الاحتجاجات المعيشية تفاقم أزمات أفريقيا السياسية

تظاهرات في غانا اعتراضاً على «تردي الأوضاع الاقتصادية»

متظاهرون يعطلون حركة المرور في مظاهرة بأكرا ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية (أ.ف.ب)
متظاهرون يعطلون حركة المرور في مظاهرة بأكرا ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية (أ.ف.ب)
TT

الاحتجاجات المعيشية تفاقم أزمات أفريقيا السياسية

متظاهرون يعطلون حركة المرور في مظاهرة بأكرا ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية (أ.ف.ب)
متظاهرون يعطلون حركة المرور في مظاهرة بأكرا ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية (أ.ف.ب)

جددت التظاهرات المتواصلة في غانا منذ عدة أيام احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية، المخاوف من زيادة وتيرة الاضطرابات السياسية في كثير من دول القارة الأفريقية، لا سيما في الدول الأشد فقراً، والتي تعاني معدلات قياسية للتضخم، وتراجعاً لقيمة عملاتها المحلية.

وتجمَّع مئات المتظاهرين في العاصمة الغانية أكرا، منذ منتصف الأسبوع الماضي، في سلسلة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، بسبب تراجع الأوضاع الاقتصادية، واعتقلت قوات الشرطة عشرات من المحتجين. وشجب المتظاهرون ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص الوظائف، في وقت تواجه فيه الدولة المنتجة للذهب والنفط والكاكاو أسوأ أزمة اقتصادية منذ عدة سنوات، بسبب تصاعد الدين العام.

وتوقع تقرير للبنك الدولي صدر في يوليو (تموز) الماضي، أن يتباطأ النمو الاقتصادي في غانا إلى 1.5 في المائة خلال العام الحالي مقابل 3.1 في المائة في عام 2022، ومن المنتظر أن يتواصل الانخفاض عام 2024 ليصل إلى 2.8 في المائة، ولكن من المتوقع أن يتعافى الاقتصاد إلى نموه المحتمل بحلول عام 2025.

وأبرمت الحكومة الغانية برنامج قرض بقيمة 3 مليارات دولار لمدة 3 سنوات مع صندوق النقد الدولي في مايو (أيار) الماضي، إلا أن مراقبين يرون أن ذلك لم ينعكس على مستوى المعيشة في البلاد.

واعتبر الباحث الاقتصادي الغاني كولينز بونجا، الاحتجاجات المعيشية الأخيرة مؤشراً واضحاً على تفاقم الأزمات الاقتصادية في البلاد التي كانت تطبق خطة اقتصادية طموحة على مدى السنوات الماضية، إلا أن تأثير الأزمات العالمية وارتفاع معدلات التضخم عالمياً، وزيادة أسعار السلع الغذائية ألقى بظلال قاتمة على الاقتصاد الغاني ومعظم الاقتصادات الأفريقية.

وأشار بونجا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن غانا «ربما تكون أفضل حالاً من غيرها من دول القارة الأفريقية في منطقة جنوب الصحراء ودول الساحل»؛ مشيراً إلى أن غانا يمكنها تنفيذ ضوابط أكثر صرامة على الإنفاق، لتحسين دقة تنفيذ الميزانية ومنع تراكم المتأخرات الجديدة، إضافة إلى جمع مزيد من الإيرادات المحلية بشكل مستدام، لا سيما من خلال تبسيط أنظمة الحوافز الضريبية وتحسين إدارة الإيرادات.

غير أن الباحث الاقتصادي الغاني أشار في الوقت ذاته إلى تحديات تتمثل في قدرة الحكومة على تنفيذ هذا البرنامج دون المساس بالجانب الاجتماعي؛ خصوصاً في ظل عدم قدرة كثير من الطبقات المتوسطة والفقيرة على تحمل مزيد من الأعباء، وهو ما ينطبق على كثير من دول القارة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

كان تقرير حديث للبنك الدولي صدر في أبريل (نيسان) الماضي، أشار إلى أن معدلات النمو في مختلف بلدان أفريقيا جنوب الصحراء لا تزال ضعيفة، نتيجة لحالة عدم اليقين التي تكتنف الاقتصاد العالمي، وتراجع أداء أكبر اقتصادات القارة، وارتفاع معدلات التضخم، والتباطؤ الحاد في نمو الاستثمار.

وأشار التقرير إلى أنه يتعين على الحكومات الأفريقية، في مواجهة ضعف آفاق النمو وارتفاع مستويات المديونية، زيادة تركيزها على تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، وتعبئة الإيرادات المحلية، وتخفيض الديون، وتعزيز الاستثمارات الإنتاجية للحد من الفقر المدقع.

وشهدت عدة دول أفريقية -من بينها كينيا ونيجيريا والمغرب وتونس ومالي- منذ مطلع العام الحالي، احتجاجات شعبية على خلفية تراجع الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار، وهو ما يزيد من حدة الضغوط السياسية التي تعانيها دول القارة نتيجة تفاقم الأزمات العالمية.

