إسلام آباد: جذور الإرهاب والتطرف في بلوشستان

هل سيفاقم مشروع التنمية الصيني التهديدات الأمنية لباكستان؟

صورة لمجموعة المتمردين البلوش قبل استسلامهم (وسائل إعلام باكستانية)
صورة لمجموعة المتمردين البلوش قبل استسلامهم (وسائل إعلام باكستانية)
TT

إسلام آباد: جذور الإرهاب والتطرف في بلوشستان

صورة لمجموعة المتمردين البلوش قبل استسلامهم (وسائل إعلام باكستانية)
صورة لمجموعة المتمردين البلوش قبل استسلامهم (وسائل إعلام باكستانية)

يشهد إقليم بلوشستان المضطرب في باكستان وقوع هجمات عنيفة متزايدة، ضد قوات الأمن الباكستانية والمصالح والأصول الصينية، على مدى السنوات القليلة الماضية، مع تسارع وتيرة المشاريع التنموية التي تقودها الصين في الإقليم.

الانفصاليون البلوش في معسكرهم التدريبي بالشريط الحدودي (وسائل إعلام باكستانية)

البلوش أقلية على أرضهم

وخلقت عمليات تطوير ميناء غوادر التي تنفذها الصين - والذي تتولى شركات صينية تطويره وإدارته - شعوراً بعدم الأمان بين السكان البلوش داخل إقليم بلوشستان؛ إذ يعتقد الانفصاليون البلوش أن تطوير غوادر إلى ميناء بمواصفات عالمية سيجلب هجرات من جميع أنحاء البلاد إلى مدينة غوادر، ليصبح البلوش بذلك أقلية على أرضهم في غضون السنوات العشر المقبلة.

جدير بالذكر أن عدد سكان غوادر حالياً يتجاوز مائة ألف نسمة بقليل، ويسعى مشروع الحكومة إلى أن يتجاوز عدد السكان 5 ملايين نسمة خلال السنوات العشر المقبلة، غالبيتهم من سكان مناطق أخرى سيستقرون هناك.

العنف الذي يقوده الانفصاليون آخذ في الارتفاع

وشهدت بلوشستان أعمال عنف واسعة النطاق منذ بدء العملية العسكرية غير المعلنة ضد المتمردين البلوش في المقاطعة. في البداية، أجبرت حركة «طالبان» الأفغانية المتمردين البلوش على إغلاق معسكراتهم في أفغانستان بعد سيطرة «طالبان» على كابل في أغسطس (آب) 2021.

الانفصاليون البلوش في مخبئهم بالشريط الحدودي (وسائل إعلام باكستانية)

ومع ذلك، أعاد المتمردون البلوش فتح معسكرات تدريبية على الأراضي الأفغانية بالقرب من الحدود الباكستانية ـ الأفغانية، حيث يشنون هجمات ضد القوات الأمنية الباكستانية.

تمرد بأسلحة أميركية

اليوم، يستخدم المتمردون البلوش أسلحة أميركية في هجماتهم، ما يشير إلى وجود نوع من التعاون بين «طالبان» والمتمردين البلوش ضد قوات الأمن الباكستانية.

وكشفت صحيفة «بلوشستان بوست» في السابع من يوليو (تموز) 2023 أنه في النصف الأول من عام 2023، شن الجيش 149 غارة ونفذ 113 عملية حصار و99 عملية عسكرية في 42 منطقة مختلفة داخل بلوشستان، بما في ذلك كيج (40) وبولان (36) وپنجغور (33) وخاران (30) وقلات (20) وكويتا (17) ونوشكي ومستنك (11 في كل منهما).

ورداً على العمليات الأخيرة وما قبلها، استهدفت جماعات التمرد البلوشية أفراد الجيش، وكذلك غير المحليين، الذين يعتقدون أنهم متعاونون مع الجيش.

