مخاوف من تنامي «الانقلابات المضادة» في أفريقيا

بعد إعلان بوركينا فاسو إحباط محاولة «استيلاء على السلطة»

قائد الانقلاب في بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري (AP)
قائد الانقلاب في بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري (AP)
TT

مخاوف من تنامي «الانقلابات المضادة» في أفريقيا

قائد الانقلاب في بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري (AP)
قائد الانقلاب في بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري (AP)

أثار إعلان المجلس العسكري في بوركينا فاسو، في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء، عن إحباط «محاولة انقلاب» ضده، مخاوف من تنامي «الانقلابات المضادة» في الدول الأفريقية التي يحكمها عسكريون، خاصة في الغرب، الذي يعاني من هشاشة أمنية وسياسية واقتصادية، جعلته أكثر المناطق في العالم التي تشهد انقلابات.

وتأتي المحاولة الانقلابية الأخيرة بعد عام تقريباً من تولي الكابتن تراوري السلطة بعد انقلاب قاده في 30 سبتمبر (أيلول) من العام الماضي. واتهم بيان، بثّه التلفزيون الرسمي في بوركينا فاسو، منظمي محاولة الانقلاب الجديدة بـ«تغذية الأهداف الشريرة المتمثلة في مهاجمة مؤسسات الجمهورية ودفع البلاد إلى الفوضى».

وكان انقلاب الغابون، نهاية الشهر الماضي، ثامن انقلاب «ناجح» منذ 2020 تشهده منطقة غرب ووسط أفريقيا، التي تعززت سمعتها كـ«حزام للانقلابات»، بعد وقوع كثير من عمليات الاستيلاء على السلطة في دول بالمنطقة، مثل النيجر وغينيا ومالي وبوركينا فاسو وتشاد.

كما شهد كثير من الدول الأفريقية خلال السنوات الأخيرة عدداً من «محاولات الانقلاب»، فمن بين 5 محاولات انقلابية في عام 2022، نجحت محاولتان منها فقط في بوركينا فاسو، كما شهدت غينيا بيساو، وغامبيا، وجزيرة ساو تومي وبرينسيبي محاولات انقلاب فاشلة. وفي عام 2021، وقعت 6 محاولات انقلابية في أفريقيا، نجحت 4 انقلابات منها.

مؤيدو الانقلاب بالنيجر يرفعون علم الصين وعلما يحمل شعار ميليشيا «فاغنر» في نيامي في 16 سبتمبر الحالي (أ. ف. ب)

وظل العدد الإجمالي لمحاولات الانقلاب في أفريقيا ثابتاً بشكل ملحوظ بين عامي 1960 و2000، بمعدل حوالي 4 محاولات سنوياً، إلا أن هذا المعدل زادت وتيرته خلال السنوات الأخيرة.

وبدا لافتاً وقوع محاولات انقلابية متكررة في الدول التي شهدت انقلابات عسكرية خلال السنوات الأخيرة، ففي 14 مايو (أيار) الماضي، قالت الحكومة المالية إنها أحبطت محاولة انقلابية، قام بها ضباط وضباط صف ماليون مدعومون من قبل دولة غربية لم تسمّها.

ومنذ يونيو (حزيران) من العام الماضي، أصبح رئيس المجلس العسكري، العقيد أسيمي غويتا، رئيساً انتقالياً، لكنه تراجع عن وعد قطعه إثر الانقلاب، وتعهد فيه بإعادة السلطة إلى المدنيين بعد انتخابات كان يفترض أن تجري في فبراير (شباط) 2022.

وأعلنت حكومة تشاد، مطلع يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، أنها أحبطت «محاولة لزعزعة الاستقرار»، قام بها ضباط بهدف المساس بـ«النظام الدستوري ومؤسسات الجمهورية».

ويشير الباحث في مركز السياسة الدولية بجنوب أفريقيا، كارلوس ريفيرو، إلى أن المحاولة الانقلابية التي أعلنت عنها السلطات في بوركينا فاسو «ليست استثناء»، معتبراً تلك المحاولة «دليلاً على مدى هشاشة الأوضاع السياسية والأمنية في كثير من دول القارة، وخاصة في دول الساحل والصحراء».

الرئيس النيجري محمد بازوم الذي خلعه انقلاب في يوليو الماضي (أ. ب)

وأوضح ريفيرو لـ«الشرق الأوسط» أن هشاشة البنية الديمقراطية في كثير من دول القارة أظهرت وجود سمتين متشابكتين تميزان أفريقيا عن بقية العالم، الأولى تتمثل في الدعم الشعبي عندما يكون هناك انقلاب، والآخر هو دعم المجتمع المتزايد للحكم العسكري كشكل من أشكال الحكم.

ولفت الباحث الجنوب أفريقي إلى أن استئثار كثير من المؤسسات العسكرية بالقوة في دول أفريقية عدة يجعلها ترى في نفسها أنها الأقدر على الحكم، ومع كل انقلاب تظهر مجموعات مناوئة، سواء من الموالين للحكم السابق، أو من المتطلعين إلى السلطة من المجموعات العسكرية التي ترى في نفسها القدرة على الأخذ بزمام الأمور، مضيفاً أنه إذا لم يتم التوصل إلى حلول عسكرية وسياسية واقتصادية مستدامة، فسوف تكثر الانقلابات العسكرية في المنطقة، وسيظل الناس يتجمعون في الشوارع للترحيب بها.