الغانيون يتجمعون لليوم الثالث من الاحتجاجات المناهضة للحكومة وسط اعتقالات وعرقلة الشرطة في العاصمة أكرا (رويترز)

وتوقع تقرير «نبض أفريقيا» للبنك الدولي الذي يتناول أحدث المستجدات الاقتصادية في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في المنطقة من 3.6 في المائة عام 2022 إلى 3.1 في المائة خلال العام الحالي.

ومن المتوقع، حسب التقرير، أن يزداد ضعف النشاط الاقتصادي في جنوب أفريقيا في عام 2023، مع اشتداد أزمة الطاقة، بينما لا يزال تعافي النمو في نيجيريا لعام 2023 هشاً مع استمرار ضعف إنتاج النفط.

متظاهرون يرددون شعارات ويعطلون حركة المرور بمظاهرة في أكرا ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد (رويترز)

وتعتقد أستاذة الاقتصاد ورئيسة قسم السياسة والاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا في جامعة القاهرة، الدكتورة سالي فريد، أن الأزمات المعيشية في كثير من دول القارة الأفريقية «مرشحة للتفاقم»، وخصوصاً في ظل استمرار أزمة الغذاء العالمية، وعدم وجود حلول في المستقبل المنظور للحرب الروسية الأوكرانية التي فاقمت من أعباء دول القارة، المستورد الأكبر للحبوب عالمياً، وفشل مبادرات الحل، ومن بينها المبادرة الأفريقية لإنهاء الصراع.

وتضيف فريد لـ«الشرق الأوسط» أن هشاشة البنية الاقتصادية في كثير من دول القارة، وخصوصاً في دول الساحل والصحراء، تمثل عاملاً إضافياً لزيادة حدة الأزمة الاقتصادية، مشيرة إلى أن هذه الدول تعتمد على تصدير المواد الخام، ولا توجد بها بنية تصنيعية قوية تمكنها من دعم اقتصاداتها.

وتلفت أستاذة الاقتصاد الأفريقي إلى التأثير المتبادل بين الأزمات الاقتصادية والسياسية، فكل منهما يؤدي إلى الآخر، وخصوصاً أن تأثير الانقلابات والنزاعات الأهلية وانتشار التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن تنامي تأثير أزمات المناخ، يفاقم من خطورة ما تشهده دول القارة من اضطرابات، ويزيد من وقوعها تحت طائلة الديون.

وحسب تقرير «نبض أفريقيا» للبنك الدولي، فإن 22 دولة أفريقية تواجه مخاطر كبيرة من الوصول إلى حالة المديونية الخارجية الحرجة، أو بلغتها بالفعل حتى ديسمبر (كانون الأول) 2022، وقد أدت الأوضاع المالية العالمية غير المواتية إلى زيادة تكاليف الاقتراض وتكاليف خدمة الديون في أفريقيا، وتحويل الأموال بعيداً عن الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها في التنمية، وتهديد استقرار الاقتصاد الكلي والمالية العامة.


مقالات ذات صلة

«كاف» يعلن قوائم المرشحات للفوز بجوائز السيدات 

رياضة عالمية منتخب سيدات المغرب من المرشحات لجائزة الأفضل في القارة الأفريقية (الشرق الأوسط)

«كاف» يعلن قوائم المرشحات للفوز بجوائز السيدات 

أعلن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف)، اليوم (الأربعاء)، القوائم المرشحة للحصول على جوائزه لعام 2024 في فئة السيدات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية كولر مدرب الأهلي المصري ينافس 4 مدربين لمنتخبات على الأفضل في أفريقيا (أ.ف.ب)

«كاف»: 5 مرشحين لجائزة أفضل مدرب في أفريقيا

أعلن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) عن القائمة النهائية للمرشحين لجائزة أفضل مدرب في القارة السمراء في عام 2024.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية أشرف حكيمي (أ.ب)

حكيمي يتصدر قائمة المرشحين لجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

ينافس المغربي الدولي أشرف حكيمي بقوة على جائزة أفضل لاعب في أفريقيا للعام الثاني على التوالي بعد دخوله القائمة المختصرة للمرشحين، التي أعلنها الاتحاد الأفريقي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
أفريقيا وزير الخارجية الروسي وأعضاء الوفود يلتقطون صورة جماعية خلال «منتدى الشراكة الروسية - الأفريقية» في سوتشي الأحد (أ.ف.ب)

روسيا تسعى لطرح نفسها شريكاً لا غنى عنه لأفريقيا

سعت موسكو خلال مؤتمر وزاري روسي أفريقي عقد السبت والأحد في سوتشي (جنوب غرب) إلى فرض نفسها شريكاً لا غنى عنه للدول الأفريقية.

«الشرق الأوسط» (سوتشي - لندن)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
TT

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

استعادت جماعة «بوكو حرام» الموالية لـ«تنظيم داعش» الإرهابي، قدرتها على المبادرة والهجوم في مناطق مختلفة بشمال نيجيريا، وشنّت هجوماً استهدف قاعدة عسكرية تابعة للجيش، قُتل فيه خمسة جنود على الأقل، وأُصيب عشرة جنود، فيما قال الجيش إنه قتل أكثر من خمسين من عناصر الجماعة الإرهابية.

