إلى أين يتجه المشهد السياسي في السنغال؟

بعد الحكم على سونكو بالسجن عامين

جانب من الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في دكار أمس (أ.ب)
جانب من الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في دكار أمس (أ.ب)
TT

إلى أين يتجه المشهد السياسي في السنغال؟

جانب من الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في دكار أمس (أ.ب)
جانب من الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في دكار أمس (أ.ب)

يزداد المشهد السياسي السنغالي غموضاً وتوتراً وعنفاً بعد حكم قضائي جديد صدر في حق المعارض السنغالي البارز عثمان سونكو، من المرجح أن يقوّض أهليته للترشح للرئاسة. وتبع الحكم احتجاجات واشتباكات عنيفة بين أنصار سونكو وقوات الأمن، أدت إلى قتل عدد من الأشخاص. وتوقع خبراء انزلاق البلاد إلى مزيد من التوتر والعنف حال استبعاد سونكو من الترشح.

وقتل نحو 9 أشخاص خلال الاحتجاجات بعد أن حكمت محكمة جنائية على سونكو، المرشح لانتخابات الرئاسة في 2024، بالسجن عامين نافذين بتهمة «إفساد الشباب»، وبرّأته من اتهامات باغتصاب فتاة تعمل في مركز تجميل. وتهمة «إفساد الشباب»، جريمة جنائية في السنغال يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات.

أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين بدكار أمس (أ.ب)

ولم تصدر المحكمة قراراً باعتقال سونكو، وقالت إن ذلك أمر من اختصاص النائب العام. وكان سونكو سيجرّد من حقوقه الانتخابية حال أدين غيابياً بجريمة الاغتصاب. ووفق أحد محامي سونكو، فإن موكله لم يحاكم في ارتكابه جريمة، بل حُكم عليه في «جنحة». ومع ذلك، يبدو أن إعادة تصنيف الوقائع كـ«جنحة» ما زالت بموجب قانون الانتخابات تهدّد أهلية سونكو وقدرته على الترشح للرئاسة في 2024، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن محامٍ آخر من فريق الدفاع عنه. وتذهب بعض الآراء القانونية إلى أن سونكو ليس من حقه استئناف الحكم؛ لأنه كان غائباً عن المحاكمة.

ويأتي الحكم بعد حكم آخر بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ، صدر قبل أسابيع في قضية قذف وتشهير ضد وزير السياحة السنغالي، وهو الحكم الذي بدوره أثار جدلاً حول تقويض أهلية سونكو للترشح.

وسابقاً هذا الأسبوع، شهدت البلاد اشتباكات بين أنصار سونكو وقوات الأمن مرتبطة بمحاكمته، ثم عودته من جنوب البلاد إلى داكار (الجمعة). وتمكّن سونكو من حشد جموع من أنصاره في ما عُرف بـ«موكب الحرية»، لكنه أُوقف الأحد الماضي، وأعيد قسراً إلى منزله في العاصمة، حيث بقي وسط انتشار كثيف للشرطة التي تصدّت منذ ذلك الحين بالغاز المسيل للدموع أو حتى الاعتقال لأي محاولة للاقتراب منه. والثلاثاء الماضي، أعلن سونكو أنه «محتجز»، ودعا السنغاليين إلى التظاهر «بكثافة».

سيارات محترقة غداة مواجهات عنيفة في دكار أمس (إ.ب.أ)

وعثمان سونكو هو سياسي سنغالي ومؤسس «حزب الوطنيين» (باستيف) المعارض. ويروّج سونكو لنفسه على أنه «ضد الفساد»، ويتبنى مشروعاً سياسياً يتمحور حول التوجه إلى «الاستقلال الوطني ومناهضة فرنسا»، الحليف التقليدي للسنغال، وهو ما يجد صدى لدى الأوساط المدنية والشبابية والطلابية على نطاق واسع. ويتّهم سونكو وأنصاره الحكومة بـ«استخدام القضاء لمنعه من الترشح للرئاسة»، فيما يتهمه الحزب الرئاسي بـ«الرغبة في شل البلاد واستخدام الشوارع للإفلات من العدالة».

وكان سونكو، الذي حلّ ثالثاً في الانتخابات الرئاسية السابقة، قد أعلن سابقاً قراره «عدم التعاون مع القضاء» دون ضمانات لسلامته، مشيراً لـ«تعرضه لمحاولة اغتيال في أثناء طريقه إلى المحكمة في مارس (آذار) الماضي». واتهم رئيس البلاد ماكي سال بـ«التورط في المحاولة».

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، قال المحلل السنغالي تيرنو بشير، إن الحكم «أثار غضب أنصار سونكو؛ لأنه يحرمه من الأهلية للترشح للانتخابات القادمة، حيث يمنعه من ممارسة حقوقه المدنية»، مشيراً إلى أن «الاحتجاجات الأخيرة شهدت عنفاً كبيراً وأضراراً مادية نتيجة استهداف المحتجين الممتلكات العامة وبعض مقار الشركات الأجنبية». وأضاف أنه بعد الحكم، «أصدر حزب سونكو بياناً وصف فيه الحكم بالجائر والمسيّس. ودعا الحزب أنصاره في جميع أنحاء البلاد للاحتجاج والمقاومة، كما أصدر أحد تكتلات المعارضة، ويُدعى (تحالف تحرير الشعب)، بياناً اتّهم فيه رئيس الجمهورية ماكي سال بـ«الخيانة العظمى»، وطالبه بالاستقالة فوراً، وطلب من الشعب السنغالي مواصلة المقاومة».

