إلى أين يتجه المشهد السياسي في السنغال؟

بعد الحكم على سونكو بالسجن عامين

جانب من الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في دكار أمس (أ.ب)
جانب من الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في دكار أمس (أ.ب)
TT

إلى أين يتجه المشهد السياسي في السنغال؟

جانب من الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في دكار أمس (أ.ب)
جانب من الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في دكار أمس (أ.ب)

يزداد المشهد السياسي السنغالي غموضاً وتوتراً وعنفاً بعد حكم قضائي جديد صدر في حق المعارض السنغالي البارز عثمان سونكو، من المرجح أن يقوّض أهليته للترشح للرئاسة. وتبع الحكم احتجاجات واشتباكات عنيفة بين أنصار سونكو وقوات الأمن، أدت إلى قتل عدد من الأشخاص. وتوقع خبراء انزلاق البلاد إلى مزيد من التوتر والعنف حال استبعاد سونكو من الترشح.

وقتل نحو 9 أشخاص خلال الاحتجاجات بعد أن حكمت محكمة جنائية على سونكو، المرشح لانتخابات الرئاسة في 2024، بالسجن عامين نافذين بتهمة «إفساد الشباب»، وبرّأته من اتهامات باغتصاب فتاة تعمل في مركز تجميل. وتهمة «إفساد الشباب»، جريمة جنائية في السنغال يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات.

أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين بدكار أمس (أ.ب)

ولم تصدر المحكمة قراراً باعتقال سونكو، وقالت إن ذلك أمر من اختصاص النائب العام. وكان سونكو سيجرّد من حقوقه الانتخابية حال أدين غيابياً بجريمة الاغتصاب. ووفق أحد محامي سونكو، فإن موكله لم يحاكم في ارتكابه جريمة، بل حُكم عليه في «جنحة». ومع ذلك، يبدو أن إعادة تصنيف الوقائع كـ«جنحة» ما زالت بموجب قانون الانتخابات تهدّد أهلية سونكو وقدرته على الترشح للرئاسة في 2024، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن محامٍ آخر من فريق الدفاع عنه. وتذهب بعض الآراء القانونية إلى أن سونكو ليس من حقه استئناف الحكم؛ لأنه كان غائباً عن المحاكمة.

ويأتي الحكم بعد حكم آخر بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ، صدر قبل أسابيع في قضية قذف وتشهير ضد وزير السياحة السنغالي، وهو الحكم الذي بدوره أثار جدلاً حول تقويض أهلية سونكو للترشح.

وسابقاً هذا الأسبوع، شهدت البلاد اشتباكات بين أنصار سونكو وقوات الأمن مرتبطة بمحاكمته، ثم عودته من جنوب البلاد إلى داكار (الجمعة). وتمكّن سونكو من حشد جموع من أنصاره في ما عُرف بـ«موكب الحرية»، لكنه أُوقف الأحد الماضي، وأعيد قسراً إلى منزله في العاصمة، حيث بقي وسط انتشار كثيف للشرطة التي تصدّت منذ ذلك الحين بالغاز المسيل للدموع أو حتى الاعتقال لأي محاولة للاقتراب منه. والثلاثاء الماضي، أعلن سونكو أنه «محتجز»، ودعا السنغاليين إلى التظاهر «بكثافة».

سيارات محترقة غداة مواجهات عنيفة في دكار أمس (إ.ب.أ)

وعثمان سونكو هو سياسي سنغالي ومؤسس «حزب الوطنيين» (باستيف) المعارض. ويروّج سونكو لنفسه على أنه «ضد الفساد»، ويتبنى مشروعاً سياسياً يتمحور حول التوجه إلى «الاستقلال الوطني ومناهضة فرنسا»، الحليف التقليدي للسنغال، وهو ما يجد صدى لدى الأوساط المدنية والشبابية والطلابية على نطاق واسع. ويتّهم سونكو وأنصاره الحكومة بـ«استخدام القضاء لمنعه من الترشح للرئاسة»، فيما يتهمه الحزب الرئاسي بـ«الرغبة في شل البلاد واستخدام الشوارع للإفلات من العدالة».

وكان سونكو، الذي حلّ ثالثاً في الانتخابات الرئاسية السابقة، قد أعلن سابقاً قراره «عدم التعاون مع القضاء» دون ضمانات لسلامته، مشيراً لـ«تعرضه لمحاولة اغتيال في أثناء طريقه إلى المحكمة في مارس (آذار) الماضي». واتهم رئيس البلاد ماكي سال بـ«التورط في المحاولة».

