«التنين القوي»... المقاتلة الصينية «جيه-10» تلفت الأنظار في اشتباكات الهند وباكستان

أسهم الشركة المصنعة ترتفع بأكثر من 40 في المائة خلال يومين فقط

طائرة مقاتلة من طراز «جيه-10 سي» تشارك بتدريب في باكستان يوم 12 أبريل 2018 (أرشيفية - أ.ف.ب)
طائرة مقاتلة من طراز «جيه-10 سي» تشارك بتدريب في باكستان يوم 12 أبريل 2018 (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«التنين القوي»... المقاتلة الصينية «جيه-10» تلفت الأنظار في اشتباكات الهند وباكستان

طائرة مقاتلة من طراز «جيه-10 سي» تشارك بتدريب في باكستان يوم 12 أبريل 2018 (أرشيفية - أ.ف.ب)
طائرة مقاتلة من طراز «جيه-10 سي» تشارك بتدريب في باكستان يوم 12 أبريل 2018 (أرشيفية - أ.ف.ب)

برزت المقاتلة الصينية «جيه-10 سي»، المعروفة أيضاً باسم «التنين القوي»، بعد مشاركتها في الصراع الدائر بين الهند وباكستان.

وبعد ما يقرب من ثلاثة عقود من أول تحليق لها، خاضت أول طائرة مقاتلة من شركة صناعة الطائرات الصينية «جيه-10»، المعركة أخيراً، ونجت. وبحلول الساعة الرابعة من صباح يوم 7 مايو (أيار)، كان الدبلوماسيون الصينيون في إسلام آباد بوزارة الخارجية، يدققون في نتائج أول مواجهة بين الطائرات الحربية الصينية الحديثة، المليئة بالصواريخ والرادارات غير المختبرة في المعارك، والمعدات الغربية المتقدمة التي نشرتها الهند، وفق صحيفة «فاينانشيال تايمز».

وصرح وزير الخارجية الباكستاني، الأسبوع الماضي، بأن الطائرة أحادية المحرك ومتعددة المهام، التابعة لسلاح الجو الباكستاني، شاركت في إسقاط عدة طائرات مقاتلة هندية هذا الأسبوع.

والمقاتلة الصينية أسقطت أيضاً مقاتلة «رافال» الفرنسية، وفقاً لوكالة أنباء الحكومة الباكستانية. وصرح وزير الدفاع الباكستاني، خواجة محمد آصف، لوكالة «رويترز» للأنباء، الخميس، بأن طائرة «جيه-10» استُخدمت لإسقاط ثلاث طائرات «رافال» فرنسية الصنع، التي حصلت عليها الهند حديثاً.

وقالت باكستان، الخميس، إنها أسقطت 25 طائرة من دون طيار انطلقت من الهند خلال الليل، بينما قالت الهند إن دفاعاتها الجوية أوقفت هجمات باكستانية بطائرات من دون طيار وصواريخ على أهداف عسكرية. وصرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، (السبت)، بأن الهند وباكستان اتفقتا على «وقف إطلاق نار كامل وفوري» عقب وساطة أميركية.

طليعة الطائرات المقاتلة

وتُعتبر الطائرة المقاتلة الصينية «جيه-10» من الجيل 4.5، مما يضعهما في طليعة الطائرات المقاتلة، وهي في فئة «رافال» نفسها، ولكنها أقل مرتبة من طائرات «الشبح» من الجيل الخامس، مثل «جيه-20» الصينية أو «إف-35» الأميركية، وفق شبكة «سي إن إن».

وتسلمت باكستان من الصين الدفعة الأولى من الطائرات، وهي نسخ مُطوّرة من طائرة «جيه-10» الأصلية في عام 2022. ويمكنها حمل القنابل وصواريخ جو-جو. كما خضعت طائرة «جيه-10» لتطويرات مستمرة منذ ظهورها لأول مرة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتعتبر المقاتلة الصينية هي ردّ بكين على المقاتلات الخفيفة الغربية مثل طائرة «إف-16» الأميركية وطائرة «ساب غريبين» السويدية، وفق موقع «بيزنس إنسيدر».

