تركيا تسارع لملء الفراغ الغربي في النيجر بشراكة متعددة الأبعاد

استمراراً لتعزيز حضورها في أفريقيا وتوسيع وجودها بالساحل

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استقبل رئيس وزراء النيجر على الأمين زين في أنقرة فبراير (شباط) الماضي (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استقبل رئيس وزراء النيجر على الأمين زين في أنقرة فبراير (شباط) الماضي (الرئاسة التركية)
TT

تركيا تسارع لملء الفراغ الغربي في النيجر بشراكة متعددة الأبعاد

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استقبل رئيس وزراء النيجر على الأمين زين في أنقرة فبراير (شباط) الماضي (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استقبل رئيس وزراء النيجر على الأمين زين في أنقرة فبراير (شباط) الماضي (الرئاسة التركية)

كشفت زيارة الوفد التركي رفيع المستوى، برئاسة وزير الخارجية هاكان فيدان، إلى النيجر عن استمرار التركيز من جانب أنقرة على ترسيخ حضورها في أفريقيا، وسعيها لملء الفراغ الذي تتركه القوى الغربية ذات النفوذ في القارة السمراء، واهتمامها، على وجه الخصوص، بمنطقة الساحل.

رئيس وزراء النيجر علي الأمين زين خلال استقبال الوفد التركي في نيامي («الخارجية» التركية)

وجاءت زيارة الوفد التركي، الذي ضم وزيرَي الدفاع يشار غولر، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار، ورئيس المخابرات إبراهيم كالين، إلى جانب نائب وزير التجارة فولكان أغار، إلى النيجر لتؤكد الاهتمام الذي تُوليه تركيا بهذا البلد الأفريقي المستهدَف بالإرهاب، والذي يحكمه الجنرال عبد الرحمن تياني الذي وصل إلى السلطة في انقلاب عسكري قبل عام تقريباً، وكان في استقبال الوفد التركي لدى وصوله إلى نيامي، الأربعاء.

تعاون عسكري وأمني

وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، كشف عن بعض أهداف زيارة الوفد التركي، قائلاً: «ناقشنا مع النيجر ما يمكن فعله لتحسين صناعة الدفاع والاستخبارات، في إطار مكافحة الإرهاب؛ المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في منطقة الساحل، السلام والأمن والاستقرار في أفريقيا من بين أولوياتنا».

ولفت فيدان إلى أن علاقات التعاون بين تركيا والدول الأفريقية مستمرة في النمو بمجالات مثل الدبلوماسية والاقتصاد والمالية والأمن والدفاع والتعليم والصحة، وأن تركيا لديها سفارات في 44 دولة أفريقية، من أصل 54 بلداً بالقارة.

وأكد أن السلام والأمن والاستقرار في أفريقيا هو أيضاً من بين أولويات تركيا، وخصوصاً في منطقة الساحل التي باتت فيها مشكلة عدم الاستقرار والإرهاب مزمنة.

الوفد التركي أثناء المباحثات الموسعة مع المسؤولين في النيجر (وزارة الخارجية التركية)

وأشار إلى أنه بحث، خلال لقاءاته، ما يمكن أن تفعله تركيا في النيجر لتطوير صناعات الدفاع والاستخبارات، في إطار الحرب ضد الإرهاب؛ أسوة بتعاونها مع الصومال.

وتمتلك تركيا قاعدة عسكرية في الصومال تُعد أكبر قواعدها العسكرية في الخارج.

ويُعد البعد العسكري أحد أهم الأبعاد التي تركز عليها أنقرة، إلى جانب الاقتصاد والطاقة، في علاقاتها مع دول أفريقيا، وأصبحت أحد مورّدي الأسلحة لدول القارة.

واشترت النيجر من تركيا 6 طائرات مُسيّرة قتالية «بيرقدار- تي بي 2»، في مايو (أيار) عام 2022، بعدما أعلن البَلدان، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، عن صفقة تشمل توريد أسلحة للنيجر؛ بينها طائرات مُسيّرة «بيرقدار- تي بي 2»، وطائرات التدريب «حر كوش»، ومدرعات لتعزيز قدراتها العسكرية والأمنية في مواجهة الجماعات الإرهابية.

