تقرير أممي يكشف «فظائع» ارتكبت بمساعدة «رجال بيض» في مالي

500 قتيل وانتهاكات جسيمة ترقى إلى «جرائم حرب» و«جرائم ضد الإنسانية»

قوات الأمم المتحدة تقوم بدوريات في شوارع تمبكتو (مالي)  في 26 سبتمبر 2021 (أ.ب)
قوات الأمم المتحدة تقوم بدوريات في شوارع تمبكتو (مالي) في 26 سبتمبر 2021 (أ.ب)
TT

تقرير أممي يكشف «فظائع» ارتكبت بمساعدة «رجال بيض» في مالي

قوات الأمم المتحدة تقوم بدوريات في شوارع تمبكتو (مالي)  في 26 سبتمبر 2021 (أ.ب)
قوات الأمم المتحدة تقوم بدوريات في شوارع تمبكتو (مالي) في 26 سبتمبر 2021 (أ.ب)

كشف تقرير أعده مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الجمعة، أن جنوداً ماليين و«رجالاً بيضاً مسلحين» أعدموا ما لا يقل عن 500 شخص، واعتدوا جنسياً أو عذبوا عشرات آخرين خلال عملية استمرت 5 أيام خلال العام الماضي في قرية مورا بوسط مالي، مما يوصف بأنه «أسوأ فظاعة» ترتكب في هذا البلد الأفريقي الذي يعاني منذ نحو 10 سنوات.

ويورد التقرير الجديد، الذي صدر بعد تحقيق استمر لأشهر فيما وصفته جماعات حقوقية بأنه «أسوأ فظاعة» في النزاع المتواصل منذ 10 سنوات بين الجماعات الإسلامية والجيش، تفاصيل العنف الذي وقع في قرية مورا على مدار الأيام الخمسة، بدءاً من 27 مارس (آذار) 2022، حين جرى إنزال جنود ماليين وأفراد أجانب في طائرات هليكوبتر، وفتحوا النار على السكان الفارين. وفي حملة اعتقال للمدنيين في الأيام التالية، أطلقت النيران على مئات آخرين جرى إلقاؤهم في خنادق. والتقرير يرفع الحصيلة المعلنة سابقاً من منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحقوقية الأميركية، وهي 300 قتيل».

وانتشرت جماعات مرتبطة بـ«القاعدة» و«داعش» في بوركينا فاسو والنيجر وقتلت الآلاف وهددت بزعزعة استقرار المنطقة بأسرها. وقالت الأمم المتحدة إن متمردين من «كتيبة ماسينا»، وهي جماعة محلية تابعة لـ«القاعدة»، ردوا على إطلاق النار عندما وصل الجنود في 27 مارس (آذار) من العام الماضي. وبعد يوم واحد، ذهب الجنود من منزل إلى منزل بحثاً عن المسلحين. وأعدموا الأشخاص ذوي اللحى الطويلة والسراويل الطويلة، وأولئك الذين ظهرت علامات على جنودهم تشير إلى أنهم اعتادوا على حمل السلاح.

وأكدت الأمم المتحدة أن «مجموعة من الرجال... اقتادهم الجنود بعيداً وأطلقوا النار في الرأس أو الظهر أو الصدر، وألقيت جثثهم في حفرة». وكذلك تعرضت ما لا يقل عن 58 امرأة وفتاة للاغتصاب، أو لأشكال أخرى من العنف الجنسي، فضلاً عن أن مدنيين آخرين تعرضوا للتعذيب.

وكانت مورا تحت سيطرة الجماعات الإسلامية التي نفذت منذ عام 2012 حملة عنف ضد المدنيين، على الرغم من تدخلات القوات الدولية، بما في ذلك القوة الاستعمارية السابقة فرنسا.

ووصف المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، نتائج التقرير، بأنها «مزعجة للغاية»، مضيفاً أن «عمليات الإعدام بإجراءات موجزة والاغتصاب والتعذيب أثناء النزاع المسلح ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، ويمكن، حسب الظروف، أن ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية».

