كيف تستفيد أفريقيا من قروض «بريكس» الجديدة؟

عدة دول بينها مصر تقدمت بطلبات الانضمام للمجموعة

وزراء خارجية البرازيل ماورو فييرا (يسار) وجنوب أفريقيا ناليدي باندور والروسي سيرغي لافروف خلال اجتماع سابق لوزراء خارجية «بريكس» في كيب تاون (رويترز)
وزراء خارجية البرازيل ماورو فييرا (يسار) وجنوب أفريقيا ناليدي باندور والروسي سيرغي لافروف خلال اجتماع سابق لوزراء خارجية «بريكس» في كيب تاون (رويترز)
TT

كيف تستفيد أفريقيا من قروض «بريكس» الجديدة؟

وزراء خارجية البرازيل ماورو فييرا (يسار) وجنوب أفريقيا ناليدي باندور والروسي سيرغي لافروف خلال اجتماع سابق لوزراء خارجية «بريكس» في كيب تاون (رويترز)
وزراء خارجية البرازيل ماورو فييرا (يسار) وجنوب أفريقيا ناليدي باندور والروسي سيرغي لافروف خلال اجتماع سابق لوزراء خارجية «بريكس» في كيب تاون (رويترز)

يستعد «بنك التنمية الجديد» التابع لمجموعة دول «بريكس» توسيع نطاق عملياته عبر الإقراض والتعامل بالعملات المحلية للدول الأعضاء فيه، في مسعى يستهدف تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي، الذي تسبب رفع معدلات الفائدة أكثر من مرة خلال الآونة الأخيرة، في زيادة الأعباء على الاقتصادات بالدول النامية والفقيرة، وفي مقدمتها الدول الأفريقية.

وفي حين تتجه الأنظار إلى القمة المقبلة لدول «بريكس»، المقرر عقدها هذا الشهر في جنوب أفريقيا، التي ستنظر توسيع عضوية المجموعة، في ظل رغبة كثير من الدول الأفريقية، وفي مقدمتها مصر والمغرب والجزائر والسنغال ونيجيريا... تُطرح تساؤلات حول مدى قدرة الدول الأفريقية على الاستفادة من قروض «بريكس» للتغلب على القيود التي تفرضها مؤسسات التمويل الدولية كالبنك وصندوق النقد الدوليين، وغالباً ما تتهمها دول القارة بـ«عدم التوازن».

كان وزير مالية جنوب أفريقيا، إينوك جودو نجوانا، قد قال في مقابلة مع وكالة «رويترز»، إن بنك التنمية الجديد (NDB) الذي أنشأته دول «بريكس»، «يحتاج إلى زيادة عمليات جمع الأموال والإقراض بالعملة المحلية». وأوضح وزير المالية خلال المقابلة، أن تعزيز استخدام العملة المحلية بين أعضاء بنك التنمية الجديد «سيكون على جدول أعمال قمة دول المجموعة، بهدف الحد من تأثير تقلبات العملات الأجنبية بدلاً من إزالة الدولرة».

ومن المقرر أن تستضيف مدينة جوهانسبرغ الجنوب أفريقية، في وقت لاحق من الشهر الحالي، قادة دول بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين إضافةً إلى جنوب أفريقيا)، ومن المنتظر أن تبحث القمة طلبات نحو 23 دولة تريد الانضمام إلى التجمع، بينها الكثير من الدول الأفريقية.

وفي عام 2014 دشن تجمع «بريكس» بنك التنمية الجديد برأس مال أوّلي قدره 50 مليار دولار، وانضمت إليه اقتصادات نامية وناشئة من خارج «بريكس»، إذ اكتتبت دول مثل مصر والإمارات وأوروغواي وبنغلاديش عام 2021 في أسهم البنك باستثمارات بلغت 10 مليارات دولار.

ورأت الباحثة الإثيوبية المتخصصة في مجال الاقتصاد الأفريقي، تينابيت ليجيس، اتجاه «بنك التنمية الجديد» نحو توسيع عملياته بالعملات المحلية «توجهاً إيجابياً يسهم في تخفيف الضغوط عن الاقتصادات الأفريقية وأعباء ديونها الدولارية».

وأَضافت ليجيس لـ«الشرق الأوسط» أن ارتفاع الدولار مقابل عملات الأسواق الناشئة منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، واتجاه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى رفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم في أوائل عام 2022 «جعل الديون الدولارية أكثر تكلفة على البلدان النامية والفقيرة وفي مقدمتها الدول الأفريقية».

وتابعت الباحثة الإثيوبية المتخصصة في مجال الاقتصاد الأفريقي أن اتجاه البنك التابع لتجمع دول «بريكس» يمكن أن يكون «أداة أكثر ملاءمة للدول الأفريقية للتخفيف من حدة غياب العدالة التي تعانيها تلك الدول عند التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية، والتي تكيل بمكيالين في التعامل مع الدول المتقدمة ونظيراتها النامية».

