«من فضلكم... اتركونا نرحل إلى إيطاليا»... بهذه الكلمات عبرت عائشة القادمة من كوت ديفوار عن شعورها بالإحباط بعد فشل محاولتها الرابعة للوصول إلى أوروبا انطلاقاً من سواحل صفاقس التونسية.
وتعترض دوريات خفر السواحل التونسي قوارب المهاجرين غير الشرعيين في عرض البحر وتعيدهم إلى ميناء المدينة الواقعة على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، فتتحطم أحلامهم في الوصول إلى أوروبا أملاً في حياة أفضل، رغم تكرار تحطم مثل هذه القوارب المتهاوية.
لكن المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء هرباً من الظروف الاقتصادية الصعبة والصراعات الأهلية يؤكدون أنهم لن يستسلموا وأنهم سيعيدون المحاولات حتى يحققوا أمنيتهم بالوصول إلى «الجنة الأوروبية».
وتقول عائشة لوكالة أنباء العالم العربي: «ليست هذه المرة الأولى بل المحاولة الرابعة التي أفشل فيها. أين أذهب الآن؟ لم يعد لي منزل في صفاقس ولا أعرف أين سأنام». وبصوت يائس أضافت: «قبل عبور البحر نخاطر بكل شيء، نخسر عملنا ومسكننا». وبعد فشل محاولتها الرابعة تؤكد «سأبدأ من الصفر»، وتتابع: «لا يوجد سميد أو سكر... من فضلكم اتركونا نرحل إلى إيطاليا، لقد تعبنا».
وتعاني تونس أزمة مالية خانقة أدت إلى نقص في المواد الاستهلاكية.
المنافذ
يدخل المهاجرون القادمون من بلدان جنوب الصحراء عبر المنافذ الحدودية الرسمية، ومنها مطار تونس (قرطاج)، بينما يتسلل آخرون بصورة غير شرعية عبر الحدود مع ليبيا أو الجزائر. بعد ذلك يتوجهون إلى صفاقس، التي أصبحت سواحلها نقطة انطلاق لرحلات الهجرة السرية.
أدى ذلك إلى تضاعف أعداد المهاجرين غير الشرعيين من دول أفريقيا جنوب الصحراء في ثاني أكبر مدن تونس بعد العاصمة.
ويقول بانجالي بانجورا القادم من غينيا إنه فشل في سبع محاولات سابقة في الوصول إلى أوروبا بعدما أعاده خفر السواحل من عرض البحر.
وتابع: «نريد الدخول إلى أوروبا لأنه لا يوجد عمل في تونس. السود لا يعملون في تونس».
واشتكى من سوء المعاملة قائلاً إنهم يتعرضون للعنف والاستغلال في العمل.
وتسببت محاولات الهجرة غير النظامية عبر قوارب خشبية متهالكة أو مراكب حديدية في مآسي غرق مئات المهاجرين في البحر المتوسط.
وقال المتحدث باسم الحرس الوطني التونسي حسام الدين الجبابلي في وقت سابق لوكالة أنباء العالم العربي إن 624 جثة لمهاجرين غير شرعيين، أغلبهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء، انتُشلت منذ بداية العام إلى 12 يونيو (حزيران) الماضي.
ورغم خطورة عبور البحر المتوسط على متن قوارب متهالكة مكتظة، ورغم الدوريات المستمرة لخفر السواحل التونسي للتصدي للهجرة غير النظامية، فإن المهاجرين يصرون على تكرار المحاولة.
غضب الأهالي
تسبب تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء في غضب أهالي مدينة صفاقس.
وفي الأسبوع الماضي تجمع مئات المحتجين أمام مقر الولاية في وسط المدينة للمشاركة في وقفة دعت إليها منظمات المجتمع المدني، حيث رددوا شعارات تدعو لإغلاق الحدود وترحيل اللاجئين.
وطالب المحتجون أيضاً السلطات بإعادة فرض تأشيرات الدخول على القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء للحد من تدفق المهاجرين على المدينة.
كانت تونس قد اتفقت مع الاتحاد الأوروبي في الشهر الماضي على العمل معاً على حزمة شراكة شاملة، تشمل التصدي للهجرة غير الشرعية، والتعاون في مجال الطاقة المستدامة، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية.
وعرض الاتحاد الأوروبي على تونس مساعدات بقيمة 105 ملايين يورو لمساعدتها في الحد من تدفق المهاجرين.
لكن أحزاباً تونسية ومنظمات من المجتمع المدني عبَّرت عن رفضها لما وصفته بأنه «صفقة أوروبية» لتوطين مهاجرين غير شرعيين في تونس.
ووفقاً لتقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة، لقي 3800 شخص من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مصرعهم خلال عام 2022، وهي أعلى حصيلة منذ عام 2017 الذي تم خلاله تسجيل 4255 حالة وفاة.
وكشف التقرير أن أكثر من 20 ألفاً توفوا غرقاً في البحر المتوسط منذ 2014، واعتبر تأخير عمليات الإنقاذ أحد الأسباب التي أدت إلى زيادة الحصيلة.