كيف يُمكن لديبي تفادي «الأزمات الداخلية» في تشاد؟

عقب إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية

تشاديون يصطفون للإدلاء بأصواتهم بالانتخابات الرئاسية في نجامينا 06 مايو 2024 (إ.ب.أ)
تشاديون يصطفون للإدلاء بأصواتهم بالانتخابات الرئاسية في نجامينا 06 مايو 2024 (إ.ب.أ)
TT

كيف يُمكن لديبي تفادي «الأزمات الداخلية» في تشاد؟

تشاديون يصطفون للإدلاء بأصواتهم بالانتخابات الرئاسية في نجامينا 06 مايو 2024 (إ.ب.أ)
تشاديون يصطفون للإدلاء بأصواتهم بالانتخابات الرئاسية في نجامينا 06 مايو 2024 (إ.ب.أ)

أثار فوز رئيس المجلس العسكري في تشاد محمد إدريس ديبي، بالانتخابات الرئاسية التي جرت (الأحد) و(الاثنين) الماضيين، تساؤلات حول قدرته، على تفادي الأزمات الداخلية التي شهدتها البلاد خلال الفترة الانتقالية مدتها 3 سنوات.

وعدّ محللون وخبراء اختصاصيون في السياسة الأفريقية، أن رئيس المجلس العسكري التشادي «يحظى بتوافق داخلي» يمكن استثماره في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه البلاد.

ووفقاً لنتائج رسمية أولية، أعلنت اللجنة الانتخابية فوز ديبي، في الانتخابات بحصوله على 61.03 في المائة من إجمالي الأصوات، متفوقاً على أقرب منافسيه رئيس وزرائه السابق سيكسيه ماسرا، الذي حصل على 18.53 في المائة من الأصوات، وهو ما يعني فوز ديبي من الجولة الأولى. وجرت الانتخابات بين 10 مرشحين؛ أبرزهم محمد إدريس ديبي، وماسرا.

ويتبقى تصديق المجلس الدستوري على نتائج الانتخابات، وإعلانها بشكل نهائي يوم 21 مايو (أيار) الحالي، وفقاً للخريطة الزمنية المعلنة للانتخابات.

محيط إقليمي مضطرب

وأنهت الانتخابات الرئاسية في تشاد فترة انتقالية عمرها 3 سنوات، برئاسة المجلس العسكري الذي تولى إدارة البلاد، عقب مقتل الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي، في أبريل (نيسان) 2021.

وجرت الانتخابات التشادية في محيط إقليمي مضطرب، ما بين «انقلابات» في بعض دول منطقة الساحل الأفريقي، وتوترات الأوضاع بدول جوار تشاد من بينها السودان وليبيا، وعدّ المحلل السياسي التشادي صالح يونس أن «التطورات الإقليمية تؤثر بالسلب على الأوضاع الاقتصادية والأمنية في تشاد، وينتج عن ذلك تحديات سيستوجب على ديبي مواجهتها».

وأشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن تشاد «تمر بمرحلة صعبة وحرجة منذ وفاة (ديبي الأب)، ومنذ بدء الفترة الانتقالية كانت هناك تحديات تتعلق بالمعارضة الداخلية والمعارضة المسلحة، التي شاركت في (حوار وطني) داخلي انتهى بخريطة طريق تمهد للانتخابات الرئاسية».

المصالحة الوطنية الداخلية

وتعهد (ديبي الابن) خلال حملته الانتخابية بتعزيز الأمن، وسيادة القانون، وزيادة إنتاج الكهرباء، وإكمال عملية الانتقال السياسي التي بدأت في البلاد منذ 3 سنوات.

لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة زايد بالإمارات العربية المتحدة، الخبير في الشأن الأفريقي الدكتور حمدي عبد الرحمن، عدّ «التحدي الأساسي أمام الرئيس التشادي الجديد، قدرته على استكمال المصالحة الوطنية الداخلية، ذلك أن جلسات (الحوار الوطني) الذي تم عقده في تشاد لم تشارك فيه الجماعات المسلحة وأحزاب المعارضة والمنظمات المدنية كافة، بجانب الخلاف بين القبائل بسبب سيطرة قبيلة (الزغاوة) على الحكم منذ 30 عاماً».

وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك توترات على مستوى النخبة الحاكمة وداخل أسرة الرئيس نفسه، خصوصاً بعد اعتقال عمه في مارس (آذار) الماضي، ومقتل ابن عمه رئيس الحزب الاشتراكي المعارض في فبراير (شباط) الماضي».

ويرى عبد الرحمن أن «نقطة البداية أمام ديبي هي استكمال المصالحة الداخلية وتحقيق الاستقرار داخل النخبة الحاكمة»، ولفت إلى أن الأخير «يمتلك بُعداً قبلياً يمكن استثماره، حيث ينتمي لقبيلة (الزغاوة) من جهة والده، وفي الوقت نفسه يحمل انتماء لقبيلة (التبو) من ناحية الأم».

مواجهة التحديات الاقتصادية

استطاع الرئيس التشادي الجديد أن يصمد أمام تحديات الفترة الانتقالية خلال الثلاث سنوات الماضية، وهو ما أشار إليه المحلل التشادي صالح يونس، عادّاً أن الرئيس الجديد «شخصية توافقية للتشاديين، كما حصل على مباركة الغرب، خصوصاً فرنسا صاحبة النفوذ الكبير في تشاد ومنطقة الساحل».

ورغم أنه أشار إلى أن «هذه الأبعاد ستمكنه من التعامل مع تحديات المصالحة الداخلية والتحديات الأمنية»، لفت عبد الرحمن إلى صعوبة الملف الاقتصادي بسبب الأوضاع الإقليمية المحيطة، وكثرة تدفق اللاجئين السودانيين لبلاده.

وتمتلك تشاد قدرات اقتصادية كثيرة تمكنها من مواجهة التحديات الاقتصادية، وهو ما أشار إليه أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد، وقال إن «توزيع عوائد النفط بشكل عادل، سيسهم في تحقيق التنمية وتوزيع الخدمات العامة على جميع المواطنين، وبالتالي يسهم في التخفيف من وطأة التوترات المجتمعية».

وأشار إلى «تنامي حالة عدم الرضا بسبب عدم تقاضي الأجور، وبسبب ضعف الخدمات الصحية، حيث تصنف تشاد من أسوأ مؤشرات الرعاية الصحية في العالم».

وتعد تشاد دولة محورية في الحرب على الإرهاب بمنطقة الساحل الأفريقي، وتمثل قاعدة مهمة للوجود الفرنسي والغربي في منطقة الساحل، وأوضح عبد الرحمن أن هناك اهتماماً غربياً وإقليمياً باستقرار تشاد، خصوصاً أنها «تمثل رأس حربة بمنطقة الساحل في مواجهة الإرهاب»، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى ضرورة «تنويع الرئيس الجديد لعلاقاته الخارجية مع دول أخرى غير الغرب».


مقالات ذات صلة

ليبيا: إجراء الانتخابات المحلية ينعش الآمال بعقد «الرئاسية» المؤجلة

شمال افريقيا ممثلو دول أوروبية داخل مركز العدّ والإحصاء التابع لمفوضية الانتخابات الليبية (المفوضية)

ليبيا: إجراء الانتخابات المحلية ينعش الآمال بعقد «الرئاسية» المؤجلة

قال محمد المنفي رئيس «المجلس الرئاسي» إن إجراء الانتخابات المحلية «مؤشر على قدرة الشعب على الوصول لدولة مستقرة عبر الاستفتاءات والانتخابات العامة».

