أفغانستان: زلزال ثالث... وعمليات الإغاثة تزداد تعقيداً

هزتان ارتداديتان تضربان بعد سلسلة أودت بحياة أكثر من 2200

أحد السكان المحليين المتضررين من الزلزال يُجري مسحاً للمنازل المتضررة في كونار بأفغانستان 4 سبتمبر 2025 (إ.ب.أ)
أحد السكان المحليين المتضررين من الزلزال يُجري مسحاً للمنازل المتضررة في كونار بأفغانستان 4 سبتمبر 2025 (إ.ب.أ)
TT

أفغانستان: زلزال ثالث... وعمليات الإغاثة تزداد تعقيداً

أحد السكان المحليين المتضررين من الزلزال يُجري مسحاً للمنازل المتضررة في كونار بأفغانستان 4 سبتمبر 2025 (إ.ب.أ)
أحد السكان المحليين المتضررين من الزلزال يُجري مسحاً للمنازل المتضررة في كونار بأفغانستان 4 سبتمبر 2025 (إ.ب.أ)

قال المركز الألماني لأبحاث علوم الأرض إن هزتين ارتداديتين قويتين ضربتا شرق أفغانستان خلال 12 ساعة؛ ما أثار مخاوف من وقوع المزيد من الوفيات والدمار، الجمعة، في منطقة لقي فيها نحو 2200 شخص حتفهم جراء زلازل على مدى أربعة أيام.

حدث ذلك في أعقاب زلزالين ألحقا دماراً كبيراً في البلاد الواقعة في جنوب آسيا.

أفغاني يعاين منزله المتضرر في كونار 4 سبتمبر 2025. فقد حميد الله جميع أفراد عائلته بمن فيهم والداه وإخوته في الزلزال الذي ضرب جلال آباد (إ.ب.أ)

وقدَّرت حكومة «طالبان» عدد الوفيات بما يصل إلى 2205 والإصابات 3640 حتى الخميس.

وقال شاهد من «رويترز» إن هزات ارتدادية متواصلة ضربت إقليم ننكرهار ولا يزال جمع التفاصيل عن الأضرار جارياً.

وذكر المركز الألماني لأبحاث علوم الأرض إن زلزالاً بقوة 5.4 درجة هز جنوب شرقي البلاد على عمق 10 كيلومترات، بعد ساعات من زلزال آخر في وقت متأخر من مساء الخميس.

وبلغت قوة أول زلزال وقع هذا الأسبوع ست درجات، وباغت البلاد قبل دقائق من منتصف ليل الأحد، وهو أحد أعنف الزلازل التي شهدتها أفغانستان. وأحدث أضراراً ودماراً في إقليمي ننكرهار وكونار؛ إذ كان قريباً من سطح الأرض على عمق 10 كيلومترات فقط.

أفغاني أثناء معاينة منزله المُتضرر في كونار 4 سبتمبر 2025 (إ.ب.أ)

وكان الزلزال الثاني بقوة 5.5 درجة ووقع الثلاثاء، وتسبب في حالة ذعر، وعرقل جهود الإنقاذ مع انزلاق الصخور من الجبال، وقطع الطرق المؤدية إلى القرى في المناطق النائية.

وفضَّلت بعض الأسر البقاء في العراء بدلاً من العودة إلى منازلها، ومعظمها مبني من الحجارة والأخشاب؛ إجراءً احترازياً من الهزات الارتدادية.

وسوى الزلزالان الأوليان قرى بالأرض في الإقليمين ودمَّرا أكثر من 6700 منزل، وانتشل عمال الإنقاذ جثثاً من تحت الأنقاض الخميس.

حميد الله وهو يتفقد منزله المتضرر في كونار بأفغانستان 4 سبتمبر 2025. فقد حميد الله جميع أفراد عائلته بمن فيهم والداه وإخوته في الزلزال الذي ضرب جلال آباد (إ.ب.أ)

في غضون ذلك، ذ كر مركز أبحاث العلوم الجيولوجية الألماني (جي إف زد) أن زلزالاً قوته 6.2 درجة هز شرق أفغانستان الخميس، في ثالث هزة أرضية تتعرض لها المنطقة ذاتها منذ الأحد، عندما وقع أحد أعنف الزلازل التي شهدتها البلاد منذ سنوات، وأسفر عن مقتل أكثر من 2200 شخص.