وأفاد الناطق الإقليمي باسم مكتب حقوق الإنسان سيف ماغانغو، بأن هوية الرجال البيض لم تتضح. لكن الدول الغربية عبرت عن مخاوفها بشأن نشاطات شركة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة في مالي منذ أواخر عام 2021، بما في ذلك الادعاءات عن دورها في قتل المدنيين في مورا.

وأورد التقرير أن محققي الأمم المتحدة حللوا صور الأقمار الصناعية، بالإضافة إلى التحدث مع الضحايا والشهود. واستشهد المحققون أيضاً بأدلة مماثلة على تورط أجنبي كانت أشارت إليه فرنسا ودول أخرى.

وقالت السلطات العسكرية المالية إن عمليتها في مارس (آذار) الماضي حيدت المتطرفين، ولم تسمح لمحققي الأمم المتحدة بزيارة القرية. وأكدت أن القوات الروسية هناك ليست مرتزقة، بل مدربون يساعدون القوات المحلية بمعدات جرى شراؤها من روسيا. وقالت مبعوثة روسيا لدى الأمم المتحدة ماريا مولودتسوفا، في اجتماع للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، الأسبوع الماضي، إن «القتلى في مورا كانوا من المسلحين»، وإن العملية العسكرية «ساهمت في السلام والهدوء».

وجاء في التقرير: «أفاد شهود عن رؤية (رجال بيض مسلحين يتحدثون لغة غير معروفة) ويعملون إلى جانب القوات المالية، ويظهرون أحياناً للإشراف على العمليات». وأضاف: «وفقاً للشهود، جرى تناوب القوات المالية داخل مورا وخارجها يومياً، لكن الأفراد الأجانب ظلوا طوال مدة العملية».

وعلى الرغم من تسع سنوات من المساعدة من الجيش الفرنسي وبعثة كبيرة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، لم تتمكن مالي من القضاء على العنف من الجماعات الإسلامية المتطرفة. وفي أغسطس (آب) 2020، أطاح الكولونيل عاصمي غويتا الحكومة المنتخبة ديمقراطياً للبلاد، مما زاد من زعزعة استقرار الدولة الواقعة في غرب إفريقيا. وصار غويتا زعيم البلاد بعدما نفذ انقلاباً ثانياً بعد 9 أشهر. وتدهورت العلاقات بين حكومته وفرنسا والأمم المتحدة بشكل حاد في الأشهر التي تلت ذلك. وفي نهاية المطاف، نقلت فرنسا جميع قواتها في مالي إلى النيجر المجاورة، وتواصلت حكومة مالي مع «فاغنر»، التي توجه إليها اتهامات بارتكاب فظائع في عدد من البلدان الأخرى التي تعمل فيها.


مقالات ذات صلة

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

المشرق العربي جانب من لقاء وزير الدفاع التركي الأحد مع ممثلي وسائل الإعلام (وزارة الدفاع التركية)

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا استعدادها لتقديم الدعم العسكري للإدارة الجديدة في سوريا إذا طلبت ذلك وشددت على أن سحب قواتها من هناك يمكن أن يتم تقييمه على ضوء التطورات الجديدة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جانب من الدمار الذي خلفه الهجوم المزدوج في ريحانلي عام 2013 (أرشيفية)

تركيا: القبض على مطلوب متورط في هجوم إرهابي وقع عام 2013

أُلقي القبض على أحد المسؤولين عن التفجير الإرهابي المزدوج، بسيارتين ملغومتين، الذي وقع في بلدة ريحانلي (الريحانية)، التابعة لولاية هطاي جنوب تركيا، عام 2013

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

تصاعدت المواجهات بين جيوش دول الساحل المدعومة من روسيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، والجماعات المسلحة الموالية لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش».