واصلت الصين تطوير الطائرة المقاتلة «جيه-10» (أرشيفية - أ.ف.ب)

كانت طائرة «جيه-10» أول محاولة صينية كبرى لإنتاج طائرة مقاتلة حديثة محلية الصنع. ودخلت الخدمة عام 2004 تحت اسم «جيه-10-إيه»، وهي مقاتلة أحادية المحرك ومتعددة المهام بجناحين على شكل كانارد ودلتا، وهو خيار تصميمي يُعطي الأولوية للرشاقة على الثبات، مما يمنحها القدرة على المناورة في المعارك الجوية.

«صداقة شاملة» بين بكين وإسلام آباد

ويعكس بزوغ المقاتلة الصينية إلى «صداقة شاملة» بنتها الصين مع باكستان منذ ستينات القرن الماضي في مواجهة الهند. وقد تطورت المعدات التي تقدمها لباكستان بالتوازي مع تطور صناعة الدفاع الصينية، وفقاً لأندرو سمول، الخبير في العلاقات الباكستانية - الصينية في مؤسسة «مارشال» الألمانية. وأضاف سمول: «إلى جانب التعاون في مجال الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية، كان الكثير مما قدمته الصين في السابق من سلع منخفضة الجودة -دبابات ومدفعية وأسلحة صغيرة- أما الآن، فقد أصبحت باكستان نموذجاً يُحتذى به لبعض أحدث قدرات الصين».

قرويون هنود يقفون بجوار حفرة ضخمة تشكلت خلال قصف مدفعي باكستاني قرب خط السيطرة بمنطقة جامو الهندية اليوم (أ.ف.ب)

ويمثل الصراع بين الهند وباكستان ساحة اختبار للمعدات الأساسية لمنافسة مختلفة، بين الصين والتحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة. يأتي نحو 81 في المائة من المعدات العسكرية الباكستانية من الصين، بما في ذلك أكثر من نصف طائراتها المقاتلة والهجومية الأرضية البالغ عددها 400 طائرة، وفقاً لتقديرات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. تشمل هذه الصادرات طائرات مقاتلة متطورة، وصواريخ، ورادارات، وأنظمة دفاع جوي، يقول الخبراء إنها ستلعب دوراً محورياً في أي صراع عسكري بين باكستان والهند. كما طُوِّرت بعض الأسلحة الباكستانية بالتعاون مع شركات صينية، أو بُنيت بتكنولوجيا وخبرة صينيتين، وفق شبكة «سي إن إن».

دعاية في السماء

وفي غضون ذلك، برزت الهند بوصفها أكبر مستورد للأسلحة في العالم مع نمو ثروتها وطموحاتها الإقليمية. فعلى مدار العقد الماضي، تحولت الهند من الاعتماد على الموردين الروس إلى الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل، فيما يقرب من نصف مشترياتها الأخيرة، بما في ذلك الطائرات المقاتلة المتطورة وطائرات النقل والطائرات المسيَّرة القتالية والمراقبة، وفق «فاينانشيال تايمز». وقال سوشانت سينغ، المحاضر في دراسات جنوب آسيا بجامعة ييل: «هذا هو الجانب العالمي الأكثر أهمية هنا، هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اختبار المعدات العسكرية الصينية ضد المعدات الغربية من الدرجة الأولى».

طائرة من طراز «رافال» (أ.ف.ب)

كما انخرط الجيشان الصيني والباكستاني في مناورات جوية وبحرية وبرية مشتركة متطورة بشكل متزايد، بما في ذلك محاكاة قتالية وحتى تدريبات تبادل الطواقم. وقال كريغ سينغلتون، الزميل البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها الولايات المتحدة: «إن دعم بكين طويل الأمد لإسلام آباد، من خلال المعدات والتدريب، والآن الاستهداف المدعوم بالذكاء الاصطناعي بشكل متزايد، قد غيّر التوازن التكتيكي بهدوء». وأضاف: «لم يعد هذا مجرد صدام ثنائي؛ بل هو لمحة عن كيفية إعادة تشكيل صادرات الدفاع الصينية للردع الإقليمي».

