مع انتهاء ستة أسابيع من التصويت في الانتخابات التشريعية، تترقب الهند، الثلاثاء، تركيبة البرلمان الجديد، وسط توقعات بفوز حزب «بهاراتيا جاناتا» بغالبية مريحة، وزعيمه ناريندرا مودي بولاية ثالثة رئيساً للوزراء. في المقابل، تأمل المعارضة بقيادة راهول غاندي، زعيم حزب «المؤتمر»، في تحقيق اختراقات في مناطق نفوذها، رغم تراجع حادّ في شعبية زعيمها، ابن الجيل الخامس من عائلة نهرو - غاندي التي حكمت البلاد لعقود.
فلماذا فقد حزب غاندي بريقه؟ وهل تنجح محاولاته في استقطاب أصوات الطبقات العاملة؟
حكم عائلة نهرو - غاندي
حكمت عائلة نهرو - غاندي الهند طوال 39 عاماً في أعقاب نيل البلاد استقلالها. جدير بالذكر أن جواهر لال نهرو حكم الهند المستقلة على امتداد 17 عاماً، بوصفه أول رئيس وزراء للهند. وجرى انتخاب إنديرا، ابنة نهرو، التي حملت لقب غاندي عبر زواجها من فيروز غاندي، رئيسة للوزراء من عام 1966 إلى عام 1977، ومرة أخرى عام 1980. ووصلت سنواتها في السلطة إلى ذروتها المأساوية، عندما قُتلت بالرصاص في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 1984 بالقرب من منزلها في نيودلهي، على أيدي حراسها الشخصيين من السيخ.
وتولى راجيف، نجل إنديرا غاندي، مهامها بعد وفاتها، قبل أن يتم اغتياله عام 1991. وناضل حزب «المؤتمر» لإيجاد خليفة له.
وفي نهاية المطاف، تولى بي في ناراسيمها راو قيادة الحزب والهند بين عامي 1991 و1996. وبعد خسارة حزب «المؤتمر» في الانتخابات الوطنية عام 1996، تولت سونيا غاندي - أرملة راجيف غاندي، قيادة الحزب.
وبين عامي 2004 و2014، دعمت سونيا غاندي الخبير الاقتصادي الذي تحول للعمل السياسي، مان موهان سينغ، في منصب رئيس الوزراء. وخلال هذه الفترة، حرصت سونيا على إعداد ابنها راهول غاندي، ليخلفها في رئاسة الحزب، ويتولى منصب رئيس الوزراء مستقبلاً.
من هو راهول غاندي؟
ولد راهول غاندي في 19 يونيو (حزيران) 1970، وهو نجل راجيف غاندي، رئيس الوزراء السادس للبلاد، وأمه الإيطالية سونيا غاندي.
ويعدّ راهول الوريث الواضح لعائلة نهرو - غاندي السياسية. وكان جده الأكبر جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء للهند، بينما كانت جدته، أنديرا غاندي، أول رئيسة وزراء للبلاد. كما كان والده أصغر رئيس وزراء في الهند.
وفي سن الرابعة والثلاثين، انضم راهول إلى عالم السياسة، وخاض أول انتخابات برلمانية له على مقعد منطقة أميثي، في ولاية أوتار براديش، التي كانت معقل عائلة غاندي لعقود.
وفي عام 2014، تكبّد حزب «المؤتمر» هزيمة في الانتخابات الوطنية، مع اقتناص حزب «بهاراتيا جاناتا» الأغلبية المطلقة داخل مجلس النواب بالبرلمان. ومباشرة بعد الخسارة، اختفى راهول غاندي عن الأنظار، واختار عدم المشاركة في العديد من المناسبات المهمة لحزب «المؤتمر»، بما في ذلك وداع رئيس الوزراء المنتهية ولايته مان موهان سينغ.
وفي عام 2017، جرى تعيين راهول غاندي رسمياً رئيساً للحزب، قبل عامين من الانتخابات الوطنية. وعندما خسر الحزب مرة أخرى عام 2019، تقدم باستقالته. ومن المفارقات أنه فقد كذلك المقعد التقليدي لعائلته في دائرة أميثي.
وفي عام 2019، تولت والدته مرة أخرى منصب الرئيس المؤقت للحزب. ورغم أنه لم يكن في أي منصب حزبي، بين عامي 2019 و2024، سيطر راهول غاندي على مقاليد الحزب، واتخذ قرارات حاسمة دون أن يتحمل المسؤولية الفعلية عنها.
لماذا فقد «المؤتمر» بريقه؟
فقد حزب «المؤتمر»، الذي ظل قوة سياسية بارزة طيلة 76 عاماً بعد الاستقلال، شعبيته في أوساط الناخبين الهنود بسبب أدائه الرديء عبر السنوات العشر الماضية في الانتخابات الوطنية؛ إذ لم يفز سوى بـ44 مقعداً في عام 2014 و52 مقعداً عام 2019، كما خسر في العديد من انتخابات الولايات. ولمواجهة حزب «بهاراتيا جاناتا» في الانتخابات الحالية، شكّل حزب «المؤتمر» بقيادة غاندي تحالفاً انتخابياً مع نحو عشرين حزباً إقليمياً، العام الماضي، لتقديم جبهة موحدة قادرة على إزاحة الحزب القومي الهندوسي، الحاكم بقيادة مودي.