وتشتهر تركيا بطائراتها المُسيّرة القتالية، التي أصبحت عنصراً أساسياً في جيشيْ مالي وبوركينا فاسو، وهما حليفان للنيجر، يحكمهما أيضاً مجلسان عسكريان ويواجهان جماعات إرهابية.

ملء الفراغ

وعملت النيجر على تغيير شراكاتها الدولية، وطردت خصوصاً من أراضيها الجنود الفرنسيين الذين كانوا منتشرين في إطار القتال ضد الجماعات الإرهابية، وسيخرج الجنود الأميركيون أيضاً بحلول سبتمبر (أيلول) المقبل. وأعلنت ألمانيا، من جانبها، إنهاء تعاونها العسكري، بحلول نهاية أغسطس (آب) المقبل؛ بسبب غياب «الموثوقية» في علاقاتها مع نيامي.

وسعياً من أنقرة لملء الفراغ في النيجر، كثّفت اتصالاتها مع البلد الأفريقي، وزار رئيس وزرائها علي الأمين زين أنقرة، في فبراير (شباط) الماضي. وأعلن، خلال لقائه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي وجه إليه الدعوة لزيارة تركيا، أن «التحدي الأمني المفروض علينا يتطلب أن تكون لدينا كل الوسائل اللازمة لضمان دفاعنا، ونعلم أنكم قادرون على ضمان ذلك لنا».

وأكد إردوغان، خلال اللقاء الذي حضره وزيرا الخارجية والدفاع التركيان، دعم تركيا خطوات النيجر لتعزيز استقلالها السياسي والعسكري والاقتصادي، وأن تركيا تقف، وستواصل الوقوف ضد التدخلات العسكرية الأجنبية التي تستهدف الشعب النيجري، وستواصل اتخاذ خطوات لزيادة حجم التجارة بين البلدين، وفق ما ذكرت الرئاسة التركية.

وفي الجانب الاقتصادي، قدَّم رئيس وزراء النيجر تأكيدات بأن «كل التسهيلات» ستُمنح للمستثمرين الأتراك.

تركيز على النيجر

وجاءت زيارة الوفد التركي رفيع المستوى لنيامي، الأربعاء؛ لمتابعة ما جرى الاتفاق عليه خلال زيارة رئيس وزراء النيجر لتركيا. واتفق الجانبان، خلال المباحثات التي أجراها الوفد التركي، على تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والتعدين والمخابرات والدفاع، بعد أن طلبت الدولة، الواقعة في غرب أفريقيا، من العسكريين الغربيين المغادرة، وأنهت عقود التعدين لدول غربية كثيرة، لتقدم لنفسها بديلاً يحل محلها.

والتقى الوفد التركي، إلى جانب المباحثات الوزارية، رئيس النيجر الجنرال عبد الرحمن تياني، الذي تولَّى السلطة في يوليو (تموز) 2023، بعد أن أطاح المجلس العسكري الذي يقوده بالرئيس محمد بازوم وغيَّر ولاءات البلاد، بطرد القوات الغربية وإنهاء اتفاقيات أمنية مع الاتحاد الأوروبي.

وقال مسؤول بوزارة الدفاع التركية، في إفادة صحافية، الخيمس، إن وزير الدفاع يشار غولر ناقش سبل تعزيز التعاون بين تركيا والنيجر في مجال الدفاع والتدريب العسكري.

وقالت وزارة الطاقة التركية إن البلدين وقّعا إعلان نوايا لدعم وتشجيع الشركات التركية على تطوير حقول النفط والغاز الطبيعي في النيجر.

وتملك النيجر خامات اليورانيوم الأعلى جودة في أفريقيا، وهي سابع أكبر منتِج لليورانيوم في العالم.

