غذاء وأسلحة وطاقة... الحضور الروسي في أفريقيا

قبل قمة سان بطرسبورغ... بوتين يؤكد لقادة أفريقيا القدرة على تزويدهم بالحبوب «على أساس تجاري أو مجاني»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع عدد من قادة الدول الأفريقية خلال القمة الروسية - الأفريقية التي عُقدت في مدينة سوتشي عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع عدد من قادة الدول الأفريقية خلال القمة الروسية - الأفريقية التي عُقدت في مدينة سوتشي عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

غذاء وأسلحة وطاقة... الحضور الروسي في أفريقيا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع عدد من قادة الدول الأفريقية خلال القمة الروسية - الأفريقية التي عُقدت في مدينة سوتشي عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع عدد من قادة الدول الأفريقية خلال القمة الروسية - الأفريقية التي عُقدت في مدينة سوتشي عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

عززت روسيا خلال الأعوام الماضية عبر صادرات الحبوب وصفقات التسليح والتعاون في مجال الطاقة، من حضورها في أفريقيا، وهي سوق تكتسب أهمية متزايدة بالنسبة إلى موسكو منذ بدء حرب أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

واتهم المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (الثلاثاء) الدول الغربية بمحاولة ثني الأفارقة عن حضور قمة روسية - أفريقية تستضيفها (الخميس) سان بطرسبورغ، العاصمة السابقة للإمبراطورية الروسية. وقال: «عملياً، كل الدول الأفريقية كانت عرضة لضغوط غير مسبوقة من الولايات المتحدة وفرنسا... للحؤول دون انعقاد هذه القمة». وأضاف بيسكوف: «من المهم اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن نجتمع مع (القادة) الأفارقة وأن نتحدث إليهم، خصوصاً بشأن اتفاقية تصدير الحبوب».

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)

وإزاء العزلة التي سعت دول غربية لفرضها على الرئيس الروسي منذ بدء غزو أوكرانيا في فبراير 2022، بقيت خطوط التواصل مفتوحة بين موسكو وأطراف عدة مثل بكين وطهران، وبدرجة أقل عواصم أفريقية.

بوتين مع رئيس جنوب أفريقيا (رويترز)

وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ موسكو ستعوّض الحبوب الأوكرانيّة المورّدة إلى أفريقيا. وقال بوتين في مقال نُشر (الاثنين) على الموقع الإلكتروني للكرملين: «اليوم، الشراكة البنّاءة، والواثقة، والموجّهة نحو المستقبل بين روسيا وأفريقيا هي على قدر خاص من الدلالة والأهمية»، مضيفاً: «أريد أن أطمئن أن بلدنا قادر على تعويض الحبوب الأوكرانية على أساس تجاري أو مجاني، خصوصاً أننا نتوقع مجدداً محصولاً قياسياً هذا العام». وهذه هي المرة الثانية التي يلتقي فيها بوتين مع عدد من قادة القارة في ثاني قمّة من نوعها بعد لقاء «سوتشي» عام 2019.

ويبرز على جدول أعمال القمة بند أساسي، هو رفض موسكو في وقت سابق من الشهر الحالي تمديد العمل باتفاقية أتاحت منذ صيف 2022 تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود على الرغم من الحرب والحصار الذي تفرضه البحرية الروسية على المرافئ الأوكرانية.

وأتاحت الاتفاقية خلال زهاء عام تصدير نحو 33 مليون طن من الحبوب من الموانئ الأوكرانية إلى مختلف بقاع الأرض بما فيها أفريقيا، ما ساهم في استقرار أسعار المواد الغذائية عالمياً والحد من المخاوف من وقوع أزمة نقص في المواد الأساسية. وعلى مدى الأيام الماضية، سعت موسكو لتهدئة المخاوف الأفريقية بهذا الشأن، مؤكدة تفهّمها «قلق» دول القارة.

وجاء تعزيز علاقات موسكو الدبلوماسية مع الدول الأفريقية، كما جاء في تقرير «فرنس برس»، على حساب نفوذ دول أخرى مثل فرنسا، عبر وسائل شتى منها تعزيز حضور مجموعة «فاغنر» العسكرية في بعض المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة.

وفي إشارة إلى اهتمام موسكو المتزايد بأفريقيا، زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف القارة مرتين منذ مطلع العام، ساعياً للتقريب بين الجانبين في مواجهة «الإمبريالية» الغربية.

وتنعكس زيادة الحضور الروسي في أفريقيا من خلال اتفاقات للتعاون العسكري وحملات إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي. ووفق خبراء، فإن فشل التمرد المسلّح لمجموعة «فاغنر» على القيادة العسكرية الروسية، طرح علامات استفهام حول مستقبل وجود عناصرها وعملياتها في دول القارة.

