لماذا تتعاون الجماعات المسلحة مع عصابات التهريب في الساحل الأفريقي؟

تقرير أممي أكد أنها وراء «ازدهار» تجارة المخدرات

نازحون ينتظرون المساعدة في بوركينا فاسو في مايو 2022 (أ.ب)
نازحون ينتظرون المساعدة في بوركينا فاسو في مايو 2022 (أ.ب)
TT

لماذا تتعاون الجماعات المسلحة مع عصابات التهريب في الساحل الأفريقي؟

نازحون ينتظرون المساعدة في بوركينا فاسو في مايو 2022 (أ.ب)
نازحون ينتظرون المساعدة في بوركينا فاسو في مايو 2022 (أ.ب)

يؤدي غياب الأمن وتنامي النفوذ الإرهابي في منطقة الساحل الأفريقي إلى ازدهار نشاط عصابات الجريمة المنظمة، وعلى رأسها عصابات تهريب المخدرات، بحسب تقرير أممي، وهو ما عدّه خبراء «تحالفاً براغماتياً قائماً على تبادل المصالح، ومرشحاً للازدهار في ظل عدم وجود افق لاختراقات على صعيد الحوكمة والاستقرار السياسي والأمني في المنطقة».

 

وخلص تقرير صدر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة، الاثنين، إلى أن تهريب المخدرات آخذ في التنامي في منطقة الساحل الأفريقي، بفضل الجماعات المسلّحة غير الحكومية التي تنشط هناك. وبحسب التقرير، فإن «هذه الجماعات المسلّحة التي انضمّت إلى الشبكات التقليدية للمتاجرين، تستفيد من ذلك من خلال الضرائب والرسوم الأخرى مقابل الحماية أو المرور الآمن للمنظمات الإجرامية عبر المناطق التي يسيطرون عليها».

 

وحسبما أشار المكتب في تقريره لعام 2023، قفزت كميات الكوكايين المضبوطة في منطقة الساحل - موريتانيا، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر وتشاد - العام الماضي. وازدادت من 13 كيلوغراماً في السنة بين عامي 2015 و2020، و35 كيلوغراماً في عام 2021، إلى 863 كيلوغراماً في عام 2022.

 

وكانت أكبر المضبوطات في بوركينا فاسو (488كلغ) ومالي (160كلغ) والنيجر (215كلغ)، و«قد لا تكون سوى جزء من فيض تدفّقات أكبر بكثير غير مكتشفة»، وفق التقرير.

 

يقول محمد الأمين ولد الداه، الخبير الموريتاني في شؤون الساحل الأفريقي: إن ما يحدث بين الجماعات المسلحة وعصابات المخدرات الجريمة المنظمة هو «تعايش يتحول تعاوناً بهدف تحقيق مصالح متبادلة، حيث يجمع بينهم الرغبة في نشر الفوضى وغياب سيطرة القانون؛ الأمر الذي يسهّل للطرفين تحقيق أهدافهم وإن اختلفت».

 

وأضاف الأمين ولد الده لـ«الشرق الأوسط» أن منطقة الساحل التي تتسم بغياب السيطرة الحكومية على مناطقها الحدودية الشاسعة تعد بيئة مواتية جداً للطرفين.

 

ولفت الأمين ولد الداه إلى أن المنطقة لطالما كانت منذ عقود منطقة عبور لتجارة المخدرات بين أمريكا اللاتينية وأوروبا، لكن ذلك تغير على الأرجح، حيث تضبط كميات كبيرة جداً من المخدرات في دول المنطقة؛ ما يشي بأن المنطقة تحولت أيضاً منطقة استهلاك.

 

وفي مارس (آذار) الماضي، عبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن قلقه العميق بشأن المكاسب التي تحققها الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي ومناطق أخرى في القارة، قائلاً «إن أثر الإرهاب آخذ في الاتساع، مع تدفق المقاتلين والأموال والأسلحة بشكل متزايد بين المناطق وعبر القارة، ومع تشكيل تحالفات جديدة مع جماعات الجريمة المنظمة والقرصنة».

 

كما قدرت وزارة الخزانة الأميركية العام الماضي إيرادات «بوكو حرام» التي يتمدد نفوذها في غرب أفريقيا وجنوب الصحراء، بنحو 10 ملايين دولار سنوياً، وقالت: إن معظم هذه الأموال تأتي من الجرائم المنظمة مثل الخطف، وتجارة السلاح والمخدرات.