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، قال المحلل السنغالي تيرنو بشير، إن الحكم «أثار غضب أنصار سونكو؛ لأنه يحرمه من الأهلية للترشح للانتخابات القادمة، حيث يمنعه من ممارسة حقوقه المدنية»، مشيراً إلى أن «الاحتجاجات الأخيرة شهدت عنفاً كبيراً وأضراراً مادية نتيجة استهداف المحتجين الممتلكات العامة وبعض مقار الشركات الأجنبية». وأضاف أنه بعد الحكم، «أصدر حزب سونكو بياناً وصف فيه الحكم بالجائر والمسيّس. ودعا الحزب أنصاره في جميع أنحاء البلاد للاحتجاج والمقاومة، كما أصدر أحد تكتلات المعارضة، ويُدعى (تحالف تحرير الشعب)، بياناً اتّهم فيه رئيس الجمهورية ماكي سال بـ«الخيانة العظمى»، وطالبه بالاستقالة فوراً، وطلب من الشعب السنغالي مواصلة المقاومة».

الرئيس السنغالي شارك في الحوار الوطني بدكار في 31 مايو (رويترز)

ولم يعلن الرئيس سال، الذي يتولى السلطة منذ 2012، عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، لكنه رفض الادّعاء بأن «ترشحه لولاية ثالثة أمر غير دستوري». وحشدت المعارضة السنغالية، الشهر الماضي، أكثر من 120 حزباً وجماعة سياسية ومنظمة مجتمع مدني، ووقّعوا ميثاق حركة (القوى الحية) «إف 24» ضد ترشحه المحتمل.

وتوقع توفيق بوقاعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، اتّساع دائرة المواجهة بين السلطة وسونكو وأنصاره، لافتاً إلى أن «هذه المواجهة ستمتد إلى كثير من المدن والقرى والمناطق المهمشة اقتصادياً واجتماعياً وإثنياً، التي تؤيد سونكو». وأكد بوقاعدة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «النظام السنغالي يخاطر بشدة بورقة مواجهة سونكو في الشارع بعد أن فشلوا في ترويضه سياسياً، حيث يضعون استقرار البلاد واقتصادها في رهان شائك، فيما تؤدي هذه المقاربة إلى زيادة شعبية سونكو». وتوقع بو قاعدة أن «تلجأ السلطة إلى تأجيل الانتخابات، وفرض قانون الطوارئ لأنها ستعاني من مأزق كبير وحقيقي حال استبعاد سونكو».


مقالات ذات صلة

«رواتب العسكريين» تصطدم بالخلاف السياسي بين أفرقاء ليبيا

شمال افريقيا صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي

«رواتب العسكريين» تصطدم بالخلاف السياسي بين أفرقاء ليبيا

دخل المشهد السياسي الليبي مرحلة جديدة من التصعيد والتجاذب بعد الجدل الذي أثاره إقرار البرلمان زيادة مرتبات العسكريين بنسبة 150 % وهي خطوة قوبلت بمعارضة

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا شرطي في أحد شوارع العاصمة الليبية طرابلس (مديرية أمن طرابلس)

«شلل ليلي» مستمر في طرابلس على وقع الاحتجاجات... و«الوحدة» تغض الطرف

تواصل لليوم الثالث مشهد «الشلل الليلي» في بعض أحياء العاصمة الليبية طرابلس على وقع احتجاجات مناهضة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة خلال افتتاح «المتحف الوطني» في طرابلس الذي أثار انتقادات عدد كبير من الليبيين (رويترز)

ليبيا: أزمة السيولة واحتياجات المواطنين تفجّران جدلاً حول «مشاريع التنمية»

هيمنت أزمة نقص السيولة على المشهد الليبي؛ في ظل اصطفاف المواطنين أمام المصارف لساعات طويلة، إلى جانب نقاشات موسعة مع خبراء ومسؤولين حول سبل المعالجة.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا افتتاح «الحوار المهيكل» في ليبيا (أرشيفية - البعثة الأممية)

مصراتة تنتفض لـ«حل الأجسام المسيطرة» على المشهد الليبي

دافعت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، مجدداً، عن «الحوار المهيكل» الذي ترعاه في العاصمة طرابلس، رغم الجدل المثار حول إمكانية نجاحه.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا أهالي قابس ناشدوا الرئيس قيس سعيد تفكيك مجمع للصناعات الكيميائية بسبب التلوث (أ.ف.ب)

آلاف التونسيين يتظاهرون ضد التلوث البيئي في قابس

خرج الآلاف من أهالي مدينة قابس، جنوبي تونس، الأربعاء، في مسيرة جديدة تطالب بتفكيك مجمع للصناعات الكيميائية، بسبب التلوث البيئي.

