بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين

أربعة فرنسيين آخرين محتجزون منذ أشهر في البلد الأفريقي

جنود من جيش بوركينا فاسو بمنطقة سوم على طول الحدود مع مالي في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)
جنود من جيش بوركينا فاسو بمنطقة سوم على طول الحدود مع مالي في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)
TT

بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين

جنود من جيش بوركينا فاسو بمنطقة سوم على طول الحدود مع مالي في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)
جنود من جيش بوركينا فاسو بمنطقة سوم على طول الحدود مع مالي في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)

طردت سلطات بوركينا فاسو، ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين قالت إنهم متورطون في «أعمال تخريبية»، وهو ما نفاه الفرنسيون، مؤكدين أن الدبلوماسيين لم يخرجوا عن دائرة عملهم الروتيني.

وتدخل هذه الحادثة في سياق سلسلة من التوترات تطبع علاقات البلدين منذ وصول النقيب إبراهيم تراوري إلى السلطة في بوركينا فاسو عام 2022، وتبنيه خطاباً معادياً للقوة الاستعمارية السابقة. وكتبت وزارة خارجية بوركينا فاسو مذكرة، الثلاثاء الماضي، وبعثت بها إلى السفارة الفرنسية في واغادوغو (عاصمة بوركينا فاسو)، ولكن المذكرة لم تنشر على الفور، وإنما بقيت طي الكتمان حتى اليوم الخميس.

وجاء في المذكرة أن الدبلوماسيين الثلاثة «صنّفوا أشخاصاً غير مرغوب فيهم على أراضي بوركينا فاسو بسبب قيامهم بنشاطات تخريبية»، ثم أضافت الوزارة في المذكرة أنه يطلب من هؤلاء الدبلوماسيين مغادرة أراضي بوركينا فاسو في غضون 48 ساعة، وهو الأجل الذي ينتهي الخميس.

سبب الاستياء

وقالت إذاعة فرنسا الدولية، الممنوعة من البث في بوركينا فاسو بقرار من المجلس العسكري الحاكم، إن الدبلوماسيين الثلاثة «أجروا خلال الأيام الأخيرة أنشطة دبلوماسية كلاسيكية، تضمنت لقاءات مع منظمات من المجتمع المدني، وبعض المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي ورجال الأعمال ورؤساء تنفيذيين لبعض المؤسسات».

وأضافت الإذاعة القريبة من الدولة الفرنسية، أن الدبلوماسيين الثلاثة عقدوا لقاءات أيضاً مع «وسائل إعلام محلية لا تتبنى توجه المجلس العسكري الحاكم نفسه»، قبل أن تتساءل إن كان ذلك هو سبب «استياء» سلطات بوركينا فاسو.

وبخصوص الدبلوماسيين الفرنسيين الذين صنفتهم واغادوغو أشخاصاً غير مرغوب فيهم، فقد أكدت إذاعة فرنسا الدولية أن أحدهم «غادر بوركينا فاسو قبل عدة أيام»، دون أن تعطي أي تفاصيل حول الاثنين الآخرين.

التعليق الفرنسي

وفي أولّ تعليق رسمي فرنسي على الموضوع، عبّرت باريس عن أسفها على قرار واغادوغو طرد الدبلوماسيين الفرنسيين، ونفت بشكل قاطع كل التهم الموجهة لهم.

وجاء على لسان كريستوف لوموان، نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أن «قرار السلطات في بوركينا فاسو لا يستند إلى أي أساس مشروع»، وأكد في السياق ذاته أن الاتهامات الموجهة إلى فرنسيين «لا أساس لها من الصحة».

وتدهورت العلاقات بين فرنسا وبوركينا فاسو بشكل كبير منذ وصول إبراهيم تراوري إلى السلطة في سبتمبر (أيلول) 2022 بانقلاب كان الثاني خلال ثمانية أشهر، مع إنهاء البلاد اتفاقاً عسكرياً مع باريس وانسحاب القوات الفرنسية.

وكان لافتاً حينها أن المتظاهرين المؤيدين للانقلاب العسكري توجهوا نحو السفارة الفرنسية، وخربوا أجزاء من مبناها، وأحرقوا العلم الفرنسي، وطالبوا بشكل صريح بقطع العلاقات بفرنسا التي يحمّلونها مسؤولية تغلغل الجماعات الإرهابية في بوركينا فاسو.

