عاصمة مالي تستعيد الهدوء بعد الوقوع في قبضة «كوماندوز القاعدة»

هجومان متزامنان استهدفا موقعين يتمركز فيهما مسلحو «فاغنر» وترافقا مع فلتان بشوارع العاصمة

من الانفلات الذي رافق الهجومين في شوارع العاصمة المالية (إ.ب.أ)
من الانفلات الذي رافق الهجومين في شوارع العاصمة المالية (إ.ب.أ)
TT

عاصمة مالي تستعيد الهدوء بعد الوقوع في قبضة «كوماندوز القاعدة»

من الانفلات الذي رافق الهجومين في شوارع العاصمة المالية (إ.ب.أ)
من الانفلات الذي رافق الهجومين في شوارع العاصمة المالية (إ.ب.أ)

عادت الرحلات الجوية، صباح الأربعاء، إلى «مطار موديبو كيتا الدولي» في العاصمة المالية باماكو، بعد الهجوم الإرهابي الذي نفذه تنظيم «القاعدة»، الثلاثاء، وسيطر خلاله مقاتلون من التنظيم على المطار لعدة ساعات، وفرضوا ما يشبه الحصار الجوي على العاصمة التي يزيد عدد سكانها على خمسة ملايين نسمة.

وتسبب الهجوم الإرهابي في إلغاء أكثر من عشرين رحلة جوية تجارية، بعضها يعود إلى شركات طيران معروفة، على غرار «الخطوط الجوية الإثيوبية» و«الخطوط الملكية المغربية» و«الخطوط الجوية التونسية» و«السنغالية»، فيما أعلنت «الخطوط الجوية الجزائرية» تعليق رحلاتها الجوية نحو باماكو، بسبب الهجوم الإرهابي.

لقطة من فيديو بثه تنظيم «القاعدة» لقائد الكوماندوز الذي هاجم باماكو أمس (وسائل التواصل الاجتماعي)

ونفذ الهجوم غير المسبوق والأول من نوعه، مقاتلون من «جبهة تحرير ماسينا» التي تتبع «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، وهي فرع تنظيم «القاعدة» في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، حسب ما جاء في بيان صادر عن الجماعة الإرهابية أكدت فيه مسؤوليتها عن الهجوم.

وتشير المعلومات الأولية، إلى أن الهجوم بدأ في حدود الساعة الخامسة والنصف فجراً بالتوقيت المحلي وشارك فيه عدد من المقاتلين على متن دراجات نارية، وسيارات مفخخة وأسلحة ثقيلة، واستهدف موقعين مختلفين في العاصمة باماكو، تزيد المسافة بينهما على عشرة كيلومترات، أولهما مركز لتدريب الدرك والمطار العسكري الواقع بجوار «مطار باماكو الدولي».

وتؤكد مصادر أمنية عديدة أن الموقعين اللذين استهدفهما الهجوم المتزامن، يتمركز فيهما مقاتلون من مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة، وشارك هؤلاء المقاتلون في التصدي للهجوم، لتندلعَ معارك عنيفة سُمع دويها في جميع أحياء باماكو، وصورها مواطنون بهواتفهم وتداولوا مقاطع فيديو تظهر أعمدة الدخان وأصوات الرصاص والانفجارات، فيما ظلت الروايات متضاربة حول الحصيلة النهائية.

ثلاثة من منفذي الهجوم على المطار الدولي في باماكو (إعلام محلي)

ويشير الخبراء إلى أن التخطيط للهجوم الإرهابي المركب لا بد أن يكون أخذ وقتاً طويلاً، خاصة أن «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» أصدرت بياناً أعلنت مسؤوليتها عنه في وقت كان القتال مستمراً في أروقة المطار.

وقالت الجماعة الإرهابية، إن الهجوم أسفر عن «مقتل وجرح المئات من عناصر الجيش المالي ومجموعة فاغنر، وتدمير 6 طائرات تدميراً كاملاً، وتعطيل 4 أخرى تعطيلاً جزئياً»، وأضافت أنها «أجهزت على عشرات الآليات والمدرعات، وغيرها من العتاد العسكري».

واعترفت الجماعة بأن «بضعة عشر» من عناصرها قتلوا في الهجوم، وأن القتال استمر من ساعات الفجر الأولى حتى الواحدة ظهراً، أي ما يعني أنه استمر لقرابة ثماني ساعات.