«الشرق الأوسط» (تونس)

غينيا تعلن فوز الجنرال مامادي دومبويا في الانتخابات الرئاسية

 الجنرال مامادي دومبويا برفقة زوجته لوريان دومبويا يصلان لمركز اقتراع للإدلاء بأصواتهما في الانتخابات الرئاسية (ا.ب)
الجنرال مامادي دومبويا برفقة زوجته لوريان دومبويا يصلان لمركز اقتراع للإدلاء بأصواتهما في الانتخابات الرئاسية (ا.ب)
TT

غينيا تعلن فوز الجنرال مامادي دومبويا في الانتخابات الرئاسية

 الجنرال مامادي دومبويا برفقة زوجته لوريان دومبويا يصلان لمركز اقتراع للإدلاء بأصواتهما في الانتخابات الرئاسية (ا.ب)
الجنرال مامادي دومبويا برفقة زوجته لوريان دومبويا يصلان لمركز اقتراع للإدلاء بأصواتهما في الانتخابات الرئاسية (ا.ب)

أعلنت الهيئة الانتخابية في غينيا، فوز قائد المجلس العسكري الجنرال مامادي دومبويا، في الانتخابات التي أجريت يوم الأحد، وذلك بحسب نتائج أولية صدرت في وقت متأخر من مساء الثلاثاء.

مامادي دومبويا يدلي بصوته خلال الانتخابات الرئاسية في مركز اقتراع بمدينة كوناكري (رويترز)

وبحسب المديرية العامة للانتخابات، حصل دومبويا على 86.72 في المائة من الأصوات التي جرى فرزها حتى الآن.

وشكل هذا التصويت تتويجاً لمسار انتقالي بدأ قبل أربعة أعوام، بعد أن أطاح دومبويا بالرئيس ألفا كوندي.


هل تشكِّل أفريقيا «بنك أهداف إرهابية» للولايات المتحدة؟

دمار خلّفته الضربة الأميركية في قرية أوفا بولاية كوارا النيجيرية يوم 27 ديسمبر (أ.ف.ب)
دمار خلّفته الضربة الأميركية في قرية أوفا بولاية كوارا النيجيرية يوم 27 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

هل تشكِّل أفريقيا «بنك أهداف إرهابية» للولايات المتحدة؟

دمار خلّفته الضربة الأميركية في قرية أوفا بولاية كوارا النيجيرية يوم 27 ديسمبر (أ.ف.ب)
دمار خلّفته الضربة الأميركية في قرية أوفا بولاية كوارا النيجيرية يوم 27 ديسمبر (أ.ف.ب)

في تطور لافت بشأن الأمن الإقليمي بغرب أفريقيا، شنت الولايات المتحدة ضربات جوية على مواقع تابعة لتنظيم «داعش» الإرهابي في شمال غربي نيجيريا، بالتنسيق مع حكومة أبوجا، مما أثار جدلاً محلياً وتساؤلات بشأن ما إذا كانت «ضربة عيد الميلاد» تعد تغيراً في استراتيجية واشنطن تجاه القارة السمراء، وتحولها إلى «بنك أهداف إرهابية» محتمل للولايات المتحدة.

ويوم «عيد الميلاد» أعلنت القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) تنفيذ غارات جوية في ولاية «سوكوتو» شمال غربي نيجيريا، «بالتنسيق مع السلطات النيجيرية». وتعليقاً على الهجمات، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في منشور على موقع «تروث سوشيال»، إن التنظيم يستهدف المسيحيين في نيجيريا بشكل أساسي «بمستويات لم نشهدها منذ سنوات عديدة». فيما أكد وزير الخارجية النيجيري يوسف توغار، في تصريحات صحافية، أن الهجمات «تم التخطيط لها منذ فترة طويلة وليس لها أي علاقة بدين معين»، متوقعاً تنفيذ مزيد من الضربات ضد أهداف إرهابية في عملية وصفها بـ«المستمرة مع الولايات المتحدة».