عناصر من «فاغنر» بجانب دباباتهم في روستوف أون دون خلال التمرد ضد موسكو (أ.ب)

أبرز مجالات التعاون بين الطرفين، عشية قمة سان بطرسبورغ:

- أعلنت موسكو «تفهّمها» للقلق الأفريقي جراء وقف العمل باتفاقية الحبوب، وأكدت أنها ستعوّض الحبوب الأوكرانيّة المورّدة إلى القارة من دون تكلفة إضافية. وشدد بوتين قائلاً: «رغم العقوبات، ستواصل روسيا جهودها الحثيثة لضمان توزيع الحبوب والمواد الغذائية والأسمدة وغيرها من السلع إلى أفريقيا».

وروسيا من أكبر مصدّري الحبوب في العالم، وزوّدت أفريقيا بـ11.5 مليون طن منها في عام 2022، في حين وصلت كمية الصادرات في الأشهر الستة الأولى من 2023 إلى نحو 10 ملايين طن. وأشار المسؤول في وزارة الاقتصاد الروسية بافل كالميتشك إلى أن القمح وحبوباً مستخدمة كعلف، تشكّل 25 بالمائة من الصادرات الروسية إلى أفريقيا.

- «فاغنر»: تعد مجموعة «فاغنر» منذ أعوام بمثابة الذراع العسكرية لروسيا في دول أفريقية عدة، مع وجود عناصر أو «مدربين» تابعين لها في ليبيا والسودان وموزمبيق ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى. وعلى الرغم من التمرّد المسلح الفاشل على القيادة العسكرية في موسكو الذي نفذته المجموعة وقائدها يفغيني بريغوجين، يرجح أن عمليات «فاغنر» في أفريقيا لم تتأثر إلى الآن. وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن مصير عناصر «فاغنر» في أفريقيا يعود «للدول المعنية». وبحسب مصدر عسكري أوروبي، تحقق المجموعة عائدات كبيرة في الدول الأفريقية جراء الذهب والمعادن.

بوتين لدى مخاطبته الشعب الروسي بخصوص تمرد «فاغنر» السبت الماضي (أ.ب)

- أسلحة: أبرم الاتحاد السوفياتي السابق اتفاقات تسليح مع عدد من الدول الأفريقية. وفي الأعوام الماضية، سعت موسكو إلى «مواصلة وتعزيز» التعاون في هذا المجال، وفق ما أكده لوكالة «فرنس برس» مصدر في هذا القطاع. وبحسب المصدر الروسي، يركّز التعاون على «تحديث الأسلحة التي تمّ توفيرها منذ الحقبة السوفياتية»، وأيضاً التزويد بأسلحة من الجيل الجديد. وشدد المصدر على أن «روسيا تعمل مع كل الدول حتى تلك التي تعاونت تقليدياً في هذا المجال مع فرنسا، أو الولايات المتحدة، أو إسبانيا».

أتاحت الاتفاقية خلال زهاء عام تصدير نحو 33 مليون طن من الحبوب من الموانئ الأوكرانية إلى مختلف بقاع الأرض بما فيها أفريقيا (أ.ف.ب)

وأوضح مدير الجهاز الروسي للتعاون العسكري والتقني دميتري شوغاييف في صيف 2021، أن تصدير الأسلحة إلى أفريقيا يشكّل «ما بين 30 و40 بالمائة» من إجمالي صادرات السلاح الروسي سنوياً. وفي 2019، أشار شوغاييف إلى أن الدول الأفريقية طلبت أسلحة من روسيا بقيمة 14 مليار دولار. وموسكو على سبيل المثال هي من أبرز المصدّرين للجزائر التي يعد جيشها من أكبر الجيوش في القارة.

- طاقة: تسعى روسيا كذلك إلى تزويد أفريقيا بخبراتها التقنية في مجال البنية التحتية النووية. وفي مصر، بدأت مجموعة «روساتوم» العملاقة في 2022 بناء محطة الضبعة النووية، الأولى من نوعها في البلاد. وتسعى روسيا إلى تصدير «المحطات العائمة» للدول الأفريقية التي تعاني من نقص بالغ في قدراتها الذرية. وبحسب وزارة الطاقة الروسية، لموسكو مشاريع نفطية عدة في أفريقيا تشرف عليها بشكل رئيسي مجموعة «لوكويل». وفي ظل العقوبات الغربية التي فُرضت عليها بعد اجتياح أوكرانيا، تسعى روسيا إلى إعادة توجيه صادراتها من النفط والغاز بعد إغلاق السوق الأوروبية في وجهها. وهي أعلنت تعزيز التعاون في مجال الطاقة مع الجزائر التي تعدّ من أبرز مصدّري الغاز الطبيعي.

وبحسب وزارة الاقتصاد، يخصص ثلثا الاستثمارات الروسية في أفريقيا لاستكشاف واستخراج النفط والغاز، وكذلك اليورانيوم والألماس ومعادن أخرى.


