ضغوط على إسلام آباد لإضعاف «طالبان الباكستانية»

الحركة لا تسيطر على أي قطعة من الأرض... ومخاوف من تمدد «داعش خراسان»

جندي باكستاني على الحدود الباكستانية الأفغانية في تشامان بباكستان يوم 5 أبريل 2024 (إ.ب.أ)
جندي باكستاني على الحدود الباكستانية الأفغانية في تشامان بباكستان يوم 5 أبريل 2024 (إ.ب.أ)
TT

ضغوط على إسلام آباد لإضعاف «طالبان الباكستانية»

جندي باكستاني على الحدود الباكستانية الأفغانية في تشامان بباكستان يوم 5 أبريل 2024 (إ.ب.أ)
جندي باكستاني على الحدود الباكستانية الأفغانية في تشامان بباكستان يوم 5 أبريل 2024 (إ.ب.أ)

في مواجهة تصاعد وتيرة العنف في جميع أنحاء البلاد، تتعرض الحكومة الباكستانية لضغوط كبيرة لاتخاذ إجراءات حاسمة لإضعاف قوة «حركة طالبان الباكستانية» في المناطق الشمالية الغربية من البلاد على الفور.

وثمة أصوات شعبية كبيرة، خصوصاً في وسائل الإعلام، تطالب الحكومة بشن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد «حركة طالبان الباكستانية» قبل فوات الأوان.

ويخوض الجيش الباكستاني عمليات محدودة لمكافحة التمرد في الأجزاء الشمالية الغربية من البلاد بهدف القضاء على خلايا صغيرة من «طالبان الباكستانية» تعمل في مناطق مختلفة على طول الحدود الباكستانية الأفغانية.

وخلال الأشهر الستة الماضية، نفذ الجيش مئات المداهمات المحدودة على مخابئ «طالبان الباكستانية» في المناطق الحدودية الباكستانية الأفغانية. كشف مسؤول حكومي رفيع لصحيفة «الشرق الأوسط» أن الحكومة لم تبدأ حتى الآن في التفكير في تنفيذ عملية واسعة النطاق ضد «طالبان الباكستانية». وقد ناقش «المجلس الأمني القومي»، وهو أعلى مؤسسة أمنية، الوضع الأمني في المناطق الحدودية الباكستانية الأفغانية في مناسبات عدة، لكن القيادة العسكرية والسياسية الباكستانية لم تناقشا حتى الآن شن عملية واسعة النطاق ضد «طالبان الباكستانية».

جنود باكستانيون يقفون على الحدود الباكستانية الأفغانية في تشامان بباكستان يوم 5 أبريل 2024 (إ.ب.أ)

ومع ذلك، فقد أثار تصاعد وتيرة العنف في باكستان والذي يشمل التفجيرات الانتحارية ضد الجيش الباكستاني والرعايا الأجانب، ضجة في المجتمع الباكستاني، حيث يطالب عدد كبير من الشرائح بعملية عسكرية مباشرة ضد «طالبان الباكستانية».

جنديان باكستانيان في مربض هاون على الحدود الباكستانية الأفغانية في تشامان بباكستان يوم 5 أبريل 2024 (إ.ب.أ)

ومع ذلك، يرى خبراء عسكريون باكستانيون أنه من غير الممكن شن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد «طالبان الباكستانية» في ظل الوضع الأمني الراهن الذي تعيشه باكستان.

أولاً، على عكس العمليات العسكرية السابقة بين عامي 2014 و2018، عندما كانت «طالبان الباكستانية» تسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي في المناطق الحدودية الباكستانية الأفغانية، فإن عناصر القتال التابعة لـ«طالبان الباكستانية» هذه المرة تبدو متفرقة في جميع المناطق الحدودية، ولا تتركز في جزء معين من المناطق الحدودية الباكستانية.

جنود باكستانيون قرب الشريط الحدودي «متداولة»

 

«طالبان الباكستانية» غيرت استراتيجيتها

 

وقال مسؤول عسكري كبير إنه منذ عام 2021 غيّرت «طالبان الباكستانية» استراتيجيتها من السيطرة على الأراضي إلى شن حرب عصابات وهجمات إرهابية لا تتطلب تركيز المقاتلين في جزء معين من الأراضي.

