انقلاب النيجر يُثير مخاوف من تنامي جماعات «الإرهاب» بالساحل الأفريقي

بموازاة نشاط متزايد لـ«داعش» في بوركينا فاسو ومالي

صورة لجنود ماليين خلال دورية بالقرب من حدود النيجر في دانسونغو بمالي في 23 أغسطس 2021 (رويترز)
صورة لجنود ماليين خلال دورية بالقرب من حدود النيجر في دانسونغو بمالي في 23 أغسطس 2021 (رويترز)
TT

انقلاب النيجر يُثير مخاوف من تنامي جماعات «الإرهاب» بالساحل الأفريقي

صورة لجنود ماليين خلال دورية بالقرب من حدود النيجر في دانسونغو بمالي في 23 أغسطس 2021 (رويترز)
صورة لجنود ماليين خلال دورية بالقرب من حدود النيجر في دانسونغو بمالي في 23 أغسطس 2021 (رويترز)

يثير الانقلاب العسكري في النيجر على الرئيس المنتخب محمد بازوم تداعيات مختلفة على البلاد والمنطقة، على رأسها المخاوف من تمدد نفوذ الجماعات الإرهابية المتفشية بالفعل في منطقة الساحل الأفريقي.

وبينما تتطور الأمور بوتيرة متسارعة بعد إعلان الانقلاب، استمر نشاط التنظيمات الإرهابية في دول الجوار لا سيما مالي وبوركينا فاسو، فيما رآه الخبراء «محاولة للسيطرة على مناطق جديدة وإحكام السيطرة على مناطق تنشط فيها لا سيما في المناطق الحدودية، مستغلة حالة السيولة الأمنية التي خلقها تأزم الوضع في النيجر».

جنود من جيش مالي بالقرب من نهر النيجر (أ.ف.ب)

وأعلن تنظيم «داعش» أنه نفذ هجوماً قتل فيه 16 جندياً في منطقة ميناكا شمال شرقي مالي الأسبوع الماضي، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية (الثلاثاء). وفي بوركينا فاسو، قتل عشرون شخصاً في هجوم شنه إرهابيون قرب مدينة بيتو في المنطقة الشرقية الوسطى المتاخمة لتوغو، وفق ما أفادت مصادر أمنية (الاثنين).

وتحكم في مالي وبوركينا فاسو سلطات عسكرية جاءت بالانقلاب وروجت لنفسها بكونها «المنقذ والمخلص» من إخفاقات القوات الأمنية في وقف الإرهاب الذي أودى بالآلاف وشرد الملايين منذ تمدده في مالي عام 2015، لكن التقارير تشير إلى تمدد أكبر للجماعات الإرهابية في البلدين بعد الانقلابات.

وكانت دولتا مالي وبوركينا فاسو أعلنتا تأييدهما للانقلاب في النيجر، وعدتا أي تدخل عسكري أجنبي بمثابة «إعلان حرب» عليهما.

وقبل الانقلاب، عدت النيجر على نطاق واسع مركزاً للحرب الدولية على الإرهاب في منطقة الساحل، وهو ما يفسر الوجود العسكري الفرنسي الكبير في البلد، إذ يزيد عدد الجنود الفرنسيين فوق أراضي النيجر على 1500 جندي كما تنشر الولايات المتحدة الأميركية قوات خاصة وشيدت قاعدة جوية في الشمال وهي قاعدة خاصة بالطائرات المسيّرة.

أحد مؤيدي الانقلاب العسكري في النيجر يرسم علمي النيجر وروسيا على جسده (إ.ب.أ)

ويرى الباحث السياسي المالي محمد أغ إسماعيل أن الهجمات الأخيرة «تأتي في إطار سعي الإرهابيين للسيطرة على منطقة الحدود بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، لا سيما أن (داعش) هو المسيطر على الشريط الحدودي بين مالي والنيجر، ويريد تعزيز تلك السيطرة وحمايتها». وأضاف إسماعيل لـ«الشرق الأوسط» أن استهداف منطقة في بوركينا فاسو قريبة من حدود توغو يأتي في سياق أن التنظيمات «تحاول الاستفادة من الوضع المتأزم في النيجر وانكماش الجيش النيجري إلى الداخل بسبب الانقلاب وسعي تلك الجماعات للسيطرة على أكبر قدر من المناطق تحسبا لأي مواءمات أو مواجهات مرتقبة بسبب الوضع في نيامي».

