هل يسقط الساحل بسقوط النيجر؟

مؤيدو الانقلاب يحملون علماً روسياً كبيراً في نيامي الخميس (أ.ب)
مؤيدو الانقلاب يحملون علماً روسياً كبيراً في نيامي الخميس (أ.ب)
TT

هل يسقط الساحل بسقوط النيجر؟

مؤيدو الانقلاب يحملون علماً روسياً كبيراً في نيامي الخميس (أ.ب)
مؤيدو الانقلاب يحملون علماً روسياً كبيراً في نيامي الخميس (أ.ب)

أسقط الانقلاب العسكري الذي قادته وحدات من الحرس الرئاسي في النيجر، آخر بلدان الساحل المركزي، في أتون عدم الاستقرار السياسي، ليلتحق البلد الفقير والهش بكل من مالي وبوركينا فاسو وتشاد، التي تعيش هي الأخرى وضعية دستورية «غير طبيعية» إثر انقلابات عسكرية متلاحقة.

ولكن سقوط النيجر قد تكون له تداعيات أكبر مما حدث في جيرانه الثلاثة، إذ تعد بلداً محورياً في الحرب على الإرهاب والجريمة المنظمة، بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي، كبلد محاذٍ للجنوب الليبي حيث تنشط جماعات التهريب والجريمة المنظمة، وعلى حدوده الغربية كل من مالي وبوركينا فاسو، حيث تنشط «القاعدة» و«داعش»، وفي الجنوب تحدّه نيجيريا حيث تتمركز «بوكو حرام» و«داعش» وفي الشرق الغربي تطل عليها بحيرة تشاد، حيث المعاقل المركزية لـ«داعش».

وهكذا تصبحُ النيجر مركز الحرب الدولية على الإرهاب في منطقة الساحل، وبلداً يراد له أن يكون حاجزاً أمام تواصل التنظيمات الإرهابية التي تحيط بها من مختلف الجهات، وذلك ما يفسر الوجود العسكري الفرنسي الكبير في البلد، إذ يزيد عدد الجنود الفرنسيين فوق أراضي النيجر على 1500، أغلبهم من القوات الخاصة المتمركزة في القاعدة الجوية العسكرية الفرنسية بنيامي.

وليست فرنسا بصفتها قوة استعمارية سابقة للبلد، هي وحدها مَن تهتم بالنيجر، بل إن الولايات المتحدة الأميركية تنشر قوات خاصة في البلد، تتولى تدريب وتأطير قواته على مواجهة الجماعات الإرهابية، كما شيدت قاعدة جوية في الشمال بالقرب من مدينة أغاديز، وهي قاعدة خاصة بالطائرات المسيّرة لمراقبة الصحراء الشاسعة.

الرئيس محمد بازوم مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في نيامي 16 مارس 2023 (أ.ب)

كما تنشر عدة دول أوروبية قوات في النيجر، لمساعدة البلد على مواجهة الجماعات الإرهابية المسلحة، التي تشن هجماتها بشكل متكرر في جنوب وغرب البلاد، متسببةً في سقوط آلاف القتلى خلال السنوات الأخيرة.

وعلى الرغم من أن قادة الانقلاب العسكري الأخير أكدوا مضيّهم في الحرب على الإرهاب، واحتفاظهم بالشراكات الدولية في ذلك الإطار، فإن انقلابهم واجه رفضاً واضحاً وصريحاً من طرف فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، فيما تزيد المخاوف من أن يسلك انقلابيو النيجر نفس الطريق التي سلكها أقرانهم في مالي وبوركينا فاسو، حين تحالفوا مع روسيا بدل الغرب.

وتضاعفت هذه المخاوف حين اتهم قادة الانقلاب، الخميس، الجيش الفرنسي بخرق قرار إغلاق الحدود البرية والجوية للبلاد، الذي أعلنوه مساء الأربعاء، حين اخترقت طائرة عسكرية فرنسية أجواء النيجر لتحط في القاعدة الجوية الفرنسية بالعاصمة نيامي.

وقال الانقلابيون في بيان صحافي -كان رابع بيان يصدر عنهم منذ الانقلاب- إنَّ «الشريك الفرنسي قام بخرق قرارات المجلس المعلن عنها في البيان رقم ثلاثة»، مشيراً إلى أن طائرة عسكرية فرنسية من نوع (A400M) حطت في مطار نيامي الدولي، فجر الخميس.

ومع أن المجلس العسكري الذي يحكم البلاد لم يعلن عن اتخاذ أي إجراء ضد القوات الفرنسية، إلا أن هذا يُعيد إلى الأذهان بداية الخلاف بين القوات الفرنسية في مالي والانقلابيين عام 2021، حول السيادة على الأجواء.

في هذا السياق، قال الصحافي المختص بقضايا الأمن في أفريقيا، الأمين سالم لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن الانقلاب الذي وقع في النيجر سيكون تأثيره قوياً على منطقة الساحل»، وأوضح أن النيجر «هي الدولة الوحيدة من دول الساحل المركزي التي كان يحكمها رئيس مدني منتخب»، واليوم أصبحت جميع دول الساحل (مالي، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو) يحكمها العسكريون.

مؤيدون للانقلاب يرفعون أعلاماً نيجرية وروسية في نيامي الخميس (رويترز)

وأضاف الأمين سالم أن محمد بازوم رغم كونه مدنياً «فإنه كان يتمتع بعلاقات جيدة مع فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية»، مشيراً إلى أن ما حدث هو «سقوط حليف للغرب في دولة مهمة مثل النيجر، في ظرف يتزايد فيه النفوذ والوجود الروسي في المنطقة».