وقال نقيب الله رحيمي، المتحدث باسم إدارة الصحة في ولاية ننكرهار، إن مركز الزلزال كان في منطقة شيوا النائية قرب الحدود مع باكستان، وإن تقارير أولية أفادت بوقوع أضرار في منطقة باركاشكوت، على الرغم من أن التفاصيل لم تتضح بالكامل بعد. وجاءت الهزة، التي وقعت على عمق 10 كيلومترات، في أعقاب هزات سابقة دمرت قرى بأكملها في إقليمي كونار وننكرهار، وتسبب في إصابة أكثر من 3600 آخرين، فضلاً عن تشريد عشرات الآلاف.

وأشارت الأمم المتحدة ووكالات أخرى إلى الحاجة الماسة إلى الغذاء والمأوى والإمدادات الطبية لإغاثة المتضررين من الزلزال.

وانتشل عمال الإنقاذ، الخميس، جثثاً من تحت أنقاض المنازل التي دمرتها الزلازل في أفغانستان، في حين تجاوز العدد المؤكد للقتلى 2200، بينما يواجه الناجون الذين باتوا بلا مأوى مستقبلاً قاتماً، مع تحذيرات منظمات الإغاثة الدولية من نقص حاد في الموارد. وقالت إدارة «طالبان» إن عمال الإنقاذ يواصلون جهودهم في المناطق الجبلية الشرقية التي ضربها الزلزال، وأضافوا أن عدد القتلى ارتفع الآن إلى 2205، في حين أصيب ما لا يقل عن 3640 شخصاً.

وقال أحد السكان في إقليم كونار الأكثر تضرراً: «كل ما كنا نملكه دُمّر بالكامل».

وأضاف: «الشيء الوحيد المتبقي هو ما نرتديه من ملابس». وكانت عائلته تجلس تحت الأشجار وإلى جانبهم أكوام من متعلقاتهم.

وتسبب الزلزال الأول، الذي كان بقوة ست درجات وكان أحد أعنف الزلازل في أفغانستان في السنوات القليلة الماضية، في أضرار ودمار على نطاق واسع في إقليمي كونار وننكرهار يوم الأحد، عندما وقع على عمق ضحل يبلغ عشرة كيلومترات.

وتسبب زلزال ثانٍ بقوة 5.5 درجة يوم الثلاثاء في حالة من الذعر وعرقلة جهود الإنقاذ؛ إذ تسبب في انزلاق الصخور من الجبال، وقطع الطرق المؤدية إلى القرى في المناطق النائية.

رجل أفغاني يحمل ابنه المصاب بعد زلازل في منطقة نورغال بولاية كونار شرق أفغانستان 4 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)

الأكثر حصداً للأرواح

وأودى الزلزال الذي ضرب شرق أفغانستان ليل الأحد بأكثر من 2200 شخص، وفق حصيلة محدّثة نشرتها السلطات الخميس؛ ما يجعل منه الزلزال الأكثر حصداً للأرواح في التاريخ الحديث للبلد.

وتزداد عمليات الإغاثة تعقيداً في ظلّ انزلاقات التربة والانهيارات الوحلية في المناطق النائية في الولايات الشرقية التي ضربها زلزال بقوّة ست درجات منتصف ليل الأحد، خصوصاً في ولاية كونار، حيث سجّل القسم الأكبر من القتلى ونحو أربعة آلاف جريح.

ومنذ أربعة أيام، تنتظر آلاف العائلات الفقيرة التي باتت بلا مأوى تحت المطر وصول المسعفين والمسؤولين المحليين لتدبير شؤونها.

وعند الحدود مع باكستان، ما زالت الأرض تهتزّ تحت أقدام سكّان لم ينتهوا بعد من إحصاء موتاهم، وينتظرون وصول مروحيات وزارة الدفاع لنقل جرحاهم إلى مدينة جلال آباد الكبرى. فقد سجلت هزة ارتدادية بلغت قوتها 5.6 درجات وعمقها 10 كيلومترات، ومركزها في المنطقة نفسها. وقد شعر بها السكان على مسافة مئات الكيلومترات، حتى في كابل وإسلام آباد، وفق مراسلي «وكالة الصحافة الفرنسية».

وهذه الهزة الارتدادية القوية هي السابعة منذ مساء الأحد؛ ما أعاد مشاعر الخوف إلى السكان.

من جهتها، حذّرت منظمة «سايف ذي تشلدرن» من أن «موجة مستمرة من الهزات الارتدادية في شرق أفغانستان تثير الهلع بين الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم ومنازلهم».