وعدت الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا الانقلاب الجاري يمثل تقويضاً لجهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. وأعلنت واشنطن تعليق برامج التمويل العسكري الداعمة لمكافحة الإرهاب في البلاد كما علقت فرنسا جميع مساعداتها التنموية لنيامي، وأعلنت عن تعليق مساعداتها التنموية وتلك المتعلقة بدعم الميزانية المخصصة لبوركينا فاسو بسبب موقفها من الانقلاب.

متظاهر يرفع لافتة تقول: «لتحيا الولايات المتحدة الأفريقية: النيجر ومالي وبوركينا فاسو» في نيامي (إ.ب.أ)

من جانبه، توقع محمد الأمين ولد الداه الخبير الموريتاني في شؤون الساحل الأفريقي أن «تستغل الجماعات الإرهابية الوضع السائل الحالي في النيجر ودول الجوار للحفاظ على مكتسباتها وتمديد نفوذها في ظل الانشغال بالوضع السياسي في النيجر وتراجع الاهتمام بملف القتال ضدها». وأضاف ولد الداه لـ«الشرق الأوسط» أنه كلما حدث انقلاب عسكري في أي دولة أفريقية «يتكرر السيناريو المتمثل في ضعف سيطرة الدولة على بعض المناطق وبالتالي فقدانها لمصلحة التنظيمات المتطرفة على غرار ما حدث في بوركينا فاسو ومالي».

وفي ظل الحكم العسكري احتلت بوركينا فاسو المركز الأول عالمياً من حيث عدد الوفيات الناجمة عن العمليات الإرهابية خلال عام 2022، فيما جاءت مالي في المركز الثاني بحسب المؤشر العالمي للإرهاب الصادر هذا العام. وبحسب التقرير الذي يصدر سنوياً عن معهد الاقتصاد والسلام في سيدني، شهدت بوركينا فاسو ومالي زيادات كبيرة في الوفيات جراء الأعمال الإرهابية بنسبتي 50 في المائة، و56 في المائة على الترتيب، مقارنة بالعام السابق. كما رصدت إحصائيات التقرير مسؤولية الدول الأفريقية عن النسبة الغالبة من ضحايا الأعمال الإرهابية في العالم أجمع؛ إذ كانت بوركينا فاسو وحدها مسؤولة عن نسبة 17 في المائة منها، ثم مالي بنسبة 14 في المائة.


مقالات ذات صلة

 تطمينات موريتانية لدول أفريقية بعد ترحيل قسري لمهاجرين أفارقة

شمال افريقيا العنف المتصاعد في مالي التي تمتلك حدوداً مشتركة مع موريتانيا يفاقم مخاوف الحكومة الموريتانية (إ.ب.أ)

 تطمينات موريتانية لدول أفريقية بعد ترحيل قسري لمهاجرين أفارقة

أجرى وزير الخارجية الموريتاني محادثات هاتفية مع وزراء خارجية ساحل العاج والسنغال وغامبيا ومالي تم خلالها التأكيد على أهمية التنسيق لمواجهة الهجرة غير النظامية.

«الشرق الأوسط» (نواكشوط)
أفريقيا ريك مشار نائب رئيس جنوب السودان والرئيس سلفاكير في جوبا 20 أكتوبر 2019 (أ.ب)

الأمم المتحدة: الوضع في جنوب السودان يتدهور بوتيرة مثيرة للقلق

قالت هيئة حقوقية تابعة للأمم المتحدة إن تزايد العنف والخلافات السياسية في جنوب السودان يهدد عملية السلام الهشة هناك.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
شمال افريقيا استقبال الرئيس الكونغولي لوزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)

مصر والكونغو تؤكدان أهمية الحفاظ على استقرار السودان والصومال

أكدت مصر والكونغو ضرورة «الحفاظ على استقرار السودان والصومال والحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية بهما».

أحمد إمبابي (القاهرة )
رياضة عالمية صامويل إيتو انضم إلى المرشحين في انتخابات الاتحاد الأفريقي (رويترز)

إيتو يفوز باستئناف للترشح في انتخابات «الكاف»

حصل صامويل إيتو، أفضل لاعب كرة قدم في أفريقيا أربع مرات، على حق الانضمام إلى قائمة المرشحين في انتخابات الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكاف).

