أرمينيا... الحلقة الأضعف على مسرح القوقاز المضطرب

تسعى لتنويع تحالفاتها بعد الهزيمة العسكرية التي تكبّدتها أمام أذربيجان

حاجز للشرطة في مواجهة متظاهرين أمام مقر الحكومة في يريفان في 26 مايو 2024 (أ.ب)
حاجز للشرطة في مواجهة متظاهرين أمام مقر الحكومة في يريفان في 26 مايو 2024 (أ.ب)
TT

أرمينيا... الحلقة الأضعف على مسرح القوقاز المضطرب

حاجز للشرطة في مواجهة متظاهرين أمام مقر الحكومة في يريفان في 26 مايو 2024 (أ.ب)
حاجز للشرطة في مواجهة متظاهرين أمام مقر الحكومة في يريفان في 26 مايو 2024 (أ.ب)

مَن يعتقد بأن الشرق الأوسط هو الرُّقعة الأكثر تعقيداً على المسرح الدولي، عليه أن يُلقي نظرةً على منطقة القوقاز وما تختزنه من الصراعات العرقية والجغرافية والدينية التي كانت لسنوات قليلة خلت نائمةً تحت عباءة الاتحاد السوفياتي، والتي تنذر التحولات الجيوسياسية الأخيرة بتفجيرها على امتداد آسيا الوسطى ومحيطها.

الحلقة الأضعف حالياً في هذه المنطقة التي تتضارب فيها مصالح القوى الإقليمية وتتشابك تحت العيون الساهرة للدول الكبرى هي أرمينيا، خصوصاً بعد أن سحبت عنها موسكو غطاء الحماية التاريخي، معاقبة لها على ارتمائها في أحضان الغرب، وتركتها لقمةً سائغةً في فم جارتها اللدود، أذربيجان، التي تتنافس القوى الإقليمية والدولية على خطب ودّها طمعاً في ثرواتها النفطية والمعدنية.

بعد الهزيمة العسكرية التي أنزلتها أذربيجان بجارتها، واستعادة سيطرتها كاملة على إقليم ناغورنو كاراباخ، وطردها ما يزيد على 100 ألف من سكانها الأرمن، كثّفت أرمينيا جهودها لتنويع تحالفاتها، والحد من اعتمادها الاقتصادي والعسكري على روسيا التي تبدو مستعدة للتضحية بها ضمن مساعيها لاجتذاب أذربيجان إلى محورها، وإبعادها عن المحور الغربي.

دائرة النفوذ الروسية

صورة لإطلاق سراح جنود أرمينيين بعد إبرام صفقة تبادل بين باكو ويريفان في 13 ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)

في مارس (آذار) الماضي، طلب مجلس الأمن الأرمني من موسكو سحب قواتها التابعة لجهاز الأمن الفيدرالي من مطار يريفان، الذي كانت تتمركز فيه منذ 3 عقود. وجاء هذا الطلب بعد سلسلة من التدابير التي اتخذتها الحكومة الأرمنية في الأشهر الأخيرة وأثارت غضب موسكو، مثل المصادقة على دستور روما الذي يعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي يُلزم أرمينيا بإلقاء القبض على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حال قام بزيارة الأراضي الأرمينية، أو تجميد مشاركتها في منظمة «معاهدة الأمن الجماعي»، التي تُعرف باسم «الناتو الروسي».

كل هذه الخطوات تندرج في سياق السعي إلى الخروج من دائرة النفوذ الروسية، لكنها تنطوي على قدر كبير من المجازفة لعدم وجود تحالفات بديلة يمكن لأرمينيا أن تعتمد عليها في القريب المنظور.

عندما وصل رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان إلى السلطة عام 2018 على أكتاف انتفاضة شعبية واسعة ضد النظام الفاسد الذي كان يحكم البلاد منذ عقود، حرص على عدم إغضاب موسكو، وطلب من أنصاره عدم رفع الرايات الأوروبية والأميركية في الساحات العامة، كما حصل في الانتفاضات الأخرى التي شهدتها جمهوريات سابقة في الاتحاد السوفياتي بعد نيلها الاستقلال.

وقام باشينيان بزيارات عديدة إلى موسكو، وكان يتحادث هاتفياً باستمرار مع بوتين. لكن بعد امتناع روسيا عن التدخل في المواجهة العسكرية الأخيرة مع أذربيجان، عدّت الحكومة الأرمنية أن شريكتها في منظمة «معاهدة الأمن الجماعي»، التي لا تنتمي إليها أذربيجان، قد تخلّت عنها، ولم تُحرّك ساكناً لمنع التطهير العرقي في ناغورنو كاراباخ.