 

وفي تقرير سابق، نشرته «الشرق الأوسط»، قال الخبير المصري في شؤون الجماعات المتطرفة أحمد سلطان: إن «العلاقات بين الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة وعلى رأسها جماعات تهريب المخدرات تاريخية، وتعتمد على تبادل المصالح»، حيث «توفر الجماعات المسلحة الحماية للعصابات مقابل الأموال التي تحتاج إليها الجماعات في تمويل أنشطتها».

 

وأشار سلطان إلى أن «الجماعات المتطرفة مثل (القاعدة) و(داعش) عملت على إباحة التعاون مع عصابات المخدرات وإيجاد مبررات له عبر فتاوى أصدرها قادتهم». وقال: «بعض الهجمات التي شنتها التنظيمات الإرهابية، دللت على خطورة العلاقات البينية بين شبكات الجريمة المنظمة والخلايا الإرهابية... فعلى سبيل المثال، استفادت الجماعات الجهادية من علاقة بعض أفرادها بالشبكات الإجرامية في توفير التمويل والمتفجرات اللازمة للكثير من الهجمات منها، هجمات مدريد مارس (آذار) 2004؛ إذ قدم تجار المخدرات دعماً لوجيستياً للمجموعة التي نفذت الهجوم».

 

وتعد منطقة الساحل في أفريقيا جنوب الصحراء الآن بمثابة بؤرة للإرهاب والتطرف على مستوى العالم، حيث تشكل ما يقرب من نصف عدد ضحايا الإرهاب عالمياً، وذلك وفق النسخة الأحدث من مؤشر الإرهاب العالمي المعروف اختصاراً بــGTI، فمن نسبة 1 في المائة على المستوى العالمي في عام 2007، زادت الحوادث الإرهابية أكثر من 2000 في المائة في السنوات الـ 16 الأخيرة، كما أنه ابتداءً من العام الحالي، تسببت هذه العمليات الإرهابية في وفيات تفوق التي شهدتها جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا مجتمعة، بحسب المؤشر.


مقالات ذات صلة

أميركا تلقي القبض على اثنين من أباطرة تجارة المخدرات في تكساس

الولايات المتحدة​ أفراد من وسائل الإعلام في مطار مقاطعة دونا آنا الخاص يقفون حيث يُعتقد بوجود الطائرة التي كانت تقل تاجري المخدرات... الصورة في سانتا تيريزا - نيو مكسيكو بالولايات المتحدة 25 يوليو 2024 (رويترز)

أميركا تلقي القبض على اثنين من أباطرة تجارة المخدرات في تكساس

قالت وزارة العدل الأميركية إنه جرى إلقاء القبض على تاجر المخدرات المكسيكي إسماعيل (إل مايو) زامبادا وابن شريكه السابق خواكين (إل تشابو) غوسمان في تكساس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا سعيد في زيارة غير معلنة لكبرى السدود الممتلئة حيث اتهم «شبكات إجرامية» بتعطيل مؤسسات توزيع المياه وتصنيع الكهرباء (موقعا رئاستَي الجمهورية والحكومة في تونس)

تونس: الرئيس سعيد يتهم «المتآمرين على الأمن الوطني» بقطع الماء والكهرباء

أعلنت الإدارة العامة للحرس الوطني إيقاف شخص متهم بـ«الانتماء إلى تنظيم إرهابي» مفتش عنه جنوب العاصمة تونس.

كمال بن يونس (تونس)
المشرق العربي كريستينا ألبرتين الممثلة الإقليمية لمكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة خلال مؤتمر لمكافحة المخدرات في بغداد اليوم (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: العراق يتحوّل إلى «محور» إقليمي لتهريب المخدرات

صادرت السلطات العراقية، العام الماضي، كميات قياسية من حبوب الكبتاغون، قد تصل قيمتها إلى 144 مليون دولار، وفق تقرير نشرته، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي السوداني يفتتح «مؤتمر بغداد الدولي الثاني لمكافحة المخدرات» (رئاسة الوزراء العراقية)

رئيس الوزراء العراقي يحذّر من استخدام المخدرات في «تجنيد إرهابيين»

حذّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في افتتاح «مؤتمر بغداد الدولي الثاني لمكافحة المخدرات»، من «استخدام المخدرات في تجنيد الإرهابيين».