وفي سياق متصل، قال ساجان غوهيل، مدير الأمن الدولي في مؤسسة آسيا والمحيط الهادئ، وهي مؤسسة بحثية مقرها لندن، لشبكة «سي إن إن»: «أي اشتباك بين الهند وباكستان بمثابة بيئة اختبار فعلية للصادرات العسكرية الصينية».

وفي هذا الصدد، صرح ديفيد غوردان، المحاضر الأول في دراسات الدفاع في كلية كينجز كوليدج لندن، لموقع «بيزنس إنسايدر»: «تخيلوا طائرة (جيه-10-سي) على أنها تُعادل تقريباً طائرة (إف-16) الحديثة، ولكن مع بعض الميزات، مثل منظومة الصواريخ بعيدة المدى، التي قد تمنحها الأفضلية في سيناريوهات مُعينة».

وقال يون صن، المتخصص في الشؤون العسكرية الصينية في مركز ستيمسون بواشنطن لصحيفة «فاينانشيال تايمز»: «لا توجد دعاية أفضل لمقاتلة حربية من حالة قتال حقيقية». وأضاف: «كانت هذه مفاجأة سارة للصين... والنتيجة مذهلة للغاية».

تطورات في التصميم

وصُممت طائرة «جيه-10» لتكون مرنة وذات قدرة مُماثلة في القتال الجوي ومهام الهجوم البري. يمكنها حمل مزيج من القنابل الموجهة بدقة، والصواريخ المضادة للسفن، والأسلحة جو-جو متوسطة المدى.

ورغم أن المقاتلة الصينية في نهاية المطاف مشروع صيني محلي، فإنه استلهم من الخارج، بما في ذلك إسهامات من مصممين إسرائيليين وتقنيي محركات روسيين، وفق ما أفاد موقع «بيزنس إنسيدر». وعدَّ الموقع الأميركي أن الطائرة النفاثة المصممة والمصنعة في الصين قد تُحدث نقلة نوعية في سوق الأسلحة العالمية.

باكستان أعلنت أن المقاتلة «جيه-10» شاركت في الرد على الضربات الهندية (أرشيفية - أ.ف.ب)

وبحلول عام 2008، أُعيد تصميم مدخل هواء طائرة «جيه-10 بي» المُحسّنة لتقليل رؤية الرادار، وإضافة مستشعر بحث وتتبع سلبي بالأشعة تحت الحمراء، وأجهزة استقبال رقمية للتحذير بالرادار، وقمرة قيادة مُحسّنة مزودة بشاشات عرض متعددة الوظائف ملونة بالكامل وشاشة عرض أمامية واسعة الزاوية.

ومثّلت طائرة «جيه-10 سي»، التي بدأ إنتاجها عام 2015، نقلة نوعية أخرى. زُوّد هذا الإصدار برادار متطور، وهو ما يُمثّل نقلة نوعية عززت مدى الكشف ودقة الاستهداف والمقاومة الإلكترونية. كما زُوّدت المقاتلة بأنظمة ربط البيانات، واتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، وتحذيرات من اقتراب الصواريخ، وتعديلات لتقليل بصمة الرادار بشكل أكبر. لا تزال المقاتلة مزودة بمحرك «إيه إل-31-إف» روسي الصنع، الذي يُعتبر عاملاً مُقيّداً، ولكن يُقال إن الإصدارات الأحدث تُختبر محرك «دبليو إس-10» الصيني.

ارتفاع أسهم الشركة المالكة

ويعد الصراع الباكستاني الهندي إحدى المرات الأولى التي يتم فيها استخدام الطائرة النفاثة في قتال حي، الذي أدى إلى ارتفاع سهم شركة «تشنغدو» للطائرات بأكثر من الثلث هذا الأسبوع في بورصة شنتشن، مما يشير إلى ثقة المستثمرين في المقاتلة الصينية. وأفادت صحيفة «فاينانشيال تايمز» بأنه حتى قبل أن تتوقف الحرب بين البلدين، بدأت أسهم شركة «تشنغدو» للطائرات في الارتفاع.

