هل يدفع الاستعراض النووي لزعيم كوريا الشمالية واشنطن لإعادة حساباتها؟

كيم جونغ أون يراقب إحدى التجارب الصاروخية (أرشيفية - رويترز)
كيم جونغ أون يراقب إحدى التجارب الصاروخية (أرشيفية - رويترز)
TT

هل يدفع الاستعراض النووي لزعيم كوريا الشمالية واشنطن لإعادة حساباتها؟

كيم جونغ أون يراقب إحدى التجارب الصاروخية (أرشيفية - رويترز)
كيم جونغ أون يراقب إحدى التجارب الصاروخية (أرشيفية - رويترز)

شهدت العلاقات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة توترات مزدادة في الآونة الأخيرة، حيث قام الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، باستعراض القدرات النووية لبلاده بشكل لافت، ما أظهر توجهات جديدة في السياسة العسكرية لبيونغ يانغ، ودفع بعض المراقبين للتساؤل: هل سيدفع ذلك واشنطن إلى إعادة تقييم استراتيجياتها تجاه هذه الدولة؟

يقول الدكتور جون ميريل، خبير الشأن الكوري، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، إن مشكلة كوريا الشمالية تفاقمت بشكل مفاجئ الشهر الماضي، عندما كشف زعيمها كيم عن منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم قادرة على إنتاج يورانيوم عالي التخصيب يستخدم في تصنيع الرؤوس الحربية النووية. كما استأنفت بيونغ يانغ اختباراتها للصواريخ الباليستية وصواريخ «كروز»، حيث أطلقت صاروخ «كروز» استراتيجياً جديداً وصاروخاً باليستياً برأس حربي كبير للغاية.

ولم يتم الكشف عن موقع منشأة التخصيب الجديدة، لكن البعض تكهن بأنها بالقرب من المجمع النووي في يونجبيون. ونشرت وكالة الأنباء المركزية الكورية صوراً لكيم وهو يمشي بين صفوف من أجهزة الطرد المركزي، التي تستخدم في إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب المستخدم في إنتاج الأسلحة.

كيم جونغ أون مجتمعاً مع كبار مستشاريه الأمنيين والعسكريين ببيونغ يانغ في 15 أكتوبر الحالي (د.ب.أ)

وتتفاوت التقديرات، لكن بعض المحللين يعتقد أن كوريا الشمالية قد تتمكن من إنتاج ما يكفي من اليورانيوم لصنع ما يصل إلى 200 سلاح نووي بحلول عام 2027. ويضاف إنتاج المنشأة الجديدة لأجهزة الطرد المركزي إلى هذا العدد.

وخلال زيارته لمنشأة التخصيب، دعا كيم إلى توسع هائل في القدرة النووية للبلاد. ويبدو أن أجهزة الطرد المركزي تتمتع بتصميم جديد وأكثر كفاءة، ما يستلزم مراجعة التقديرات المتعلقة بالقدرة النووية لكوريا الشمالية. ولا يزال غير واضح متى بدأ تشغيل منشأة التخصيب الجديدة، لكنها تبدو حديثة نسبياً.

وزار كيم منشأة التخصيب يوم الجمعة 11 سبتمبر (أيلول). وكان فريق من الأكاديميين الأميركيين بقيادة سيغفريد هيكر، من جامعة ستانفورد، قد زار المنشأة في عام 2010.

كيم جونغ أون يشرف على تدريبات عسكرية في كوريا الشمالية (أرشيفية - أ.ب)

وبعد فترة وجيزة من زيارة كيم، أفادت وكالة الأنباء المركزية الكورية بأن بيونغ يانغ أطلقت صاروخين جديدين باتجاه بحر اليابان، أحدهما كان صاروخ «هواسونغفو11- دا5-ر4»، والآخر كان صاروخ «كروز» مطوراً. وكان الصاروخ الأول مصمماً لحمل رأس حربي تقليدي كبير للغاية، بينما وصف الصاروخ الثاني بأنه «استراتيجي»، وهي كلمة تستخدم عادة للإشارة إلى الرأس الحربي النووي.

وأشرف كيم شخصياً على كلا الاختبارين. وعلى عكس المرات السابقة، لم تكن ابنته برفقته، حيث ظهرت معه كثيراً في المناسبات العسكرية.

وخلال اختبارات الصواريخ، نقل عن كيم قوله إن الوضع الدولي الحالي يتطلب من بيونغ يانغ إعطاء الأولوية للقوة العسكرية.

زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يتفقد أجهزة الطرد المركزي بمنشأة لتخصيب اليورانيوم (أرشيفية - إ.ب.أ)

وبعد تجارب الصواريخ والأسلحة النووية، زادت هذه الصور من دعم الجمهور الكوري الجنوبي لسياسة «الكمون النووي»، أي تطوير القدرة التكنولوجية التي تسمح بالاقتراب من امتلاك الأسلحة النووية من دون إنتاجها فعلياً. ووفقاً لاستطلاعات الرأي، فإن أكثر من 70 في المائة من الكوريين الجنوبيين يدعمون توسيع القدرات النووية من دون الإنتاج الفعلي، على الأرجح لتجنب خلق مشاكل مع الولايات المتحدة.

