تقرير: السلطات الصينية تمارس ضغوطاً على النساء لحثّهن على الإنجاب

أمهات مع أطفالهن خارج أحد المحلات في تشنغتشو الصينية 12 أبريل 2021 (رويترز)
أمهات مع أطفالهن خارج أحد المحلات في تشنغتشو الصينية 12 أبريل 2021 (رويترز)
TT
20

تقرير: السلطات الصينية تمارس ضغوطاً على النساء لحثّهن على الإنجاب

أمهات مع أطفالهن خارج أحد المحلات في تشنغتشو الصينية 12 أبريل 2021 (رويترز)
أمهات مع أطفالهن خارج أحد المحلات في تشنغتشو الصينية 12 أبريل 2021 (رويترز)

في الصين، تواجه النساء ضغوطاً متزايدة من السلطات للإنجاب، في ظل أزمة ديموغرافية حادة. تروي شابة من إقليم يونان الصيني تجربتها مع مكالمة هاتفية من مركز صحي يسألها إذا كانت حاملاً، رغم أنها غير متزوجة.

نشرت هذه الواقعة عبر منصة «شاوهونغشو» (Xiaohongshu) للتواصل الاجتماعي، ما أثار ردود فعل واسعة. شهادات مشابهة بدأت تظهر في مختلف المناطق الصينية؛ حيث تتلقّى النساء مكالمات متكررة لمراقبة دوراتهن الشهرية وحثهن على الإنجاب، حسب تقرير لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

هذه السياسات تأتي ضمن الأوامر المؤيدة للولادة التي بدأت منذ تحديث سياسة الطفل الواحد في عام 2016، بقيادة الرئيس الصيني شي جينبينغ. بعض المسؤولين يبالغون في التنفيذ، حتى إنهم يتواصلون مع النساء المطلّقات وكبيرات السن، وفق ما نقلته «لوفيغارو» عن موظف -لم يذكر اسمه- من إقليم خبي الصيني.

أم (باللون الأحمر) تنظر إلى طفلها في غرفتها بمركز رعاية للأمومة في شنغهاي 16 ديسمبر 2011 (رويترز)
أم (باللون الأحمر) تنظر إلى طفلها في غرفتها بمركز رعاية للأمومة في شنغهاي 16 ديسمبر 2011 (رويترز)

هذا النهج أثار غضباً بين أبناء جيل الألفية، الذين يرون في هذه التدخلات انتهاكاً لاستقلاليتهم. بعض النساء عبّرن عن شعورهن بالانزعاج والتدخل الشخصي بحياتهن نتيجة هذه المضايقات. على سبيل المثال، شابة من مدينة ووشي الصينية قالت «إنهم ينظرون إلى بطني!»، ووصفت مكالمات المسؤولين معها بأنها «تجاوز للحدود». وبالمقابل، هناك نساء قلن إنهن استفدن من «مرافقة» لجان الأحياء، التي وفّرت لهن خدمات تذكير، ومتابعة خلال فترة الحمل وبعدها.

إن هذه السياسة تتم بدرجات متفاوتة من التطبيق حسب المنطقة، وتستهدف في المقام الأول العرائس الشابات والأمهات اللاتي لديهن طفل أول، ويتم تشجيعهن على إنجاب طفل ثانٍ، أو حتى ثالث، كما يسمح القانون الآن. ويتم حشد لجان الأحياء، وهم «متطوعو» الحزب الذين يقومون بدوريات في كل شارع من شوارع المدن الصينية، من أجل تحقيق هذه القضية الديموغرافية، فيذهبون من باب إلى باب، وفق ما نقلته الصحيفة.