التقارب مع الاتحاد الأوروبي

متظاهر ضد حكومة باشينيان يهتف من داخل حافلة للشرطة بعد اعتقاله في يريفان في 27 مايو 2024 (رويترز)

في موازاة ذلك، كثّفت أرمينيا اتصالاتها مع الاتحاد الأوروبي الذي وقّعت معه اتفاقات عدة للتعاون، وقبلت بنشر بعثة مراقبة أوروبية على الحدود مع أذربيجان اعترضت عليها موسكو وباكو، في حين يُردّد كبار المسؤولين الأرمن منذ أشهر أن الحكومة تدرس إمكانية تقديم طلب انضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وكان البرلمان الأوروبي الجديد، الذي بدأت ولايته مطلع هذا الصيف، قد وافق بأغلبية ساحقة على قرار يدعو الاتحاد إلى توطيد علاقاته مع أرمينيا، تمهيداً لبدء مفاوضات انضمامها إلى «النادي الأوروبي».

على الصّعيد العسكري، وقّعت أرمينيا أخيراً اتفاقاً لشراء أسلحة من فرنسا والهند، وأبرمت اتفاقاً للتعاون والتدريب العسكري مع اليونان، في حين تراجعت مشترياتها العسكرية من روسيا من 96 في المائة إلى 9 في المائة. ولم تتردّد موسكو في الإعراب عن استيائها من هذا التوجه، إذ صرّح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن بلاده ستعيد النظر في مستقبل علاقاتها مع أرمينيا إذا واصلت جنوحها نحو الغرب، مُحذّراً من أن ذلك «يتسبب بضرر لا يعوّض، ويشكّل خطراً على سيادة أرمينيا».

ويخشى مراقبون دبلوماسيون في العاصمة الأرمينية أن «غضب موسكو» يمكن أن يؤدّي إلى مقاطعة اقتصادية تُلحق ضرراً كبيراً بمصالح أرمينيا، أو حتى إلى إعطاء ضوء أخضر لهجوم أذربيجاني جديد، يُشكّل هاجساً دائماً في المجتمع الأرمني، خصوصاً بعد التقارب الأخير الذي شهدته العلاقات بين موسكو وباكو، وتكرّس في الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس فلاديمير بوتين إلى أذربيجان.

مغامرة استراتيجية

مظاهرة ضد رئيس الوزراء نيكول باشينيان في يريفان في 24 سبتمبر 2023 (أ.ب)

ويقول أوليغ إيغناتوف، أستاذ العلوم السياسية في جامعة يريفان، إن هذه السياسة التي تنتهجها الحكومة الأرمنية، ربما تحت وطأة فقدانها نهائياً السيطرة على إقليم ناغورنو كاراباخ واشتداد ضغط المعارضة، محفوفة بمخاطر كثيرة، لا سيما أن أرمينيا لم توقّع بعد اتفاقية سلام مع أذربيجان، وما زالت علاقاتها مضطربة مع تركيا والحدود معها مقفلة، وتريد الابتعاد عن روسيا قبل ضمان حليف بديل يمكن أن يُؤمّن لها الحماية.

ويستبعد إيغناتوف أن يقدّم الأوروبيون أي دعم عسكري لأرمينيا، خصوصاً في الظروف الراهنة مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وبعد أن أصبحت أذربيجان مصدراً رئيسياً للطاقة إلى الاتحاد الأوروبي. ويرى أن مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لا زالت مُجرّد سراب في الوقت الحاضر، وأن بروكسل ليس في وارد فتحها، حتى كخطوةٍ رمزيةٍ ودعم سياسي كما فعلت مع أوكرانيا وجورجيا ومولدوفيا.

ويضيف: «مهما بدا الأمر غريباً، الجهة الوحيدة التي يمكن أن تمُدّ يد المساعدة العسكرية لأرمينيا في حال تعرضت لعدوان من أذربيجان، هي إيران. لكن حتى ذلك يبدو مستبعَداً في الوقت الراهن؛ بسبب العلاقات الوثيقة التي أقامتها أرمينيا مع الغرب أخيراً». يُضاف إلى ذلك، أن جميع القوى الإقليمية الوازنة، من روسيا إلى تركيا وأذربيجان وإيران، تُعارض استدعاء قوى خارجية لتعزيز وجودها في المنطقة.

لكن اعتماد أرمينيا على روسيا لا يقتصر على الجانب العسكري، إذ بلغت المبادلات التجارية بين البلدين رقماً قياسياً العام الماضي. كما أن عشرات الآلاف من الروس الذين هربوا من التعبئة العسكرية الإلزامية التي فرضها بوتين لمواجهة احتياجات الحرب في أوكرانيا، استقروا في يريفان التي أصبحت أيضاً منصّة رئيسية للالتفاف على العقوبات الغربية عن طريق إعادة تصدير المواد الخاضعة للعقوبات من أرمينيا إلى روسيا. لذلك، من المستبعد أن تلجأ موسكو إلى الانتقام من أرمينيا، لأن ذلك سيضرّ مباشرة بمصالحها.



