بعد أكثر من 3 أشهر من التوتر بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة، أعلن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، الأحد، أن تحقيقاً مستقلاً «لم يجد أي دليل على أن سفينة روسية شحنت أسلحة من البلاد إلى روسيا أواخر العام الماضي»، في وقت تشهد فيه العلاقات بين بريتوريا وموسكو تقارباً يثير حفيظة واشنطن.
تصريحات رامافوزا جاءت عقب أزمة دبلوماسية أثارتها تصريحات سابقة للسفير الأميركي في جنوب أفريقيا روبن بريجيتي، في مؤتمر صحافي في مايو (أيار) الماضي، أكد خلالها أن سفينة الشحن الروسية «ليدي آر» قامت بنقل أسلحة إلى روسيا من قاعدة بحرية بالقرب من كيب تاون في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي.
وأثارت الاتهامات الأميركية تساؤلات بشأن موقف جنوب أفريقيا المعلن بعدم الانحياز والحياد تجاه الحرب الروسية في أوكرانيا والمخاوف من عقوبات غربية محتملة. وفي خطاب جماهيري، قال رامافوزا إن الاتهامات كان لها تأثير ضار على اقتصاد جنوب أفريقيا ومكانتها في العالم، مشدداً على أن اللجنة «وجدت أنه لا يوجد دليل يدعم الادعاء بأن السفينة نقلت أسلحة من جنوب أفريقيا إلى روسيا»، وأنه «لم يتم إصدار أي تصريح أو تصدير أي أسلحة».
وأضاف الرئيس الجنوب أفريقي أن السفينة رست في القاعدة لتسليم المعدات التي طلبتها شركة شراء الأسلحة الجنوب أفريقية (Armscor) لقوات الدفاع الوطني منذ عام 2018. مشدداً على أنه «لا يستطيع الكشف عن تفاصيل المعدات التي تم تفريغها خشية تعريض العمليات العسكرية للخطر».
ونقلت «رويترز»، الاثنين، عن السفارة الأميركية في بريتوريا القول إنها «تقدّر الجدية التي تم بها التحقيق في وجود السفينة في جنوب أفريقيا».
ودون التعليق على النتائج، قال المتحدث باسم بعثة الولايات المتحدة في جنوب أفريقيا ديفيد فيلدمان إن بلاده «ستسمح لجنوب أفريقيا بالتحدث عن استنتاجات لجنة التحقيق التي شكّلتها».
وعقب توجيه الاتهامات الأميركية إلى جنوب أفريقيا، سارع رامافوزا إلى إطلاق تحقيق مستقل بقيادة قاضٍ متقاعد للوقوف على مدى صحة تلك الاتهامات من عدمها.
وبدا لافتاً اتفاق الرئيسين الروسي والجنوب أفريقي، على توطيد العلاقات بين البلدين، غداة اتهام واشنطن لبريتوريا، إذ أعلن الكرملين في بيان في 12 مايو (أيار) الماضي (بعد أيام من تصريحات السفير الأميركي)، أن بوتين ورامافوزا «اتفقا على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وأعربا عن نيّتيهما توطيد العلاقات لما فيه المصلحة المشتركة في مجالات عدة»، في خطوة عدّها مراقبون «رسالة واضحة» رداً على الاتهامات الأميركية.
وتبدو تلك الاتهامات من جانب واشنطن لجنوب أفريقيا بشحن أسلحة إلى روسيا «وجهاً صغيراً لأزمة أكبر» حسبما ترى شاينا فورين، الباحثة الجنوب أفريقية في العلوم السياسية، والتي ترى أن توتر العلاقات بين بريتوريا وواشنطن «يعتمد على نظرة أميركية تعتقد أن جنوب أفريقيا حسمت خياراتها بشأن التقارب مع روسيا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً».
وتضيف فورين لـ«الشرق الأوسط» أن واشنطن تستند إلى مجموعة من المواقف السابقة للسلطات في جنوب أفريقيا، ومن بينها عدم إصدار أي إدانة واضحة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إضافةً إلى استضافة جنوب أفريقيا مسؤولين روسيين بارزين مما أسهم في كسر العزلة الدبلوماسية التي حاولت الولايات المتحدة والدول الغربية فرضها على موسكو، خصوصاً في العام الأول للحرب.
واستبعدت الباحثة الجنوب أفريقية أن يُنهي إعلان نتائج التحقيق بشأن شحن أسلحة إلى روسيا التوتر بين بريتوريا وواشنطن، لافتةً إلى وجود عوامل كثيرة تسهم في تأجيج ذلك التوتر، لكنها أكدت أن التصعيد «لا يمثل مصلحة للطرفين».
وأعلنت جنوب أفريقيا منذ اندلاع الأزمة في أوكرانيا أنها «تسعى للبقاء على الحياد وترى أن الحوار هو الوسيلة لوضع حد للنزاع»، لكنها استقبلت وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مطلع العام الحالي، قبل أن تستضيف في الفترة من 17 إلى 27 فبراير (شباط) الماضي مناورات عسكرية مشتركة مع كل من الصين وروسيا على الساحل الشرقي للبلاد بالتزامن مع مرور عام على اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
من جانبه، يرى السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، ونائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، أن الاتهامات الأميركية لجنوب أفريقيا بإمداد روسيا بأسلحة يمكن النظر إليها في سياق محاولات الضغط على جنوب أفريقيا من جانب واشنطن، لافتاً إلى أن الكثير من المواقف من جانب بريتوريا «تزيد مخاوف واشنطن من خسارة بلد بحجم جنوب أفريقيا لصالح النفوذ الروسي في القارة».
وأوضح حليمة لـ«الشرق الأوسط» أن روسيا استطاعت أن تبني مع جنوب أفريقيا ومع غيرها من دول القارة علاقات استراتيجية عبر تحالفات قوية تمكّنها من تجاوز أي محاولات لعزلها، متوقعاً «ألا تهدأ حدة التوتر بين واشنطن وبريتوريا»، لكنه عَدَّ إثبات عدم تورط جنوب أفريقيا في تصدير الأسلحة لروسيا «نزعاً لفتيل أزمة كانت مرشحة للتصعيد».
ولفت نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية إلى أن الولايات المتحدة تدرك أن ثمة تحولات في مواقف الدول الأفريقية تجاهها وتجاه الأقطاب العالمية الصاعدة، وهو ما يدفعها إلى «الضغط بكل ما تمتلكه من أدوات للحيلولة دون خسارة المزيد من مساحات التأثير في القارة».
يُذكر أنه خلال تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار لتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان في أبريل (نيسان) من العام الماضي، صوتت 10 دول أفريقية فقط لصالح القرار فيما عارضته 9 دول مع امتناع 35 دولة أفريقية عن التصويت أو قررت عدم حضور الجلسة، وسبق ذلك تأييد 28 دولة أفريقية فقط مشروع قرار في الأمم المتحدة يدعو إلى الانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات الروسية من أوكرانيا.