الضربة الأميركية الأخيرة «توحي بإعادة ضبط محتملة أوسع لانخراط الولايات المتحدة في البيئة الأمنية لغرب أفريقيا»، في سياق «بنك أهداف إرهابية محتمل»، حسب ماكسويل نغيني، المحلل في شؤون السياسات العامة والمحاضر بجامعة ولاية إنوجو للعلوم والتكنولوجيا في نيجيريا. وأوضح نغيني لـ«الشرق الأوسط» أن «ضربات عيد الميلاد تجمع بين البعدين التكتيكي والاستراتيجي، حيث تعاملت مع تهديدات ناشئة إلى جانب كونها توحي بتغير في استراتيجية واشنطن».

التوقيت والمكان أيضاً يحملان دلالة خاصة، وفق نغيني، الذي يوضح أن «شمال غربي نيجيريا أصبح نقطة التقاء لتهديدات أمنية عدة، ومن خلال تنفيذ ضربات في هذه المنطقة، تعترف الولايات المتحدة بأن التحديات الأمنية في نيجيريا لا تقتصر على (بوكو حرام) في الشمال الشرقي، مما يشير إلى احتمال أن تكون واشنطن بصدد التمهيد لانخراط أكثر استدامة في جهود مكافحة الإرهاب في أفريقيا». وإن كانت استدامة هذا الانخراط لا تزال مثار تساؤل، على حد تعبيره.

لكن ألكسندر بالمر، زميل برنامج الحروب والتهديدات غير النظامية والإرهاب في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، أشار إلى أنه «حتى الآن لا توجد أي بيانات رسمية أميركية تشير إلى اعتماد استراتيجية جديدة تجاه غرب أفريقيا»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن ترمب كان يناقش منذ فترة خيارات عسكرية للتدخل في نيجيريا، وهذه الضربة على الأرجح هي تتويج لتلك النقاشات»، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن «هذه النقاشات قد تتطور لاحقاً إلى مقاربة جديدة لغرب أفريقيا».

وأضاف: «زيادة التعاون الأمني أو استمرار الضربات الأميركية قد يوفران مؤشرات على أن أمراً جديداً يجري التحضير له».

وتعد «ضربة عيد الميلاد» هي الأولى من نوعها في عهد ترمب، وتأتي بعد انتقادات وتهديدات أطلقها الرئيس الأميركي ضد نيجيريا، الدولة ذات الكثافة السكانية العالية في غرب أفريقيا، في شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني)، بشأن ما وصفه بـ«تهديد وجودي» للمسيحيين هناك.

هذه التهديدات أشار إليها نامدي أوباسي، المستشار المتخصص في الشأن النيجيري بمجموعة الأزمات الدولية، على أنها دليل على «التخطيط المسبق للعملية». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الضربة تنسجم مع الجهود الأميركية الأوسع لاحتواء الحركات الإرهابية العابرة للحدود في غرب أفريقيا».

وتثير الضربة تساؤلات في الداخل النيجيري، وفق تصريحات الصحافي والمحامي النيجيري مالاكي أوزيندو لـ«الشرق الأوسط». وقال: «المواطنون يعيشون في خوف وترقب، حيث لم يُقدَّم لهم ما يوضح حجم الخسائر أو النتائج، أو خطط التعاون المستقبلي في هذا الإطار».

نيجيريون في قرية جابو التي طالتها الضربة الأميركية (رويترز)

ولم تعلن الولايات المتحدة أو نيجيريا الحصيلة النهائية لضربة عيد الميلاد، رغم تأكيد رسمي بأنها كبّدت «داعش» خسائر «كبيرة»، لكن هجمات منسقة شنها مسلحون يُشتبه في انتمائهم إلى التنظيم أخيراً، استهدفت عدداً من القرى في ولاية يوبي، شمال شرقي نيجيريا، أثارت تساؤلات بشأن تأثير الهجمات الأميركية.

وفي رأي أوباسي فإن «الهجمات قد تُضعف بعض الجماعات المسلحة، لكن الغارات الجوية وحدها لا تستطيع القضاء على الإرهاب، بل على العكس، فإن الضربات، التي يحرص مسؤولون أميركيون على تأطيرها بوصفها مهمة لإنقاذ المسيحيين، تنطوي على مخاطر تعميق الاستقطاب بين المسيحيين والمسلمين، ودفع مزيد من الشباب المسلمين نحو التطرف».