وتعاني دول القارة الأفريقية من أزمة تفاقم الديون، فحسب تقديرات البنك الدولي فإن ديون بلدان القارة السمراء قُدرت بنحو تريليون دولار في 2022، وقد تضاعفت قيمة تلك الديون خمس مرات منذ عام 2000، وتتركز 66 في المائة من الديون في 9 بلدان تتصدرها جنوب أفريقيا.

في الوقت ذاته تعاني 22 دولة أفريقية من عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين، حسب صندوق النقد الدولي، الذي أشار إلى أن أقساط الديون البالغة نحو 100 مليار دولار سنوياً تضغط على ميزانيات الكثير من البلدان وتستقطع أكثر من 15 في المائة من الناتج الإجمالي لتلك الدول.

ويشكو معظم الدول الأفريقية من «عدم توازن وغياب للعدالة» في تعامل مؤسسات التمويل الدولي معها، وبرزت تلك الانتقادات خلال قمة «ميثاق التمويل العالمي الجديد»، التي عُقدت في باريس، خلال يونيو (حزيران) الماضي، ودعت خلالها دول أفريقية عدة إلى «تبني نظام أكثر عدالة للتمويل الدولي».

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلال تلك القمة إن النظام المالي العالمي «أصبح غير عادل، وفشل في حماية الدول الأكثر فقراً، وأصبح غير قادر على الاستجابة للتحديات الراهنة»، مشيراً إلى أن أوروبا حصلت على قروض من صندوق النقد أكثر بـ13 ضعفاً مما حصلت عليه أفريقيا، وطالب بالعمل على توفير قروض بفوائد قليلة للدول الفقيرة والنامية.

ويرى رامي زهدي، الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، أن توجه بنك التنمية التابع لتجمع دول «بريكس» إلى التوسع في التعامل بالعملات المحلية يمكن أن يمثل «طوق نجاة» لكثير من دول القارة التي تعاني ارتفاعاً في ضغوط الديون والتضخم نتيجة ارتفاع معدلات الفائدة على الدولار الأميركي.

وأوضح زهدي لـ«الشرق الأوسط» أن توسيع قاعدة العضوية في البنك أو في تجمع «بريكس» يمكن أن يزيد من قدرة هذه القروض على أن توفر «بديلاً أفضل» للدول النامية وبخاصة في أفريقيا من التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية التي «تضع شروطاً قاسية لتوفير التمويل دون مراعاة لطبيعة تلك المجتمعات وما تعانيه من أزمات، وغالباً ما تكون لتلك الشروط تبعات اجتماعية على المجتمعات الأفريقية».

وأضاف خبير الشؤون الأفريقية أن التعاون مع تجمع «بريكس» بات يمثل أولوية بالنسبة إلى الكثير من الدول الأفريقية، سواء اتَّخذ هذا التعاون شكل الانضمام الرسمي الذي تسعى إليه دول وازنة في القارة مثل مصر والجزائر ونيجيريا والسنغال، أم عبر توسيع نطاق التعاون مع التجمع اقتصادياً وتجارياً، الأمر الذي يضاعف من الأهمية السياسية والاقتصادية للتجمع، سواء في القارة أم على الساحة الدولية.

ويضم تجمع «بريكس» حالياً ما يزيد على 40 في المائة من سكان ومساحة العالم، حيث يضم 5 من أكبر دول العالم مساحة وأكثرها كثافة سكانية، كما ينتج أكثر من 30 في المائة من السلع والخدمات. وكشفت إحصاءات صينية حديثة عن تفوق مجموعة «بريكس» لأول مرة على دول مجموعة السبع الأكثر تقدماً في العالم، وذلك بعد أن وصلت مساهمة «بريكس» إلى 31.5 في المائة من الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7 للقوى السبع الصناعية الكبرى.


مقالات ذات صلة

دول «بريكس» تدعم مبادرة لتأسيس بورصة للحبوب

الاقتصاد ماكينات تحصد القمح في منطقة أومسك الروسية (رويترز)

دول «بريكس» تدعم مبادرة لتأسيس بورصة للحبوب

قالت وزيرة الزراعة الروسية أوكسانا لوت يوم الجمعة إن دول مجموعة «بريكس» دعمت مبادرة لتأسيس بورصة للحبوب.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يزوران مقبرة الجيش الهندي في الحرب العالمية الأولى لتكريم الجنود الهنود الذين سقطوا في مدينة حيفا - 6 يوليو 2017 (رويترز)

الهند وإسرائيل... شراكة قوية ودعم بالأسلحة خلال الحرب

في مايو الماضي، منعت السلطات الإسبانية سفينة شحن كانت في طريقها إلى إسرائيل من الرسو في ميناء قرطاجنة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الاقتصاد رئيس الوزراء الماليزي أثناء مشاركته في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد في الرياض في أبريل (موقع المنتدى الاقتصادي)

ماليزيا تستعد للانضمام إلى «بريكس» وتنتظر «النتائج النهائية» من جنوب أفريقيا

قال رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم في مقابلة مع وسيلة الإعلام الصينية «جوانشا» إن ماليزيا تستعد للانضمام إلى مجموعة «بريكس» للاقتصادات الناشئة.