وقال مسؤول عسكري كبير: «(طالبان الباكستانية) الآن منتشرة في جميع المناطق الحدودية الباكستانية الأفغانية ونحن نقوم بمداهمات واسعة النطاق في جميع أنحاء هذه المنطقة للقضاء عليهم».

جنود باكستانيون يحتفلون بانتصاراتهم على هجمات الإرهاب (وزارة الدفاع الباكستانية)

 

وضع مالي سيئ

 

السبب الثاني لعدم شن عملية عسكرية واسعة النطاق هو أن الحكومة الباكستانية في وضع مالي سيئ للغاية؛ فقد تمكنت الحكومة الباكستانية بالكاد في مناسبات عديدة خلال العامين الماضيين من سداد التزاماتها المالية الدولية المترتبة على القرض الذي حصلت عليه من صندوق النقد الدولي.

ويعتقد كبار خبراء الأمن أنه على الرغم من كل الضغوط التي تواجهها باكستان، ستقرر كل من الحكومة والجيش الباكستانيين في النهاية عدم القيام بعملية واسعة النطاق، ويرجع ذلك أساساً إلى عدم امتلاك باكستان للموارد المالية الكافية لمثل هذه العملية.

جنود باكستانيون يقفون على الحدود الباكستانية الأفغانية في تشامان باكستان 5 أبريل 2024 (إ.ب.أ)

ومن المحتمل ألا تقتصر أي عملية عسكرية واسعة النطاق ضد «طالبان الباكستانية» على مناطق الحدود الباكستانية الأفغانية لأسباب واضحة جداً بالنسبة للقادة العسكريين الباكستانيين.

 

موقف «طالبان الأفغانية»

 

وقال مسؤول: «هناك جزء من (حركة طالبان الأفغانية) يدعم (طالبان الباكستانية)، ولن يقفوا محايدين حال تعرض إخوانهم في باكستان لاعتداء عسكري».

وفي الوقت نفسه، تواجه باكستان وضعاً أمنياً معقداً؛ حيث يصبح خسارة جماعة إرهابية مكسباً لجماعة إرهابية أخرى. وبالنسبة لباكستان، فإن الوضع يبدو أكثر تعقيداً من مجرد ملاحقة «طالبان الباكستانية» بشكل مباشر دون مراعاة مشهد الإرهاب المعقد في المنطقة. ويعتقد بعض خبراء الأمن الغربيين أن «حركة طالبان الأفغانية» و«حركة طالبان الباكستانية» قد بذلتا جهوداً كبيراً لإضعاف تنظيم «داعش - خراسان» في المنطقة، وفي رأي هؤلاء الخبراء، إذا جرى تفكيك «طالبان الباكستانية» تدريجياً من خلال العمليات العسكرية الباكستانية، فسوف يقوي ذلك تلقائياً من تنظيم «داعش - خراسان».

ولم تعد «طالبان الباكستانية» لاعباً محلياً بعد الآن، أولاً، ورد في وسائل الإعلام أن «طالبان الباكستانية» أبلغت «طالبان الأفغانية» خلال محادثاتهما بأنه في حال تضييق الخناق عليهم داخل أفغانستان، فسيضطرون إلى التحالف مع «داعش - خراسان»، أو قد تحدث انشقاقات واسعة النطاق وسط صفوف «طالبان الباكستانية» للانضمام إلى «داعش - خراسان».

يُذكر أن تنظيم «داعش - خراسان» بدأ مسيرته في المنطقة عندما انفصلت جماعة سلفية في شرق أفغانستان كانت مرتبطة في السابق بـ«حركة طالبان الأفغانية»، ثم انشقت عنها لتنضم إلى صفوف «داعش - خراسان» الذي بدأ للتو تجنيد المقاتلين في عام 2014. ويعني ذلك أن خسارة «طالبان الباكستانية» ستكون مكسباً لتنظيم «داعش - خراسان» في الأراضي الباكستانية، وفي أفغانستان، وبالتالي ستفاقم بدورها من مشكلات باكستان الأمنية.