واتفق معه أوزيندو، مؤكداً أن «القصف الأميركي لمرة واحدة لن يحل المشكلة، بل قد يزيدها تعقيداً»، موضحاً أن «هناك اعتقاداً بأن العملية الأميركية أدت فقط إلى تشتيت الجماعات المسلحة ودفعها للانتشار في مناطق جديدة». وقال: «الأسابيع المقبلة ستبيّن حجم تأثير الضربة الأميركية».

وحسب بالمر فإنه «من الصعب التنبؤ بالآثار طويلة الأمد للضربات المضادة للإرهاب»، موكدا أن «على الولايات المتحدة ونيجيريا مراقبة ردود فعل المجتمعات المحلية والجماعات المسلحة عن كثب، وتكييف مقارباتهما تبعاً لذلك».

وهي مقاربات طالب بها نغيني أيضاً، فبينما «قد تُضعف الضربات جماعات معينة، فإن السياق النيجيري الذي يدفع نحو ازدياد الجماعات المسلحة يتطلب مقاربة شاملة». وقال: «تُخاطر الضربات العسكرية التي تكتفي بالقضاء على المقاتلين من دون معالجة هذه الجذور بالدخول في حلقة مفرغة من إعادة إنتاج الإرهاب تحت مسميات جديدة».

وتشهد نيجيريا، التي تنقسم بشكل متساوٍ تقريباً بين الجنوب ذي الغالبية المسيحية، والشمال ذي الغالبية المسلمة، تصاعداً في الهجمات الإرهابية التي أودت بحياة مسيحيين ومسلمين على حد سواء. ورغم رفض أبوجا الاعتراف بوجود اضطهاد ديني أعادت الولايات المتحدة، هذا العام، إدراج نيجيريا في قائمة الدول «التي تثير قلقاً خاصاً» فيما يتعلق بالحرية الدينية.

وحذرت الأمم المتحدة من «عودة ظهور عمليات الخطف الجماعي» التي تشمل بانتظام مئات من أطفال المدارس. وتحولت ظاهرة الخطف مقابل فدية، إلى تجارة مربحة درت نحو 1.66 مليون دولار أميركي بين يوليو (تموز) عام 2024 ويونيو (حزيران) 2025، وفقاً لتقرير حديث صادر عن شركة الاستشارات «إس بي إم إنتليجنس» ومقرها لاغوس.

ورغم تصاعد العنف، فإن التدخل الأميركي يثير «شكوكاً» لدى النيجيريين بأنه يأتي في سياق صراع على الموارد، لا سيما أن نيجيريا دولة غنية بمواردها الطبيعية من النفط والمعادن، فهي أكبر منتج للنفط في أفريقيا وفق بيانات «أوبك» عام 2024، وخامس أكبر منتج للمعادن النادرة في العالم وفق بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

بدوره، أكد أوباسي أنه «حال تحوّل الانخراط العسكري الأميركي في نيجيريا إلى مسعى للسيطرة على الموارد المعدنية، فإن ذلك قد يزيد من حدّة المنافسة الجيوسياسية، خصوصاً مع الصين التي رفعت مؤخراً علاقاتها الثنائية مع نيجيريا إلى مستوى (شراكة استراتيجية شاملة)».

وهنا يشير بالمر إلى «اختلاف نمط التعاون الصيني مع نيجيريا عن النهج الأميركي، فبينما تعتمد واشنطن على العمل العسكري المباشر، تركز بكين على احترام سيادة الحكومات الأفريقية، وتولي اهتماماً أكبر للتدريب التقني مقارنةً بالعمل العسكري». وقال: «من غير الواضح أي النموذجين تفضله الدول الأفريقية عموماً، غير أن السنوات القليلة الماضية شهدت تصاعداً في الخطاب والنشاط الصينيين في مجال مكافحة الإرهاب بالقارة».

وأكد نغيني: «ينبغي فهم الضربة الأميركية في سياق أوسع يتمثل في تصاعد تنافس القوى الكبرى في أفريقيا، مع الحذر من اختزال الشراكات الأمنية المعقدة في حسابات قائمة على الموارد وحدها»، مشيراً إلى «توسع حضور روسيا والصين في غرب أفريقيا».

فيما توقع أوزيندو أن «تستغل روسيا والصين التطورات الأخيرة لتعميق نفوذهما في نيجيريا».


