عززت السلطات في النيجر من الإجراءات الأمنية في إقليم أغاديز، أقصى شمالي البلاد، عقب اختطاف مواطنة نمساوية على أيدي مسلحين مجهولين ليل السبت/ الأحد الماضي، وأطلقت عملية للبحث عن الخاطفين وملاحقتهم.
وترأس حاكم إقليم أغاديز، (الاثنين) اجتماعاً للمجلس الإقليمي للأمن، وصفته الصحافة المحلية بأنه «استثنائي»، وشاركت فيه مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية، وكان بهدف وضع خطة للبحث عن مختطفي المواطنة النمساوية إيفا غريتزماخر.
وكان مسلحون مجهولون قد اختطفوا غريتزماخر، البالغة من العمر 73 عاماً وتقيم في مدينة أغاديز بالنيجر منذ ثلاثة عقود، وتشير المعلومات الأولية إلى أن مجهولين أرغموا السيدة على ركوب سيارة رباعية الدفع وغادروا إلى وجهة غير معلومة.
وهاجم المسلحون منزل المواطنة النمساوية في أغاديز بالتزامن مع حلول الظلام، واعتدوا على حارسها وأجبروه على فتح الباب بعد أن وضعوا مسدساً على رأسه، قبل أن يقتحموا المنزل حيث اقتادوا غريتزماخر دون سرقة أي ممتلكات.
* ملاحقة صعبة
السلطات في النيجر أعلنت أن الاجتماع الذي احتضنته مدينة أغاديز خصص لبحث تفاصيل حادثة الاختطاف الأولى من نوعها منذ سنوات، وتدقيق جميع المعلومات المتداولة في هذا الخصوص.
وقال حاكم إقليم أغاديز إن السلطات «اتخذت إجراءات أمنية مشددة فور وقوع الحادث»، وأكد في السياق ذاته أنه «تمت تعبئة قوات الدفاع والأمن بشكل كامل للعثور على السيدة غريتزماخر».
ودعا الحاكم سكان إقليم أغاديز إلى «تعزيز اليقظة»، وطلب منهم «الإبلاغ عن أي تصرفات مشبوهة».
* عشق محفوف بالخطر
إيفا غريتزماخر، سيدة نمساوية وقعت في حب الصحراء الكبرى، وخاصة الطوارق الذين يعيشون في شمال النيجر، وتعد مدينة أغاديز عاصمتهم التاريخية، ومركز نفوذهم التقليدي.
وصلت السيدة النمساوية إلى النيجر قبل ثلاثة عقود، وهي الآن تبلغ من العمر 73 عاماً، لم تغادر النيجر رغم التحديات الأمنية المتصاعدة منذ سنوات في المنطقة، واستهداف الرعايا الغربيين من طرف تنظيمي «القاعدة» و«داعش».
وسبق أن تلقت غريتزماخر تهديداً من طرف هذه التنظيمات عام 2021، ولكنها قامت بانتداب حارس شخصي، وبقيت مقيمة في مدينة أغاديز، تربي الدجاج وتعلم النسوة حياكة الأقمشة وإطلاق مشاريعهن الصغيرة المدرة للدخل، كما تنشط في مجال حماية البيئة.
أسست غريتزماخر جمعية «أماناي»، وافتتحت مركزاً للمهارات في أغاديز عام 2010، حيث قادت العديد من المشاريع في مجالات التعليم، وتمكين المرأة، والبيئة، والثقافة، والفنون.
ودعمت السيدة النمساوية المنظمات المحلية في مجال الزراعة، وقدمت تدريبات في الخياطة للفتيات والموسيقى للفتيان، كما كانت تدرس اللغات والحاسوب لأطفال المدينة بالتعاون مع المدارس.
* حزن كبير
بعد حادثة الاختطاف كتبت صحيفة محلية في أغاديز أن غريتزماخر كانت «شخصية لها رمزيتها» في مدينة أغاديز، وأضافت: «كانت تحظى باحترام واسع بسبب مشاركتها في مشاريع اجتماعية مختلفة، حيث دعمت المبادرات المتعلقة بالزراعة، والتدريب على الخياطة للفتيات، وتعليم الموسيقى للفتيان».
وأضافت الصحيفة أن اختطاف المواطنة النمساوية، التي اندمجت بشكل عميق في الثقافة النيجرية، سبب «حزناً كبيراً في مجتمع أغاديز»، مشيرة إلى أن «تفانيها والأنشطة العديدة التي قامت بها لصالح التنمية المحلية يجعل منها شخصية تحظى باحترام كبير».
ويدرك سكان أغاديز خطورة الاختطاف، حيث توصف أغاديز الواقعة في أقصى شمالي النيجر، غير بعيدة من الحدود مع الجزائر، بأنها بوابة الصحراء الكبرى، ومعبر رئيس لطرق الهجرة غير الشرعية، حيث تتمركز فيها شبكات التهريب وتتخذ منها ملتقى طرق للطرق العابرة للصحراء من دول غرب أفريقيا نحو ليبيا والجزائر.
وفي العادة يتولى مرتزقة تنفيذ عمليات الاختطاف لصالح التنظيمات الإرهابية التي تطالب بفدية مقابل الإفراج عن الرهينة، في عملية مفاوضات شاقة قد تستمر لعدة سنوات، وليست مضمونة النجاح.
وظل خطف الرهائن، وخاصة الغربيين، تجارة مربحة بالنسبة للتنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل، حيث شكلت لسنوات عديدة مصدر التمويل الأول لهذه التنظيمات، وخاصة تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي.
* خاطف مجهول
وبعد مرور يومين على اختطاف الرهينة النمساوية لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن عملية الاختطاف، وفيما تحدثت تقارير إعلامية عن وقوف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (القاعدة) وراء العملية، خرج التنظيم لينفي أي علاقة تربطه بالحادثة.
وجاء في بيان نشرته مؤسسة «الزلاقة»، الذراع الإعلامية لجماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»: «إننا ننفي نفياً قاطعاً علاقتنا بهذا الاختطاف، ونؤكد للرأي العام العالمي والمحلي على عدم ارتباطنا بملابسات هذا العمل وندحض كل ما يقال حوله من اتهامات وأكاذيب».
وفيما نفت «القاعدة» مسؤوليتها عن اختطاف المواطنة النمساوية، تتجه الأنظار نحو تنظيم «داعش» في الصحراء الكبرى، وربما إلى منظمات إجرامية تتاجر بالرهائن، تسعى لتسليم الرهينة إلى تنظيم مسلح يفاوض بها.