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

عزام أحمد (إسلام آباد - كابل)
أوروبا استنفار أمني ألماني في برلين (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: دراسة تكشف استمرار ارتباط كراهية اليهود باليمين المتطرف بشكل وثيق

انتهت نتائج دراسة في ألمانيا إلى أن كراهية اليهود لا تزال مرتبطة بشكل وثيق باليمين المتطرف.

«الشرق الأوسط» (بوتسدام )

قادة غرب أفريقيا يعقدون قمة «عادية» لنقاش ملفات «استثنائية»

رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
TT

قادة غرب أفريقيا يعقدون قمة «عادية» لنقاش ملفات «استثنائية»

رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)

يعقد قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، الأحد، قمة «عادية» تشارك فيها 12 دولة من أصل 15، هم أعضاء المنظمة الإقليمية، فيما يغيب قادة كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر التي قررت الانسحاب من المنظمة، بسبب موقف الأخيرة من الأنظمة العسكرية التي تحكم هذه الدول، والمحسوبة على روسيا.

ورغم أن هذه القمة «عادية»، فإنها توصف من طرف المراقبين بأنها «استثنائية»؛ بسبب حساسية الملفات التي سيناقشها قادة دول غرب أفريقيا، التي في مقدمتها الملفات الأمنية بسبب تصاعد وتيرة الإرهاب في المنطقة، وملف العلاقة مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في دول الساحل، والسعي لإقناعها بالتفاوض والتراجع عن قرار الانسحاب.

قرار نهائي

وفيما يسعى قادة المنظمة الإقليمية التي ترفع شعار الاندماج الاقتصادي، لإقناع دول الساحل الثلاث بالبقاء في المنظمة، إلا أن الأخيرة أعلنت، الجمعة، أن قرارها «لا رجعة فيه»، وجدّدت اتهامها للمنظمة الإقليمية بأنها «أداة» تتحكم فيها فرنسا. وتمسّكت الدول الثلاث بالمضي قدماً في تشكيل منظمتها الخاصة، حيث أعلنت قبل أشهر إقامة «تحالف دول الساحل»، وبدأت التحضير لتحويله إلى «كونفيدرالية» تلغي الحدود بين الدول الثلاث، وتوحد عملتها وجواز سفرها، بالإضافة إلى قدراتها العسكرية والأمنية لمحاربة الإرهاب الذي يعصف بالمنطقة.

قرار انسحاب دول الساحل من منظمة «إيكواس»، يدخل حيز التنفيذ يوم 29 يناير (كانون الثاني) المقبل (2025)، فيما يسعى قادة المنظمة إلى إقناع هذه الدول بالتراجع عنه أو تأجيله على الأقل، بسبب تداعياته الاقتصادية والأمنية على المنطقة.

إلغاء التأشيرة

جانب من الاجتماع بين قادة «إيكواس» في أبوجا ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)

وقبل انعقاد قمة دول «الإيكواس» بعدة ساعات، أصدرت دول الساحل بياناً قالت فيه إنها قرّرت إلغاء التأشيرة عن مواطني جميع دول غرب أفريقيا، في خطوة لتأكيد موقفها المتمسك بقرار مغادرة المنظمة الإقليمية.

وقالت الدول الثلاث المنخرطة في كونفدرالية دول الساحل، إنها أصبحت «منطقة خالية من التأشيرات لجميع مواطني المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)». البيان الذي قرأه وزير خارجية مالي، عبد الله ديوب، عبر التلفزيون الحكومي المالي، مساء السبت، أكّد أن «لرعايا دول (إيكواس) الحق في الدخول والتنقل والإقامة والاستقرار والخروج من أراضي البلدان الأعضاء في كونفيدراليّة دول الساحل وفقاً للقوانين الوطنية السارية».