وعزّزت الشركات التركية حضورها في النيجر. وفازت بعدد من العقود، بينها عقد بقيمة 152 مليون يورو لتحديث مطار نيامي، وعقود أخرى بقيمة 50 مليون يورو لإقامة فندق فخم، و38 مليون يورو للمقر الجديد لوزارة المالية النيجرية في قلب العاصمة. وأنشأت تركيا عام 2019 مستشفى بقيمة 100 مليون يورو في مارادي، ثالثة كبرى مدن البلاد.

سياسة تركيا الأفريقية

ومنذ عقدين من الزمن، تعمل تركيا على توسيع وجودها في القارة السمراء، التي تمتلك، وفق تقديرات اقتصادية، نحو 65 في المائة من الموارد العالمية التي لم يجرِ العمل على استغلالها.

وعقب موجة الانقلابات في دول الساحل الأفريقي، التي بدأت عام 2020 من مالي، وتراجع النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا، زادت تركيا تحركاتها عبر قنوات التسليح والتعاون الاقتصادي لتكون شريكاً حاضراً بقوة في المنطقة التي تشهد سباق نفوذ بين القوى العالمية.

وتحتل تركيا المركز الرابع بين الدول الأكثر تمثيلاً دبلوماسياً في القارة الأفريقية، بعد الولايات المتحدة والصين وفرنسا، وتقع العلاقات مع دولها ضمن الأهداف الرئيسية للسياسية الخارجية التركية.

ويرجع الاهتمام بتطوير هذه العلاقات إلى عام 2005 حين أصبحت أنقرة عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي، وأعلنت، في العام نفسه، «خريطة الانفتاح على أفريقيا».


مقالات ذات صلة

«إنرجي أسبيكتس»: لا أدلة على ركود أميركي وشيك

الاقتصاد عامل يقوم بتنظيف أرضية بورصة نيويورك (رويترز)

«إنرجي أسبيكتس»: لا أدلة على ركود أميركي وشيك

قالت واحدة من المؤسسين المشاركين لشركة «إنرجي أسبيكتس» للاستشارات، إن مخاوف الأسواق ربما تكون مبالغاً فيها، حيث لا يوجد دليل على ركود أميركي وشيك.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون في بورصة نيويورك يراقبون تحسن مؤشر «داو جونز» يوم الجمعة (أ.ف.ب)

بعد أسبوع جنوني بالأسواق العالمية... بيانات التضخم الأميركي تحت المجهر

تنتظر الأسواق بيانات التضخم في الولايات المتحدة وغيرها من المؤشرات، بعد أن أثارت بيانات الوظائف الضعيفة الأخيرة مخاوف من حدوث ركود.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد تظهر علامة طلب موظفين بأحد المطاعم في ولاية كنتاكي الأميركية في 7 يونيو 2021 (رويترز)

قطاع الخدمات الأميركي يسجل نمواً بالنشاط والتوظيف في يوليو

صعد نشاط قطاع الخدمات في الولايات المتحدة في يوليو من أدنى مستوى في أربع سنوات وسط زيادة الطلبيات والتوظيف، مما قد يساعد في تبديد مخاوف الركود.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد أحد المارة يُلقي نظرة على لوحة عرض تُظهر أرقام الإغلاق بعد الخسائر القياسية التي تكبّدتها بورصة طوكيو للأوراق المالية (أ.ف.ب)

ما أسباب موجة بيع الأسهم العالمية؟

يوم الاثنين، ضربت الأسواق العالمية موجة من الاضطرابات الشديدة مع تزايد المخاوف بشأن مسار الاقتصاد الأميركي... فما أسباب هذه الموجة؟

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الاجتماع الثالث للجمعية العمومية لمنظمة التعاون الرقمي في البحرين مطلع العام الحالي (واس)

اجتماع طارئ لدول «التعاون الرقمي» الأربعاء

تجتمع الأربعاء الدول الأعضاء في «منظمة التعاون الرقمي» مع عدد من خبراء الاقتصاد الرقمي افتراضياً.