وقال المحاضر في دراسات الدفاع، غوردان: «قد نرى منافساً قوياً للمنتجات الغربية يدخل في منافسات شراء طائرات مقاتلة جديدة». وأضاف أن ذلك قد يشكل تحدياً لمصنعي الدفاع الغربيين. وعلى الرغم من أن طائرة «جيه-10-سي» ليست المقاتلة الأكثر تطوراً في الصين، فهذه الميزة تعود إلى طائرة الشبح «جي-20» من الجيل الخامس، فإنها قد تكون الأكثر جدوى تجارياً.

مراقبة أميركية

وفي سياق متصل، صرح مسؤولان أميركيان لوكالة «رويترز» للأنباء، الخميس، بأن إسقاط الطائرة المقاتلة الصينية الصنع تمثل إنجازاً كبيراً. وأفادت الوكالة أن واشنطن تراقب عن كثب أداء المقاتلة الصينية، وذلك لاستشراف أداء بكين في أي مواجهة محتملة حول تايوان أو منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وقال مسؤول أميركي، طلب عدم الكشف عن هويته، لوكالة «رويترز»: «هناك ثقة كبيرة في أن باكستان استخدمت طائرة (جيه-10) صينية الصنع لإطلاق صواريخ جو-جو ضد طائرات مقاتلة هندية، مما أدى إلى إسقاط طائرتين على الأقل».

وقال دوغلاس باري، الخبير في مجال الفضاء الجوي العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: «ستكون أوساط الحرب الجوية في الصين والولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية مهتمة للغاية بمحاولة الحصول على أكبر قدر ممكن من الحقائق الميدانية حول التكتيكات والتقنيات والإجراءات، ونوع المعدات المستخدمة، وما نجح وما لم ينجح».

ولا تزال الولايات المتحدة أكبر مُصدّر للأسلحة في العالم، حيث تُمثّل 43 في المائة من صادرات الأسلحة العالمية بين عامي 2020 و2024، وفقاً لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وهذا يزيد على أربعة أضعاف حصة فرنسا، التي تحتل المرتبة الثانية، تليها روسيا. وتحتل الصين المرتبة الرابعة.


مقالات ذات صلة

رئيس وزراء الهند يفتتح خطاً استراتيجياً للسكك الحديدية في كشمير

آسيا أفراد أمن هنود يقفون في إحدى محطات خط السكة الحديدية الجديد (رويترز)

رئيس وزراء الهند يفتتح خطاً استراتيجياً للسكك الحديدية في كشمير

قام رئيس وزراء الهند بأول زيارة لكشمير منذ النزاع مع باكستان، الشهر الماضي، حيث افتتح خطاً استراتيجياً للسكك الحديدية بالمنطقة التي وصفها بـ«درة تاج الهند».

«الشرق الأوسط» (سريناغار (الهند))
آسيا عناصر من الشرطة الهندية (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle

توقيف 81 شخصاً في الهند بتهمة «التعاطف» مع باكستان

أوقفت الشرطة الهندية عشرات الأشخاص بتهمة «التعاطف» مع باكستان، بعد شهر على أسوأ نزاع بين البلدين منذ عقود، حسبما أفاد مسؤول حكومي.

«الشرق الأوسط» (غواهاتي)
آسيا أرشيفية لطائرات «رافال» تابعة لسلاح الجو الهندي خلال عرض جوي (رويترز)

رئيس الأركان الهندي يقر بسقوط طائرة واحدة على الأقل في النزاع مع باكستان

بدا رئيس أركان الدفاع الهندي السبت كأنه يؤكد أن بلاده خسرت طائرة واحدة على الأقل خلال المواجهة العسكرية القصيرة مع باكستان في وقت سابق من هذا الشهر.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
آسيا الجنرال ساهر شمشاد ميرزا رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» على هامش قمة «حوار شانغريلا للأمن» في سنغافورة... 30 مايو 2025 في لقطة من مقطع فيديو (رويترز)