ويبذل الانفصاليون البلوش قصارى جهدهم لإضفاء طابع الصراع العرقي على الاضطرابات الجارية في بلوشستان. ووفقاً للبيانات التي نشرها موقع بوابة «جنوب آسيا لمكافحة الإرهاب» - منظمة خاصة مستقلة - قُتل ما مجموعه 254 من غير المحليين في بلوشستان منذ 26 أغسطس 2006 (البيانات حتى 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2023). ومن بين هؤلاء، كان 198 من أبناء البنجاب. كما سقط ضحايا آخرون من غير البلوش في إطار الأضرار الجانبية غير المقصودة، بما في ذلك 37 من أبناء السند. وحاولت الحكومات الباكستانية المتعاقبة كبح جماح انفصاليي البلوش من خلال حملة قمع شديدة تحت ستار الأمن الوطني، ما أدى إلى تفاقم سخط البلوش.

نقل جثث ضحايا الهجوم على حافلة في نوشكي إلى مستشفى في كويتا عاصمة مقاطعة بلوشستان (باكستان) حيث قُتل ما لا يقل عن 11 شخصاً من بينهم تسعة ركاب برصاص مهاجمين مجهولين (إ.ب.أ)

الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان

وردت السلطات الباكستانية على الاضطرابات الاجتماعية المرتبطة بالممر الاقتصادي بين الصين وباكستان بالمزيد من العداء وانتهاكات حقوق الإنسان.

من جهتهم، رحب الباكستانيون باستثمارات الصين في ميناء غوادر وغيره من مشروعات التنمية في بلوشستان، على أمل أن تجلب الازدهار الاقتصادي، إلا أنه على النقيض من ذلك، تسبب مشروع التنمية الصيني في تفاقم مشكلة الانفصاليين البلوش في إقليم بلوشستان؛ إذ تصاعد التمرد في المقاطعة على مر السنين بدرجة كبيرة؛ نظراً لأن القوميين البلوش ينظرون إلى المشروع بريبة؛ إذ يخشون من أن يؤدي ارتفاع أعداد الوافدين إلى تغيير التركيبة السكانية، ما يجعلهم أقلية داخل مقاطعتهم.

وتنظر جماعات التمرد البلوشية إلى مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان باعتباره استعمارياً، وتسعى لطرد المستثمرين الصينيين. وتزيد الجماعات الإرهابية من هجماتها ضد العمال الصينيين المشاركين بمشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، للضغط عليهم لمغادرة بلوشستان. وبالتالي، أدى الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان إلى تفاقم المظالم العرقية، وأجّج التوترات بين الحكومة الفيدرالية والحكومة الإقليمية.

وتتعرض الحكومة الباكستانية بشكل متزايد للضغط بسبب الهجمات المباشرة على المصالح والأصول الصينية في المقاطعة. في 20 مارس (آذار) 2024، أعلن انفصاليو بلوشستان عن هجوم على منشأة ميناء غوادر، حيث فتح مسلحون النار على مجمع سلطة الميناء. وأعلنت الحكومة إحباط الهجوم وقتل «جميع المسلحين الثمانية» الذين شاركوا فيه.

أحد الناجين يمسح آثار دموعه في مستشفى في كويتا في 13 أبريل 2024 بعد مقتل عمال مهاجرين على يد مسلحين بالقرب من مدينة ناوشكي في مقاطعة بلوشستان (أ.ف.ب)

من جهته، أعلن جيش تحرير بلوشستان الانفصالي مسؤوليته عن الهجوم في بيان، قائلاً إنه استهدف مكاتب الاستخبارات العسكرية الموجودة في مجمع الميناء. ويحظى ميناء غوادر بأهمية كبيرة، وتنظر الصين إليه باعتباره منفذاً مستقبلياً لتجارتها مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الواردة من مقاطعات الصين الجنوبية الغربية الحبيسة.


مقالات ذات صلة

«طالبان» حليف غير متوقَّع في مكافحة الإرهاب

تحليل إخباري يقف أعضاء «طالبان» التابعون لوزارة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في نقطة تفتيش على طول طريق على مشارف ولاية هرات... 4 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

«طالبان» حليف غير متوقَّع في مكافحة الإرهاب

بعد 3 سنوات على خروج الائتلاف الغربي من أفغانستان وسط فوضى عارمة مع سيطرة «طالبان» على كابل، باتت الحركة محاوراً غير متوقَّع في مكافحة الإرهاب.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
أوروبا عناصر من الشرطة الألمانية المختصة بمكافحة الإرهاب (غيتي)

تحريك دعوى قضائية في ألمانيا ضد 3 مراهقين للاشتباه بإعدادهم لهجوم إرهابي إسلاموي

حرك الادعاء العام الألماني دعوى قضائية ضد 3 مراهقين من ولاية شمال الراين-ويستفاليا بتهمة الإعداد لهجوم إرهابي إسلاموي.