«الشرق الأوسط» (كيب تاون)
أفريقيا جنود من جمهورية الكونغو الديمقراطية يحرسون أثناء زيارة وزير الدفاع جاي كابومبو موادايامفيتا والحاكم العسكري اللواء سومو كاكولي إيفاريستي بإقليم بيني بمقاطعة شمال كيفو 10 فبراير 2025 (رويترز)

تصعيد يُنذر بـ«الأسوأ»... فرص التفاوض تتلاشى في معارك شرق الكونغو

تصعيد يتواصل بشرق الكونغو الديمقراطية مع توسع حركة «23 مارس» المتمردة في عمليات السيطرة والاختطاف منذ أكثر من شهرين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

تجميد المساعدات الأميركية يهدد جهود مكافحة الإيدز في أفريقيا... ويرعب المرضى

علم «يو إس إيد» (رويترز)
علم «يو إس إيد» (رويترز)
TT

تجميد المساعدات الأميركية يهدد جهود مكافحة الإيدز في أفريقيا... ويرعب المرضى

علم «يو إس إيد» (رويترز)
علم «يو إس إيد» (رويترز)

تبدو مولي البالغة من العمر 39 عاما مفعمة بالحيوية والطاقة - بحيث لا يمكن أن يلحظ أحد أنها مصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (إتش آي في) الذي يسبب مرض الإيدز، لكن بعد قرار الحكومة الأميركية بتجميد أموال المساعدات لمدة 90 يوما، أصبحت هذه الأم العزباء التي تعيل طفلين، في قلق شديد.

وقالت مولي: «عندما سمعت ذلك، بكيت وقلت: ليكن الله في عوننا».

وأضافت: «ما زلت أبكي، لأنني كنت أعتقد أنني سأعيش لفترة أطول. الآن لم أعد متأكدة من ذلك».

تم تشخيص إصابة مولي بفيروس نقص المناعة البشرية قبل ثماني سنوات. ومنذ ذلك الحين، صارت تتلقى العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية (إيه آر في)، مما يساعد في السيطرة على الفيروس والحفاظ على استقرار حالتها الصحية.

حتى الآن، لم تظهر عليها أعراض المرض. تعيل مولي نفسها وطفليها عن طريق بيع الموز المقلي في شوارع قريتها في أوغندا. يكفي هذا العمل لتوفير حياة متواضعة، لكنه لا يكفي لشراء الأدوية بشكل خاص إذا توقفت المساعدات.

ويواجه قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب (بوقف هذه المساعدات) انتقادات على الصعيد القانوني في الولايات المتحدة. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الأموال ستخفض على المدى الطويل أو ستلغى بالكامل.

في أوغندا وحدها، هناك مئات الآلاف من المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز). ويعد المرض منتشرا بشكل خاص في جنوب وشرق أفريقيا.

لكن بينما كانت الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية في التسعينيات تعد بمثابة حكم بالإعدام، فإنه بات اليوم في مقدور المرضى في العديد من البلدان الأفريقية التعايش مع المرض بفضل تلقيهم العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية.

إلا أن الخوف واليأس يتفاقمان الآن. ففي تصريحات لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، قال نيلسون موسوبا، مدير مفوضية الإيدز الأوغندية: «هناك حالة من الخوف والذعر، سواء بين المسؤولين أو بين المرضى. هناك قلق من نفاد أدوية العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية. أي انقطاع في العلاج يمكن أن يؤدي إلى مشاكل خطيرة».

حتى جين فرنسيس كانيانجي، البالغة من العمر 70 عاما، تتساءل عن المدة التي يمكن أن تصمد فيها من دون الأدوية. فقد تم تشخيص إصابتها بفيروس نقص المناعة البشرية في أواخر التسعينيات، لكنها لم تحصل على العلاج إلا بعد وفاة زوجها بسبب الإيدز عام 2002، ساعدتها الأدوية على البقاء على قيد الحياة، لكنها اليوم منهكة ومصابة بكثير من الأمراض بسبب ضعف جهازها المناعي.

وقالت كانيانجي: «بعد إعلان ترمب، اتصل بي طبيبي وسألني عما إذا كان لدي ما يكفي من الأدوية. قال لي إن العيادة التي أذهب إليها دائما، ستغلق. عندما سمعت ذلك، فقدت وعيي».