وسعى التحالف إلى طرح مرشح مشترك في مواجهة حزب «بهاراتيا جاناتا»؛ تجنباً لتشتت الأصوات في الدوائر الانتخابية البرلمانية التي غالباً ما يتنافس عليها عدة مرشحين. إلا أن محللين سياسيين توقعوا بالفعل حدوث انشقاقات في التحالف، وفقدان حزب «المؤتمر» بقيادة غاندي مكانته الرفيعة بعد أن تعرض لهزيمة ساحقة في خمس ولايات، خسر أربعاً منها لصالح حزب «بهاراتيا جاناتا» وتحالفه. ويقول محللون إن المعارضة تواجه مهمة شاقة في مواجهة مودي الذي لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة.
دعوات التغيير
إلى جانب ذلك، ثارت شكوك حول قيادة غاندي للحزب، وتصاعدت مطالب داخلية بالتغيير. ويطالب البعض في الحزب بتسليم دفة القيادة داخل الحزب إلى أخت راهول؛ بريانكا فادرا، التي يرون أنها تتمتع بموهبة سياسية أفضل بكثير، على غرار والدتها سونيا وجدّتها أنديرا غاندي.
ويقول معسكر آخر إن الحزب يجب أن يتوقف عن اختيار قياداته من عائلة نهرو - غاندي، وأن يجري تخفيف سيطرة العائلة داخل الحزب إذا رغب الأخير في البقاء. ويرى مصدر من داخل حزب «المؤتمر»، طلب عدم الكشف عن هويته، إن سونيا غاندي مصرة على إبقاء ابنها راهول على رأس الحزب، بدلاً عن ابنتها. ويعتقد كذلك أن العديد من الزعماء الإقليميين لم يكونوا ليقبلوا أي زعيم آخر للحزب لا يحمل لقب غاندي. إلا أنه قال إنه ينبغي اختبار هذا الافتراض الآن. وتابع: «إن نتيجة الانتخابات في الرابع من يونيو ستحدد المستقبل السياسي لراهول غاندي».
«مسيرة العدالة»
في محاولة لإحياء صورته السياسية، بدأ راهول ما أطلق عليه «مسيرة العدالة الهندية الموحدة»، التي قطعت مسافة 6.600 كيلومتر عبر 15 ولاية، ما وفر لحزبه دفعة قبل الانتخابات العامة. وفي العشرات من الحملات الترويجية، قال إن السياسات الحكومية أفادت كبار رجال الأعمال، وليس الجماهير المهمشة، ووعد بأن يعالج حزبه قضايا مثل البطالة، خاصة بين الشباب المتعلم.
وقال المحلّل السياسي سانديب شاستري: «المؤكد أن راهول غاندي يثير القضايا الصحيحة»، مشيراً إلى أن البيانات الأخيرة تظهر أن البطالة والتضخم يشكلان مصدر قلق رئيسياً في البلاد. واستطرد قائلاً: «لكن، هل سيجري تحويل القضايا الصحيحة التي يجري طرحها إلى أصوات؟ هذه علامة استفهام كبيرة؛ لأنها تتعلق بتصور الناخبين حول من القادر على حل المشكلة».
شعبية مودي
يرى محللون أن مودي يتمتع بشعبية قوية، ذلك أنه يجذب الفقراء والأثرياء على حد سواء، خاصة بين نسبة كبيرة من الهندوس الذين يشكلون نحو 80 في المائة من سكان الهند. وخلال السنوات العشر التي قضاها في السلطة، أطلق مودي مجموعة من سياسات الرعاية الاجتماعية، بما في ذلك توفير مساعدات غذائية مجانية، والإسكان، وأسطوانات الغاز الرخيصة، ومشروعات البنية التحتية.
وتعد الهند كذلك أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً في العالم. وقد أكد مودي سعيه لأن يجعل الهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم في أثناء ولايته الثالثة. ويعتقد الهنود أن مودي جلب لهم قوة لا يستهان بها على المسرح العالمي.
ويبدو أن جماعات المعارضة فشلت في مواجهة مودي، بسبب أنها غارقة في سياساتها القديمة المتعلقة بالطبقية والانقسامات الطائفية، واستحقاقات الأسر السياسية البارزة، والافتقار العام إلى رؤية متماسكة. ويستمر حزب «المؤتمر» في التفكك، مع انضمام الكثير من أنصاره إلى حزب «بهاراتيا جاناتا»، أو تشكيلهم أحزاباً إقليمية خاصة بهم.
وقد تنبأ بالوضع الحالي لحزب «المؤتمر» أحد المفكرين الاستراتيجيين السابقين بصفوفه، جيرام راميش، الذي قال في وقت مبكر من عام 2017 إن الحزب يواجه «أزمة عميقة»، و«أزمة وجودية».