ومنذ ذلك الوقت، وقعت أحداث متلاحقة ساهمت في تدهور العلاقات بين البلدين، ولكنها لم تصل بعد إلى درجة قطع العلاقات أو إغلاق السفارات، كما حدث في مالي المجاورة، التي طردت السفير الفرنسي.

توتر متصاعد

في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اعتقلت سلطات بوركينا فاسو 4 موظفين حكوميين فرنسيين، قالت إنهم عملاء استخبارات، ويوجدون منذ ذلك الوقت تحت الإقامة الجبرية في شقة معزولة في العاصمة واغادوغو.

ولكن الجانب الفرنسي يؤكد أن الموظفين المحتجزين في واغادوغو هم مجرد تقنيي حاسوب، جرى اعتقالهم قبل «توجيه التهمة إليهم ثم تمت إحالتهم إلى السجن».

وقبل ذلك في شهر سبتمبر الماضي، طردت سلطات بوركينا فاسو الملحق العسكري في سفارة فرنسا بتهمة ممارسة «أنشطة تخريبية»، وقالت في بيان حينها إن قرار الطرد شمل «الملحق العسكري بالسفارة الفرنسية إيمانويل باسكييه، والموظفين العاملين معه»، وبررت ذلك بتورطه في «أنشطة تخريبية».

وفي شهر ديسمبر من عام 2022، رحّلت سلطات بوركينا فاسو فرنسيين يعملان في شركة محلية بعدما اشتبهت في أنهما «يتجسسان» لصالح بلدهما.

وبينما يتواصل التضييق على الفرنسيين في بوركينا فاسو، قررت السلطات منع بث جميع وسائل الإعلام الفرنسية في البلاد، بعد أن اتهمتها بنشر أخبار كاذبة تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في البلد.

ويرافق ذلك تقارب شديد مع روسيا؛ حيث عقدت واغادوغو شراكة أمنية وعسكرية قوية مع موسكو، حصلت بموجبها على صفقات سلاح ضخمة لم تعلن تفاصيلها، وأصبح المدربون العسكريون الروس ينشطون بقوة داخل جيش بوركينا فاسو.



بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
TT

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات هاتفية مع الرئيس السنغالي بشيرو ديوماي فاي، ناقشا خلالها الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، حيث يتصاعد خطر الجماعات الإرهابية، حسب ما أعلن الكرملين. وقال الكرملين في بيان صحافي، إن المباحثات جرت، الجمعة، بمبادرة من الرئيس السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل».

الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي (أ.ب)

الأمن والإرهاب

وتعاني دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المحاذية للسنغال، من تصاعد خطر الجماعات الإرهابية منذ أكثر من عشر سنوات، ما أدخلها في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتتالية.

وتوجهت الأنظمة العسكرية الحاكمة في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، نحو التحالف مع روسيا التي أصبحت الشريك الأول لدول الساحل في مجال الحرب على الإرهاب، بدلاً من الحلفاء التقليديين؛ فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

وبموجب ذلك، نشرت روسيا المئات من مقاتلي مجموعة (فاغنر) في دول الساحل لمساعدتها في مواجهة تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول، حصلت الأخيرة بموجبها على طائرات حربية ومعدات عسكرية متطورة ومسيرات.

ومع ذلك لا تزالُ الجماعات الإرهابية قادرة على شن هجمات عنيفة ودامية في منطقة الساحل، بل إنها في بعض الأحيان نجحت في إلحاق هزائم مدوية بمقاتلي «فاغنر»، وقتلت العشرات منهم في شمال مالي.

في هذا السياق، جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، حيث قال الكرملين إن المباحثات كانت فرصة لنقاش «الوضع في منطقة الصحراء والساحل وغرب أفريقيا، على خلفية عدم الاستقرار المستمر هناك، الناجم عن أعمال الجماعات الإرهابية».

وتخشى السنغال توسع دائرة الأعمال الإرهابية من دولة مالي المجاورة لها لتطول أراضيها، كما سبق أن عبرت في كثير من المرات عن قلقها حيال وجود مقاتلي «فاغنر» بالقرب من حدودها مع دولة مالي.