نيجيريا: إصابات وخسائر في فندق إثر الضربات الأميركية ضد «داعش»

لقطات متداولة لواجهة الفندق بعد القصف الأميركي (تواصل اجتماعي)
لقطات متداولة لواجهة الفندق بعد القصف الأميركي (تواصل اجتماعي)
TT

نيجيريا: إصابات وخسائر في فندق إثر الضربات الأميركية ضد «داعش»

لقطات متداولة لواجهة الفندق بعد القصف الأميركي (تواصل اجتماعي)
لقطات متداولة لواجهة الفندق بعد القصف الأميركي (تواصل اجتماعي)

رغم أن السلطات في نيجيريا لم تعلن رسمياً حجم الخسائر الناتجة عن الضربات الأميركية ضد مواقع تنظيم «داعش» الخميس الماضي، فإن مالك فندق قال إن 3 من موظفيه نقلوا إلى المستشفى إثر إصابة فندقه بشظايا صواريخ أميركية.

لقطات متداولة لواجهة الفندق بعد القصف الأميركي (تواصل اجتماعي)

وكانت ضربات أميركية استهدفت مجموعة مسلّحة على صلة بتنظيم «داعش»، في ولاية سوكوتو، بشمال غربي نيجيريا، فيما أقرت الحكومة النيجيرية بتساقط حطام من الذخائر في أنحاء عدة بالبلاد، بما في ذلك مدينة أوفا التي تقع بولاية كوارا.

ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مالك فندق «سوليد ورث»، الذي يبعد نحو 800 كيلومتر عن أهداف الضربات الأميركية، قوله إن 3 من عمال الفندق أُدخلوا المستشفى بعدما أصيبت المنشأة بما بدا أنه صاروخ.

وقال توفيق عزيز بيلو: «فجأة في يوم عيد الميلاد، في وقت متأخر من المساء بعد الـ10 (ليلاً)، صاروخ يُعتقد أن الجيش الأميركي أطلقه، ربما انحرف وأصاب فندقي»، وتابع مالك الفندق عبر الهاتف: «سقط داخل مبنى الفندق، وتسبب في بعض الأضرار البسيطة، وأصاب 3 من العاملين».

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر الأضرار التي لحقت بالفندق، حيث يظهر ثقب كبير في واجهة الفندق، فيما قال عزيز إن «إحدى العاملات أصيبت بصدمة نفسية، وتعرّض عامل لإصابة بالغة في الرأس، وآخر لإصابة في الفخذ والساقين».

وتتناقض هذه المعلومات مع ما قاله دانيال بوالا، المتحدث باسم الرئيس النيجيري بولا تينوبو، من أن الإصابات جراء الضربات اقتصرت على «الإرهابيين».

ليلة الرعب

رغم أنها تبعد نحو 800 كيلومتر من ولاية سوكوتو، فإن مدينة أوفا عاشت ليلة من الرعب حين هزتها انفجارات عنيفة، بالتزامن مع الضربات الأميركية؛ ما أسفر عن إصابة 5 أشخاص وتضرر عدد من المباني، وفق ما أكدته السلطات.

وروى السكان لحظات عصيبة أعقبت الانفجارات، وكان بين المصابين امرأة تُدعى إيا أيو وابنتها عائشة، وقال أحد السكان: «كانتا نائمتين عندما وقع الانفجار. اخترقت مسامير صدر إيا أيو وبطنها وذراعيها».

وذكر شهود عيان أن أحد الحرفيين أُصيب أيضاً، فيما تعرضت 4 مبانٍ على الأقل متجاورة لأضرار هيكلية جسيمة. ووصفت تاجرة تُدعى مدام جوي لحظة الانفجار قائلة: «رأيتُ جسماً آتياً بأضواء ساطعة، ثم اصطدم بذلك المبنى ذي الطابق العلوي قبل أن يمر عبر 3 مبانٍ أخرى وأسقطها».

تحقيقات سرية

ورفض مفوض شرطة ولاية كوارا، أديكيمي أوجو، شائعات ربطت الانفجارات بهجوم إرهابي. وقال: «لم يكن هناك هجوم بقنبلة في أوفا، ولم يحدث تحطم طائرة. ما جرى كان ذخيرة، وقد أزال خبراؤنا في المتفجرات المخلفات. لا داعي للقلق، فالوضع تحت السيطرة».