والدان يدفعان عربة فيها طفلهما في حديقة بالصين 2 أبريل 2023 (رويترز)
والدان يدفعان عربة فيها طفلهما في حديقة بالصين 2 أبريل 2023 (رويترز)

تحوّل جذري

تعكس هذه السياسة الجديدة تحولاً جذرياً في سياسات الصين، التي أنهت سياسة الطفل الواحد بعد عقود من تقييد الإنجاب. سابقاً، كانت تُفرض غرامات باهظة على مَن ينجب أكثر من طفل، ولكن مع الانخفاض الحاد في معدل المواليد، تسعى السلطات لتشجيع الإنجاب باستخدام أساليب مشابهة لتلك المستخدمة سابقاً للحد من النمو السكاني، حسب «لوفيغارو».

وفي ظل هذه السياسات الجديدة، يبدو أن الصين تسعى لتحقيق توازن بين متطلبات الدولة وحريات الأفراد، وسط تزايد الفجوة بين الأجيال حول قضايا الخصوصية والاستقلالية الشخصية، حسب التقرير.

وتواجه الصين أزمة ديموغرافية حادة، تتجسد في انخفاض عدد السكان، وتراجع معدلات المواليد، ما يُثير قلق السلطات التي اعتمدت سياسات مشددة سابقاً للحد من المواليد. ويتم الآن تكليف المسؤولين أنفسهم الذين أشرفوا على فرض الإجهاض ومنع الحمل بتشجيع النساء على الإنجاب، لكن هذا النهج يُثير السخرية بين المراقبين؛ نظراً للتناقض في السياسات، حسبما نقلته الصحيفة.

وتعيد هذه الجهود إلى الأذهان ذكريات مؤلمة لسياسة الطفل الواحد التي منعت ملايين الولادات بالقوة، وأثّرت بشكل كبير على الخصوصية الفردية. واليوم، تواجه الصين انكماشاً سكانياً بمعدل مليوني نسمة سنوياً، وسط انخفاض مستمر في معدلات المواليد منذ عام 2016.

ويرى بعض الخبراء أن هذا التراجع بدأ قبل أكثر من عقد؛ حيث تحوّلت الصين إلى «مجتمع مسن» مبكراً، مقارنةً بدول أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية، لكنها لم تصل بعد إلى مستويات معيشية مشابهة لتلك الدول.

أطفال يلعبون في ساحة داخل مجمّع في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)
أطفال يلعبون في ساحة داخل مجمّع في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)

ويُشكل هذا الانكماش السكاني ضغطاً كبيراً جداً على سوق العمل، وعلى الأجيال الشابة التي تواجه عبئاً متزايداً، في ظل غياب نظام رعاية اجتماعية متطور.

وتحاول السلطات التصدي لهذه الأزمة عبر حوافز مالية وإجازات أمومة ممتدة، لكن هذه الجهود تصطدم بعقليات الجيل الجديد، الذي يقدّر الاستقلالية، ويشعر بضغط الحياة في مجتمع شديد التنافسية.

وعلى الرغم من الآمال بانتعاش عدد المواليد في عام 2024 بفضل تأثير «عام التنين»، فإن التحولات الاجتماعية، مثل انخفاض معدلات الزواج وارتفاع نسب الطلاق، تعكس تغييرات أعمق في المجتمع. هذه التحولات تقوّض الجهود الحكومية التي تسعى لإعادة القيم الكونفوشيوسية التقليدية في خدمة رؤية «اشتراكية ذات خصائص صينية»، ما يكشف عن فجوة متزايدة بين الأجيال والسياسات الحكومية التي قد تعوق معالجة الأزمة الديموغرافية بشكل فعّال، حسب صحيفة «لوفيغارو».


مقالات ذات صلة

ترمب: ماسك لن يطلع على استراتيجية عسكرية سرية تتعلق بالصين

الولايات المتحدة​ إيلون ماسك لدى وصوله إلى البنتاغون في العاصمة الأميركية واشنطن (رويترز)

ترمب: ماسك لن يطلع على استراتيجية عسكرية سرية تتعلق بالصين

نفى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشدة تقارير صحافية أشارت إلى أنه كان يخطط لإطلاع إيلون ماسك على خطة الولايات المتحدة الحربية السرية جداً ضد الصين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
رياضة عالمية أعلن مستشفى محلي وفاة اللاعب الصيني دماغياً قبل نقله إلى بلاده (أ.ف.ب)

وفاة لاعب صيني شاب بعد تعرضه لإصابة بالرأس في إسبانيا

توفي لاعب كرة قدم صيني واعد بعد تعرضه لإصابة خطيرة في الرأس خلال تمارين في إسبانيا وضعته في غيبوبة، وذلك وفق ما أعلن ناديه الخميس.