ويقول الدكتور جون ميريل إن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تبدو عاجزة عن تطوير أي استراتيجية جديدة تجاه كوريا الشمالية. ويوجه الرئيس السابق دونالد ترمب إشارات ودية نحو كيم، قائلاً إنه يستطيع حل المشكلة النووية لكوريا الشمالية عبر بضع مكالمات هاتفية. ومع ذلك، من غير الواضح ما هي استراتيجية ترمب. وفي المقابل، تكرر نائبة الرئيس كامالا هاريس نقاط الحديث نفسها التي يتبناها البيت الأبيض تحت قيادة بايدن، وهي في حملتها الانتخابية قبل وقت قريب من الانتخابات الرئاسية.

وهناك إجماع مزداد بين المتخصصين في السياسات بواشنطن، حول ضرورة أن تعيد الإدارة الأميركية المقبلة التفكير في أهدافها الأساسية بشأن كوريا الشمالية.

ويقول كثير من الخبراء في واشنطن إن المطالبة بنزع السلاح النووي بوصفه شرطاً مسبقاً أميركياً، حالت دون إمكانية إبرام اتفاقيات للحد من التسلح أو التصعيد. ويمكن أن تكون هناك صفقات واتفاقيات مهمة على الطاولة تتعلق بالصواريخ ومنع الانتشار، ووقف أو تقليص برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، وغيرها من الأهداف.

زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يقف وسط قاعة مليئة بأجهزة الطرد المركزي في منشأة لتخصيب اليورانيوم (أرشيفية - إ.ب.أ)

ومع ذلك، فإن الاعتراف بوضع كوريا الشمالية النووي ليس إعادة تفكير في السياسات، بل هو إدراك متأخر للغاية بأن الأهداف والتصريحات الأميركية غير واقعية وتأتي بنتائج عكسية. ففي عام 2007، قال الرئيس الكوري الجنوبي السابق كيم داي جونغ، لمجموعة رفيعة المستوى من المسؤولين الاستخباراتيين والدبلوماسيين والأكاديميين في واشنطن، إن الولايات المتحدة «أهدرت 7 سنوات» منذ أن عكست إدارة بوش سياسة الولايات المتحدة، وتخلت عن الدبلوماسية واعتمدت فقط على الإكراه والعقوبات.

إن إعادة التفكير المطلوبة يجب أن تشكك في الافتراضات الأساسية، وأن تقيم بصدق الخيارات الواقعية المتاحة الآن. وكان يجب أن يكون هذا من ضمن المسؤوليات اليومية لأجهزة الاستخبارات. وإذا أتيحت لها القيادة والمرونة للقيام بوظائفها، فربما كانت ستخرج الآن بأفكار قابلة للتنفيذ يمكن للفريق الجديد أخذها في الحسبان.

ويقول ميريل إن أي إدارة جديدة تسعى للنجاح في شمال شرقي آسيا، يمكن أن تبدأ بالاستماع إلى المفاوض الذي لعب دوراً كبيراً في آخر اتفاق ناجح، وهو إطار العمل المتفق عليه لعام 1994.

وأشار المحلل الاستراتيجي روبرت جالوتشي، إلى أن «الخطوات المسبقة قد تكون إنهاء نظام العقوبات الذي فقد فاعليته، وإعادة النظر الجادة في تدريباتنا العسكرية لتجنب الاستفزازات غير الضرورية»، مع ملاحظة الحاجة إلى أن تجعل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تطبيع العلاقات مع كوريا الشمالية هدفاً طويل الأمد. ويرى ميريل أن هذه نصيحة سليمة من شخص لديه خبرة ذات صلة كبيرة الآن. وينبغي على الإدارة الأميركية الجديدة أن تأخذ هذه النصيحة في الحسبان، وأن تجري إعادة تقييم موثوقة لافتراضاتها ومصالحها وأهدافها تجاه شبه الجزيرة الكورية وشمال شرقي آسيا.


مقالات ذات صلة

تفجير أجهزة «حزب الله»... مقارنة بعمليات الموساد الشهيرة

المشرق العربي تشييع قتلى سقطوا بتفجير أجهزة البيجر التابعة لـ«حزب الله» في ضواحي بيروت (إ.ب.أ)

تفجير أجهزة «حزب الله»... مقارنة بعمليات الموساد الشهيرة

تكشف عمليتا التفجير لأجهزة اتصالات «حزب الله»، الثلاثاء والأربعاء، القدرات الكبيرة للاستخبارات الإسرائيلية. ولكن كيف يُقارن هذا النجاح بعمليات الموساد السابقة؟

كميل الطويل (لندن)
آسيا زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يزور يتفقد أجهزة الطرد المركزي بمنشأة لتخصيب اليورانيوم (إ.ب.أ)

منشأة تخصيب يورانيوم زارها كيم هي على الأرجح موقع «كانجسون» المُشيَّد حديثاً

قال محللون إن صور منشأة لتخصيب اليورانيوم في كوريا الشمالية ربما تظهر موقعاً غير معلن لصنع قنابل نووية خارج العاصمة مباشرة

«الشرق الأوسط» (سول)
شؤون إقليمية رافاييل غروسي مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية متحدثاً الاثنين للإعلام مع بدء أعمال مجلس المحافظين في فيينا (رويترز)

«ليّ ذراع» بين طهران والغرب بشأن الملف النووي

الأميركيون والأوروبيون يندّدون بمواصلة إيران تطوير برنامجها النووي، والسفيرة الأميركية لدى «الوكالة الدولية» تحث طهران على «خطوات لبناء الثقة الدولية».