فاضل النشمي ( بغداد)
الولايات المتحدة​ الأميركي مايكل ترافيس ليك داخل قفص المتهمين في أثناء جلسة النطق بالحكم في محكمة مقاطعة خاموفنيتشيسكي الروسية (أ.ف.ب)

السجن 13 عاماً لأميركي في روسيا بتهمة الاتجار بالمخدرات

أصدرت محكمة روسية في موسكو، الخميس، حكماً بالسجن 13 عاماً على الأميركي مايكل ترافيس ليك، بعد اتهامه بالاتجار بالمخدرات.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

محكمة نيجيرية تصدر أحكاماً بالسجن على 125 شخصاً أدينوا بالإرهاب

صورة تظهر آثار هجوم شنته عناصر من جماعة «بوكو حرام» في بلدة دالولي شمال شرق نيجيريا (رويترز)
صورة تظهر آثار هجوم شنته عناصر من جماعة «بوكو حرام» في بلدة دالولي شمال شرق نيجيريا (رويترز)
TT

محكمة نيجيرية تصدر أحكاماً بالسجن على 125 شخصاً أدينوا بالإرهاب

صورة تظهر آثار هجوم شنته عناصر من جماعة «بوكو حرام» في بلدة دالولي شمال شرق نيجيريا (رويترز)
صورة تظهر آثار هجوم شنته عناصر من جماعة «بوكو حرام» في بلدة دالولي شمال شرق نيجيريا (رويترز)

أصدرت محكمة خاصة في نيجيريا أحكاماً بالسجن على 125 شخصاً فيما يتعلق باتهامات بتورطهم في الإرهاب، حسب ما أوردته وكالة الأنباء الألمانية، وتردد أن معظم المتهمين، في أول محاكمة جماعية منذ سنوات، أعضاء في جماعة «بوكو حرام» المتشددة، التي نفذت عمليات خطف وهجمات انتحارية في تلك الدولة الواقعة غرب أفريقيا.

وقال المدعي العام ووزير العدل النيجيري، لطيف فاجبيمي، إن المحكمة أدانت 85 شخصاً بتمويل الإرهاب في إطار المحاكمة. كما أدانت أيضاً 22 شخصاً آخرين في جرائم بموجب قوانين المحكمة الجنائية الدولية، مثل جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم الحرب مثل التعذيب أو الاغتصاب. وحُكم على المتهمين الآخرين في تهم مختلفة أيضاً تتعلق بالإرهاب.

وجاء في بيان رسمي أنه حكم على المتهمين بالسجن لمدد مختلفة، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل. وأدى تمرد لـ«بوكو حرام» إلى مقتل الآلاف، ونزوح الملايين منذ بدئه في 2009، ما أحدث أزمة إنسانية في شمال شرق نيجيريا، وزاد الضغوط على الحكومة من أجل إنهاء الصراع.

وقال قمر الدين أوجونديلي، المتحدث باسم مكتب المدعي العام، في بيان، في وقت متأخر أمس الجمعة: «لقد أُدينوا بتهم تصل إلى الإرهاب وتمويله، وتقديم الدعم المادي، وفي قضايا تتعلق بجرائم من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية». وجرت آخر محاكمات جماعية لمشتبه في انتمائهم إلى «بوكو حرام» بين 2017 و2018، وأُدين خلالها 163 شخصاً، فيما أُفرج عن 887 آخرين.

وذكر أوجونديلي أن من بين المدانين السابقين من أكمل مدة عقوبته، ونُقل إلى مركز إعادة تأهيل معروف باسم «عملية الممر الآمن في ولاية جومبي» شمال شرق نيجيريا «من أجل إعادة تأهيلهم، والقضاء على تطرفهم، ثم إعادة دمجهم في المجتمع».

واختطفت «بوكو حرام» أكثر من 270 فتاة من مدرسة في بلدة تشيبوك، الواقعة شمال شرق البلاد في أبريل (نيسان) 2014، وهو هجوم أثار حالة من الغضب، وأدى إلى إطلاق حملة عالمية تحت وسم (هاشتاغ) #أعيدوا فتياتنا. وعاد أكثر من نصف الفتيات، إلا أن كثيراً منهن عدن وقد أنجبن عدة أطفال. وأظهرت تفاصيل الإدانات الأحدث أن 85 أُدينوا بتمويل الإرهاب، و22 أُدينوا في جرائم تتعلق باختصاص المحكمة الجنائية الدولية، بينما أُدين البقية بالإرهاب.