وقال زهير خان صافي، المزارع البالغ 48 عاماً في بلدة مزار دارة المنكوبة: «نحن في حاجة إلى خيم ومياه ومأكل وأدوية بصورة طارئة».

انتقلت عائلته كمئات غيرها من البلدة للعيش في الحقول بلا دورات مياه. وروى أن الرجال يضطرون إلى المشي مسافات طويلة لقضاء حاجتهم، في حين «تنتظر النساء حلول الظلام» بعيداً من الأنظار.

تدمير 7 آلاف منزل

وتسبّب الزلزال الأكثر حصداً للأرواح في تاريخ أفغانستان الحديث بتدمير نحو 7 آلاف منزل في ولايات كونار، ولغمان وننكرهار المحاذية لباكستان.

لكن حصيلة الضحايا والأضرار قد تكون أكبر؛ إذ «تمّ انتشال مئات الجثث من بين أنقاض المنازل المدمّرة خلال عمليات البحث والإنقاذ المتواصلة»، على ما قال حمد الله فطرة، معاون الناطق باسم الحكومة.

«خوف»

وحذّرت منظمة الصحة العالمية من أن «فرص العثور على الناجين أحياءً تتضاءل بسرعة»، مشيرة إلى أن الأمطار «عقّدت أكثر» الوضع. وأعلنت وزارة الدفاع الأفغانية من جهتها تنظيم عشرات الرحلات الجوية لإجلاء الجرحى وذويهم إلى مستشفيات في المنطقة.

وأقرّت سلطات «طالبان»، التي سبق أن تعاملت مع تداعيات كوارث مماثلة في 2022 و2023، بأنه لن يكون في وسعها مواجهة الوضع وحدها.

وعدّت الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية أن الزلزال الذي تلته ست هزّات أرضية قوّية وقع «في أسوأ الأوقات»، ولا سيما بعدما اضطرت في بداية العام إلى خفض مساعداتها إلى الأفغان بسبب الاقتطاعات في المساعدة الدولية.

وأطلقت منظمة الصحة العالمية التي حذّرت من خطر انتشار الأوبئة عقب الكارثة، نداءً جديداً لجمع أربعة ملايين دولار لاستجابة الحاجات «الهائلة» بعد الزلزال، في حين خصصت الأمم المتحدة خمسة ملايين دولار لهذا الغرض، مقابل ستة ملايين يورو من جانب الصين.

لكن في ولاية كونار الأكثر تضرّراً، «لم تحصل بعد بعض البلدات على المساعدة»، حسب ما قال إيجاز الحقّ ياد، المسؤول في منطقة نوركل، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وباتت العائلات في المواقع المنكوبة معدمة تقيم في العراء. وقال أورانجزيب نوري (35 عاماً) من بلدة دارة النور في ننكرهار: «(نشعر بالخوف) ووقعت هزّات ارتدادية كثيرة. نمضي أيامنا في الحقول بعدما تركنا منازلنا التي قد تنهار في أيّ لحظة إذا كانت ما زالت قائمة».

«أزمة تلو أخرى»

وعدَّ المجلس النرويجي للاجئين الذي دعا الجهات المانحة إلى تقديم الدعم أنه «ينبغي أن يشكّل الزلزال تذكيراً قوّياً بأن أفغانستان التي تواجه أزمة تلو أخرى لا يمكن أن تُترك وحيدة». وقالت شارلوت سلينتي، الأمينة العامة للمجلس الدنماركي للاجئين لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» خلال زيارتها كابل: «نشعر بتأثيرات الأزمة (المالية). إن دمج الأفغان العائدين (من الدول المجاورة) سيتطلب تمويلاً جديداً. واليوم كل الأنظار متجهة إلى الزلزال».

وبينما كانت الأرض تهتزّ في أفغانستان، سرّعت باكستان المجاورة من وتيرة طرد المهاجرين الأفغان من أراضيها.

ومنذ الاثنين، أجبرت السلطات الباكستانية آلاف الأفغان من حاملي بطاقات لجوء من الأمم المتحدة يفترض أنها تحميهم من إجراءات كهذه، على مغادرة أراضيها، حسب ما أفاد مسؤولون في البلدين «وكالة الصحافة الفرنسية». وحسب منظمة الصحة العالمية، أثّر الزلزال على 270 ألف أفغاني عادوا للتوّ إلى بلدهم من باكستان أو إيران التي تطرد أيضاً المهاجرين الأفغان. وقال المفوّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في منشور على «إكس»: «نظراً إلى الأوضاع الراهنة، أدعو حكومة باكستان إلى تعليق تنفيذ خطّة إعادة الأجانب غير القانونيين».