جمال جوهر (القاهرة)
الولايات المتحدة​ الملياردير إيلون ماسك (رويترز)

هل يمكن أن يصبح إيلون ماسك رئيساً للولايات المتحدة في المستقبل؟

مع دخوله عالم السياسة، تساءل كثيرون عن طموح الملياردير إيلون ماسك وما إذا كان باستطاعته أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة في المستقبل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزير الداخلية جيرالد دارمانان (اليمين) متحدثاً إلى الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (رويترز)

زلزال سياسي - قضائي في فرنسا يهدد بإخراج مرشحة اليمين المتطرف من السباق الرئاسي

زلزال سياسي - قضائي في فرنسا يهدد بإخراج مرشحة اليمين المتطرف من السباق الرئاسي، إلا أن البديل جاهز بشخص رئيس «حزب التجمع الوطني» جوردان بارديلا.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا جلسة برلمانية في «البوندستاغ»... (إ.ب.أ)

أكثر من 100 برلماني يتقدمون باقتراح لحظر حزب «البديل من أجل ألمانيا»

تقدم أكثر من 100 نائب ألماني باقتراح لرئيسة البرلمان لمناقشة حظر حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف.

راغدة بهنام (برلين)
الولايات المتحدة​ أرشيفية لمقدم البرامج بيت هيغسيث خلال حفل لشبكة «فوكس نيوز» (أ.ف.ب)

بيت هيغسيث مرشح ترمب لوزارة الدفاع... مقدم برامج مثير للجدل

اختيار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مقدم البرامج في «فوكس نيوز» بيت هيغسيث لمنصب وزير الدفاع، يثير جدلاً بسبب مواقفه.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
TT

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان؛ أي ما يناهز 60 في المائة من سكان هذا البلد الذي يعاني من العنف والكوارث المناخية، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

تدهور الوضع الإنساني في جنوب السودان، أفقر دول العالم، بسبب أسوأ فيضانات تشهدها المنطقة منذ عقود، ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين من السودان المجاور الذي يعيش حرباً.

وتوقع أحدث تقرير أصدرته الأمم المتحدة ويستند إلى مؤشر «آي بي سي» (الإطار المتكامل لتصنيف الأمن الغذائي) الذي يتضمن خمسة مستويات لعتبة الجوع، زيادة في عدد الأشخاص المعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويقدّر آخر تقييم للوضع أن 7.69 مليون شخص، من ضمنهم 2.1 مليون طفل، سيواجهون في أبريل (نيسان) خطر «عدم التمكن من استهلاك كمية كافية من الغذاء، يعرض حياتهم أو سبل عيشهم لخطر فوري» (أي في المستوى الثالث أو أكثر)، مقابل 7.1 مليون هذا العام.

وسيجد من بينهم 63 ألفاً أنفسهم في وضع «كارثة» غذائية (المرحلة 5) التي تسبق المجاعة.

وتقول ماري إلين ماكغروارتي، مديرة برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان في بيان: «عاماً بعد عام، نلاحظ أن الجوع يبلغ أعلى مستوياته في جنوب السودان».

وأوضحت: «عندما نعاين المناطق التي تشهد أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي، فمن الواضح أن مزيجاً من اليأس والنزاع والأزمة المناخية هو السبب الرئيسي».

ويواجه جنوب السودان المعرّض للكوارث المناخية، أسوأ فيضانات منذ عشرات السنين أدت إلى نزوح 380 ألف شخص وتضرر 4.1 مليون، بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا).

كما ينبغي أن يتعامل مع وصول 810 آلاف شخص فروا من الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 في السودان المجاور، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

وعلى الصعيد السياسي، تعاني البلاد من الشلل وينخرها الفساد والخلافات الناجمة عن الحرب الأهلية التي أدت إلى مقتل 400 ألف شخص ونزوح الملايين بين عامَي 2013 و2018.

كما أعلنت الحكومة في سبتمبر (أيلول) إرجاء أول انتخابات في تاريخ البلد كانت مقررة في ديسمبر (كانون الأول) لعامين.

وتعرّض اقتصاد جنوب السودان إلى ضربة كبيرة حرمته من مصدر عائداته الرئيسي عندما انفجر أنبوب رئيسي للنفط في السودان في فبراير (شباط)؛ ما أدى إلى تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.