وأكدت الجماعة الإرهابية أن جميع المقاتلين الذين شاركوا في الهجوم قتلوا «مقبلين غير مدبرين»، وأطلقت على الهجوم اسم «غزوة باماكو»، وقالت إن الهجوم يأتي «انتقاماً لمئات المجازر والمذابح التي ارتكبتها هذه الطغمة الحاكمة وحلفاؤها الروس بحق شعبنا المسلم».

الجيش المالي اعترف من جانبه بأن الهجوم خلف خسائر في الأرواح، وأن أغلب القتلى كانوا من تلاميذ مركز التدريب التابع للدرك الوطني المالي، كما أشار إلى أن خسائر مادية وأضراراً وقعت في منطقة "مطار باماكو الدولي.

في غضون ذلك، بث التلفزيون الحكومي المالي مساء الثلاثاء، مقاطع مصورة لعشرات الموقوفين من طرف الجيش، كانت أعينهم معصوبة بقطع من القماش، وأغلبهم مراهقون وشبان، وقال التلفزيون إنهم ضالعون في الهجمات، كما بث صور بعض الجثث في مركز تدريب الدرك على أنها تعود لمن وصفهم بـ«الإرهابيين».

في وقت أعلن الجيش أنه سيطر على الوضع، ظهر قائد الأركان العامة للقوات المسلحة المالية الجنرال عمر ديارا في ساحة مركز التدريب التابع للدرك حيث وقع الهجوم، وقال في حديث مع التلفزيون الحكومي إن ما حدث هو «محاولة معقدة للتسلل إلى مدرسة الدرك، والآن الوضع تحت السيطرة، وحضوري إلى عين المكان يؤكد ذلك».

وأضاف قائد الأركان العامة للقوات المسلحة المالية، أن جميع الإرهابيين الذين شاركوا في الهجوم قتلوا، مشيراً إلى أن «عملية تمشيط واسعة بدأت بحثاً عن أي متورطين محتملين».

وأضاف: «البحث مستمر عن متواطئين محتملين، وسنقوم بذلك بكل مهنية، وهناك تحقيقات جارية مع موقوفين».

وخلص إلى التأكيد على أن «الجيش جمع الكثير من المعلومات، وعلى المواطنين العمل جنباً إلى جنب معه».

في غضون ذلك، نقلت مصادر إعلامية محلية عن مصدر أمني قوله إن الإرهابيين حاولوا إحراق طائرة واحدة فقط، ولكن تمت السيطرة على الحريق بسرعة، وذلك في إشارة إلى مقطع فيديو ظهر فيه أحد مقاتلي «القاعدة» وهو يضرم النيران في الطائرة الرئاسية المالية حين كانت متوقفة في مدرج المطار.

مشهد آخر من شوارع باماكو الثلاثاء (إ.ب.أ)

وبينما كان الجيش يحاول التصدي للهجوم الإرهابي، وقعت حالة من الانفلات الأمني في شوارع العاصمة، و دارت أعمال شغب وعنف استهدفت المحلات التجارية، كما استهدف سكان غاضبون أفراداً من عرقية «الفلاني»، بسبب أن المقاتلين الذين نفذوا الهجوم ينتمون لها.

وقالت مصادر محلية، إن متظاهرين غاضبين في أحد شوارع باماكو، اعتدوا بالضرب على أحد أفراد هذه العرقية، وقتلوه بعد ذلك حرقاً، بعد أن اتهموه بأنه أحد المتورطين في الهجوم الإرهابي.

وزادت هذه الحادثة من التوتر العرقي في المدينة التي يزيد عدد سكانها على خمسة ملايين نسمة، من جميع العرقيات الموجودة في مالي، بما في ذلك العرب والطوارق الذين أغلقوا محلاتهم التجارية وتفادوا الخروج، خشية استهدافهم بسبب انتمائهم العرقي.

لقطة من بث التلفزيون الحكومي المالي تظهر موقوفين إثر الهجوم الإرهابي (تلفزيون حكومي)

وفيما بدأت الرحلات التجارية الاعتيادية تهبط في مطار العاصمة، كان الهدوء الحذر يخيم صباح الأربعاء على الشوارع، في ظل انتشار أمني مكثف على المحاور الطرقية الرئيسية، وبخاصة الطريق المؤدي إلى المطار.