ولا يغير القرار أي شيء، حيث إن قوانين منظمة «إيكواس» كانت تنص على الشيء نفسه، وتتيح حرية التنقل والتملك لمواطني الدول الأعضاء في فضاء المجموعة الاقتصادية الممتد من السنغال إلى نيجيريا، وكان يضم 15 دولة قبل انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

توتر ثم قطيعة

وبدأت القطيعة بين تحالف دول الساحل ومنظمة «إيكواس» عقب الانقلاب في النيجر في يوليو (تموز) 2023، وهو الانقلاب السادس في المنطقة خلال ثلاث سنوات (انقلابان في مالي، انقلابان في بوركينا فاسو، وانقلاب في غينيا)، بالإضافة إلى عدة محاولات انقلابية في دول أخرى.

وحاولت المنظمة الإقليمية الوقوف في وجه موجة الانقلابات، وفرضت عقوبات على مالي وبوركينا فاسو، وهدّدت بالتدخل العسكري في النيجر بعد أن فرضت عليها عقوبات اقتصادية قاسية، قبل أن تُرفع تلك العقوبات لاحقاً.

وتضامنت مالي وبوركينا فاسو مع النيجر، وأعلنت أن أي تدخل عسكري في النيجر يُعدّ انتهاكاً لسيادتها وسيجعلها تتدخل لدعم المجلس العسكري الحاكم في نيامي، لتبدأ مرحلة جديدة من التوتر انتهت بقرار الانسحاب يوم 28 يناير 2024.

قمة لم الشمل

قوات «إيكواس» خلال تأدية مهامها العسكرية في مالي (أرشيفية - رويترز)

من المنتظر أن يُخصّص قادة دول غرب أفريقيا حيزاً كبيراً من نقاشهم للعلاقة مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في دول الساحل، حيث لا تزالُ المنظمة الإقليمية متمسكة بالطرق الدبلوماسية لإقناع الدول الثلاث بالتراجع عن قرار الانسحاب.

ذلك ما أكده رئيس نيجيريا، بولا تينيبو، وهو الرئيس الدوري للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، حيث أكد الأربعاء أن «الدبلوماسية والحكمة هي السبيل الوحيد لإعادة دمج هذه الدول في المنظمة الإقليمية».

وأشار الرئيس النيجيري إلى أن المجالس العسكرية التي تحكم الدول الثلاث «لا تزالُ مترددة في وضع برامج واضحة لمرحلة انتقالية محددة من أجل تسليم السلطة إلى المدنيين والعودة إلى الوضع الدستوري»، ورغم ذلك، قال تينيبو: «ستستمر علاقة الاحترام المتبادل، بينما نعيد تقييم الوضع في الدول الثلاث». وأضاف في السياق ذاته أن منظمة «إيكواس» ستترك الباب مفتوحاً أمام عودة الديمقراطية إلى البلدان المعنية، مشدداً على أن احترام المؤسسات الدستورية وتعزيز الديمقراطية «هو ما تدافع عنه المنظمة».

مفترق طرق

أما رئيس مفوضية «إيكواس»، أليو عمر توري، وهو الشخصية الأهم في المنظمة الإقليمية، فقد أكّد أن «منطقة غرب أفريقيا تقف عند مفترق طرق غير مسبوق في تاريخها كمجتمع».

وقال توري في تصريحات صحافية، الخميس، إنه «في الوقت الذي تستعد الدول الأعضاء في (الإيكواس) للاحتفال باليوبيل الذهبي لجهود التكامل الإقليمي العام المقبل، تواجه أيضاً احتمالية انسحاب بعض الدول الأعضاء»، وأضاف أنه «من الضروري التأمل في الإنجازات الكبيرة التي حققتها (إيكواس) على مدى العقود الماضية، وكذلك التفكير في مستقبل المجتمع في ظل التحديات السياسية التي تواجه شعوبنا».

وفيما يرفعُ قادة المنظمة الإقليمية خطاباً تصالحياً تجاه دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، تواصل الأخيرة في خطاب حاد يتهم «إيكواس» بالتبعية إلى القوة الاستعمارية السابقة (فرنسا).