مقالات ذات صلة

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

علوم يؤكد الباحثون أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية (بيكسباي)

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
آسيا جانب من الأضرار جراء زلزال ضرب إندونيسيا عام 2022 (أرشيفية - رويترز)

زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب غرب إندونيسيا

ضرب زلزال بقوة 6.6 درجة جزيرة صغيرة شمال غربي سومطرة في غرب إندونيسيا الخميس.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
آسيا منازل متضررة جراء الزلزال في دكا (رويترز)

زلزال في وسط بنغلاديش يوقع 9 قتلى على الأقل

ضرب زلزال بقوة 5.5 درجة، الجمعة، وسط بنغلاديش، موقعاً تسعة قتلى على الأقل وأكثر من 300 جريح، وفق حصيلة أعلنتها الحكومة.

«الشرق الأوسط» (دكا)
آسيا لم ترد على الفور أي معلومات عن وقوع خسائر محتملة أو أضرار ناجمة عن الزلزال (رويترز)

زلزال بقوة 5.6 درجات يضرب قبالة سواحل اليابان

ضرب زلزال قوي بلغت شدته 5.6 درجات على مقياس ريختر البحر قبالة سواحل اليابان، بحسب ما سجله مركز رصد الزلازل الأوروبي المتوسطي.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
آسيا أولاد واقفون بجوار حطام المنازل المتضررة في أعقاب زلزال وقع مؤخراً بمنطقة مرمول في ولاية بلخ بأفغانستان يوم 5 نوفمبر 2025 (رويترز)

الناجون من زلزال أفغانستان يواجهون البرد والمطر وسط الأنقاض

كان الناجون من الزلزال القوي في شمال أفغانستان، الذي أودى بحياة أكثر من 25 شخصاً وأصاب ما يقرب من 1000 آخرين، يحفرون الأنقاض في منازلهم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كابل (أفغانستان))

أين يُدفن مسلمو اليابان؟

صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
TT

أين يُدفن مسلمو اليابان؟

صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»
صورة لمقبرة إسلامية في اليابان من موقع «halaljapan»

لم تكن قضية الدفن في اليابان مطروحة على نحو واسع في السنوات الماضية، فالمجتمع الذي اعتاد منذ عقود طويلة على الحرق (الكريماتوريوم) بوصفه الطقس الجنائزي شبه الوحيد، لم يعرف تقليد الأرض، ولا القبور المفتوحة، ولا الأبنية الحجرية التي تتعانق فوقها شواهد الموتى. في بلد تشكّل الجبال ثلاثة أرباع مساحته، وتنافس المدن بضيق شوارعها على كل شبر من اليابسة، بدا الموت نفسه خاضعاً لحسابات المكان، مسيّجاً بقواعد عمرانية وثقافية صارمة، جعلت من الحرق خياراً إجبارياً لا يخطر ببال أحد تجاوزه.

هنا، تتغلب العقيدة على الجغرافيا، وتنتصر الضرورة على الطقوس؛ فالحرق هو الخاتمة الطبيعية لأغلب اليابانيين، بنسبة تتجاوز 99 في المائة. نهاية تتماهى مع الفلسفة البوذية والشينتو، لكنها أيضاً استجابة عملية لجغرافيا لا تسمح بترف المدافن، ولا بشواهد ممتدة على مدى البصر كما يعتاد الناس في بلدان أخرى، في حين يُعامل الدفن باعتباره استثناءً نادراً، لا سند له سوى حالات خاصة أو ظروف قاهرة. لكن هذا النظام، الذي ظلّ عقوداً بلا منازع، بدأ يواجه اختباراً جديداً مع اتساع الجالية المسلمة في البلاد، والتي تتراوح أعدادها وفق تقديرات متقاطعة بين 200 و350 ألف مسلم. هذه الجالية، التي تنمو في الجامعات والمصانع والبحث العلمي والتجارة، تحمل معها تقليداً جنائزياً لا يعرف المساومة: دفن الميت في الأرض، وفق شروط شرعية ثابتة، لا حرق فيها ولا تبديل.