مقالات ذات صلة

تونس: إيقافات ومحاكمات لتونسيين وأفارقة متهمين بتهريب البشر

شمال افريقيا الرئيس التونسي قيس سعيّد في اجتماع قبل أيام حول ملف الهجرة غير النظامية مع وزير الداخلية خالد النوري وكاتب الدولة للأمن سفيان بالصادق (من موقع الرئاسة التونسية)

تونس: إيقافات ومحاكمات لتونسيين وأفارقة متهمين بتهريب البشر

كشفت مصادر أمنية وقضائية رسمية تونسية أن الأيام الماضية شهدت حوادث عديدة في ملف «تهريب البشر» من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء نحو تونس.

كمال بن يونس (تونس)
شؤون إقليمية مجلس الأمن القومي التركي برئاسة إردوغان أكد استمرار العمليات العسكرية ودعم الحل في سوريا (الرئاسة التركية)

تركيا ستواصل عملياتها ضد «الإرهاب» ودعم الحل السياسي في سوريا

أكدت تركيا أنها ستواصل عملياتها الهادفة إلى القضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا إلى جانب تكثيف جهود الحل السياسي بما يتوافق مع تطلعات ومصالح الشعب السوري.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا قوات باكستانية خلال دورية في بيشاور (وسائل إعلام باكستانية)

فشل جهود الحكومة الباكستانية في منع تصاعد العنف بالبلاد

استمر العنف في الارتفاع بمقاطعتين مضطربتين في باكستان مع مواصلة الجيش المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب في شمال غربي وجنوب غربي البلاد

عمر فاروق (إسلام آباد )
أوروبا من أمام السفارة الإسرائيلية في استوكهولم (إ.ب.أ)

السويد تلمّح لتورط إيران في هجمات قرب سفارتين إسرائيليتين

أعلنت وكالة الاستخبارات السويدية، الخميس، أن إيران قد تكون متورطة في الانفجارات وإطلاق النار قرب السفارتين الإسرائيليتين في السويد والدنمارك هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
الولايات المتحدة​ عافية صديقي (متداولة)

«سيدة القاعدة» السجينة تقاضي الولايات المتحدة لتعرُّضها لاعتداءات جسدية وجنسية

رفعت سيدة باكستانية سجينة في سجن فورت وورث الفيدرالي دعوى قضائية ضد المكتب الفيدرالي للسجون والإدارة الأميركية، قالت فيها إنها تعرَّضت لاعتداءات جسدية وجنسية

«الشرق الأوسط» (تكساس)

أفغانستان تؤكد أنها اعتقلت المسؤولين عن اعتداءات تبناها تنظيم «داعش»

أفراد أمن مسلحون من «طالبان» يركبون دراجات نارية على طول طريق في خوست في 30 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
أفراد أمن مسلحون من «طالبان» يركبون دراجات نارية على طول طريق في خوست في 30 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

أفغانستان تؤكد أنها اعتقلت المسؤولين عن اعتداءات تبناها تنظيم «داعش»

أفراد أمن مسلحون من «طالبان» يركبون دراجات نارية على طول طريق في خوست في 30 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
أفراد أمن مسلحون من «طالبان» يركبون دراجات نارية على طول طريق في خوست في 30 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

أعلن المتحدث باسم حكومة «طالبان»، ذبيح الله مجاهد، الاثنين، أنه تم اعتقال «الأعضاء الرئيسيين» المسؤولين عن الهجمات التي أعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عنها في أفغانستان.

وأعلن ذبيح الله مجاهد على منصة «إكس» أن «القوات الخاصة للإمارة اعتقلت أعضاء رئيسيين في جماعة متمردة مسؤولة عن الهجوم على موظفي المديرية المسؤولة عن مراقبة تنفيذ المراسيم في الثاني من سبتمبر (أيلول)».

وكان تنظيم «داعش» أعلن مسؤوليته عن العملية الانتحارية على المديرية التي أدت إلى مقتل ستة أشخاص، بحسب مصادر رسمية.

أفراد أمن مسلحون من «طالبان» يركبون دراجات نارية على طول طريق في خوست في 30 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

وتابع المتحدث أن هؤلاء الأشخاص الذين اعتقلوا في كابل وفي مقاطعتي فارياب (غرب) ونانغارهار (شرق) «كانوا متورطين في هجمات أخرى في العاصمة وضد سياح أجانب في باميان» (وسط) في مايو (أيار).

وأدى هذا الهجوم الذي تبناه تنظيم «داعش» إلى مقتل ستة أشخاص بينهم ثلاثة سياح إسبان.

وأكد المتحدث أن الانتحاري المسؤول عن الهجوم على المديرية في سبتمبر «دخل أفغانستان من معسكر تدريب تابع لـ(تنظيم الدولة الإسلامية ولاية خراسان)» ببلوشستان)، الإقليم الباكستاني الحدودي؛ في إشارة إلى الفرع الإقليمي للتنظيم المتطرف.

وتتبادل كابل وإسلام آباد الاتهامات بعدم التحرك ضد المقاتلين الموجودين على أراضيهما الذين ينفذون هجمات في كلا البلدين.

«داعش ولاية خراسان»

وأوضح المتحدث أن «قادة وأعضاء العمليات في تنظيم (داعش ولاية خراسان) بدعم أجهزة استخبارات أجنبية، استقروا في بلوشستان وخيبر بختونخوا» شمال غربي باكستان.

وتابع: «يواصلون تنسيق الهجمات في أفغانستان ودول أخرى». ورداً على سؤال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» لم يصدر تعليق عن إسلام آباد على الفور.

أفراد أمن مسلحون من «طالبان» يركبون دراجات نارية على طول طريق في خوست في 30 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

واتهمت باكستان والصين وإيران وروسيا في بيان مشترك نشر الجمعة «الجماعات الإرهابية في أفغانستان» مثل تنظيمي «داعش» و«القاعدة» أو «حركة طالبان» الباكستانية بأنها تمثل «تهديداً خطيراً».

وأضاف مجاهد أن طاجيكياً «كان يخطط لهجوم انتحاري» اعتقل أثناء عملية القوات الخاصة الأفغانية.

وفي مارس (آذار) شهدت موسكو أعنف هجوم نفذه تنظيم «داعش ولاية خراسان»، حيث قُتل 145 شخصاً في قاعة للحفلات الموسيقية على يد أربعة مسلحين جميعهم من طاجيكستان.

في أغسطس (آب) أكد مجاهد أن كابل «سحقت تنظيم (داعش)، وهو تأكيد يكرره قادة (طالبان) بانتظام». وأكد أنه «لم تعد هناك أي جماعة من هذا النوع تشكل تهديداً لأي شخص في أفغانستان».

رغم استتباب الأمن عموماً منذ عودة «طالبان» إلى السلطة عام 2021، فإن أفغانستان لا تزال تشهد من حين لآخر هجمات لتنظيم «داعش» أو لتنظيم «داعش ولاية خراسان».

بعد وقت قصير من إعلان تنظيم «داعش» ما يسمى بـ«الخلافة» في العراق وسوريا عام 2014، أعلن أعضاء سابقون في «حركة طالبان باكستان» ولاءهم لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، وانضم إليهم لاحقاً أفغان محبطون ومنشقون من «طالبان».

وفي أوائل عام 2015، اعترف تنظيم «داعش» بتأسيس «ولاية» في «خراسان»، وهو الاسم القديم الذي يطلق على منطقة تضم أجزاء من أفغانستان الحالية وباكستان وإيران وآسيا الوسطى.

ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم حكومة «طالبان» خلال إحاطة في كابل أفغانستان 3 يوليو 2024 (إ.ب.أ)

وأسس التنظيم عام 2015 بمنطقة أشين الجبلية في مقاطعة ننجارهار شرق أفغانستان، وهي الوحيدة التي تمكنت من إقامة وجود ثابت وكذلك في منطقة كونار المجاورة.

وفي كل المناطق الأخرى اشتبك التنظيم مع «طالبان» رغم أنه تمكن من تشكيل خلايا نائمة في أماكن أخرى بأفغانستان، خصوصاً في العاصمة، وباكستان المجاورة، وفقاً للأمم المتحدة.

وتفيد أحدث التقديرات بأن أعداد مقاتلي التنظيم تتراوح بين 500 وبضعة آلاف، بحسب تقرير لمجلس الأمن الدولي صدر، في يوليو الماضي.