كشف تقرير أعده مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الجمعة، أن جنوداً ماليين و«رجالاً بيضاً مسلحين» أعدموا ما لا يقل عن 500 شخص، واعتدوا جنسياً أو عذبوا عشرات آخرين خلال عملية استمرت 5 أيام خلال العام الماضي في قرية مورا بوسط مالي، مما يوصف بأنه «أسوأ فظاعة» ترتكب في هذا البلد الأفريقي الذي يعاني منذ نحو 10 سنوات.
ويورد التقرير الجديد، الذي صدر بعد تحقيق استمر لأشهر فيما وصفته جماعات حقوقية بأنه «أسوأ فظاعة» في النزاع المتواصل منذ 10 سنوات بين الجماعات الإسلامية والجيش، تفاصيل العنف الذي وقع في قرية مورا على مدار الأيام الخمسة، بدءاً من 27 مارس (آذار) 2022، حين جرى إنزال جنود ماليين وأفراد أجانب في طائرات هليكوبتر، وفتحوا النار على السكان الفارين. وفي حملة اعتقال للمدنيين في الأيام التالية، أطلقت النيران على مئات آخرين جرى إلقاؤهم في خنادق. والتقرير يرفع الحصيلة المعلنة سابقاً من منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحقوقية الأميركية، وهي 300 قتيل».
وانتشرت جماعات مرتبطة بـ«القاعدة» و«داعش» في بوركينا فاسو والنيجر وقتلت الآلاف وهددت بزعزعة استقرار المنطقة بأسرها. وقالت الأمم المتحدة إن متمردين من «كتيبة ماسينا»، وهي جماعة محلية تابعة لـ«القاعدة»، ردوا على إطلاق النار عندما وصل الجنود في 27 مارس (آذار) من العام الماضي. وبعد يوم واحد، ذهب الجنود من منزل إلى منزل بحثاً عن المسلحين. وأعدموا الأشخاص ذوي اللحى الطويلة والسراويل الطويلة، وأولئك الذين ظهرت علامات على جنودهم تشير إلى أنهم اعتادوا على حمل السلاح.
وأكدت الأمم المتحدة أن «مجموعة من الرجال... اقتادهم الجنود بعيداً وأطلقوا النار في الرأس أو الظهر أو الصدر، وألقيت جثثهم في حفرة». وكذلك تعرضت ما لا يقل عن 58 امرأة وفتاة للاغتصاب، أو لأشكال أخرى من العنف الجنسي، فضلاً عن أن مدنيين آخرين تعرضوا للتعذيب.
وكانت مورا تحت سيطرة الجماعات الإسلامية التي نفذت منذ عام 2012 حملة عنف ضد المدنيين، على الرغم من تدخلات القوات الدولية، بما في ذلك القوة الاستعمارية السابقة فرنسا.
ووصف المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، نتائج التقرير، بأنها «مزعجة للغاية»، مضيفاً أن «عمليات الإعدام بإجراءات موجزة والاغتصاب والتعذيب أثناء النزاع المسلح ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، ويمكن، حسب الظروف، أن ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية».
وأفاد الناطق الإقليمي باسم مكتب حقوق الإنسان سيف ماغانغو، بأن هوية الرجال البيض لم تتضح. لكن الدول الغربية عبرت عن مخاوفها بشأن نشاطات شركة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة في مالي منذ أواخر عام 2021، بما في ذلك الادعاءات عن دورها في قتل المدنيين في مورا.
وأورد التقرير أن محققي الأمم المتحدة حللوا صور الأقمار الصناعية، بالإضافة إلى التحدث مع الضحايا والشهود. واستشهد المحققون أيضاً بأدلة مماثلة على تورط أجنبي كانت أشارت إليه فرنسا ودول أخرى.
وقالت السلطات العسكرية المالية إن عمليتها في مارس (آذار) الماضي حيدت المتطرفين، ولم تسمح لمحققي الأمم المتحدة بزيارة القرية. وأكدت أن القوات الروسية هناك ليست مرتزقة، بل مدربون يساعدون القوات المحلية بمعدات جرى شراؤها من روسيا. وقالت مبعوثة روسيا لدى الأمم المتحدة ماريا مولودتسوفا، في اجتماع للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، الأسبوع الماضي، إن «القتلى في مورا كانوا من المسلحين»، وإن العملية العسكرية «ساهمت في السلام والهدوء».
وجاء في التقرير: «أفاد شهود عن رؤية (رجال بيض مسلحين يتحدثون لغة غير معروفة) ويعملون إلى جانب القوات المالية، ويظهرون أحياناً للإشراف على العمليات». وأضاف: «وفقاً للشهود، جرى تناوب القوات المالية داخل مورا وخارجها يومياً، لكن الأفراد الأجانب ظلوا طوال مدة العملية».
وعلى الرغم من تسع سنوات من المساعدة من الجيش الفرنسي وبعثة كبيرة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، لم تتمكن مالي من القضاء على العنف من الجماعات الإسلامية المتطرفة. وفي أغسطس (آب) 2020، أطاح الكولونيل عاصمي غويتا الحكومة المنتخبة ديمقراطياً للبلاد، مما زاد من زعزعة استقرار الدولة الواقعة في غرب إفريقيا. وصار غويتا زعيم البلاد بعدما نفذ انقلاباً ثانياً بعد 9 أشهر. وتدهورت العلاقات بين حكومته وفرنسا والأمم المتحدة بشكل حاد في الأشهر التي تلت ذلك. وفي نهاية المطاف، نقلت فرنسا جميع قواتها في مالي إلى النيجر المجاورة، وتواصلت حكومة مالي مع «فاغنر»، التي توجه إليها اتهامات بارتكاب فظائع في عدد من البلدان الأخرى التي تعمل فيها.