مسؤول عسكري: باكستان والهند تقتربان من استكمال خفض القوات على الحدود

قال مسؤول عسكري باكستاني كبير لوكالة «رويترز»، اليوم (الجمعة)، إن باكستان والهند تقتربان من تقليل حشد القوات على حدودهما إلى مستويات ما قبل الصراع الأخير.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
آسيا أشخاص ينظفون شبكة صيد على مجرى نهر السند الجاف جزئياً بحيدر آباد في باكستان (رويترز)

باكستان تعد قرار الهند بتعليق معاهدة مياه نهر السند «انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي»

وصفت باكستان قرار الهند بتعليق معاهدة مياه نهر السند لعام 1960، بشكل غير قانوني وأحادي الجانب بأنه انتهاك خطير للقانون الدولي.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)

العثور على «الصندوق الأسود» مسجل البيانات الرقمية للطائرة الهندية المنكوبة

رئيس الوزراء الهندي يزور الناجي الوحيد من الحادث فيشواش كومار راميش في المستشفى (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الهندي يزور الناجي الوحيد من الحادث فيشواش كومار راميش في المستشفى (أ.ف.ب)
TT

العثور على «الصندوق الأسود» مسجل البيانات الرقمية للطائرة الهندية المنكوبة

رئيس الوزراء الهندي يزور الناجي الوحيد من الحادث فيشواش كومار راميش في المستشفى (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الهندي يزور الناجي الوحيد من الحادث فيشواش كومار راميش في المستشفى (أ.ف.ب)

عثر محققون في موقع تحطم طائرة تابعة للخطوط الجوية الهندية على مسجل البيانات الرقمية للرحلة. وقال مسؤول في الشرطة، الجمعة، إنه تم العثور أحد الصندوقين الأسودين للطائرة.

وتواصل فرق الإنقاذ والكلاب البوليسية البحث في موقع تحطم طائرة من طراز «بوينغ 787 - 8 دريملاينر» التابعة للخطوط الجوية الهندية في حيّ سكني في مدينة أحمد آباد، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقلّ عن 265 شخصاً. ونجا شخص واحد فقط من أصل 242 شخصاً كانت تقلّهم الطائرة إلى لندن، من الحادث الذي حصل بُعيد إقلاع الرحلة رقم 171 بأقل من دقيقة.

وقُتل ما لا يقلّ عن 24 شخصاً على الأرض، فيما يُرجّح ارتفاع حصيلة القتلى مع استمرار عمليات البحث.

بعض حطام الطائرة بعد سقوطها في مجمع سكني بأحمد آباد غرب الهند أمس (رويترز)

انفجرت الطائرة التي كانت مليئة بالوقود بعد إقلاعها في رحلة إلى لندن، وتحولت إلى كرة نار بعد ظهر الخميس. وقال وزير الداخلية الهندي أميت شاه إن الطائرة كانت مزودة بـ125 ألف لتر من الوقود. وفي ظل درجات الحرارة المرتفعة، كانت فرص النجاة من التحطم ضئيلة.

وقال مصدر لـ«رويترز» إن ركاب الطائرة كان منهم 217 بالغاً و11 طفلاً ورضيعان. وذكرت الخطوط الجوية الهندية أن من بين الركاب 169 هندياً و53 بريطانياً وسبعة برتغاليين وكندياً واحداً.

وقالت فيدي تشودري، وهي شرطية بالولاية، لـ«رويترز»: «ما زلنا نتحقق من عدد القتلى، بمن في ذلك من قتلوا في المبنى الذي تحطمت عليه الطائرة». وأضافت أن عدد القتلى يتجاوز 240 شخصاً، معدلة بذلك العدد السابق البالغ 294 شخصاً، موضحة أن السبب هو أشلاء جثث جرى حصرها مرتين. ولم يتضح بعد العدد الدقيق للقتلى من ركاب الطائرة وممن كانوا على الأرض.