«الشرق الأوسط» (بكين)
رياضة عالمية سائق فريق «ماكلارين» البريطاني لاندو نوريس يسعى للتفوق في «جائزة الصين الكبرى» (أ.ف.ب)

«جائزة الصين الكبرى»: نوريس لتأكيد تفوقه أمام فيرستابن... و«فيراري» للتعويض

يدرك سائق «ماكلارين» البريطاني لاندو نوريس الفائز بباكورة جولات بطولة العالم لـ«فورمولا 1» بأستراليا أنه سيواجه تحديات جمّة هذا الأسبوع عندما يخوض جائزة الصين.

«الشرق الأوسط» (شنغهاي)
آسيا حاملة الطائرات الصينية «لياونينغ» ومجموعتها القتالية خلال تدريبات في أكتوبر 2024 (موقع الجيش الصيني)

هل تقترب الصين من بناء حاملة طائرات نووية؟

ما زالت الصين تسعى لتوسيع قدراتها البحرية بخطوات لافتة، في خطوة قد تقلص الفجوة بينها وبين القوى البحرية الكبرى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا شعار تطبيق «ديب سيك» الصيني على أحد الهواتف (رويترز) play-circle

بعد ظهور «ديب سيك» الصيني... هل خسرت شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى تفوّقها؟

هزت شركة ديب سيك الصينية الصغيرة قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي، في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، مع برنامجها منخفض التكلفة وعالي الأداء في الوقت نفسه.

«الشرق الأوسط» (لاس فيغاس (الولايات المتحدة))

جيش باكستان: مقتل 16 متشدداً على الحدود الأفغانية

جنود الجيش الباكستاني أمام المحكمة العليا بالمنطقة الحمراء بالعاصمة إسلام آباد (أرشيفية - متداولة)
جنود الجيش الباكستاني أمام المحكمة العليا بالمنطقة الحمراء بالعاصمة إسلام آباد (أرشيفية - متداولة)
TT
20

جيش باكستان: مقتل 16 متشدداً على الحدود الأفغانية

جنود الجيش الباكستاني أمام المحكمة العليا بالمنطقة الحمراء بالعاصمة إسلام آباد (أرشيفية - متداولة)
جنود الجيش الباكستاني أمام المحكمة العليا بالمنطقة الحمراء بالعاصمة إسلام آباد (أرشيفية - متداولة)

ذكر بيان للجيش الباكستاني، الأحد، أن جنودَه قتلوا 16 متشدداً على الحدود الغربية للبلاد مع أفغانستان.

وأضاف أن قوات الحدود قتلت جميع المتشددين في تبادل لإطلاق النار الليلة الماضية في وزيرستان الشمالية.

وقال الجيش في بيانه: «قواتنا تصدت بفاعلية لمحاولتهم التسلل وأحبطتها».

وتقول إسلام آباد إن المتشددين الذين ينفذون هجمات داخل باكستان، ويستهدفون الجيش، لديهم ملاذات آمنة في أفغانستان، وهو ما تنفيه كابول.

وجاء في بيان صادر عن السفارة الباكستانية في كابول أن الأمر وقع بالتزامن مع زيارة رسمية تستغرق يومين يقوم بها ممثل باكستان الخاص لأفغانستان صادق خان إلى كابول لمناقشة قضايا ثنائية واقتصادية.

في غضون ذلك، وجهت باكستان تهمة «الإرهاب» لناشطة في مجال الدفاع عن حقوق البلوش على خلفية تنظيمها اعتصاماً في بلوشستان بجنوب غرب البلاد أفضى إلى مقتل ثلاثة متظاهرين، حسب وثائق الشرطة.