كيف وأين يُدفن المسلمون في اليابان؟

بدأت أسئلة جديدة تُطرح حول كيف وأين يُدفن المسلمون في اليابان؟ فجاءت الإجابة مُربكة: مساحات قليلة ومتباعدة، بعضها في أطراف كوبي، وأخرى في ريف هوكايدو البعيد، في حين تُحرم مناطق واسعة من توهوكو شمالاً إلى كيوشو جنوباً من أي موطئ قدم لمدفن إسلامي، تاركة آلاف الأسر أمام خيارات قاسية لا تعرف سوى السفر أو الترحيل أو مواجهة فراغ تشريعي لا يعترف بالحاجة.

ومع أن مطالب الجالية المسلمة لم تكن كاسحة أو مُربكة للدولة؛ إذ اقتصر طلبهم على مساحات محدودة في ضواحي المدن تُدار وفق شروط صارمة تتوافق مع القوانين الصحية، فإن التجاوب الرسمي ظل باهتاً. برزت اعتراضات محلية تتحدث عن مخاوف بيئية من تلوث المياه الجوفية، رغم أن خبراء الصحة والبيئة لم يجدوا ما يدل على خطورة الدفن الإسلامي إذا نُظّم بطريقة مناسبة.

لحظة الانفجار البرلماني

وفي خضم هذا الجدل الصامت، انفجر الملف فجأة داخل البرلمان الياباني، حين وقفت النائبة أوميمورا ميزوهو العضوة البارزة في حزب سانسيتو المحافظ، لتعلن أن اليابان «لا تحتاج إلى أي مقابر جديدة»، وأن الحرق «هو النظام الطبيعي والمتوافق مع تركيبة هذا البلد».

ومضت خطوة أبعد من ذلك، بدعوة المسلمين إلى التفكير في «بدائل منطقية»، من بينها القبول بالحرق أو ترحيل الجثامين إلى الخارج، مستشهدة بتجارب أوروبية وأميركية، كما قالت، من دون أن تذكر أن هذه التجارب نفسها تواجه انتقادات واسعة عندما تتعارض مع حقوق الأقليات الدينية.

غضب في صفوف الجالية المسلمة

وقد جاء تصريحها كصاعقة في أوساط الجالية المسلمة، التي رأت فيه إشارة واضحة إلى توجّه رسمي نحو إغلاق الباب أمام أي توسع في المقابر الإسلامية، خصوصاً بعد أن حظي كلامها بتأييد عدد من النواب الذين تحدثوا عن «عجز اليابان عن تحمل أعباء ثقافية جديدة بسبب ضيق الأرض».

فجأة، تحولت القضية من نقاش بلدي إلى مشهد سياسي وطني واسع، وبات المسلمون يشعرون بأن حقهم في الدفن وفقاً لشريعتهم يُناقَش الآن في البرلمان باعتباره عبئاً، لا احتياجاً دينيّاً وإنسانياً مشروعاً.

وبين ضغط الجغرافيا اليابانية، وتمسّك المسلمين بواجباتهم الشرعية، ومواقف سياسية تزداد تصلباً، تبدو أزمة المقابر الإسلامية مرشحة لتتحول إلى اختبار حقيقي لقدرة اليابان على مواكبة مجتمع أصبح أكثر تنوعاً مما كان عليه قبل عقد واحد فقط. وبينما تبقى القبور قليلة، يظل السؤال الأكبر معلّقاً فوق المشهد الياباني: هل ستتسع أرض اليابان للموتى المسلمين بعد أن ضاقت بحاجات الأحياء، أو أن رحلتهم الأخيرة ستظل تبدأ في اليابان... لكنها لا تنتهي فيها؟


رئيس كوريا الجنوبية يشعر بأن عليه الاعتذار لبيونغ يانغ عن تصرفات سلفه

الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض (ا.ب)
الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض (ا.ب)
TT

رئيس كوريا الجنوبية يشعر بأن عليه الاعتذار لبيونغ يانغ عن تصرفات سلفه

الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض (ا.ب)
الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض (ا.ب)

قال الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ، اليوم (الأربعاء)، إنه يشعر بأن عليه تقديم اعتذار لكوريا الشمالية بسبب أوامر سلفه بإرسال مسيّرات ومنشورات دعائية عبر الحدود.

وقال في مؤتمر صحافي عقده في مناسبة مرور عام على إعلان الرئيس السابق يون سوك يول الأحكام العرفية وإدخال البلاد في حالة من الفوضى لفترة وجيزة: «أشعر بأن علي أن أعتذر لكنني أتردد في قول ذلك بصوت عال».

وأضاف: «أخشى أنه إذا فعلت ذلك، قد يتم استخدامه في المعارك الأيديولوجية أو لاتهامي بأنني مؤيد للشمال».