وقال جي إس مالك، قائد الشرطة في أحمد آباد، لـ«رويترز» إن الجثث التي تم انتشالها يمكن أن تكون للركاب أو الأشخاص الذين قتلوا على الأرض. ومن بين القتلى فيجاي روباني، رئيس الوزراء السابق لولاية جوجارات، التي تعدّ أحمد آباد المدينة الرئيسية فيها. وقال وزير الصحة في الولاية دانانجاي دويفيدي إن السلطات طلبت من ذوي القتلى تقديم عينات من الحمض النووي لتحديد هوياتهم.

وتناثرت أجزاء من هيكل الطائرة في محيط المبنى المحترق الذي اصطدمت به، وكان ذيل الطائرة عالقاً فوق المبنى.

شرطي ومسعفون ينقلون ضحايا حادث تحطم طائرة الخطوط الجوية الهندية إلى سيارة إسعاف (أ.ف.ب)

أمّا الناجي الوحيد فهو بريطاني من أصل هندي. وأوردت وسائل إعلام هندية أنه كان يجلس في المقعد «11 إيه»، بعدما أظهرت لقطات تم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي رجلاً ملطخاً قميصه بالدماء يتوجّه وهو يعرج نحو سيارة إسعاف. وقال إنه لا يستطيع فهم نجاته بأعجوبة من انفجار كرة النار. وأوضح المواطن البريطاني فيشواش كومار راميش من سريره في المستشفى، الجمعة، متحدثاً بالهندية لقناة «دي دي نيوز»: «كل شيء حدث أمامي، وحتى أنا لم أصدق كيف تمكنت من النجاة من ذلك».

وقال راميش: «بعد دقيقة من الإقلاع، فجأة... شعرتُ وكأن شيئاً ما تعطل... أدركتُ أن شيئاً ما حدث، ثم فجأةً أضيئت أنوار الطائرة الخضراء والبيضاء». «ثم بدا وكأن سرعة الطائرة تتزايد، متجهة مباشرة نحو ما اتضح أنه نزل في مستشفى. كان كل شيء واضحاً أمام عينيّ عندما وقع الحادث».

وأضاف راميش البالغ 40 عاماً، وهو من مدينة ليستر البريطانية: «في البداية، ظننتُ أنا أيضاً أنني على وشك الموت، لكنني فتحتُ عينيّ وأدركت أنني ما زلت على قيد الحياة». وأضاف بصوت خافت: «رأيتُ المضيفة وعماتي وأعمامي جميعاً أمامي». وتابع: «فككتُ حزام الأمان وحاولتُ الهرب، ونجحت».

موظفو الطوارئ يعملون في موقع تحطم طائرة في أحمد آباد بالهند (رويترز)

وأضاف: «أعتقد أن الجانب الذي كنتُ جالساً فيه لم يكن مواجهاً للنزل»، موضحاً أن المكان الذي سقط فيه «كان أقرب إلى الأرض، وكانت هناك مساحة كافية أيضاً، وعندما انكسر بابي رأيتُ مساحة كافية، وفكرتُ أن أحاول الخروج». وقال: «أُصيبت يدي اليسرى بحروق طفيفة، لكن سيارة إسعاف نقلتني إلى المستشفى».

وكان ذيل الطائرة لا يزال عالقاً، الجمعة، في الطابق الثاني من مبنى سكني كان يقيم فيه أطباء وطلاب طب يعملون في مستشفى قريب. وبحسب آخر حصيلة أعلنها مسؤول الشرطة المحلية كانان ديساي، انتشل عناصر الإنقاذ حتى الآن 265 جثة من حطام الطائرة والمباني التي تحطمت عليها. وقال وزير الداخلية الهندي، الخميس: «لن يتمّ الإعلان عن العدد الرسمي للضحايا إلّا عند انتهاء فحوص الحمض النووي». وطوال الليل توافد أقارب الضحايا على كلية الطب في أحمد آباد لتقديم عينات الحمض النووي لتحديد هوية الجثث.

وزار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي المتحدّر من ولاية غوجارات التي تُعدّ أحمد آباد المدينة الأبرز فيها، موقع الحادث وتفقد الجرحى، بحسب لقطات بثتها قنوات تلفزيونية محلية.