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا شعار شركة «روساتوم» الروسية (رويترز)

رئيس «روساتوم»: خطر وقوع هجمات على محطة كورسك النووية كبير جداً

رئيس «روساتوم» يقول إن موسكو ترى أن خطر وقوع هجمات على محطة نووية في منطقة كورسك كبير جداً، وذلك بعد توغل قوات أوكرانية في الأراضي الروسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
آسيا جزء من محطة تايشان للطاقة النووية في تايشان بالصين في 17 أكتوبر 2013 (رويترز)

الصين توافق على بناء 11 مفاعلاً نووياً

أقرّت الصين بناء 11 مفاعلاً نووياً جديداً في 5 مواقع، وفق ما أفاد الإعلام الرسمي، في وقت تواصل فيه البلاد سعيها لزيادة الاعتماد على الطاقة النووية.

«الشرق الأوسط» (بكين)

اليابان: انتخابات تحدد مصير حكومة رئيس الوزراء إيشيبا بعد شهر في منصبه

سيدة تدلي بأصواتها في الانتخابات العامة بطوكيو (إ.ب.أ)
سيدة تدلي بأصواتها في الانتخابات العامة بطوكيو (إ.ب.أ)
TT

اليابان: انتخابات تحدد مصير حكومة رئيس الوزراء إيشيبا بعد شهر في منصبه

سيدة تدلي بأصواتها في الانتخابات العامة بطوكيو (إ.ب.أ)
سيدة تدلي بأصواتها في الانتخابات العامة بطوكيو (إ.ب.أ)

يقرر الناخبون اليابانيون مصير حكومة رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا اليوم (الأحد)، في انتخابات من المتوقع أن تعاقب ائتلافه بسبب فضيحة تمويل والتضخم، مما قد ينهي عقداً من هيمنة الحزب الديمقراطي الحر.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب الديمقراطي الحر، وشريكه القديم حزب كوميتو، سوف يتكبدان هزيمة ساحقة من جانب الناخبين، مع احتمال خسارة الائتلاف أغلبيته البرلمانية، في حين تكافح اليابان مع ارتفاع تكاليف المعيشة والعلاقات المتوترة بشكل مزداد مع جارتها الصين، وفق وكالة «رويترز» للأنباء.

جانب من عملية التصويت خلال الانتخابات العامة في مركز اقتراع أقيم بمدرسة محلية بطوكيو (إ.ب.أ)

ومن شأن خسارة الأغلبية في مجلس النواب أن تجبر إيشيبا، الذي تولى منصبه منذ شهر واحد فقط، على الدخول في مفاوضات لتقاسم السلطة مع أحزاب أصغر، وهو ما سيؤدي إلى حالة من الضبابية في بعض جوانب الساحة السياسة، على الرغم من عدم توقع أي استطلاع للرأي ابتعاد الحزب الديمقراطي الحر عن السلطة.

ووفقاً لاستطلاع أجرته صحيفة «أساهي» الأسبوع الماضي، فمن الممكن أن يفقد الحزب الديمقراطي الحر ما يصل إلى 50 من مقاعده البالغ عددها 247 مقعداً في مجلس النواب، وقد يتراجع حزب كوميتو إلى أقل من 30 مقعداً، مما يمنح الائتلاف أقل من الـ233 مقعداً اللازمة للأغلبية.

رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا يتحدث خلال حملة للانتخابات البرلمانية في طوكيو (أ.ب)

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب الديمقراطي الحر سيظل بسهولة أكبر قوة في البرلمان، لكنه قد يخسر كثيراً من الأصوات أمام الحزب الدستوري الديمقراطي الياباني المعارض، الذي أطاح بالحزب الديمقراطي الحر في عام 2009، حسبما ذكرت صحيفة «أساهي». وتقدر الصحيفة أن الحزب الدستوري الديمقراطي قد يفوز بما يصل إلى 140 مقعداً.

يدلي مواطنون بأصواتهم خلال الانتخابات العامة في مركز اقتراع أقيم بمدرسة محلية بطوكيو (أ.ف.ب)

وبحسب استطلاع للرأي أجرته هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية، فإن نحو 40 في المائة من الناخبين يقولون إن همهم الأول هو الاقتصاد وتكاليف المعيشة. كما أظهر الاستطلاع أن 28 في المائة يريدون خفض الضرائب، وأن 21 في المائة يأملون في استمرار زيادة الأجور.

وتعهدت أحزاب مختلفة برفع الأجور في خطوة قد تحصد أصواتاً، لكنها تهدد أيضاً الشركات الصغيرة التي تكافح لمواكبة ارتفاع التكاليف.