غازي الحارثي (الرياض)

ما دوافع تركيا لإنهاء نزاع ساحل «أرض الصومال» بين الصومال وإثيوبيا؟

وزير الدفاع التركي خلال لقاء مع نظيريه الصومالي والإثيوبي في ختام جولة المفاوضات الثانية في أنقرة الثلاثاء (الخارجية التركية)
وزير الدفاع التركي خلال لقاء مع نظيريه الصومالي والإثيوبي في ختام جولة المفاوضات الثانية في أنقرة الثلاثاء (الخارجية التركية)
TT

ما دوافع تركيا لإنهاء نزاع ساحل «أرض الصومال» بين الصومال وإثيوبيا؟

وزير الدفاع التركي خلال لقاء مع نظيريه الصومالي والإثيوبي في ختام جولة المفاوضات الثانية في أنقرة الثلاثاء (الخارجية التركية)
وزير الدفاع التركي خلال لقاء مع نظيريه الصومالي والإثيوبي في ختام جولة المفاوضات الثانية في أنقرة الثلاثاء (الخارجية التركية)

ذهبت المفاوضات بين الصومال وإثيوبيا التي تتوسط فيها تركيا لحل النزاع على ساحل «أرض الصومال» على البحر الأحمر والتي أصبح يطلق عليها «عملية أنقرة» إلى جولة ثالثة ستعقد في 17 سبتمبر (أيلول) المقبل بعد انتهاء الجولة الثانية التي عقدت في العاصمة التركية يومي الاثنين والثلاثاء دون التوصل إلى نتيجة.

وستعقد الجولة الثالثة من المفاوضات وسط تفاؤل حذر من طرفي النزاع بالتوصل إلى اتفاق لإنهائه، ومراقبة، من كثب، من جانب المجتمع الدولي لما إذا كانت جهود أنقرة ستحل النزاع الذي قد يقود استمراره إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في منطقة غير مستقرة بالفعل.

وساطة تركية وترحيب دولي

وتدخلت تركيا لحل النزاع بين إثيوبيا والصومال، الذي ينذر بخطر التحول إلى صراع ساخن، بطلب من أديس أبابا. وتعد «عملية أنقرة» إحدى مبادرات الوساطة الدولية المهمة في الفترة الأخيرة. وأبلغ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، نظيره التركي، هاكان فيدان، خلال اتصال هاتفي بينهما، الاثنين بالتزامن مع انعقاد الجولة الثانية للمفاوضات، أن الولايات المتحدة تدعم المفاوضات بين البلدين الأفريقيين الجارين.

وتنبع أهمية المبادرة التركية، بحسب مراقبين، من التوتر الذي تشهده البحار الإقليمية بسبب هجمات الحوثيين في اليمن على السفن المارة في البحر الأحمر منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وشنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هجمات جوية وبحرية على أهداف للحوثيين في اليمن بداية العام لمنع وقوع هجمات.

مؤتمر صحافي مشترك لوزراء خارجية تركيا والصومال وإثيوبيا في ختام جولة المفاوضات الثانية في أنقرة الثلاثاء (الخارجية التركية)

تفاؤل بالحل

وقال فيدان، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيريه الصومالي أحمد معلم فقي، والإثيوبي، تاي أتسكي سيلاسي إن الجولة الثانية ناقشت ملفات أكثر وكانت شاملة أكثر من الجولة الأولى، وتم تناول بعض سبل الحلول المحددة خلال الاجتماعات، وتهدف هذه الصيغ إلى إزالة الخلافات القائمة والاتفاق على إطار عمل مقبول للجانبين، معربا عن امتنانه جراء هذا التقدم.

وأضاف فيدان أن الفرصة أتيحت للتركيز على التفاصيل والأبعاد الفنية للخطوات الملموسة التي يتعين اتخاذها، لافتا إلى أنه ثمة تقارب كبير بين الطرفين حول بعض المبادئ الأساسية والعناصر المحددة، ما يعد تقدما كبيرا.

وأوضح أن تركيا تهدف إلى إزالة المخاوف القائمة وحل المشكلات ليس لصالح الصومال وإثيوبيا فحسب، بل لصالح المنطقة بأكملها.