وقال مودي: «إننا جميعاً مصدومون بسبب مأساة الكارثة الجوية في أحمد آباد. الكلمات تعجز عن التعبير عن مدى التأثر بفقدان هذا العدد الكبير من الأرواح بهذه الطريقة المفاجئة والمفجعة».

كذلك تحدّثت وكالة الأنباء البريطانية «بي إيه ميديا» إلى شقيقه نايان كومار راميش (27 عاماً)، المقيم أيضاً في ليستر في وسط إنجلترا، والذي نقل عن شقيقه قوله: «ليست لدي أدنى فكرة كيف خرجت من الطائرة».

رجال الإطفاء يعملون في موقع تحطم الطائرة بمدينة أحمد آباد شمال غربي الهند (أ.ب)

وروى أشفق ناناباوا (40 عاماً) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن ابن عمه عقيل ناناباوا كان على متن الطائرة مع زوجته وابنتهما البالغة ثلاثة أعوام. وتحدث الرجلان لبضع دقائق قبل إقلاعها. وأضاف: «قال لنا (عقيل): أنا في الطائرة... كل شيء على ما يرام. وكانت هذه كلماته الأخيرة».

وذكرت امرأة أن صهرها قضى في الحادث، موضحة أن ابنتها «لا تعرف بعد أنه تُوفي». وتابعت وهي تمسح دموعها: «لا يمكنني أن أبلغها بالخبر، أيمكن لأحد آخر القيام بذلك عوضاً عنّي، لو سمحتم؟».

تحطمت الطائرة، الخميس، بعد أقل من دقيقة من إقلاعها وفقاً لهيئة الطيران المدني الهندية. وأصدرت نداء استغاثة قبيل تحطمّها بقوّة خارج المطار. وقال مصدر مطّلع إن حادث التحطم هذا هو الأول من نوعه لطائرة من طراز «بوينغ 787 - 8 دريملاينر»، وهي طائرة طويلة المدى دخلت الخدمة في عام 2011.

وأعلنت وكالتا التحقيق في حوادث الطيران في المملكة المتحدة والولايات المتحدة أنهما سترسلان فرقاً لدعم المحققين الهنود. وقالت وزارة الخارجية البريطانية إن البلاد تعمل مع السلطات الهندية للوقوف على الحقائق بشأن تحطم الطائرة وتقديم الدعم.

تسبب تحطم الطائرة في مقتل 200 شخص على الأقل (أ.ب)

وعرضت مجموعة تاتا، مالكة «إير إنديا»، مساعدة مالية قدرها 10 ملايين روبية (117 ألف دولار) «لأسرة كل شخص فقد حياته في هذه المأساة»، كما وعدت بتغطية النفقات الطبية للمصابين.

وشهدت الهند سلسلة حوادث طيران قاتلة على مر السنوات، بما في ذلك كارثة وقعت عام 1996 عندما اصطدمت طائرتان في الجو فوق نيودلهي، ما أسفر عن مقتل نحو 350 شخصاً.

وفي 2010، تحطّمت طائرة تابعة لشركة «إير إنديا إكسبرس»، واندلعت فيها النيران في مطار مانغالور في جنوب غربي الهند، ما أسفر عن مقتل 158 من ركابها وأفراد طاقمها. واعتبر خبراء أنه من السابق لأوانه التكهن بشأن سبب تحطم الطائرة، الخميس.

وأظهرت لقطات من كاميرات المراقبة الطائرة المنكوبة وهي تقلع فوق منطقة سكنية ثم تختفي عن الشاشة قبل أن تتصاعد كرة ضخمة من النيران في السماء من خلف المنازل. وقال كيلي أورتبرج، الرئيس التنفيذي لـ«بوينغ»، إنه تحدث مع رئيس مجلس إدارة الخطوط الجوية الهندية لعرض تقديم الدعم الكامل، وإن هناك فريقاً جاهزاً لدعم التحقيق. وقال الرئيس التنفيذي لشركة الطيران الهندية كامبل ويلسون إن التحقيق سيستغرق وقتاً.