«الشرق الأوسط» (دوسلدورف )
شمال افريقيا الرئيس التونسي قيس سعيّد في اجتماع قبل أيام حول ملف الهجرة غير النظامية مع وزير الداخلية خالد النوري وكاتب الدولة للأمن سفيان بالصادق (من موقع الرئاسة التونسية)

تونس: إيقافات ومحاكمات لتونسيين وأفارقة متهمين بتهريب البشر

كشفت مصادر أمنية وقضائية رسمية تونسية أن الأيام الماضية شهدت حوادث عديدة في ملف «تهريب البشر» من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء نحو تونس.

كمال بن يونس (تونس)
شؤون إقليمية مجلس الأمن القومي التركي برئاسة إردوغان أكد استمرار العمليات العسكرية ودعم الحل في سوريا (الرئاسة التركية)

تركيا ستواصل عملياتها ضد «الإرهاب» ودعم الحل السياسي في سوريا

أكدت تركيا أنها ستواصل عملياتها الهادفة إلى القضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا إلى جانب تكثيف جهود الحل السياسي بما يتوافق مع تطلعات ومصالح الشعب السوري.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا قوات باكستانية خلال دورية في بيشاور (وسائل إعلام باكستانية)

فشل جهود الحكومة الباكستانية في منع تصاعد العنف بالبلاد

استمر العنف في الارتفاع بمقاطعتين مضطربتين في باكستان مع مواصلة الجيش المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب في شمال غربي وجنوب غربي البلاد

عمر فاروق (إسلام آباد )

فشل جهود الحكومة الباكستانية في منع تصاعد العنف بالبلاد

قوات باكستانية خلال دورية في بيشاور (وسائل إعلام باكستانية)
قوات باكستانية خلال دورية في بيشاور (وسائل إعلام باكستانية)
TT

فشل جهود الحكومة الباكستانية في منع تصاعد العنف بالبلاد

قوات باكستانية خلال دورية في بيشاور (وسائل إعلام باكستانية)
قوات باكستانية خلال دورية في بيشاور (وسائل إعلام باكستانية)

استمر العنف في الارتفاع في مقاطعتين مضطربتين في باكستان مع مواصلة الجيش المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب في شمال غربي وجنوب غربي البلاد. غير أن الغارات والعمليات العسكرية فشلت على ما يبدو في منع الجماعات الإرهابية من تنفيذ هجمات مميتة على قوات الأمن.

يُذكر أن قوات الأمن الباكستانية تقوم بعمليات مكافحة تمرد منخفضة الكثافة في جنوب غربي وشمال غربي البلاد. بيد أن العنف آخذ في الارتفاع في هذه المناطق، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة بحثية مقرها إسلام آباد.

القوات الباكستانية بعد اعتقالها لمسلحين في جنوب البلاد (الجيش الباكستاني)

وقد تجاوز الآن مجموع عدد الوفيات الناجمة عن أعمال العنف الإرهابية في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2024 الأرقام المسجلة في عام 2023 بأكمله. فقد قُتل ما لا يقل عن 1534 شخصاً خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، بالمقارنة مع 1523 حالة وفاة مسجلة طوال السنة الماضية. ويبدو أن الحكومة الباكستانية عاجزة عن منع تصاعد أعمال العنف في البلاد في مواجهة استمرار وتيرة المصادمات بين قوات الأمن والجماعات الإرهابية الباكستانية قرب الشريط القبلي. وبحسب تقرير صادر عن مركز البحوث والدراسات الأمنية، فقد سجلت الفترة من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول) زيادة مذهلة في عدد الوفيات بنسبة بلغت 90 بالمائة مقارنة بالربع السابق. وقد وقعت جميع الوفيات تقريباً المسجلة خلال هذه الفترة - نحو 97 بالمائة - في خيبر بختونخوا وبلوشستان، وهو ما يمثل أعلى عدد من الضحايا في المنطقة خلال عقد من الزمن. وفي شهر سبتمبر، نفذت قوات الأمن الباكستانية عدة عمليات قائمة على الاستخبارات في مناطق الحدود الباكستانية - الأفغانية جرى خلالها تبادل كثيف لإطلاق النار بين قواتها والمسلحين، مما أسفر عن مقتل أكثر من ثلاثين مسلحاً.