ويلفت الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، رامي زهدي، إلى بعد آخر في ظاهرة الانقلابات وما تستتبعها من محاولات انقلابية باتت معتادة في القارة الأفريقية، وهو البعد الخارجي، مشيراً إلى أن ما يقرب من 210 انقلابات «معلنة» في أفريقيا وعدداً أكبر «غير معلن» يشير إلى وجود تأثيرات واضحة لدور القوى الدولية التي ترى في الانقلابات «أداة قليلة التكلفة لإحداث التغيير وتحقيق مصالح لها في كثير من دول القارة».

ويشير زهدي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن استمرار «الديكتاتوريات الموالية للقوى الاستعمارية القديمة»، وخاصة في دول الساحل والصحراء، يدفع النخب العسكرية إلى محاولة تغيير الوضع بالقوة، مع انسداد أفق التغيير الديمقراطي، مضيفاً أنه في كثير من الأحيان تحظى تلك الانقلابات بمساندة شعبية، لكن سرعان ما تحاول قوى إقليمية ودولية إغراء مجموعات عسكرية أخرى بمحاولة استخدام نفس الأداة لتغيير السلطة، وهو ما يؤدي إلى استمرار «الدائرة المفرغة» للتحولات غير الدستورية في أفريقيا.

ولا يستبعد الخبير في الشؤون الأفريقية أن تشهد دول القارة، وخاصة الأكثر معاناة من الفقر والهشاشة السياسية والأمنية، موجات متتالية من الانقلابات والانقلابات المضادة، طالما بقيت الظروف السياسية والاقتصادية المنتجة لها.


مقالات ذات صلة

«كوب 29» يسدل ستاره بالاتفاق على تمويل مناخي بـ300 مليار دولار

الاقتصاد رئيس «كوب 29» مختار باباييف يصفق خلال الجلسة العامة الختامية لقمة الأمم المتحدة للمناخ (أ.ب)

«كوب 29» يسدل ستاره بالاتفاق على تمويل مناخي بـ300 مليار دولار

اتفقت دول العالم، بعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة، على هدف تمويل سنوي بقيمة 300 مليار دولار لمساعدة الدول الأكثر فقراً على مواجهة آثار تغير المناخ.

«الشرق الأوسط» (باكو)
صحتك طفل مصاب بجدري القردة يتلقى الرعاية الصحية (أ.ب)

«الصحة العالمية»: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم الجمعة، إن تفشي جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
رياضة عالمية منتخب سيدات المغرب من المرشحات لجائزة الأفضل في القارة الأفريقية (الشرق الأوسط)

«كاف» يعلن قوائم المرشحات للفوز بجوائز السيدات 

أعلن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف)، اليوم (الأربعاء)، القوائم المرشحة للحصول على جوائزه لعام 2024 في فئة السيدات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية كولر مدرب الأهلي المصري ينافس 4 مدربين لمنتخبات على الأفضل في أفريقيا (أ.ف.ب)

«كاف»: 5 مرشحين لجائزة أفضل مدرب في أفريقيا

أعلن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) عن القائمة النهائية للمرشحين لجائزة أفضل مدرب في القارة السمراء في عام 2024.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية أشرف حكيمي (أ.ب)

حكيمي يتصدر قائمة المرشحين لجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

ينافس المغربي الدولي أشرف حكيمي بقوة على جائزة أفضل لاعب في أفريقيا للعام الثاني على التوالي بعد دخوله القائمة المختصرة للمرشحين، التي أعلنها الاتحاد الأفريقي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
TT

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات هاتفية مع الرئيس السنغالي بشيرو ديوماي فاي، ناقشا خلالها الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، حيث يتصاعد خطر الجماعات الإرهابية، حسب ما أعلن الكرملين. وقال الكرملين في بيان صحافي، إن المباحثات جرت، الجمعة، بمبادرة من الرئيس السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل».

الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي (أ.ب)

الأمن والإرهاب

وتعاني دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المحاذية للسنغال، من تصاعد خطر الجماعات الإرهابية منذ أكثر من عشر سنوات، ما أدخلها في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتتالية.

وتوجهت الأنظمة العسكرية الحاكمة في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، نحو التحالف مع روسيا التي أصبحت الشريك الأول لدول الساحل في مجال الحرب على الإرهاب، بدلاً من الحلفاء التقليديين؛ فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

وبموجب ذلك، نشرت روسيا المئات من مقاتلي مجموعة (فاغنر) في دول الساحل لمساعدتها في مواجهة تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول، حصلت الأخيرة بموجبها على طائرات حربية ومعدات عسكرية متطورة ومسيرات.

ومع ذلك لا تزالُ الجماعات الإرهابية قادرة على شن هجمات عنيفة ودامية في منطقة الساحل، بل إنها في بعض الأحيان نجحت في إلحاق هزائم مدوية بمقاتلي «فاغنر»، وقتلت العشرات منهم في شمال مالي.