«الشرق الأوسط» (كوالالمبور)
آسيا رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم (أرشيفية - رويترز)

ماليزيا تستعد للانضمام لمجموعة «بريكس»

قال رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، اليوم (الثلاثاء)، إن ماليزيا تستعد للانضمام لمجموعة «بريكس» للاقتصادات الناشئة.

«الشرق الأوسط» (كوالالمبور )
الخليج الأمير فيصل بن فرحان لدى لقائه الوزير سيرغي لافروف على هامش الاجتماع (الخارجية السعودية)

السعودية تشارك في الاجتماع الوزاري لـ«بريكس» الثلاثاء

يشارك الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي، الثلاثاء، في الاجتماع الوزاري لمجموعة «بريكس» بمدينة نينجني نوفغورد الروسية.

«الشرق الأوسط» (نينجني نوفغورد)

انزلاق التربة في جنوب إثيوبيا يتسبب في مقتل نحو 229 شخصاً

انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)
انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)
TT

انزلاق التربة في جنوب إثيوبيا يتسبب في مقتل نحو 229 شخصاً

انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)
انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

لقي قرابة 229 شخصاً حتفهم جراء انزلاق للتربة الإثنين عقب هطول أمطار غزيرة في جنوب أثيوبيا، وفق ما أفادت السلطات المحلية الثلاثاء، محذّرة من أن العدد مرشح للارتفاع.

وأفادت إدارة شؤون الاتصالات في منطقة غوفا أنه حتى الآن، لقي 148 رجلاً و81 امرأة حتفهم في الكارثة.

صورة من مكان حادث انزلاق للتربة بجنوب إثيوبيا في 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

وهذا أسوأ انزلاق للتربة تشهده إثيوبيا، ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في القارة الأفريقية (120 مليون نسمة) والواقعة في القرن الأفريقي.

إجلاء الضحايا بعد انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

وأشارت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإثيوبية إلى أنه وفق مسؤول منطقة غوفا داغيماوي أييلي، طمر معظم الضحايا، الاثنين، بينما كانوا يساعدون سكان منزل تضرر بانزلاق أول للتربة.

ووقعت الكارثة في كيبيلي (أصغر قسم إداري) في كينشو الواقعة في منطقة وريدا في غيزي - غوفا، وهي منطقة ريفية جبلية يصعب الوصول إليها، وتبعد أكثر من 450 كيلومتراً و10 ساعات بالسيارة عن العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

البحث مستمر عن الضحايا بعد انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 23 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

وقال داغيماوي: «الأشخاص الذين سارعوا لإنقاذ الأرواح ماتوا (...) بمن فيهم المسؤول المحلي وأساتذة وعاملون في مجال الصحة ومزارعون».

ووصف إثيوبي يعيش في نيروبي، ينحدر من منطقة مجاورة لغوفا، ولم يرغب في كشف اسمه، المنطقة المنكوبة بأنها «ريفية ومعزولة وجبلية. الأرض هناك ليست ثابتة، لذلك عندما تهطل أمطار غزيرة، تخسف التربة على الفور».

طين سميك

وأشار إلى أن «هذه الكارثة ليست الأولى من نوعها. العام الماضي، قُتل أكثر من 20 شخصاً، وفي السابق، خلال كل موسم أمطار، مات أشخاص بسبب انزلاقات تربة والأمطار الغزيرة في هذه المنطقة».

من جهته، قال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد إنه «متضامن مع الشعب والحكومة الإثيوبية». وأضاف على منصة «إكس»: «نصلي من أجل عائلات أكثر من 157 شخصاً فقدوا حياتهم بشكل مأساوي في انزلاقات تربة مدمّرة».

وأظهرت صور نشرتها شبكة «فانا برودكاستينغ كوربوريشن» الإعلامية التابعة للدولة على «فيسبوك» مئات الأشخاص قرب أكوام من التراب الأحمر المقلوب، وأشخاصاً يحفرون بأيديهم في التراب بحثاً عن ناجين، بينما ينقل آخرون جثثاً مغطاة بقماش مشمع أو ملاءات على نقالات صنعت بأغصان أشجار.

انزلاق للتربة عقب هطول أمطار غزيرة بجنوب إثيوبيا في 23 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

وكان جنوب إثيوبيا من المناطق التي تضررت جراء الفيضانات في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، خلال موسم الأمطار «القصير». وبدأ موسم الأمطار «الطويل» في البلاد الواقعة في شرق أفريقيا في يونيو (حزيران).

وفي مايو 2016، قُتل 41 شخصاً في انزلاق تربة عقب هطول أمطار غزيرة على منطقة ولاييتا الإدارية، الواقعة أيضاً في منطقة الأمم الجنوبية.

في عام 2017، لقي 113 شخصاً حتفهم بانهيار جبل من القمامة في مقلب نفايات على مشارف أديس أبابا.