هل تتخذ المواجهة السياسية في السنغال أبعاداً جديدة؟ تساؤل أثير عقب لجوء أنصار المعارض السنغالي البارز عثمان سونكو إلى القضاء الغربي والدولي لمواجهة النظام السنغالي. في حين يصف خبراء هذا التطور بأنه «تصعيد نوعي سيصب في مصلحة سونكو، وسيضع المزيد من الضغوط على النظام في السنغال».
وتقدم محامي سونكو، الفرنسي - الإسباني، خوان برانكو، بدعوى جنائية أمام محكمة في باريس بشأن «جرائم ضد الإنسانية» يُزعم أنها «ارتكبت بين مارس (آذار) عام 2021 وحتى يونيو (حزيران) الحالي»، وفق ما ذكره تقرير لوكالة «أسوشييتد برس» (الخميس).
وأضاف التقرير أن فريق الدفاع دعا كذلك المحكمة الجنائية الدولية إلى «التحقيق في حملة (القمع المميتة) الأخيرة التي شنتها الحكومة السنغالية ضد المتظاهرين». وبالإضافة إلى الرئيس السنغالي ماكي سال، استهدفت القضية وزير الداخلية السنغالي، أنطوان ديومي، وقائد الشرطة العسكرية، موسى فال، وأكثر من 100 مسؤول سنغالي.
وأعلن برانكو الاتهامات خلال مؤتمر صحافي (الخميس). وقال: «على مدى الشهر الماضي أجرينا تحقيقا مطولا بمشاركة مئات السنغاليين». وأضاف أن «مواطنين وموظفين في جميع إدارات الدولة في السنغال قدموا لنا الأدلة والوثائق والعقود ومقاطع الفيديو والشهادات التي مكنتنا من إثبات وجود 60 جريمة قتل تعتبر (جرائم ضد الإنسانية)». عرض المحامي الفرنسي - الإسباني مقاطع فيديو وصورا، بعضها يحتوي على لقطات مؤلمة، مما جرى في أثناء الاحتجاجات.
ويرى المحلل السنغالي، عبد الأحد أمبينغ، أن الدعوى «تستهدف في الأساس اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية، وانضم إلى محامي سونكو أكثر من 30 محامياً بصفتهم فريقا للدفاع». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «وزيرة الخارجية السنغالية، عائشة تال سال، علقت على الدعوى، قائلة إنه (لا يجوز رفع دعوى تختصم النظام أمام محكمة دولية بسبب أن الحكومة فتحت تحقيقاً بالفعل في الوقائع التي تدعيها الدعوى)». أمبينغ أشار إلى أن «النظام السنغالي يشعر بضغوط كبيرة تحت تأثير تلك الدعوى، وما قد يتبعها من خطوات أخرى، علاوة على الانتقادات المتنامية من منظمات حقوقية دولية».
من جهته، يرى الخبير الموريتاني في الشؤون الأفريقية، محمد الأمين ولد الداه، أن قضية سونكو «ستظل تتخذ أبعاداً جديدة للمواجهة مع النظام». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الرئيس والدولة (العميقة) في السنغال يتزايد شعورهما بأنهما في مأزق حقيقي، لا سيما أن مناصري سونكو في الغرب كُثر، ولن يتوقفوا عن لفت نظر الجهات الحقوقية والإنسانية إلى الانتهاكات التي يرتكبها النظام بطرق مختلفة».
وكان 16 شخصاً قتلوا، وأصيب 350 بجروح، وتم اعتقال أكثر من 500 خلال ثلاثة أيام من المظاهرات في الفترة ما بين 1 إلى 3 يونيو الحالي، احتجاجاً على إدانة سونكو بالسجن لمدة عامين بتهمة «إفساد الشباب»، «الأمر الذي قد يجعله غير مؤهل للترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2024»، وفق مراقبين.
ورفض سونكو الذي اعتبر محاكمته «مؤامرة» حضور جلساتها. وتفرض عليه قوات الأمن البقاء في منزله في داكار؛ حيث يعتبر نفسه «محتجزا» منذ 28 مايو (أيار) الماضي، كما تمنع السلطات إصدار تصريحات بزيارته أو الاحتجاج لمناصرته.
ودعت قوى معارضة قبل أيام إلى الاحتجاج مجدداً (الأحد) المقبل لـ«رفع الحصار» عن سونكو، في حين رفضت السلطات السنغالية التصريح بالمظاهرة. وفي وقت سابق هذا الشهر، وبعد إدانات من منظمات حقوقية دولية منها، دعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، السلطات السنغالية إلى «فتح تحقيق مستقل حول مقتل المتظاهرين السنغاليين».
وتوقع الأمين ولد الداه أن «تُؤدي الضغوط المتوالية على النظام السنغالي إلى أن يفكر بطريقة مغايرة حيال ملف سونكو»، مشيراً إلى أن «الجيش السنغالي أعلن في بيان عدم مسؤوليته عن قتل المتظاهرين، وأدانت الطرق الصوفية العنف الممارس من السلطة، وهي أمور تشير إلى أن استخدام أجهزة الدولة أضرت النظام بشدة».
فيما يرى أمبينغ أن النظام بحصاره لسونكو «يخاطر بالانزلاق إلى دوائر جديدة من العنف والانتهاكات الحقوقية، التي لن تصمت عنها المنظمات الدولية». وقال إن «أنصار سونكو مصرون على الاحتجاج (الأحد) المقبل، وهو الأمر الذي قد يدفع الوضع الأمني إلى الحافة من جديد».
وسونكو سياسي سنغالي ومؤسس حزب الوطنيين (باستيف) المعارض. ويروّج سونكو لنفسه على أنه «ضد الفساد». ولم يعلن الرئيس سال، الذي يتولى السلطة منذ 2012، عزمه على الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة العام القادم، لكنه رفض الادّعاء بأن «ترشحه لولاية ثالثة أمر غير دستوري».