مقالات ذات صلة

حريق بمستودع نفط في كورسك الروسية بعد هجوم بمسيرات أوكرانية

أوروبا عمال إطفاء يحاولون إخماد حريق منشأة نفطية في كورسك بعد قصفها من قبل أوكرانيا في 15 فبراير (شباط) 2024 (أ.ف.ب)

حريق بمستودع نفط في كورسك الروسية بعد هجوم بمسيرات أوكرانية

النيران اندلعت في 3 خزانات بمستودع للنفط في المنطقة نتيجة هجوم بطائرات مسيرة شنته أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
آسيا وزيرا خارجية الصين وأميركا خلال لقائهما على هامش اجتماع «آسيان» في عاصمة لاوس فينتيان السبت (أ.ف.ب)

محادثات «صريحة ومثمرة» بين وزيري خارجية أميركا والصين

أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن محادثات «صريحة ومثمرة» أجراها مع نظيره الصيني، وانغ يي، في لاوس.

«الشرق الأوسط» (فينتيان (لاوس))
أوروبا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مشاركته باجتماع «آسيان» في عاصمة لاوس فينتيان الجمعة (رويترز)

لافروف: تصريحات كييف في شأن مفاوضات السلام «متناقضة»

رأت روسيا أن تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ووزير خارجيته ديمتري كوليبا حول مفاوضات السلام تنم عن تناقض.

«الشرق الأوسط» (فينتيان (لاوس))
أوروبا القوات الروسية دمرت 7 مسيّرات أوكرانية فوق أراضي مقاطعة ريازان (رويترز)

روسيا: تدمير 21 مسيّرة أوكرانية خلال الليل وصباح اليوم

أعلنت وزارة الدفاع الروسية اليوم (السبت) تدمير 21 طائرة دون طيار أوكرانية خلال ساعات الليل والصباح في عدد من مقاطعات البلاد.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (قناة الكرملين عبر «تلغرام»)

الكرملين يعترف بأزمة ديموغرافية «كارثية» ويدعو لزيادة المواليد

لفت الكرملين النظر إلى أن الحالة الديموغرافية «كارثية على مستقبل الأمة»، في حين عجزت السياسات المختلفة المنفّذة في روسيا منذ ربع قرن عن زيادة معدل المواليد.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

جيش بوركينا فاسو يدين مقاطع فيديو لجنود يمثلون بجثث

عناصر من جيش بوركينا فاسو (رويترز)
عناصر من جيش بوركينا فاسو (رويترز)
TT

جيش بوركينا فاسو يدين مقاطع فيديو لجنود يمثلون بجثث

عناصر من جيش بوركينا فاسو (رويترز)
عناصر من جيش بوركينا فاسو (رويترز)

دان جيش بوركينا فاسو مقاطع فيديو تداولها مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي، هذا الأسبوع، تُظهر أشخاصاً يمثلون بجثث، ويصفون أنفسهم بأنهم من «الجنود ومقدمي الخدمات المعاونة للجيش»، وفق «رويترز».

لاقى ذلك رواجاً بعد أن انتشر، الأسبوع الماضي، مقطع فيديو يُظهر رجلاً يرتدي زياً عسكرياً مالياً يقطع بطن جثة بسكين، ووصف جيش مالي مقطع الفيديو بأنه «جريمة بشعة غريبة» لا تتماشى مع قيمه العسكرية.

وأفادت تصريحات وتقارير إعلامية حول اللقطات بأن الأسبوع الحالي أيضاً شهد انتشار مقاطع فيديو مماثلة لرجال في بوركينا فاسو المجاورة يعرضون أشلاء مقطوعة من جثث ويحرقونها. ولم يتسنَّ لـ«رويترز» التحقق من المقاطع.

وقالت القوات المسلحة في بوركينا فاسو في بيان أمس (الأربعاء): «في الأيام القليلة الماضية، جرى تداول لقطات مروعة على وسائل التواصل الاجتماعي لوحشية غير معتادة».

واستنكرت «الأفعال المروعة»، وقالت إنها تتنافى مع قيمها العسكرية. وسارت على خطى جيش مالي بالتعهد بالتحقيق في المقاطع، وتحديد هوية مرتكبي هذه الأفعال.

يقاتل جيشا مالي وبوركينا فاسو تمرداً مسلحاً في منطقة الساحل الأفريقي منذ اندلاعه لأول مرة في مالي قبل 12 عاماً. واتهمت جماعات معنية بحقوق الإنسان والأمم المتحدة مراراً جيشَي مالي وبوركينا فاسو بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين المشتبه بتعاونهم مع متمردين. وينفي كلا الجيشين ارتكاب أي انتهاكات.

وتخضع بوركينا فاسو ومالي للحكم العسكري منذ عامَي 2020 و2022 على الترتيب. وتسبب إخفاق الحكومات السابقة في حماية المدنيين من التمرد في منطقة الساحل في حدوث انقلابَين في مالي، وانقلابَين آخرَين في بوركينا فاسو، وانقلاب واحد في النيجر المجاورة منذ عام 2020.

ومع ذلك، لم تفلح المجالس العسكرية حتى الآن في الوفاء بوعودها بقمع التمرد، والتصدي لأعمال العنف التي أسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين.