خبير اقتصادي أميركي: آسيا الوسطى يمكن أن تكون مقبرة التحالف الروسي الصيني

يقول ديفيد ميركل إنه يجب البحث عن فرص لزرع بذور الانقسام بين موسكو وبكين

الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين خلال حفل افتتاح منتدى «مبادرة الحزام والطريق» في بكين (أ.ف.ب)
الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين خلال حفل افتتاح منتدى «مبادرة الحزام والطريق» في بكين (أ.ف.ب)
TT

خبير اقتصادي أميركي: آسيا الوسطى يمكن أن تكون مقبرة التحالف الروسي الصيني

الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين خلال حفل افتتاح منتدى «مبادرة الحزام والطريق» في بكين (أ.ف.ب)
الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين خلال حفل افتتاح منتدى «مبادرة الحزام والطريق» في بكين (أ.ف.ب)

يمكن وصف العالم اليوم بأنه عالم تنافس بين الدول الكبرى في مناطق أوروبا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وآسيا، في وقت يشهد معاناة الإنفاق الفيدرالي الأميركي في ظل العجز المزداد في الميزانية والمخاوف الأمنية المحلية الملحة على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. ويرى الخبير الاقتصادي ديفيد ميركل، المدير الإداري لشركة «إنترناشونال إدفايزز للاستشارات العالمية»، الذي عمل نائباً لمساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا وأوراسيا، أن التقشف الذي اتسمت به السياسة الخارجية في عهد الإدارات الأميركية الأخيرة ساهم في حالة عدم الاستقرار السائدة، وتتعين معالجة ذلك بدعم أوكرانيا وإسرائيل وتايوان.

ومع ذلك تحتم الضرورة حشد الموارد الأميركية وتوجيهها نحو المصالح الحيوية.

الزعماء المشاركون في قمة التعاون الاقتصادي والمحيط الهادي بسان فرانسيسكو في صورة جماعية (رويترز)

ويقول ميركل في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية إنه يتعين مع سعي الولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها في أوروبا وآسيا البحث أيضاً عن فرص لزرع بذور الانقسام بين موسكو وبكين، وهي علاقة وصفت بأنها «بلا حدود» قبل غزو روسيا لأوكرانيا.

شي جينبينغ وفلاديمير بوتين... أكثر من مصافحة (د.ب.أ)

وقد تكون الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى هي المكان المناسب لذلك. وهناك سابقة تاريخية لتصادم مصالح الدول الكبرى في آسيا الوسطى. فقد تقاتلت بريطانيا في العهد الفيكتوري مع روسيا القيصرية بشأن الخانات أواخر القرن التاسع عشر. كما أن الاشتباكات بين الجيش الأحمر السوفياتي وجيش التحرير الشعبي في ستينات القرن الماضي على طول الحدود عبر آسيا الوسطى نبهت الغرب إلى الانقسام الصيني السوفياتي.

وتعد الصين الصاعدة جمهوريات آسيا الوسطى الخمس (أوزبكستان، وكازاخستان، وتركمنستان، وطاجيكستان وقيرغزستان) دولاً مهمة لمبادرة «الحزام والطريق» التي تعد إحياءً لطريق الحرير القديم.

الزعيمان الصيني والروسي بين عدد من القادة المشاركين في «منتدى الحزام والطريق» (إ.ب.أ)

فربط الصين بالأسواق الأوروبية براً سيخفف من مخاوف بكين إزاء نقاط الاختناق البحرية وتعرضها لمضايقات قوة الأسطول الباسيفيكي الأميركي. واندفعت موسكو التي لم تقبل مطلقاً بدور أدنى تحت ظل واشنطن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي نحو مثل هذا الدور التابع مع بكين. وربما يعدُّ الكرملين أن هذا أمر لا يمكن تجنبه إلى حد كبير، لكنه غير مقبول في آسيا الوسطى.

قادة دول «منظمة الأمن الجماعي» خلال قمتهم في مينسك أمس (أ.ف.ب)

ويضيف ميركل أن موسكو وبكين تريان أن المنطقة تتطور في اتجاهين مختلفين. فالصين تعزز «منظمة شنغهاي للتعاون»، و«مبادرة الحزام والطريق»، واستثماراتها الخاصة في الطاقة والتعدين. وتعد بكين آسيا الوسطى مصدراً للمعادن، والهيدروكربونات، والزراعة، وتتصل بالأسواق التي تقع في غربها. وتعطي الأولوية للاستقرار في آسيا الوسطى، جارتها ذات الأغلبية المسلمة، غرب شينجيانغ، التي يتشابه سكانها دينياً وعرقياً مع سكان الصين من الأويغور.

أما موسكو، فتعد المنطقة مجال نفوذها المميز. وهي تستغل الاتحاد الاقتصادي الأورواسي، لربط أسواقها بكازاخستان وقيرغزستان وبيلاروسيا وأرمينيا الأعضاء في الاتحاد. وأدى عدم وجود قيود داخل الاتحاد وحدود روسيا الطويلة مع كازاخستان إلى تمكن روسيا من تجنب العقوبات الأميركية والأوروبية. فقد زاد حجم التجارة إلى أعضاء الاتحاد مع شحن الجزء الأكبر من صادراتها إلى روسيا.

بايدن وشي خلال المحادثات بين الوفدين الأميركي والصيني أمس (أ.ب)

كما تقود روسيا منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم في عضويتها دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بالإضافة إلى طاجيكستان. ومثل حلف وارسو في عهد الاتحاد السوفياتي، الذي أرسل قوات إلى بودابست عام 1956 وإلى براغ عام 1968، أرسلت منظمة معاهدة الأمن الجماعي قوات فقط إلى الدول الأعضاء، وفعلت ذلك في يناير (كانون الثاني) 2022 إلى كازاخستان، وذلك مباشرة قبل غزو موسكو الشامل لأوكرانيا في فبراير (شباط). وأدى القلق إزاء عدم احترام موسكو سيادة كازاخستان إلى انزعاج الرئيس الصيني شي جينبينغ، لدرجة أن أول زيارة له بعد انتهاء جائحة «كورونا» كانت إلى عاصمة كازاخستان، حيث قال إنه «بغض النظر عن التغيرات في الوضع الدولي، سنواصل دعم كازاخستان بكل قوة في الدفاع عن استقلالها، وسياداتها، ووحدة أراضيها، وندعم بقوة الإصلاحات التي تقومون بها لضمان الاستقرار والتنمية، ونعارض بقوة تدخل أي قوى في الشؤون الداخلية لبلادكم». ثم توجه شي إلى سمرقند التي اختيرت لتكون مقراً لقمة «منظمة شنغهاي للتعاون».

الرئيس الأميركي متوسطاً الرئيس الكوري الجنوبي سوك سوول (يسار) ووزير الحارجية الياباني كيشيدا فوميو في سان فرانسيسكو يوم 17 نوفمبر (د.ب.أ)

ويرى ميركل أن بكين ترسم مستقبل المنطقة، بينما تربطها بموسكو علاقات تاريخية وشخصية. ومع ذلك فإن منع واشنطن من أن يكون لها نفوذ في المنطقة أدى إلى أن تخفف روسيا والصين من خلافاتهما وتوحيد مصالحهما في آسيا الوسطى. لكن مع غياب واشنطن عن المعادلة سوف تواجه روسيا والصين، كل منهما الأخرى بدلاً من الاتحاد معاً.

ويقول ميركل إن تحقيق الولايات المتحدة مزيداً من التعاون مع حلفائها وشركائها في آسيا يعد أمراً أساسياً لتعزيز الردع في مواجهة بكين الأكثر عداءً. فطوكيو وسول تتعاونان معاً مع واشنطن لتحقيق توازن في مواجهة التهديد من جانب الصين. وتربط أستراليا والفلبين علاقات دفاعية أكثر قوة مع الولايات المتحدة من خلال «تحالف أوكوس» ومعاهدة دفاع متبادل متجددة بين الولايات المتحدة والفلبين. وحتى الهند، التي تعدُّ تاريخياً من دول عدم الانحياز، وفيتنام، العدو السابق لأميركا، تعجلان بعلاقاتهما مع واشنطن في ظل المخاوف من بكين في جنوب وجنوب شرق آسيا.

وأضاف أن هناك حاجة لبذل جهود لإقامة شراكات في أوروبا وآسيا لمواجهة النفوذ الشرير من جانب روسيا والصين وإيران، وذلك من أجل التنافس في عصر تنافس القوى الكبرى الحالي.

وأشار إلى ضرورة البحث عن فرص حيثما توجد انقسامات بين موسكو وبكين وإمكانية استغلالها. واختتم ميركل تحليله بالقول إن روسيا والصين تتنافسان في آسيا الوسطى، حيث تحاول واشنطن السعي لتحقيق نفوذ لها بعد أن ضيعت 30 عاماً في عدم القيام بذلك خلال أوقات كانت أكثر مناسبةً. وأسفر هذا عن قيام بوتين وشي بتوحيد مصالحهما. وفي المقابل، يمكن أن ندرك أن غيابنا عزز مصالحنا، ومن ثم يتعين التركيز على الخلافات في السياسة بين موسكو وبكين. وربما توجد بذور الانقسام بين موسكو وبكين في آسيا الوسطى، ويتعين على الولايات المتحدة استغلالها.


مقالات ذات صلة

هل يفيد إغلاق وكالة التنمية الأميركية بوتين؟

أوروبا متظاهرون ضد الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإيلون ماسك خارج مبنى «الكابيتول» في ميشيغان (أ.ف.ب)

هل يفيد إغلاق وكالة التنمية الأميركية بوتين؟

وتعد الوكالة المؤسسة الحكومية الأميركية الرئيسية المسؤولة عن إدارة المساعدات الخارجية المدنية ومساعدات التنمية.

إيلي يوسف (واشنطن)
الاقتصاد خطوط كهرباء مشغل نظام النقل البولندي PSE (رويترز)

قطع الربط الكهربائي بين دول البلطيق وروسيا

تم صباح اليوم (السبت) رسمياً قطع الربط الكهربائي بين دول البلطيق إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وروسيا، استعداداً للانضمام إلى باقي أوروبا غداً (الأحد).

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا مُسيرة تقوم بمراقبة خطوط الكهرباء الممتدة بين بولندا وليتوانيا (رويترز)

خشية «الابتزاز السياسي»... دول البلطيق تنفصل عن شبكة الكهرباء الروسية

باشرت دول البلطيق الانفصال عن شبكة الكهرباء الروسية اليوم (السبت) عند الساعة الرابعة بتوقيت غرينيتش.

«الشرق الأوسط» (فيلنيوس)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

ترمب يستقبل رئيس أوكرانيا الأسبوع المقبل

أعلن الرئيس الأميركي أنّه قد يلتقي نظيره الأوكراني الأسبوع المقبل، مبدياً رغبته أيضاً بلقاء الرئيس الروسي.

هبة القدسي (واشنطن)
أوروبا امرأة تسير أمام مبنى سكني دمره القصف في كوستيانتينيفكا بمنطقة دونيتسك الشرقية (أ.ف.ب)

كييف تخشى أن تمنع عقوبات ترمب محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا

تخشى كييف أن تؤدّي العقوبات التي فرضها ترمب على المحكمة الجنائية الدولية إلى تقويض قدرة هذه الهيئة على ملاحقة الروس المشتبه بارتكابهم جرائم حرب بأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)

زعيم كوريا الشمالية ينتقد التعاون العسكري بين واشنطن وطوكيو وسيول

زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (ا.ف.ب)
زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (ا.ف.ب)
TT

زعيم كوريا الشمالية ينتقد التعاون العسكري بين واشنطن وطوكيو وسيول

زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (ا.ف.ب)
زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (ا.ف.ب)

انتقد زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، التعاون العسكري الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية كونه يزيد التوتر في المنطقة، وتعهد باتخاذ تدابير مضادة بما يشمل تطوير القدرات النووية على نحو أكبر.

ونقلت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية عن كيم قوله، إن نشر الولايات المتحدة لأصول استراتيجية نووية بالإضافة إلى المناورات الحربية والتعاون العسكري مع اليابان وكوريا الجنوبية يؤدي إلى اختلال التوازن العسكري في المنطقة ويثير تحدياً خطيراً للبيئة الأمنية.

وقال كيم خلال زيارة لوزارة الدفاع، اليوم، لإحياء ذكرى تأسيس جيشها «لا تريد جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية توتراً لا داعي له للوضع الإقليمي ولكنها ستتخذ تدابير مضادة مستدامة لضمان التوازن العسكري في المنطقة».

كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قد صرح عقب اجتماع مع رئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا، أمس، بأنه سيقيم علاقات مع كوريا الشمالية، وعبر الزعيمان عن قلقهما بشأن برنامجها النووي.

وفيما يتعلق بحرب روسيا مع أوكرانيا، قال كيم "إن جيش وشعب جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية سيدعمان ويشجعان دائماً القضية العادلة للجيش والشعب الروسي للدفاع عن سيادتهما وأمنهما وسلامة أراضيهما بما يتماشى مع روح المعاهدة بشأن الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وروسيا".

وفي الشهر الماضي، قالت كوريا الجنوبية إنها تشتبه في أن كوريا الشمالية تستعد لإرسال المزيد من القوات إلى روسيا، بالإضافة إلى حوالي 11 ألف جندي تم إرسالهم بالفعل للمشاركة معها في الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات ضد أوكرانيا.