في هذا السياق، جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، حيث قال الكرملين إن المباحثات كانت فرصة لنقاش «الوضع في منطقة الصحراء والساحل وغرب أفريقيا، على خلفية عدم الاستقرار المستمر هناك، الناجم عن أعمال الجماعات الإرهابية».

وتخشى السنغال توسع دائرة الأعمال الإرهابية من دولة مالي المجاورة لها لتطول أراضيها، كما سبق أن عبرت في كثير من المرات عن قلقها حيال وجود مقاتلي «فاغنر» بالقرب من حدودها مع دولة مالي.

الرئيس إيمانويل ماكرون مودعاً رئيس السنغال بشير ديوماي فاي على باب قصر الإليزيه (رويترز)

وفي تعليق على المباحثات، قال الرئيس السنغالي في تغريدة على منصة «إكس» إنها كانت «ثرية وودية للغاية»، مشيراً إلى أنه اتفق مع بوتين على «العمل معاً لتعزيز الشراكة الثنائية والسلام والاستقرار في منطقة الساحل، بما في ذلك الحفاظ على فضاء الإيكواس»، وذلك في إشارة إلى (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، وهي منظمة إقليمية تواجه أزمات داخلية بسبب تزايد النفوذ الروسي في غرب أفريقيا.

وكانت الدول المتحالفة مع روسيا (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) قد جمدت عضويتها في المنظمة الإقليمية، واتهمتها بأنها لعبة في يد الفرنسيين يتحكمون فيها، وبدأت هذه الدول الثلاث، بدعم من موسكو، تشكيل منظمة إقليمية جديدة تحت اسم (تحالف دول الساحل)، هدفها الوقوف في وجه منظمة «إيكواس».

صورة جماعية لقادة دول مجموعة «إكواس» في أبوجا السبت (رويترز)

علاقات ودية

وفيما يزيد النفوذ الروسي من التوتر في غرب أفريقيا، لا تتوقف موسكو عن محاولة كسب حلفاء جدد، خاصة من بين الدول المحسوبة تقليدياً على فرنسا، والسنغال تعد واحدة من مراكز النفوذ الفرنسي التقليدي في غرب أفريقيا، حيث يعود تاريخ الوجود الفرنسي في السنغال إلى القرن السابع عشر الميلادي.

ولكن السنغال شهدت تغيرات جذرية خلال العام الحالي، حيث وصل إلى الحكم حزب «باستيف» المعارض، والذي يوصف بأنه شديد الراديكالية، ولديه مواقف غير ودية تجاه فرنسا، وعزز هذا الحزب من نفوذه بعد فوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان هذا الأسبوع.

وفيما وصف بأنه رسالة ودية، قال الكرملين إن بوتين وديوماي فاي «تحدثا عن ضرورة تعزيز العلاقات الروسية السنغالية، وهي علاقات تقليدية تطبعها الودية، خاصة في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية».

ميليشيا «فاغنر» تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

وأضاف بيان الكرملين أن الاتفاق تم على أهمية «تنفيذ مشاريع مشتركة واعدة في مجال الطاقة والنقل والزراعة، خاصة من خلال زيادة مشاركة الشركات الروسية في العمل مع الشركاء السنغاليين».

وفي ختام المباحثات، وجّه بوتين دعوة إلى ديوماي فاي لزيارة موسكو، وهو ما تمت الموافقة عليه، على أن تتم الزيارة مطلع العام المقبل، حسب ما أوردت وسائل إعلام محلية في السنغال.

وسبق أن زارت وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال، قبل عدة أشهر العاصمة الروسية موسكو، وأجرت مباحثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، حول قضايا تتعلق بمجالات بينها الطاقة والتكنولوجيا والتدريب والزراعة.

آثار الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين بدكار في 9 فبراير (رويترز)

حياد سنغالي

رغم العلاقة التقليدية القوية التي تربط السنغال بالغرب عموماً، وفرنسا على وجه الخصوص، فإن السنغال أعلنت اتخاذ موقف محايد من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وطلبت قبل أشهر من السفير الأوكراني مغادرة أراضيها، بعد أن أدلى بتصريحات اعترف فيها بدعم متمردين في شمال مالي، حين كانوا يخوضون معارك ضد الجيش المالي وقوات «فاغنر».

من جانب آخر، لا تزالُ فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للسنغال، رغم تصاعد الخطاب الشعبي المعادي لفرنسا في الشارع السنغالي، ورفع العلم الروسي أكثر من مرة خلال المظاهرات السياسية الغاضبة في السنغال.

ومع ذلك، لا يزالُ حجم التبادل التجاري بين روسيا والسنغال ضعيفاً، حيث بلغت صادرات روسيا نحو السنغال 1.2 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يمثل 8 في المائة من إجمالي صادرات روسيا نحو القارة الأفريقية، في المرتبة الثالثة بعد مصر (28 في المائة) والجزائر (20 في المائة). ولا يخفي المسؤولون الروس رغبتهم في تعزيز التبادل التجاري مع السنغال، بوصفه بوابة مهمة لدخول أسواق غرب أفريقيا.