وأشار إلى أسئلة تُطرح حول إمكان أن «يغيّر الحكام الجدد للنيجر موقفهم من الغرب، وأن يسلكوا الطريق التي سلك أقرانهم في مالي وبوركينا فاسو»، معتبراً أن تلك ستكون ضربة موجعة للغرب في صراعه مع روسيا على الأراضي الأفريقية.

ويبدو أن روسيا منتبهة لما يجري في النيجر، خصوصاً أنه تزامن مع انعقاد قمة روسيا – أفريقيا في مدينة سان بطرسبرغ الروسية، الخميس، التي أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، أنها ستناقش الوضع في النيجر.

وقال المسؤول الروسي: «بطبيعة الحال، تتم مناقشته على هامش القمة، وبالتأكيد ستتم مناقشته بطريقة ما خلال أحداث القمة التي ستُعقد اليوم وغداً»، وأكد في السياق ذاته: «لا يمكن تجاهل مثل هذه الأحداث في القارة الأفريقية».

إلى جانب الصراع الدولي في المنطقة، انزلاق النيجر ودخولها في أزمة سياسية سيعقّد الأوضاع في منطقة الساحل، حين يُفتح الباب أمام صعود الجماعات الإرهابية المسلحة، التي كثيراً ما تستغل مثل هذه الأوضاع، كما سبق وفعلت في دولتي مالي وبوركينا فاسو قبل عشر سنوات.

النيجر تعاني من تحديات أخرى جوهرية تتمثل في تغير المناخ وانتشار الفساد وضعف الدولة المركزية، ما جعلها تصنَّف من بين أفقر خمس دول في العالم، رغم أنها تعدّ من بين أغنى دول العالم باليورانيوم الذي تستغل مناجمه من طرف شركات فرنسية، كما يتمتع البلد بثروات معدنية أخرى مهمة على غرار الذهب.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي طائرة من سلاح الجو العراقي خلال إحدى المهمات ضد تنظيم «داعش» (أرشيفية - واع)

العراق: المجال الجوي غير مؤمّن بالكامل

أقر العراق بأن مجاله الجوي غير مؤمّن بالكامل، في حين أكد اتخاذ إجراءات لتحسين القدرات الدفاعية بعد التعاقد مع كوريا الجنوبية قبل أشهر لامتلاك منظومة متطورة.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي الجيش العراقي يُطلق النار على مسلحي «داعش» عام 2017 (رويترز)

العراق: انفجار قنبلة يصيب 4 في كركوك

كشفت مصادر بالشرطة أن أربعة أصيبوا عندما انفجرت قنبلة على جانب أحد الطرق في مدينة كركوك بشمال العراق اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي عناصر من القوات الحكومية في البادية (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

دمشق تواصل تمشيط البادية شرق حمص وملاحقة «داعش» بدعم من الطيران الروسي

رجّحت مصادر محلية أن يكون هدف حملة تقوم بها قوات تابعة لدمشق هو تأمين طرق البادية السورية الواصلة بين مناطق الحدود مع العراق ومحافظة حمص.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي فوزية أمين سيدو امرأة إيزيدية اختطفها «داعش» في العراق وتم إنقاذها بعملية في غزة (وزارة الخارجية العراقية)

عملية بقيادة أميركية تحرر إيزيدية من غزة بعد 10 سنوات في الأسر

قال مسؤولون عراقيون وأميركيون إن شابة إيزيدية عمرها 21 عاماً اختطفها مسلحون من تنظيم «داعش» في العراق قبل أكثر من عقد تم تحريرها من قطاع غزة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

إثيوبيا قلقة بعد تأكيد مصر دعم الصومال عسكرياً

وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور يشهد عملية تفريغ شحنة مساعدات عسكرية مصرية (مديرة مكتب رئيس الوزراء الصومالي - إكس)
وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور يشهد عملية تفريغ شحنة مساعدات عسكرية مصرية (مديرة مكتب رئيس الوزراء الصومالي - إكس)
TT

إثيوبيا قلقة بعد تأكيد مصر دعم الصومال عسكرياً

وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور يشهد عملية تفريغ شحنة مساعدات عسكرية مصرية (مديرة مكتب رئيس الوزراء الصومالي - إكس)
وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور يشهد عملية تفريغ شحنة مساعدات عسكرية مصرية (مديرة مكتب رئيس الوزراء الصومالي - إكس)

دفع تأكيد مصر تقديمها دعماً عسكرياً للصومال، إثيوبيا إلى الإعراب عن «القلق»، وسط تصاعد للتوتر بين القاهرة وأديس أبابا.

وخلافات مصر وإثيوبيا متواصلة على خلفية بناء الأخيرة لـ«سد النهضة»، بينما اتفقت أديس أبابا مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي على استخدام ميناء بحري، وهو ما ترفضه القاهرة ومقديشو.

وإلى جانب إعلان مصر، الاثنين، للمرة الأولى، توجيهها «شحنة مساعدات عسكرية» إلى الجيش الصومالي، اجتمع وزراء خارجية مصر، والصومال، وإريتريا، في نيويورك، وأكدوا «التنسيق المشترك»، والعمل على «حفظ الاستقرار، واحترام سيادة ووحدة الأراضي الصومالية».

في المقابل، أعربت الخارجية الإثيوبية، أمس، عن القلق من أن «إمداد الذخائر من قبل قوى خارجية من شأنه أن يزيد تفاقم الوضع الأمني الهش وينتهي بها الأمر في أيدي الإرهابيين بالصومال».