من جهة أخرى، أكد ميونغ أن سيول يجب ألا تأخذ طرفاً بين اليابان والصين في ظل توتر العلاقات بين البلدين بسبب قضية تايوان.

وقال: «هناك خلاف بين اليابان والصين، والانحياز إلى أي طرف منهما لا يؤدي إلا إلى تفاقم التوترات».

وأشار إلى أن «المقاربة المثالية هي التعايش واحترام واحدنا الآخر والتعاون قدر الإمكان»، واصفا شمال شرق آسيا بأنها "منطقة شديدة الخطورة من حيث الأمن العسكرير.وتصاعد الخلاف بين طوكيو وبكين بعدما صرحت رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي بأن طوكيو قد تتدخل عسكرياً إذا غزت الصين تايوان ما أثار ردود فعل دبلوماسية حادة من بكين التي دعت مواطنيها إلى تجنب السفر إلى اليابان.وتعتبر الصين تايوان التي تتمتع بحكم ذاتي جزءاً من أراضيها ولم تستبعد ضمها بالقوة إذا لزم الأمر.


الفلبين: الحوثيون سيفرجون عن مواطنين ناجين من غرق سفينة في البحر الأحمر

أعمدة الدخان تتصاعد من سفينة الشحن «إم في ماجيك سيز» التي ترفع علم ليبيريا وتديرها شركة يونانية بعد تعرضها لهجوم قبالة جنوب غربي اليمن (رويترز)
أعمدة الدخان تتصاعد من سفينة الشحن «إم في ماجيك سيز» التي ترفع علم ليبيريا وتديرها شركة يونانية بعد تعرضها لهجوم قبالة جنوب غربي اليمن (رويترز)
TT

الفلبين: الحوثيون سيفرجون عن مواطنين ناجين من غرق سفينة في البحر الأحمر

أعمدة الدخان تتصاعد من سفينة الشحن «إم في ماجيك سيز» التي ترفع علم ليبيريا وتديرها شركة يونانية بعد تعرضها لهجوم قبالة جنوب غربي اليمن (رويترز)
أعمدة الدخان تتصاعد من سفينة الشحن «إم في ماجيك سيز» التي ترفع علم ليبيريا وتديرها شركة يونانية بعد تعرضها لهجوم قبالة جنوب غربي اليمن (رويترز)

أعلنت السلطات الفلبينية، اليوم الثلاثاء، أن الحوثيين سيطلقون سراح تسعة من مواطنيها هم أفراد طاقم سفينة شحن أغرقها المتمردون اليمنيون، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ونجا التسعة بعد غرق سفينة «إيترنيتي سي» التي ترفع العلم الليبيري، وكانت من بين سفينتين تجاريتين غرقتا في البحر الأحمر في يوليو (تموز).

ونشر الحوثيون تسجيلاً مصوراً للهجوم على السفينة حينذاك قائلين إنهم أنقذوا عدداً غير محدد من أفراد الطاقم ونقلوهم إلى موقع آمن.

وأفادت الخارجية الفلبينية بأنها تلقت وعداً من سلطنة عمان بأنه «سيتم الإفراج عن تسعة بحارة فلبينيين من (إم/في إيترنيتي سي) المشؤومة، احتجزهم الحوثيون كرهائن في البحر الأحمر».

وذكر البيان الذي أشار إلى جهود الحكومة العمانية أنهم سينقلون أولاً من صنعاء إلى عُمان قبل العودة إلى بلادهم.

ورفض متحدث باسم وزارة الخارجية تحديد موعد لعملية إطلاق سراحهم، أو الإفصاح عما إذا كانت مرتبطة بأي شروط.

ووضع غرق سفينتي «إتيرنيتي سي» و«ماجيك سيز» في يوليو حداً لتوقف دام عدة شهور للهجمات التي شنّها الحوثيون على حركة الملاحة في البحر الأحمر، والتي بدأت بعد اندلاع حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ودفعت الهجمات التي يقول الحوثيون إنها استهدفت سفن الشحن المرتبطة بإسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين، العديد من الشركات لتجنّب هذا المسار، حيث يمر عادة نحو 12 في المائة من الشحنات التجارية في العالم.

ويشكّل البحارة الفلبين نحو 30 في المائة من قوة الشحن التجاري العالمية. وشكّل مبلغ قدره نحو سبعة مليارات دولار أرسلوه إلى بلدهم عام 2023، نحو خُمس التحويلات التي تُرسل إلى الأرخبيل.