تشهد منطقة الساحل الأفريقي تصعيداً للأنشطة الإرهابية والانقلابات، ويرى المحلل الأميركي ألكسندر نويز أن هذا اتجاه مثير للقلق، يتعين على الولايات المتحدة العمل على إيقافه. ولتحقيق ذلك تحتاج واشنطن إلى زيادة الدعم الذي يهدف إلى تحسين الحوكمة الأمنية وجعل الجيوش احترافية، وفرض عقوبات بشكل قوي على كل أشكال العمليات العسكرية التي تسعى للاستيلاء على السلطة في المنطقة.
وقال نويز (وهو عالم سياسي في مؤسسة «راند» الأميركية، ومستشار أول سابق لتقييم التعاون الأمني ومراقبته وتقييمه، في مكتب وزير الدفاع الأميركي للسياسات) إن هذا سوف يتطلب تحولاً حقيقياً عن النهج الأمني الحالي للولايات المتحدة في المنطقة.
وأوضح نويز في تقرير نشرته مؤسسة «راند» أن منطقة الساحل هي الآن مركز الإرهاب عالمياً. ووفقاً لأحدث البيانات في مؤشر الإرهاب العالمي، شكلت المنطقة 43 في المائة من الوفيات في العالم الناجمة عن الأنشطة الإرهابية.
وشكلت بوركينا فاسو ومالي وحدهما جزءاً كبيراً من العنف في عام 2022؛ حيث شهدتا 73 في المائة من الوفيات الناجمة عن الأنشطة الإرهابية في منطقة الساحل في عام 2022، و52 في المائة من إجمالي الوفيات من الإرهاب في أفريقيا جنوب الصحراء.
وأضاف نويز أن هذا الارتفاع الأخير للعنف المتطرف في المنطقة يتماشى مع اتجاهات أطول مدى؛ حيث زادت معدلات الأنشطة الإرهابية بأكثر من 2000 في المائة في منطقة الساحل، على مدار الـ15 عاماً الماضية.
وإضافة إلى هذا الارتفاع المقلق في العنف المتطرف، شن مدبرو الانقلابات أيضاً موجة من التدخلات العسكرية الناجحة في المنطقة خلال السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك انقلابان في كل من مالي وبوركينا فاسو.
ودفع التصعيد من جديد لمثل هذا النوع من الانقلابات العنيفة أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى التنديد بما وصفه بـ«وباء «الانقلابات الذي يمثل خروجاً عن هدوء سابق في المنطقة.
وردت الولايات المتحدة على هذه التطورات المزدوجة بعدد من الوسائل. فمن أجل التصدي للتهديد الإرهابي، إضافة إلى دعم العمليات العسكرية الإقليمية والدولية، استخدمت الولايات المتحدة عدداً كبيراً من أدوات المساعدات الأمنية.
وقد أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 3.3 مليار دولار في صورة مساعدات أمنية على مدار عقدين في منطقة الساحل، وفقاً لبرنامج «سيكورتي أسيستانس مونيتور»، وهو أحد برامج مركز السياسة الدولية.
وبدأت هذه المساعدات في كثير من الأحيان بتدريب تكتيكي وتجهيز الجيوش الشريكة، ووحدات نخبة خاصة لمكافحة الإرهاب في المنطقة، إضافة إلى تدريبات عسكرية واسعة النطاق، ومهام للمشورة والمساعدة على نطاق أصغر.
وعلى جبهة الانقلابات، كان رد الولايات المتحدة على نحو جازم مختلطاً، فقد أدانت الولايات المتحدة عمليات الاستيلاء المسلحة على السلطة، وعلقت بعض المساعدات الأمنية في مالي وبوركينا فاسو وغينيا منذ عام 2021، ولكن في تشاد -وهي شريك أمني منذ فترة طويلة للولايات المتحدة- تجنبت واشنطن مناقشة الانقلاب، ولم تطبق عقوبات ولم تعلق المساعدات.
ومما يزيد الأمور تعقيداً هو أن هناك تدخلاً متزايداً من قوى خارجية تتنافس على الوصول إلى المنطقة وبسط النفوذ فيها، وتحديداً الصين وروسيا.
وأكد بحث من مؤسسة «راند» أنه بينما ظل النفوذ الأميركي والروسي في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء كما هو بشكل كبير على مدار العقدين الماضيين، زاد النفوذ الصيني بشكل كبير.
ومع سحب الفرنسيين مؤخراً وجودهم العسكري في منطقة الساحل، يحاول الروس على نحو نشط، غالباً من خلال مجموعة «فاغنر» الغامضة، ملء الفراغ وزيادة نفوذهم مع الحكومات الانقلابية والزعماء غير الديمقراطيين الآخرين في المنطقة.
والسؤال المطروح هو: ما الذي يجب عمله من أجل المساعدة في تغيير مسار هذه الاتجاهات المحفوفة بالمخاطر على نحو متزايد في المنطقة؟
وبينما تتصدى للأنشطة الصينية والروسية، يتعين على السياسة الأمنية الأميركية أن تمثل بديلاً أكثر وضوحاً لأهداف التوسع الاستبدادي لبكين وموسكو في المنطقة.
وتابع نويز بأنه للقيام بذلك يتعين على الولايات المتحدة، أولاً، أن تغير سياستها الأمنية، بعيداً عن نقل أسلحة تكتيكية وصوب سياسة «الحوكمة أولاً» التي تبدأ بدعم بناء المؤسسات الهادفة إلى تعزيز السيطرة المدنية، والاستخدام المسؤول للقوة داخل جيوش منطقة الساحل.
وفي الحقيقة، أثبت تركيز الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) على بناء المؤسسات وإصلاح إدارة الدفاع قبل الغزو الروسي الكامل، نجاحه بشكل لافت في أوكرانيا. وساعد هذا التأكيد على الحوكمة الدفاعية الجيدة والعقيدة واللوجيستيات في بناء قوات أكثر احترافية وفعالة، على نحو يثير الدهشة في أوكرانيا، مع فوائد استراتيجية كبيرة واضحة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها.
وثانياً، يجب أن يكون رد الولايات المتحدة على كل أنواع الانقلابات العسكرية أقوى كثيراً ومتسقاً. ومن غير المفيد أيضاً على المدى الطويل، أن يتم في المستقبل تقديم حافز للانقلابات التي يقوم بها العسكريون. ويرى المدبرون المحتملون للانقلابات أن بإمكانهم أيضاً تجنب وصمة الانقلاب، وما يستتبعه من فرض عقوبات، ما دامت بلادهم لها روابط أمنية قوية مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.
وبالإضافة إلى إدانة الانقلابات بعبارات واضحة لا لبس فيها، يتعين على الولايات المتحدة أن تعلق أيضاً المساعدات وتطبق قيوداً بشأن التأشيرات على قادة الانقلاب. وسوف يتطلب التحرك في هذا الاتجاه تنسيقاً قوياً عبر الحكومة الأميركية، بصفة خاصة بين وزارتي الدفاع والخارجية. ويعد إطلاق شراكة القرن الحادي والعشرين للأمن الأفريقي في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2022 بمثابة بداية، ولكن الشيطان سيكمن في التفاصيل والتطبيق.
ومن المرجح بشكل كبير أن يؤدي تحول جوهري صوب سياسة أمنية على أساس الحوكمة أولاً في الساحل، تبدأ بدعم الحوكمة الأمنية وبناء المؤسسات، إلى شركاء أكثر احترافية وديمقراطيين ومستقرين، إضافة إلى فوائد استراتيجية للولايات المتحدة.