بدوره عبر سيلاسي عن ثقته بأن تركيا ستتوصل إلى الحل بشكل عاجل، وهو ما سيضمن لإثيوبيا منفذا مباشرا على البحر الأحمر، وعن تفاؤله بعقد اجتماعات مثمرة بشكل أكبر في الجولة الثالثة والأخيرة من المحادثات.

وأكد فقي أن الجولة الثانية من المفاوضات مع إثيوبيا سجلت تقدما، مشددا على عزم الصومال الحفاظ على سلامة أراضيه وسيادته ووحدته. وعبر عن أمله في «التوصل إلى حل نهائي في الجولة الثالثة في ظل الزخم الذي تحقق في الجولة الثانية».

مفاوضات مكوكية

كانت الجولة الأولى من المفاوضات عقدت يومي 1و2 يوليو (تموز) الماضي وتم الاتفاق على عقد الجولة الثانية في 2 سبتمبر المقبل لكن تركيا عملت مع الطرفين على تقديمها إلى 12 أغسطس (آب) الحالي. ولا يلتقي الجانبان الصومالي والإثيوبي وجها لوجه، ويقوم الوسيط التركي بنقل مطالب كل طرف للآخر.

وبدأت المشكلة بين الصومال وإثيوبيا في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي عندما وقعت الأخيرة اتفاقية مع منطقة «أرض الصومال» التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991 لكن لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي، تشمل النقل البحري واستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر.

وبحسب ما رشح عن الاتفاقية، حتى الآن، فإنها تشمل استغلال إثيوبيا 20 كيلومترا من ساحل أرض الصومال على البحر الأحمر لمدة 50 عاما مقابل الاعتراف باستقلالها عن الصومال، مع منحها حصة من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية.

وقال «رئيس» أرض الصومال، موسى بيهي عبدي، بعد توقيع الاتفاقية بأيام، إن إثيوبيا تسعى إلى استئجار جزء من الخط الساحلي لإقامة قاعدة بحرية، وليس للقيام بأنشطة تجارية كما كان يعتقد في السابق.

وتعتمد إثيوبيا، الدولة الحبيسة الواقعة في منطقة القرن الأفريقي، حاليا على جيبوتي المجاورة في معظم تجارتها البحرية، وقال رئيس وزرائها، آبي أحمد، إن «إثيوبيا أثبتت للعالم أن طلبها للوصول إلى البحر الأحمر هو طلب مشروع، وأنها تسعى فقط للوصول إلى البحر».

وقال مستشار الأمن القومي الإثيوبي، رضوان حسين، إن الاتفاقية تمهد الطريق لبلاده للتجارة البحرية في المنطقة بمنحها إمكانية الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر، وإن «أرض الصومال» ستحصل على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة.

وتزايد التوتر بين إثيوبيا والصومال، وهدد الطرفان بعضهما بعضا بالقوة العسكرية.

تركيا والصومال وقعا اتفاقية إطارية للتعاون العسكري والاقتصادي في 8 فبراير الماضي (وزارة الدفاع التركية)

علاقات وثيقة بالطرفين

وأبدت تركيا، التي ترتبط بعلاقات وثيقة بطرفي النزاع، قلقها حيال الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، وأكدت أن الالتزام بسيادة الصومال ووحدة أراضيه من متطلبات القانون الدولي.

وكان التطور الذي جعل تركيا جزءاً من هذا التوتر الإقليمي هو «الاتفاقية الإطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي» الموقعة مع الصومال في 8 فبراير (شباط) الماضي.

وبموجب هذه الاتفاقية، ستقوم تركيا، التي لديها بالفعل أكبر قاعدة عسكرية بالخارج في مقديشو، عاصمة الصومال، بحماية المياه الإقليمية الصومالية لمدة 10 سنوات والمساهمة في تنمية الموارد البحرية.