وتقود مارانغ بالوتش، أبرز النشطاء الباكستانيين المدافعين عن حقوق الإنسان، حملةً للدفاع عن أبناء جماعة البلوش العرقية من إقليم بلوشستان، الذين تقول إنهم يتعرضون لمضايقات خارج نطاق القضاء واعتقالات وقتل من جانب إسلام آباد.

وتقول الحكومة الباكستانية إن جنودها يحاربون انفصاليين مسلحين يشنون هجمات على القوات الحكومية ومواطنين أجانب في الإقليم الغني بالموارد والمحاذي لأفغانستان وإيران.

يتسوق الناس في أحد البازارات استعداداً لعيد الفطر، في لاهور، باكستان، 23 مارس 2025 (أ.ب.أ)
يتسوق الناس في أحد البازارات استعداداً لعيد الفطر، في لاهور، باكستان، 23 مارس 2025 (أ.ب.أ)

والجمعة، شاركت بالوتش ونشطاء آخرون في اعتصام أمام جامعة بلوشستان في العاصمة الإقليمية كويتا للمطالبة بالإفراج عن أعضاء في جماعتهم اعتقلتهم أجهزة أمنية كما قالوا. وقبيل فجر السبت نفذت الشرطة عملية دهم اعتقلت فيها بالوتش وثلاثة نشطاء آخرين وقتل خلالها ثلاثة متظاهرين. ويحمّل كل طرف مسؤولية الوفيات للطرف الآخر.

وعبّرت مقررة الأمم المتحدة الخاصة للمدافعين عن حقوق الإنسان ماري لولور عن «قلق عميق» إزاء اعتقال بالوتش.

ووُجهت إلى بالوتش ومتظاهرين آخرين تهم «الإرهاب» و«التحريض» و«القتل» حسب لائحة الاتهام التي اطلعت عليها وكالة الصحافة الفرنسية.

وقال المسؤول الإداري في كويتا، حمزة شفقت، إن بالوتش ونشطاء آخرين احتُجزوا بموجب قوانين النظام العام.

وأكد محاميها عمران بالوتش أنها محتجزة في سجن بكويتا.

مُنعت بالوتش من السفر إلى الولايات المتحدة العام الماضي لحضور مراسم توزيع جوائز مجلة «تايم» بعد إدراجها ضمن قائمة «تايم 100 نيكست» لـ«القادة الصاعدين» لعام 2024.

بدأت مسيرتها كناشطة في سن السادسة عشرة عام 2009 عندما فُقد والدها في ما يعتقد أنه «اختفاء قسري». وعُثر على جثته بعد عامين.

ويأتي توقيفها وتوجيه الاتهام لها بعد قيام مجموعة انفصالية مسلحة بالسيطرة على قطار ركاب هذا الشهر ما أدى حسب مسؤولين إلى مقتل نحو 60 شخصاً، نصفهم من المهاجمين الانفصاليين.

ناشطون من مجلس الطلاب البلوش يرفعون لافتات للمشاركة في احتجاج يطالب بالإفراج عن مهرانج بلوش، أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في باكستان، إلى جانب أشخاص بلوش مفقودين، في لاهور في 23 مارس 2025 (أ.ف.ب)
ناشطون من مجلس الطلاب البلوش يرفعون لافتات للمشاركة في احتجاج يطالب بالإفراج عن مهرانج بلوش، أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في باكستان، إلى جانب أشخاص بلوش مفقودين، في لاهور في 23 مارس 2025 (أ.ف.ب)

وأعلن «جيش تحرير بلشوستان»، إحدى المجموعات المتمردة التي تتهم الباكستانيين المتحدرين من مناطق خارج الإقليم بنهب الموارد الطبيعية في الإقليم، مسؤوليته عن الهجوم.

تقود النساء الاحتجاجات وحملات المناصرة بين البلوش بشكل عام، إذ يعتبرن أن نظراءهن من الرجال عانوا الأسوأ في حملة قمع حكومية استمرت عقوداً.