الرئيس إيمانويل ماكرون مودعاً رئيس السنغال بشير ديوماي فاي على باب قصر الإليزيه (رويترز)

وفي تعليق على المباحثات، قال الرئيس السنغالي في تغريدة على منصة «إكس» إنها كانت «ثرية وودية للغاية»، مشيراً إلى أنه اتفق مع بوتين على «العمل معاً لتعزيز الشراكة الثنائية والسلام والاستقرار في منطقة الساحل، بما في ذلك الحفاظ على فضاء الإيكواس»، وذلك في إشارة إلى (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، وهي منظمة إقليمية تواجه أزمات داخلية بسبب تزايد النفوذ الروسي في غرب أفريقيا.

وكانت الدول المتحالفة مع روسيا (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) قد جمدت عضويتها في المنظمة الإقليمية، واتهمتها بأنها لعبة في يد الفرنسيين يتحكمون فيها، وبدأت هذه الدول الثلاث، بدعم من موسكو، تشكيل منظمة إقليمية جديدة تحت اسم (تحالف دول الساحل)، هدفها الوقوف في وجه منظمة «إيكواس».

صورة جماعية لقادة دول مجموعة «إكواس» في أبوجا السبت (رويترز)

علاقات ودية

وفيما يزيد النفوذ الروسي من التوتر في غرب أفريقيا، لا تتوقف موسكو عن محاولة كسب حلفاء جدد، خاصة من بين الدول المحسوبة تقليدياً على فرنسا، والسنغال تعد واحدة من مراكز النفوذ الفرنسي التقليدي في غرب أفريقيا، حيث يعود تاريخ الوجود الفرنسي في السنغال إلى القرن السابع عشر الميلادي.

ولكن السنغال شهدت تغيرات جذرية خلال العام الحالي، حيث وصل إلى الحكم حزب «باستيف» المعارض، والذي يوصف بأنه شديد الراديكالية، ولديه مواقف غير ودية تجاه فرنسا، وعزز هذا الحزب من نفوذه بعد فوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان هذا الأسبوع.

وفيما وصف بأنه رسالة ودية، قال الكرملين إن بوتين وديوماي فاي «تحدثا عن ضرورة تعزيز العلاقات الروسية السنغالية، وهي علاقات تقليدية تطبعها الودية، خاصة في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية».

ميليشيا «فاغنر» تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

وأضاف بيان الكرملين أن الاتفاق تم على أهمية «تنفيذ مشاريع مشتركة واعدة في مجال الطاقة والنقل والزراعة، خاصة من خلال زيادة مشاركة الشركات الروسية في العمل مع الشركاء السنغاليين».

وفي ختام المباحثات، وجّه بوتين دعوة إلى ديوماي فاي لزيارة موسكو، وهو ما تمت الموافقة عليه، على أن تتم الزيارة مطلع العام المقبل، حسب ما أوردت وسائل إعلام محلية في السنغال.

وسبق أن زارت وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال، قبل عدة أشهر العاصمة الروسية موسكو، وأجرت مباحثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، حول قضايا تتعلق بمجالات بينها الطاقة والتكنولوجيا والتدريب والزراعة.

آثار الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين بدكار في 9 فبراير (رويترز)

حياد سنغالي

رغم العلاقة التقليدية القوية التي تربط السنغال بالغرب عموماً، وفرنسا على وجه الخصوص، فإن السنغال أعلنت اتخاذ موقف محايد من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وطلبت قبل أشهر من السفير الأوكراني مغادرة أراضيها، بعد أن أدلى بتصريحات اعترف فيها بدعم متمردين في شمال مالي، حين كانوا يخوضون معارك ضد الجيش المالي وقوات «فاغنر».

من جانب آخر، لا تزالُ فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للسنغال، رغم تصاعد الخطاب الشعبي المعادي لفرنسا في الشارع السنغالي، ورفع العلم الروسي أكثر من مرة خلال المظاهرات السياسية الغاضبة في السنغال.

ومع ذلك، لا يزالُ حجم التبادل التجاري بين روسيا والسنغال ضعيفاً، حيث بلغت صادرات روسيا نحو السنغال 1.2 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يمثل 8 في المائة من إجمالي صادرات روسيا نحو القارة الأفريقية، في المرتبة الثالثة بعد مصر (28 في المائة) والجزائر (20 في المائة). ولا يخفي المسؤولون الروس رغبتهم في تعزيز التبادل التجاري مع السنغال، بوصفه بوابة مهمة لدخول أسواق غرب أفريقيا.