ومنذ حوالي أسبوعين، وبناء على هذه الاتفاقية، وقعت تركيا والصومال اتفاقية تقوم تركيا بموجبها بالبحث عن النفط والغاز في 3 مناطق قبالة سواحل الصومال في البحر الأحمر، بدءا من نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل، ووافق البرلمان التركي قبل أيام على مذكرة رئاسية بإرسال قوات إلى الصومال، بينها عناصر بحرية، لمدة عامين.

تركيا وقعت مع الصومال منذ أسبوعين اتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحله في البحر الأحمر (وزارة الطاقة التركية)

وساطة تحركها المصالح

ورأى مراقبون أن الاندفاع التركي لإنهاء النزاع الصومالي الإثيوبي، عبر اتفاق يضمن وصولا لإثيوبيا إلى البحر الأحمر مع عدم المساس بوحدة الصومال وسيادته، مرجعه مصالحها في الصومال التي تتبلور في مجال الطاقة، واتخاذ الاحتياطات اللازمة تجاه مبادرة محتملة من إثيوبيا.

والصومال من بين الدول التي استثمرت فيها تركيا أكبر قدر من الاستثمارات السياسية والاقتصادية والعسكرية منذ عام 2011.

وتمتلك تركيا، التي تقدم الدعم الفني والتدريب للقوات المسلحة الصومالية ضمن نطاق اتفاقية التدريب والتعاون العسكري الموقعة في عام 2012، قاعدة عسكرية كبيرة في مقديشو، تعرف باسم «توركصوم» هي أكبر قواعد تركيا العسكرية بالخارج.

وفي 8 مايو (أيار) الماضي، قدم الممثل الخاص لرئيس الوزراء الإثيوبي، مولاتو تيشومي ويرتو، ووزير الخارجية تاي أتسكي سيلاسي، رسالة رسمية من رئيس الوزراء، آبي أحمد، تحتوي على طلبه للوساطة إلى الرئيس رجب طيب إردوغان، وذلك بعد 3 أشهر من توقيع الاتفاقية العسكرية والاقتصادية الإطارية بين أنقرة ومقديشو.

جانب من التدريبات العسكرية في القاعدة العسكرية التركية في مقديشو (توركصوم) (أرشيفية - الدفاع التركية)

وسبق ذلك اجتماع لوزيري خارجية إثيوبيا والصومال في نيروبي في 9 و10 مارس (آذار) لم يحقق أي نتائج.

وتولي إثيوبيا أهمية كبيرة للعلاقات مع تركيا، ويرجع طلبها الوساطة التركية إلى أسباب مهمة سواء على مستوى العلاقات الإقليمية أو الثنائية، إذ تتوتر علاقاتها مع جارتيها، السودان وجنوب السودان، بسبب الخط الحدودي المتنازع عليه، فضلا عن الخلافات مع مصر بسبب سد النهضة.

كما تشهد إثيوبيا، التي تتمتع بهيكل حكومي فيدرالي، توترات أحياناً داخل البلاد مع مناطق تيغراي وأمهرة وأوموريا، وكانت هناك صراعات مسلحة خطيرة للغاية، خاصة ما بين عامي 2020 و2022، مع جبهة تحرير شعب تيغراي في شمال البلاد، واتهم الغرب أديس أبابا بـ«التطهير العرقي».

وفي ظل هذه المشاكل، سعت إثيوبيا إلى تطوير التعاون العسكري والصناعي الدفاعي مع تركيا في السنوات الأخيرة، وتم توقيع اتفاقية للتعاون في مجال الصناعة الدفاعية بين البلدين في عام 2013، كما تم بعد ذلك التوقيع على اتفاقيات الإطار المالي والعسكري العسكري خلال زيارة آبي أحمد لأنقرة في أغسطس (آب) 2021.

وباعت تركيا، في نطاق هذا التعاون، طائرات مسلحة من دون طيار إلى إثيوبيا، استخدمت بشكل خاص ضد جبهة تحرير تيغراي.

وتنصح تركيا، التي تدخلت لحل المشكلة بين الصومال وإثيوبيا، البلدين بالتغلب على المشكلة من خلال الحوار ووفقا للقانون الدولي.