وأضاف أن «خبراء المتفجرات في الشرطة باشروا تحقيقات سرية لتحديد مصدر الذخيرة»، فيما لم يتردد السكان في ربطها بالضربات الأميركية.

وأفادت مصادر أمنية بأن أحد الانفجارات وقع قرب ساحة صلاة العيد، والآخر بالقرب من فندق «سوليد وورث»، على بعد نحو 5 دقائق. كما عُثر، وفق التقارير، على قذيفة لم تنفجر غير بعيد من الفندق؛ مما دفع بالأجهزة الأمنية إلى تطويق المنطقة.

وفي بيان، أوضحت الحكومة المحلية أن الأجهزة الأمنية أمّنت المناطق المتضررة وبدأت التحقيقات. كما طلب رئيس المجلس التنفيذي لمنطقة حكم أوفا المحلي، سليمان أولاتونجي أوميتونتون، من السكان «التزام الهدوء واليقظة واحترام القانون، مع الاعتماد فقط على المعلومات الرسمية لتجنب إثارة الذعر».

لقطات متداولة لواجهة الفندق بعد القصف الأميركي (تواصل اجتماعي)

ضربات متوقعة

وفي حين يتصاعد الذعر في أوساط سكان القرى والمدن شمال نيجيريا، فقد أعلن عضو الكونغرس الأميركي، رايلي مور، أن شنّ ضربات جوية أميركية جديدة ضد معسكرات إرهابية في نيجيريا أمرٌ مرجّح.

وكتب مور في منشور بحسابه على منصة «إكس»، الاثنين، أن «الرئيس ترمب لا يسعى إلى إشعال حرب في نيجيريا. إنه يعمل على إحلال السلام والأمن في نيجيريا ولدى آلاف المسيحيين الذين يواجهون عنفاً مروّعاً وموتاً وحشياً».

وخلال مقابلة على قناة «فوكس نيوز»، قال مور إن «هذه الضربة أعادت الأمل إلى مسيحيي نيجيريا وإلى عموم السكان الذين يعانون من هجمات تنظيمَي (داعش) و(بوكو حرام) والجماعات المسلحة»، وشدد على أن هذه العملية ليست سوى بداية لجهد أوسع، مضيفاً أن هناك ضربات أخرى متوقعة.

وتابع: «هذه مجرد خطوة أولى. ستتبعها خطوات أخرى، وكل ذلك يجري بالتعاون مع الحكومة النيجيرية».

تطمينات وتحذيرات

في غضون ذلك، يرتفع الجدل في نيجيريا بشأن جدوى التدخل الأميركي، فيما حذّر الباحث في شؤون الأمن القومي، كونلي فاغبِمي، بأن «الوقت لا يزال مبكراً لاستخلاص نتائج بشأن تأثير ونجاح الضربات».

وفي مقابلة مع قناة «آرايز نيوز» المحلية، شدّد فاغبِمي على أن الأسئلة المتعلقة بفاعلية الضربات الجوية «لا يمكن الإجابة عنها إلا بعد الانتهاء من تقييم رسمي للعملية»، مشيراً إلى أن «قياس نجاح الضربات الجوية الدقيقة أمر معقد».

وأضاف الباحث في شؤون الأمن القومي أنه «يجب أولاً التأكد من أن الصواريخ والذخائر المستخدمة في مثل هذه الضربات قد أصابت الإحداثيات التي جرى تحديدها»، ودعا إلى «التعامل بحذر مع المعلومات المتعلقة بالتدخلات الأمنية، وتقديمها في سياقها الصحيح، تفادياً للارتباك وسوء التأويل».

وطلب الباحث من السلطات في نيجيريا الإسراع بكشف تفاصيل ما أسفرت عنه الضربات الأميركية؛ لتفادي انتشار الشائعات.

وبشأن مشروعية التدخل الأميركي التي تثير الجدل في نيجيريا، قال الباحث في شؤون الأمن القومي إن «التدخل لم يأتِ من فراغ»، مشيراً إلى أن نيجيريا «منخرطة في عدد من الأطر والمبادرات، من بينها (التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش)، كما أنها طرف في شراكات مكافحة الإرهاب عبر الصحراء، وهذا يعني أن هناك عدداً من المسارات والأدوات التي كانت قائمة ومتراكمة، وأفضت إلى شراكة استراتيجية قد تقود إلى تدخل في إطار مبدأ مسؤولية الحماية، وضمن مظلة عدد من هذه الآليات».