الرئيس السنغالي شارك في الحوار الوطني بدكار في 31 مايو (رويترز)

ولم يعلن الرئيس سال، الذي يتولى السلطة منذ 2012، عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، لكنه رفض الادّعاء بأن «ترشحه لولاية ثالثة أمر غير دستوري». وحشدت المعارضة السنغالية، الشهر الماضي، أكثر من 120 حزباً وجماعة سياسية ومنظمة مجتمع مدني، ووقّعوا ميثاق حركة (القوى الحية) «إف 24» ضد ترشحه المحتمل.

وتوقع توفيق بوقاعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، اتّساع دائرة المواجهة بين السلطة وسونكو وأنصاره، لافتاً إلى أن «هذه المواجهة ستمتد إلى كثير من المدن والقرى والمناطق المهمشة اقتصادياً واجتماعياً وإثنياً، التي تؤيد سونكو». وأكد بوقاعدة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «النظام السنغالي يخاطر بشدة بورقة مواجهة سونكو في الشارع بعد أن فشلوا في ترويضه سياسياً، حيث يضعون استقرار البلاد واقتصادها في رهان شائك، فيما تؤدي هذه المقاربة إلى زيادة شعبية سونكو». وتوقع بو قاعدة أن «تلجأ السلطة إلى تأجيل الانتخابات، وفرض قانون الطوارئ لأنها ستعاني من مأزق كبير وحقيقي حال استبعاد سونكو».


مقالات ذات صلة

باكستان: مقتل 4 من أفراد الأمن على يد متظاهرين مؤيدين لعمران خان

آسيا مناوشات بين رجال الشرطة الباكستانية وأنصار عمران خان في إسلام آباد (أ.ف.ب) play-circle 00:36

باكستان: مقتل 4 من أفراد الأمن على يد متظاهرين مؤيدين لعمران خان

دارت مواجهات في إسلام آباد، الثلاثاء، بين آلاف المتظاهرين المؤيدين لرئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان وقوات الأمن التي استخدمت القوة لتفريقهم.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
شؤون إقليمية عائلات ومتضامنون مع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة يحملون صور أحبائهم خلال احتجاج يطالب بالإفراج عنهم أمام منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس الاثنين 18 نوفمبر 2024 (أ.ب)

أقارب الرهائن الإسرائيليين يتظاهرون أمام منزل نتنياهو

تظاهر أقارب رهائن محتجزين في قطاع غزة أمام منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس، الاثنين، مطالبين بالتوصل إلى اتفاق مع «حماس» للإفراج عنهم.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا أشخاص يرفعون صور عبد الله أوجلان أثناء المسيرة في كولونيا (د.ب.أ)

آلاف يتظاهرون في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن زعيم «العمال الكردستاني» أوجلان

تظاهر آلاف الأشخاص في مدينة كولونيا بغرب ألمانيا، السبت، للمطالبة بالإفراج عن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان الذي اعتُقل قبل 25 عاماً.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا متظاهرون يقتحمون مبنى البرلمان في جمهورية أبخازيا 15 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

زعيم أبخازيا يعلن استعداده للتنحي إذا أخلى متظاهرون مبنى البرلمان

قال رئيس جمهورية أبخازيا التي أعلنت انفصالها عن جورجيا والمدعومة من موسكو، السبت، إنه مستعد للاستقالة بعد اقتحام متظاهرين مبنى البرلمان.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا خلال مواجهات بين محتجّين والشرطة الهولندية في أمستردام يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

الائتلاف الحاكم في هولندا يتجنب الانهيار وسط صراع بشأن «تعليقات عنصرية»

عقد مجلس الوزراء الهولندي جلسة طارئة، اليوم الجمعة، وسط تقارير عن احتمال انهيار الائتلاف الحاكم بسبب طريقة تعامل الحكومة مع أحداث العنف الأخيرة في أمستردام.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)

الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان

لاجئون فارون من السودان إلى تشاد في أكتوبر الماضي (أ.ب)
لاجئون فارون من السودان إلى تشاد في أكتوبر الماضي (أ.ب)
TT

الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان

لاجئون فارون من السودان إلى تشاد في أكتوبر الماضي (أ.ب)
لاجئون فارون من السودان إلى تشاد في أكتوبر الماضي (أ.ب)

حذر مسؤولو الإغاثة الإنسانية في الأمم المتحدة من أن تصاعد العنف المسلح في السودان يعرض عشرات الآلاف من الأشخاص للخطر ويؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.

وفي أقل من شهر، نزح أكثر من 343 ألف سوداني من ولاية الجزيرة، جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، وسط تصاعد الاشتباكات واستمرار انعدام الأمن، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة.

وفر معظم النازحين إلى ولايتي القضارف وكسلا المجاورتين، حيث تعمل الأمم المتحدة وشركاؤها في المجال الإنساني مع المجتمعات المضيفة لتقديم المساعدات الطارئة، والتي تشمل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والخدمات النفسية والاجتماعية والمياه والصرف الصحي ودعم النظافة.

وحذر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من أن العنف المسلح في ولاية الجزيرة يعرض حياة عشرات الآلاف من الأشخاص للخطر، وفق «وكالة الأنباء الألمانية».

وأظهر تقييم أجراه المكتب الأسبوع الماضي أن العديد من النازحين السودانيين الذين وصلوا إلى القضارف وكسلا ساروا لعدة أيام، وليس معهم شيء سوى الملابس. وأشار إلى أنهم يقيمون الآن في أماكن مفتوحة، ومن بينهم أطفال ونساء وشيوخ ومرضى.