ويعد الهجوم الإرهابي هو الأخطر والأعنف من نوعه منذ سيطرة الجيش على الحكم في دولة مالي قبل أربع سنوات (2020)، كما أنه هو أكثر عملية معقدة ينفذها تنظيم «القاعدة» في باماكو منذ أن اقتحم مقاتلون منه فندق «راديسون بلو» عام 2015، وقتلوا قرابة ثلاثين شخصاً.

وأثار الهجوم الإرهابي الأخير ردود فعل عديدة، من أبرزها البيان الذي أصدرته السفارة الأميركية في باماكو حين طلبت من رعاياها أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر، واصفة الأوضاع بأنها «مقلقة».

أما المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، فقد أصدرت بياناً قالت فيه إنها تدين الهجوم الإرهابي، وأكدت التزامها حيال «أي مبادرة تهدف إلى العمل من أجل السلام والأمن والاستقرار».


مقالات ذات صلة

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

آسيا جندي باكستاني يقف حارساً على الحدود الباكستانية الأفغانية التي تم تسييجها مؤخراً (وسائل الإعلام الباكستانية)

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

الجيش الباكستاني يبذل جهوداً كبرى لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين.

عمر فاروق (إسلام آباد)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
أفريقيا رئيس تشاد يتحدث مع السكان المحليين (رئاسة تشاد)

الرئيس التشادي: سنلاحق إرهابيي «بوكو حرام» أينما ذهبوا

قال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التشادية، إنه سيلاحق مقاتلي «بوكو حرام» «أينما ذهبوا، واحداً تلو الآخر، وحتى آخر معاقلهم».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا آثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)

«الإرهاب» يصعّد هجماته في دول الساحل الأفريقي

تصاعدت وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد أن أعلنت تشاد أن أربعين جندياً قُتلوا في هجوم إرهابي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

مقتل 15 جنديا تشاديا في عملية ضد «بوكو حرام»

أرشيفية لآثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)
أرشيفية لآثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)
TT

مقتل 15 جنديا تشاديا في عملية ضد «بوكو حرام»

أرشيفية لآثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)
أرشيفية لآثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)

قال المتحدث باسم الجيش التشادي إن 15 جنديا على الأقل قتلوا وأصيب 32 آخرون في اشتباكات بين الجيش ومقاتلي جماعة بوكو حرام يوم السبت، مضيفا أن 96 من عناصر بوكو حرام قتلوا أيضا.

ولم يذكر الجنرال إسحاق الشيخ، أمس الأحد، مكان العملية أو يقدم أي تفاصيل حول ملابساتها. وقال في تصريح للتلفزيون الوطني إن الجيش أصاب أيضا 11 عنصرا من بوكو حرام واستولى على أسلحة ومعدات. وقال الشيخ «يؤكد الجيش للسكان أن الوضع تحت السيطرة وأن إجراءات تعقب العناصر المتبقية مستمرة في إطار عملية حسكانيت»، في إشارة إلى العملية العسكرية التي أطلقت لطرد مسلحي جماعة بوكو حرام من منطقة بحيرة تشاد.

وتعرضت المنطقة لهجمات متكررة من قبل جماعات متمردة بما في ذلك «تنظيم داعش في غرب أفريقيا» وجماعة «بوكو حرام» وقعت في شمال شرق نيجيريا في عام 2009 وامتدت إلى غرب تشاد. وقُتل نحو 40 جنديا في هجوم على قاعدة عسكرية في منطقة بحيرة تشاد نهاية الشهر الماضي، وبعد ذلك هدد الرئيس المؤقت محمد إدريس ديبي بسحب بلاده من قوة أمنية متعددة الجنسيات.

وتشاد حليف مهم للقوات الفرنسية والأميركية التي تسعى إلى المساعدة في محاربة التمرد منذ 12 عاما في منطقة الساحل في غرب أفريقيا. ونأت مجالس عسكرية استولت على السلطة في الأعوام القليلة الماضية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، التي أصبحت حدودها المشتركة بؤرا لأعمال التمرد، بنفسها عن الغرب لصالح الدعم الروسي.