قبيل أشهر من الانتخابات العامة ووسط استياء شعبي من سياسات حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي»، المتربع على قيادة جنوب أفريقيا منذ سنوات، بدأت المعارضة حراكاً جديداً تمثل في تكوين تحالف من عدة أحزاب «يهدف إلى إزاحة الحزب الحاكم من السلطة». وقلل خبراء من أثر التحالف على فرص الحزب في الانتخابات المقبلة، لكنهم أقروا بوجود أزمة تراجع شعبية يعانيها الحزب قد تؤثر عليه مستقبلا.
وأعلن أكبر حزب مُعارض في جنوب أفريقيا وستّة أحزاب صغيرة، مطلع الأسبوع، تشكيل تحالف لخوض الانتخابات المقرّرة العام المقبل ضدّ حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي» الحاكم. ويضمّ الائتلاف الجديد حزب «التحالف الديمقراطي»، الذي يملك خُمس المقاعد في البرلمان، لكنّه لا يشمل حزب «مقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية» اليساري الراديكالي، وهو ثالث أكبر حزب في البلد.
ورأت الأحزاب المتحالفة أن انتخابات عام 2024 «تشكّل فرصة غير مسبوقة لشعب جنوب أفريقيا لانتخاب حكومة جديدة يمكنها إخراج البلد من الأزمات المتعددة». وأضافت في بيان: «للمرة الأولى منذ عام 1994، يُتوقّع أن يخسر الحزب الحاكم الحالي أغلبيته عندما سيتوّجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع العام المقبل». ومن المقرر أن يجري قادة الأحزاب السبعة ما وصفوه بـ«محادثات تاريخية» يومَي 16 و17 أغسطس (آب) في جوهانسبورغ، لرسم «رؤية مشتركة لحكومة جديدة».
ويأتي ذلك السجال السياسي في الوقت الذي تواجه فيه البلاد كمية هائلة من المشكلات، بما في ذلك نسبة بطالة تصل إلى 35٪، ونسبة تضخم تصل إلى 7.4٪، علاوة على معدلات جريمة مرتفعة للغاية وتفشّ للفساد وأزمة طاقة تعصف باقتصاد البلاد كانت قد تسببت في احتجاجات غاضبة، وإعلان رئيس البلاد ورئيس الحزب الحاكم سيريل رامافوزا حالة الكارثة الوطنية، وإحداث منصب وزير الكهرباء.
ورغم سيطرة حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي» على الحياة السياسية بفوزه في خمسة انتخابات عامة متتالية عقب سقوط النظام العنصري، فإن شعبيته تشهد حالة من التراجع الحاد، وهو ما أظهرته الانتخابات المحلية التي جرت عام (2021)، حيث شهدت انخفاض نصيب الحزب في التصويت إلى أقل من (50%) على المستوى الوطني لأول مرة منذ بداية مسار التحول السياسي في الدولة في منتصف التسعينات من القرن الماضي.
وقال الصحافي المقيم في جوهانسبورغ سعيد عبد الله، لـ«الشرق الأوسط»، إن التحالف الجديد يشير إلى «انتهاء ديمقراطية الحزب الواحد في جنوب أفريقيا والدخول في عصر التحالفات». لكنه رأى أن تدني شعبية الحزب الحاكم لن يقابله بالضرورة صعود لأحزاب المعارضة، «لذا فإن التهديد ليس كبيراً».
وأشار عبد الله إلى أن «تحالفاً من هذا القبيل شكل في الانتخابات المحلية سابقاً ولم يحصل إلا على نحو 35% من المقاعد». واعتقد عبد الله أنه حتى في حالة عدم حصول الحزب الحاكم على أغلبية، فإن لديه «فرصة تحالف مع حزب (مقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية)، وهذا يعد أقوى من التحالف الذي تعمل المعارضة على تشكيله».
وتوقع عبد الله أن يكون تأثير الاستياء والغضب الشعبي المتزايد من سياسات الحزب الحاكم «ملموساً بوتيرة أكبر في انتخابات 2029 وليس انتخابات العام المقبل»، مرجّحاً فقدانه التدريجي لمزيد من زخمه الشعبي «في ظلّ عدم تبني سياسات ناجحة في حل مشكلات البلاد وعدم ضخ دماء جديدة في الحزب».
وكان استطلاع للرأي أجري في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أشار إلى أنه من غير المرجح أن يحصل أي حزب على أغلبية في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في البلاد بعد عام تقريباً. ووجد الاستطلاع، الذي شمل 2000 ناخب مسجل، وأجرته مؤسسة Rivonia Circle ومقرها جوهانسبورغ، أنه لا يوجد أي حزب سياسي له شعبية كبيرة لدى الناخبين. وبحسب نتائج الاستطلاع، سينخفض معدّل دعم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى 41٪، انخفاضاً من نسبة 57.5٪ حصل عليها في الانتخابات السابقة. الاستطلاع وجد كذلك أن 74٪ من مواطني جنوب أفريقيا يعتقدون أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ.
من جانبه، توقع صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أنه رغم تحالف قوى المعارضة وتوافر الإحصاءات والاستبيانات التي تشير لتراجع شعبية الحزب الحاكم، «لن يصل تأثير الأزمات والاستياء الشعبي من الأوضاع الحالية إلى إزاحة الحزب الحاكم في المرحلة الحالية، بسبب شعبيته التاريخية من جهة، وعدم وجود برامج بديلة ذات مصداقية حتى اللحظة من جانب القوى المعارضة في المقابل».
وفي الانتخابات العامة المقبلة، سيصوّت المقترعون لانتخاب أعضاء الجمعية العامّة، حيث يختار حزب الأغلبية بالعادة رئيس البلاد. وكان الحزب الحاكم في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، صوّت بإعادة انتخاب الرئيس سيريل رامافوزا زعيماً للحزب، وهو ما يجعله مرشح الحزب لخوض تلك الانتخابات.