اليمينية المتطرفة، وقفزت نحو المجهول بعد الفوز الكاسح الذي حققه خافيير ميلي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بحصوله على 56 بالمائة من الأصوات، مقابل 44 بالمائة لمنافسه، وزير الاقتصاد الحالي والمرشح الرسمي، سرجيو ماسّا، بفارق أكثر من ثلاثة ملايين صوت بينهما، ما شكّل هزيمة غير مسبوقة للحركة البيرونية، وانعطافاً تجاوز كل التوقعات وضع الأرجنتين على مسار «أميركا ترمب» و«برازيل بولسونارو».

وفي أول تصريح له بعد إعلان الفوز واعتراف خصمه بنتائج الانتخابات، قال ميلي: «اليوم تبدأ مرحلة إعمار الأرجنتين، إنها بداية نهاية عصر الانحطاط والدولة التي أفقرت الناس. اليوم نعود لنرفع راية الحرية التي زرعها الآباء المؤسسون».

خافيير ميلي يحتفل بفوزه مع أنصاره في بيونس آيرس مساء الأحد (أ.ف.ب)

وطالب ميلي الحكومة الحالية بعدم التلكؤ أو التردد في تولي مسؤولية انتقال السلطات، محذراً من أنه سيكون في منتهى القسوة مع الذين يحاولون اللجوء إلى العنف لمقاومة التغييرات التي يتضمنها برنامجه، مؤكداً أنه يعتزم تطبيقها من غير تدرّج أو إبطاء، وقال: «إذا لم نتحرك بسرعة لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي تحتاجها الأرجنتين، سنقع في أسوأ أزمة عرفتها البلاد في تاريخها، لكننا سنجهد لنصبح قوة عالمية».

وكان ميلي توعّد مراراً خلال حملته الانتخابية بقلب النظام الأرجنتيني رأساً على عقب، والقضاء على الطبقة السياسية التي يتهمها بأنها السبب في الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بالأرجنتين منذ عقود.

علاقات خارجية

وسيكون على ميلي ترميم العلاقة مع دول محورية بالنسبة إلى الأرجنتين، وجّه إليها انتقادات لاذعة مثل البرازيل والصين، أبرز شريكين تجاريين لبلاده.

علم إسرائيلي كبير خلال مسيرة لأنصار خافيير ميلي في قرطبة في 14 نوفمبر الحالي (رويترز)

وقال ميلي في تصريحات سابقة: «لن أتعامل مع الشيوعيين. أنا مدافع عن الحرية، عن السلام، عن الديمقراطية»، مؤكداً أن حلفاءه هم «الولايات المتحدة وإسرائيل والعالم الحر».

ونقلت إذاعة الرئيس المنتخب القول إن أولى رحلاته الخارجية قبل تنصيبه ستكون إلى أميركا ثم إسرائيل.

وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أول المهنئين لميلي؛ فقد كتب عبر موقع التواصل الاجتماعي «تروث سوشيال»: «العالم كله كان يراقب! أنا فخور بك جداً. ستغير بلدك وستجعل فعلاً الأرجنتين عظيمة مرة أخرى!». وكان ترمب يلمح إلى شعار حملته الانتخابية لعام 2016: «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى».

خافيير ميلي يلقي كلمة أمام أنصاره في بيونس آيرس مساء الأحد (أ.ف.ب)

كذلك هنأ الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، الرئيس الأرجنتيني المنتخب، وكتب على منصة «إكس»: «تهانينا للشعب الأرجنتيني على فوز خافيير ميلي. الأمل يشرق مرة أخرى في أميركا الجنوبية»، وأعرب عن أمله بأن «تهب الرياح الجيدة على الولايات المتحدة والبرازيل» حتى «يعود الصدق والتقدم والحرية».

عوامل الفوز... وتحديات

وكان العامل الأساسي وراء الفوز الذي حققه ميلي، الدعم الذي حصل عليه من الرئيس الأسبق الليبرالي ماوريسيو ماكري، الذي كان خرج من حلبة السباق، بعد انهزام مرشحته باتريسيا بولريتش في الجولة الأولى أواخر الشهر الفائت، لكنه عاد ليعلن تأييده الصريح للمرشح اليميني المتطرف، الأمر الذي كان حاسماً في إقناع المترددين لتأييد ميلي. خاض ميلي معركته الانتخابية على مبدأ رفع يد الدولة عن معظم الخدمات الاجتماعية الأساسية، ما ينذر بمرحلة طويلة من الاضطرابات، وخاصة أن الحركة البيرونية تسيطر على عدد كبير من النقابات العمالية.

موكب لأنصار خافيير ميلي للاحتفال بفوزه في بيونس آيرس مساء الأحد (أ.ف.ب)

ويتضمن برنامج ميلي إلغاء وزارتي التعليم والصحة، وقطع المساعدات الاجتماعية في الوقت الذي يعيش 19 بالمائة من سكان الأرجنتين على المعونة الغذائية اليومية، بعد أن تجاوزت نسبة التضخم السنوية 140 بالمائة.

يتبيّن من نتائج الانتخابات، أن كثيرين ممن كانوا يؤيدون دور الدولة الراعية على امتداد الحكومات البيرونية، أو الراديكالية، أو حتى الليبرالية منذ عودة الديمقراطية عام 1983، جنحوا إلى تأييد الأفكار التي يطرحها ميلي.

وتجدر الإشارة إلى أن الخدمات الصحية والتربوية في جميع مستوياتها مجانية في الأرجنتين.

كما تعهّد ميلي بإلغاء قانون الإجهاض، والقانون الذي يمنع القوات المسلحة من تولي أي مهام أمنية داخل البلاد. وهو يقترح اللجوء إلى استخدام الدولار الأميركي في التعامل الرسمي للقضاء على التضخم، وإلغاء المصرف المركزي. ومن التغييرات الأخرى المثيرة للجدل، التي يتضمنها برنامج الرئيس الجديد، مراجعة القراءة الرسمية لمفهوم «إرهاب الدولة» بحجة أن ما ارتكبه النظام الديكتاتوري العسكري لم يكن سوى «تجاوزات»، وأن التقديرات التي تفيد بأن عدد المفقودين خلال تلك الفترة تجاوز 30 ألفاً، كما تقول منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، ليست سوى ذريعة للاستمرار في نهب الدولة.

وزير الاقتصاد سرجيو ماسّا يتحدث وبجانبه زوجته ملينا غالماريني بعد إعلان النتائج وخسارته (أ.ف.ب)

وتفيد القراءة المتأنية لنتائج هذه الانتخابات التي هزّت الأرجنتين، بأن قاعدة التأييد الأساسية للرئيس الجديد كانت في أوساط الطبقتين الوسطى والفقيرة، وبخاصة بين الشباب الذين وُلدوا في ظل النظام الديمقراطي ولم يعرفوا سوى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتسلسلة، واعتنقوا برنامجه الذي يدعو إلى تدمير النظام القائم والانطلاق نحو بناء نظام جديد. كما نجح أيضاً في الحصول على تأييد غالبية الناخبين الذين كانوا دعموا المرشحة الليبرالية في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، فضلاً عن أنه فاز في 21 من أصل 23 دائرة انتخابية.



ومن المقرر أن يتسلّم ميلي مهامه الرئاسية في العاشر من الشهر المقبل، عند انتهاء ولاية الرئيس الحالي البرتو فرنانديز، لكنه سيجد نفسه مضطراً إلى التوصل لاتفاقات مع الذين رماهم بأقسى الاتهامات والشتائم خلال الحملة الانتخابية؛ إذ إن كتلته النيابية لا تزيد على 38 نائباً في البرلمان الذي يبلغ عدد مقاعده 350؛ إذ يسيطر الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري على 94 منهم. ويشكّل هذا الفوز الذي حققه ميلي بداية انهيار التيار البيروني الذي قادته الحركة «الكيرشنيرية» وكان السائد في المشهد السياسي الأرجنتيني منذ عام 2003، والذي كان أخلى الساحة الانتخابية لوزير الاقتصاد الحالي سرجيو ماسّا، الذي ينتمي إلى التيار البيروني الليبرالي، وكان قد خاض الانتخابات الرئاسية التي فاز بها ماكري في عام 2015.

وبعد هذه الهزيمة المدوية على امتداد الدوائر الانتخابية، لم يتبقَّ أمام الحركة البيرونية سوى العاصمة بيونس آيرس، وهي الأكبر والأغنى، لإعادة تنظيم الصفوف ومواجهة المد اليميني المتطرف الذي ينذر بحقبة شديدة الاضطرابات.


مقالات ذات صلة

ترمب يرشح طبيبة من أصل عربي لمنصب جراح عام الولايات المتحدة

الولايات المتحدة​ د. جانيت نشيوات (أ.ف.ب)

ترمب يرشح طبيبة من أصل عربي لمنصب جراح عام الولايات المتحدة

رشح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الطبيبة الأردنية، جانيت نشيوات، جراحاً عاماً للولايات المتحدة، بحسب قناة «فوكس نيوز» السادسة عشرة الإخبارية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الاقتصاد الملياردير إيلون ماسك يظهر أمام الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

إيلون ماسك أكثر ثراءً من أي وقت مضى... كم تبلغ ثروته؟

أتت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 بفوائد على الملياردير إيلون ماسك بحسب تقديرات جديدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز) play-circle 01:41

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

انتزع ترمب الفوز من منافسته الديمقراطية، معتمداً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ سكوت بيسنت مؤسس شركة الاستثمار «كي سكوير غروب» يتحدث في مناسبة انتخابية للرئيس ترمب (رويترز)

ترمب يكشف عن مرشحيه لتولي وزارات الخزانة والعمل والإسكان

رشّح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، سكوت بيسنت، مؤسس شركة الاستثمار «كي سكوير غروب»، لتولي منصب وزير الخزانة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ليندا مكماهون مرشحة دونالد ترمب لقيادة وزارة التعليم (أ.ب)

مرشحة ترمب لوزارة التعليم مُتهمة بـ«تمكين الاعتداء الجنسي على الأطفال»

لا تزال الاتهامات تلاحق الفريق الذي اختاره الرئيس الأميركي المنتخب لتشكيل إدارته؛ حيث زعمت دعوى قضائية أن ليندا مكماهون سمحت بالاعتداء الجنسي على الأطفال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«قمة الـ20»... زخم حول المناخ وانقسام بشأن الحروب

 لقطة جماعية لقادة الدول العشرين قبيل ختام القمّة التي عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (إ.ب.أ)
لقطة جماعية لقادة الدول العشرين قبيل ختام القمّة التي عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (إ.ب.أ)
TT

«قمة الـ20»... زخم حول المناخ وانقسام بشأن الحروب

 لقطة جماعية لقادة الدول العشرين قبيل ختام القمّة التي عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (إ.ب.أ)
لقطة جماعية لقادة الدول العشرين قبيل ختام القمّة التي عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (إ.ب.أ)

شهدت قمة دول «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو، في يومها الأخير أمس، زخماً محدوداً لمفاوضات المناخ المتعثّرة في باكو، وانقساماً في المواقف بشأن الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، فيما خيّم عليها طيف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الذي يخطط لدى عودته إلى البيت الأبيض مطلع العام المقبل للتراجع عن السياسة الأميركية فيما يتعلق بظاهرة الاحتباس الحراري.

وتضمّن البيان الختامي للقمة تعهّداً بـ«الحرص على أن يدفع أصحاب الثروات الطائلة ضرائب كما ينبغي» وبوضع آليات لمنعهم من التهرّب من دفع الضرائب.

وأعرب البيان عن «قلق بشأن الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة والتصعيد في لبنان»، مشدداً على أهمية الوقف «الشامل» لإطلاق النار. ولم يتطرق البيان لهجمات «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل. ورحّب البيان بـ«كلّ المبادرات التي تدعم سلاماً شاملاً وعادلاً ومستداماً» في أوكرانيا، من دون أن يأتي على ذكر الغزو الروسي.