وقالت قيادة الجيش النيجيري في بيان، إن الهجوم الإرهابي الذي شنّه فرع من جماعة «بوكو حرام»، في غرب أفريقيا، استهدف القوات المتمركزة بموقع عمليات التثبيت بقرية «كاريتو»، بولاية بورنو، في أقصى شمال شرقي نيجيريا، على الحدود مع دولة النيجر.

البيان الصادر عن مدير الإعلام العسكري، اللواء إدوارد بوبا، قال إن الهجوم الإرهابي وقع بالتزامن مع عطلة نهاية الأسبوع، ووصفه بأنه «كان منسقاً»، قبل أن يؤكد «مقتل خمسة جنود وإصابة عشرة آخرين بجروح، بالإضافة إلى فقدان أربعة جنود آخرين».

من عملية ضد جماعة «بوكو حرام» (أرشيفية متداولة)

وفي السياق ذاته، قال المتحدث باسم قيادة الجيش إن «القوات المسلحة نجحت في القضاء على عدد من الإرهابيين، واستعادة أسلحة كانت بحوزتهم»، مشيراً إلى تكبد الجيش خسائر مادية «فادحة»، حيث إن منفذي الهجوم الإرهابي أحرقوا بعض المعدات «بما في ذلك شاحنة محملة بالأسلحة، وثلاث مركبات تكتيكية، وجرافة».

وأطلق الجيش النيجيري عملية تعقب بقيادة وحدة من قوات الدعم مع غطاء جوي، وقال إن الهدف هو «استكشاف المنطقة بشكل عام، ومسارات انسحاب الإرهابيين»، وفق تعبير البيان.

وتسعى القوات النيجيرية إلى قطع الطريق أمام منفذي الهجوم الإرهابي، بهدف استعادة الجنود المفقودين، في ظل توقعات بأن الإرهابيين «اختطفوهم» ليكونوا دروعاً بشرية تحميهم من أي قصف جوي.

صورة أرشيفية لهجوم شنّته جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا (رويترز)

الهجوم الإرهابي استهدف قرية «كاريتو»، التي لا تبعد سوى 153 كيلومتراً عن العاصمة الإقليمية مايدوجوري، وهي المقر الرئيس لـ«الكتيبة 149» التابعة للجيش النيجيري، التي تشارك بنشاط في عمليات محاربة الإرهاب، كما استهدف معاقل فرعي جماعة «بوكو حرام»، الموالية لتنظيمي «داعش» و«القاعدة».

وقالت قيادة الجيش النيجيري إن «هذا الهجوم لن يثني القوات المسلحة النيجيرية عن القضاء على الإرهاب والتمرد والتحديات الأمنية الأخرى التي تواجه البلاد»، وأعربت عن تعويلها على تعاون السكان المحليين في ملاحقة الإرهابيين.

وأعلن حاكم ولاية بورنو، باباغانا زولوم، عن وقوفه إلى جانب القوات المسلحة النيجيرية، وأضاف في بيان صحافي أن الهجوم «يعيد إلى الأذهان مستوى وحشية العناصر الإرهابية لجماعة (بوكو حرام)».

وبينما أعلن عدد من كبار قادة الجيش في نيجيريا عن انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»، والاقتراب من القضاء عليها بشكل نهائي، بدأت الجماعة تعيد ترتيب صفوفها، وإظهار قدرات جديدة على المبادرة والهجوم.

ففي حادث منفصل، نصب مسلحون من «بوكو حرام»، الثلاثاء، كميناً لفريق مراقبة من قوات الأمن والدفاع المدني النيجيرية، كان يتفقد منشآت الشبكة الوطنية للكهرباء والطاقة في إقليم النيجر التابع لنيجيريا.

مسلحو «بوكو حرام» خلَّفوا الخراب والدمار في ولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا (أرشيفية - أ.ف.ب)

وقال المتحدث باسم قوات الأمن والدفاع المدني أفولابي باباوالي، إن خطوط الشبكة الوطنية للطاقة تعرضت مؤخراً لهجمات إرهابية تخريبية، وقد أسفرت عن انقطاع واسع للتيار الكهربائي في أقاليم شمال نيجيريا.

وأوضح المتحدث أنه «حينما كانت فرق الأمن تتفقد خطوط الشبكة الوطنية، تعرضت لهجوم إرهابي نفذه أكثر من 200 مسلح نصَبوا كميناً من قمة أحد التلال»، مشيراً في السياق ذاته إلى أن المواجهات بين الطرفين «أسفرت عن مقتل أكثر من خمسين إرهابياً، فيما يوجد سبعة جنود في عداد المفقودين».

وتتزامن هذه الهجمات الإرهابية المتفرقة، مع معارك طاحنة تجري منذ أسابيع ما بين جيش تشاد ومقاتلي «بوكو حرام» في منطقة حوض بحيرة تشاد، التي تُوصف بأنها «العمق الاستراتيجي» للتنظيم الإرهابي، حيث توجد قواعده الخلفية وسط الغابات والجزر المترامية في واحدة من أكبر المناطق الرطبة في أفريقيا.