مركبات محترقة بعد هجوم شنه الانفصاليون البلوش بمنطقة مساخيل في بلوشستان (وسائل إعلام باكستانية)

وتكمن المشكلة في أنه كلما زاد عدد المسلحين الذين يُقتلون على أيدي قوات الأمن الباكستانية، زاد عدد المسلحين الذين يشقون طريقهم عائدين إلى الأراضي الباكستانية من المدن والبلدات الحدودية في أفغانستان. وفي بعض الأحيان ينجح الجيش الباكستاني في منع هؤلاء الإرهابيين من دخول باكستان. ولكن في أغلب الأحيان، وبسبب طبيعة الحدود التي يسهل اختراقها، ينجح المسلحون في دخول الأراضي الباكستانية من دون أي مانع أو عائق.

فرقة من القوات الخاصة العسكرية الباكستانية خلال عرض اليوم الوطني (الجيش الباكستاني)

وكما يقول مسؤول عسكري باكستاني في 19 سبتمبر، اكتشفت قوات الأمن في منطقة سبينووام العامة، في إقليم وزيرستان الشمالي، حركة لمجموعة من سبعة إرهابيين، كانوا يحاولون التسلل عبر الحدود الباكستانية - الأفغانية.

وشهدت باكستان أكثر الفترات عنفاً في العام حتى الآن، حيث شهد الربع الثالث من عام 2024 زيادة حادة في الإرهاب؛ إذ قُتل نحو 722 شخصاً، من بينهم مدنيون وأفراد أمن ومسلحون، في حين أصيب 615 آخرون في 328 حادثة مسجلة.

وتشير تقارير المراكز البحثية الباكستانية إلى أن عدد الفصائل المتحالفة مع حركة «طالبان» الباكستانية المحظورة قد ارتفع إلى 60 فصيلاً، وكان فصيل «نعيم بخاري» من جماعة «عسكر جنجوي» أحدث إضافة إرهابية.

«جيش تحرير بلوشستان»

ورغم أن العديد من الهجمات الإرهابية خلال هذه الفترة لم تتبنَّ أي جهة مسؤوليتها، فقد أعلنت عدة جماعات، بما في ذلك «جيش تحرير بلوشستان»، و«جيش بلوشستان المتحد»، وحركة «طالبان» الباكستانية، وجماعة «غول باهادور»، مسؤوليتها عن حوادث محددة بارزة.

إضافة إلى ذلك، يشتبه في أن جماعة «جيش العدل» المسلحة، التي تتخذ من إيران مقراً لها، متورطة في هجمات معينة في بلوشستان، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني. وأفاد التقرير بأنه «في حين شهدت منطقة خيبر بختونخوا زيادة كبيرة في العنف؛ إذ سجلت 77 بالمائة و159 بالمائة زيادة في الهجمات على التوالي، شهدت مقاطعات أخرى مثل البنجاب والسند انخفاضاً نسبياً في النشاط الإرهابي».

قوات عسكرية باكستانية خلال مسيرة في جبال وزيرستان الشمالية المغطاة بالثلوج (وسائل إعلام باكستانية)

وأضاف: «الزيادة في قوة شرطة خيبر بختونخوا وبلوشستان تشير إلى وجود جهد مركز من جانب الجماعات المسلحة لزعزعة استقرار هذه المناطق. وقد تحمل المدنيون وطأة هذا العنف؛ إذ يمثلون 66 بالمائة من الوفيات، يليهم أفراد الأمن والمسؤولون الحكوميون».

وشكلت الهجمات التي استهدفت المدنيين وأفراد الأمن وممثلي الحكومة نسبة 82 بالمائة من جميع الحوادث، مما يعكس اتجاهاً مقلقاً يتمثل في تحويل المتمردين تركيزهم بعيداً عن المواجهات المباشرة مع قوات الأمن إلى استهداف أكثر المجموعات ضعفاً.