من جانبه، يخشى مدير مفوضية الإيدز الأوغندية، موسوبا، أن يؤدي توقف المساعدات الأميركية إلى تهديد قصة النجاح التي حققتها أوغندا الواقعة شرقي أفريقيا في مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز.

ففي التسعينيات، كانت نسبة الإصابة في أوغندا 30 في المائة، لكن بفضل برنامج طموح، انخفضت الآن إلى 5 في المائة فقط. وبينما توفي 53 ألف شخص في أوغندا بسبب مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) ومضاعفاته في عام 2010، فإن عدد هذه الوفيات انخفض في عام 2023 ليصل إلى 20 ألف حالة فقط.

ويعيش في أوغندا ما يقرب من 1.5 مليون شخص حاملين للفيروس، منهم حوالي 1.3 مليون شخص يتلقون العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية.

وقال موسوبا: «هناك خطر أن تمحى هذه الإنجازات». وأشار إلى أن هذا الأمر ينطبق أيضا على عودة الوصم الاجتماعي للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية.

ويذكر أنه حتى الآن، كان يتم تمويل 70 في المائة من برنامج مكافحة الإيدز في أوغندا، والذي تبلغ ميزانيته السنوية 500 مليون دولار، عن طريق أموال المساعدات الأميركية. ووفقا لمفوضية الإيدز الأوغندية، فإن برنامج «بيبفار» الأميركي لم يوفر أدوية مضادات الفيروسات القهقرية وأجهزة اختبار فيروس نقص المناعة البشرية وحسب، بل قام أيضا بتمويل رواتب أكثر من 4300 موظف في العيادات الأوغندية و16 ألف معاون صحي في المجتمعات المحلية.

وأصبح العديد من العاملين في قطاع الصحة الآن في حيرة وعجز تام، تماما مثل مرضاهم.

وقال ماثيو نسيما موكاما الذي يعمل في عيادة متخصصة بفيروس نقص المناعة البشرية بالقرب من مطار عنتيبي، إنه يتلقى يوميا أسئلة من مرضاه حول ما إذا كانوا سيحصلون على أدويتهم في المستقبل.

ولفت إلى أن «الناس أصبحوا في حالة ذعر، فهم يأتون قبل موعدهم ويطرحون الكثير من الأسئلة عن الوضع»، وأضاف: «نحن قلقون أيضا، لأنه قد يأتي الوقت الذي لا تتوفر فيه الأدوية».

وقال طبيب شاب كان يعمل في معهد الأمراض المعدية في كامبالا، والذي كان يعتمد أيضا بشكل كبير على تمويل برنامج «بيبفار» لدفع رواتب موظفيه، إنه وجد نفسه عاطلا عن العمل بعد إعلان ترمب.

وأضاف أن «الإعلان كان قرارا صادما للغاية. أنا الآن في إجازة غير مدفوعة الأجر لمدة 90 يوما. من دون راتب، لا أعرف كيف سأتمكن من إعالة أسرتي وأطفالي».

لا تعد أوغندا حالة فردية، إذ قالت منظمة «أطباء بلا حدود» إن العديد من المرافق الصحية في جنوب أفريقيا قد أغلقت، حيث كانت تقدم برامج لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية بتمويل من برنامج «بيبفار»، وفي موزمبيق، اضطرت إحدى أهم المنظمات الشريكة لـ«أطباء بلا حدود»، والتي كانت تقدم برامج شاملة لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية، إلى وقف أنشطتها بالكامل. أما في زيمبابوي، فقد أوقفت معظم المنظمات التي تقدم برامج لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية عملها أيضا، لأن هذه المنظمات لم تعد تضمن توافر التمويل وشراء الأدوية بشكل كاف. ولا يمكن للجهات المانحة الأخرى سد هذه الفجوات بالسرعة المطلوبة.

من جانبها، تقول آفريل بينوا، المديرة التنفيذية لـ«أطباء بلا حدود» في الولايات المتحدة إنه رغم وجود استثناء محدود من قرار تجميد أموال المساعدات، يغطي بعض الأنشطة، «فإن فرقنا ترى في العديد من البلدان أن الناس فقدوا بالفعل إمكانية الوصول إلى الرعاية الطبية المنقذة للحياة، ولا يعرفون ما إذا كانت علاجاتهم ستستمر أو متى يمكن أن تستأنف. هذه الانقطاعات ستتسبب في إزهاق أرواح وستدمر سنوات من التقدم في مكافحة الفيروس».