مقتل 17 جندياً باكستانياً أثناء إحباط مهاجمة مسلحين نقطة تفتيش بمقاطعة وزيرستان

ضابط شرطة باكستاني يحمل مدفعاً رشاشاً مشاة عيار 12.7 ملم يتخذ موقعه على سطح مركز شرطة سارباند في ضواحي بيشاور يوم 9 فبراير 2023 (إ.ب.أ)
ضابط شرطة باكستاني يحمل مدفعاً رشاشاً مشاة عيار 12.7 ملم يتخذ موقعه على سطح مركز شرطة سارباند في ضواحي بيشاور يوم 9 فبراير 2023 (إ.ب.أ)
TT

مقتل 17 جندياً باكستانياً أثناء إحباط مهاجمة مسلحين نقطة تفتيش بمقاطعة وزيرستان

ضابط شرطة باكستاني يحمل مدفعاً رشاشاً مشاة عيار 12.7 ملم يتخذ موقعه على سطح مركز شرطة سارباند في ضواحي بيشاور يوم 9 فبراير 2023 (إ.ب.أ)
ضابط شرطة باكستاني يحمل مدفعاً رشاشاً مشاة عيار 12.7 ملم يتخذ موقعه على سطح مركز شرطة سارباند في ضواحي بيشاور يوم 9 فبراير 2023 (إ.ب.أ)

قُتل 17 من أفراد قوات الأمن الباكستانية، أثناء إحباط مهاجمة مجموعة من المسلحين نقطة تفتيش، في منطقة ماكين، بمقاطعة وزيرستان الجنوبية.

تظهر هذه الصورة الملتقطة في 20 نوفمبر 2024 حراس أمن خاصين للسياسي علي واريتش وهم يقفون مسلحين خارج مقر إقامته في جوجرات بإقليم البنجاب في أكبر مدينة باكستانية (أ.ف.ب)

وجاء في بيان صحافي صادر عن هيئة العلاقات العامة المشتركة لأفرع القوات المسلحة، الجناح الإعلامي للجيش الباكستاني: «تم إحباط المحاولة بفعالية من قبل قواتنا. وفي تبادل إطلاق النار الذي أعقب ذلك، قُتل 8 مسلحين؛ غير أنه خلال تبادل إطلاق النار الكثيف، قُتل 17 من أبناء الوطن الشجعان، بعد أن قاتلوا بشجاعة»، حسب صحيفة «ذا نيشن» الباكستانية، الأحد.

تُظهر هذه الصورة الملتقطة في 20 نوفمبر 2024 أفراد الأمن الخاصين بالسياسي علي واريتش وهم يقفون مسلحين بجوار شاحنة «بيك أب تويوتا هيلوكس» المعروفة محلياً باسم «دالا» في جوجرات بإقليم البنجاب (أ.ف.ب)

وأضاف البيان: «تُجرى حالياً عملية تطهير في المنطقة، وسيتم تقديم مُنفِّذي العمل البشع للعدالة».

وتابع البيان بأن «قوات الأمن الباكستانية مصممة على القضاء على خطر الإرهاب»، وأن «مثل هذه التضحيات من جانب رجالنا الشجعان تعزز عزمنا».

وفي بيشاور (باكستان) أعلنت حركة «طالبان الباكستانية» يوم السبت، مسؤوليتها عن هجوم مميت على نقطة تفتيش عسكرية في شمال غربي البلاد. وقالت الجماعة المسلحة إنها قتلت 35 جندياً، وأصابت 15 آخرين في غارة نُفذت في الصباح الباكر. كما زعمت أنها صادرت معدات بما في ذلك جهاز للرؤية الليلية وأسلحة.

وهذا هو أحدث هجوم لحركة «طالبان الباكستانية» على القوات في مقاطعة خيبر بختونخوا المضطربة التي تقع على الحدود مع أفغانستان. وقد أعلنوا هذه الادعاءات في إحدى مجموعات الدردشة الخاصة بهم على «واتساب».

ولم يعلق الجيش الباكستاني رسمياً على الحادث في جنوب وزيرستان؛ لكن مسؤولاً أمنياً قال إن المسلحين استخدموا أسلحة خفيفة وثقيلة. وقال إنهم قتلوا 16 جندياً وأصابوا 8 آخرين. وتحدث المسؤول من دون الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام.

وصعَّدت حركة «طالبان الباكستانية» هجماتها على الجيش والشرطة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، عندما أنهوا من جانب واحد وقف إطلاق النار مع الحكومة، بعد فشل محادثات استمرت شهوراً، استضافها حكام «طالبان» الأفغان في كابُل.

كما أعلن الجيش الباكستاني، السبت، أن محكمة عسكرية أصدرت أحكاماً بالسجن على 25 شخصاً، زعم أنهم تورطوا في أعمال شغب العام الماضي، بعد اعتقال رئيس الوزراء السابق عمران خان. وهاجم آلاف من المتظاهرين مقر الجيش في مدينة روالبندي، وهاجموا قاعدة جوية في ميانوالي، في مقاطعة البنجاب الشرقية، وأحرقوا مبنى يضم إذاعة باكستان الحكومية في الشمال الغربي، في تقرير لـ«أسوشييتد برس» الأحد.

وتراوحت أحكام السجن بين سنتين و10 سنوات، والتي حذر الجيش من أنها بمثابة «تذكير صارخ» للناس بعدم تنفيذ القانون بأيديهم.