باكستان تعيد فتح الحدود بعد تطمينات من اثنين من كبار قادة «طالبان»

الأراضي الأفغانية لن تُستخدم مرة أخرى في شن عمليات إرهابية

عائلة أفغانية تقوم بفحص وثائقها من قبل ضابط باكستاني أثناء عبورها المعبر الحدودي الرئيسي بين البلدين في تورخام (رويترز)
عائلة أفغانية تقوم بفحص وثائقها من قبل ضابط باكستاني أثناء عبورها المعبر الحدودي الرئيسي بين البلدين في تورخام (رويترز)
TT

باكستان تعيد فتح الحدود بعد تطمينات من اثنين من كبار قادة «طالبان»

عائلة أفغانية تقوم بفحص وثائقها من قبل ضابط باكستاني أثناء عبورها المعبر الحدودي الرئيسي بين البلدين في تورخام (رويترز)
عائلة أفغانية تقوم بفحص وثائقها من قبل ضابط باكستاني أثناء عبورها المعبر الحدودي الرئيسي بين البلدين في تورخام (رويترز)

قررت الحكومة الباكستانية إعادة فتح مركز تورخام الحدودي على الحدود الباكستانية- الأفغانية، بعد تأكيدات من زعيمين رئيسيين لحركة «طالبان» الأفغانية، بأن أراضي أفغانستان لن تستخدم ضد باكستان.

ويأتي فتح مركز تورخام الحدودي بعد إغلاق دام 9 أيام من قبل الحكومة الباكستانية.

وقال مسؤولون باكستانيون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إنهم قرروا إعادة فتح الحدود بعد أن تواصل أمير خان متقي وزير الخارجية الأفغاني، وسراج الدين حقاني وزير الداخلية المؤقت ورئيس شبكة «حقاني» الأفغانية، مع السلطات الباكستانية، وحثوها على إعادة فتح الحدود لأسباب إنسانية.

أفغانيات يرتدين البرقع ينتظرن عبور المعبر الحدودي الرئيسي بين أفغانستان وباكستان في تورخام (رويترز)

وأكد الزعيمان للحكومة الباكستانية أنهما لن يسمحا لحركة «طالبان» الباكستانية بشن هجوم على قوات الأمن الباكستانية من الأراضي الأفغانية.

وأغلقت باكستان معبر تورخام الحدودي قبل أسبوعين تقريباً، إثر اشتباكات بين حرس الحدود في البلدين بشأن بناء حركة «طالبان» الأفغانية نقطة تفتيش حدودية على الأراضي الباكستانية.

مسؤولو الأمن يتحققون من وثائق الأشخاص الذين يعبرون الحدود إلى أفغانستان من باكستان بعد أن أعلنت إسلام آباد إعادة فتح حدود تورخام بعد إغلاق دام 9 أيام (إ.ب.أ)

ويبدو أن هذا الحادث البسيط بالقرب من تورخام كان سبباً في إغلاق الحدود؛ لكن المشكلة الأكبر تمثلت في الهجمات التي شنتها حركة «طالبان» الباكستانية على المواقع العسكرية الباكستانية في شيترال، واستخدام حركة «طالبان» الباكستانية الأراضي الأفغانية كمخبأ.

وقال مسؤولون في إسلام آباد، إن وزيرين من «طالبان» الأفغانية، قدما تأكيدات على أن أراضي أفغانستان لن تُستخدم ضد باكستان. كما أعلنا التزامهما بإقناع حركة «طالبان» الباكستانية بالانسحاب من المواقع على طول الحدود الباكستانية- الأفغانية في شيترال.

وفي 6 سبتمبر (أيلول)، شن مئات من عناصر حركة «طالبان» الباكستانية هجوماً على موقعين للتفتيش في كيلاش، بمنطقة شيترال. وأسفر تبادل إطلاق النار الذي أعقب ذلك عن مقتل ما لا يقل عن 12 إرهابياً و4 جنود باكستانيين.

أشخاص ينتظرون بالقرب من نافذة مكتب الهجرة خلال عبورهم المعبر الحدودي الرئيسي بين أفغانستان وباكستان في تورخام الجمعة (رويترز)

وأظهرت المواجهات اللاحقة في شيترال بين قوات الأمن الباكستانية ومسلحي حركة «طالبان» الباكستانية، أن بعض المسلحين تمكنوا من التسلل إلى الجانب الباكستاني من الحدود.

ورغم أن الاشتباكات بين قوات أمن الحدود تُعد أمراً روتينياً، فقد أخذ المخططون العسكريون الباكستانيون اعتداءات «طالبان» الباكستانية على مواقع عسكرية باكستانية على محمل الجد.

ونقلت باكستان مخاوفها إلى نظام «طالبان» في كابل، من أن حركة «طالبان» الباكستانية لا تستخدم فقط البلدات والمدن الحدودية الأفغانية كمخابئ؛ بل تستخدم أيضاً الأراضي الأفغانية كمنصة انطلاق لشن هجمات على قوات الأمن الباكستانية عبر الحدود.

شاحنات محملة بالإمدادات تظهر عند عبور المعبر الحدودي الرئيسي بين أفغانستان وباكستان في تورخام بباكستان (رويترز)

ولا يثق كثيرون في الدوائر الحكومية في إسلام آباد بوعود «طالبان» والتزاماتها؛ لأنهم يعتقدون أنه لا توجد دلائل على استعداد «طالبان» الأفغانية لملاحقة حركة «طالبان» الباكستانية، على غرار ما فعلت مع تنظيم «داعش- خراسان» في أفغانستان.

يذكر أن قوات «طالبان» تشن حملة قوية ضد تنظيم «داعش- خراسان» في أفغانستان، مع اعتقالها عدة مئات من مقاتلي التنظيم، وعشرات من مقاتليهم وخلاياهم النائمة. وعلى الجانب الآخر، يعيش مقاتلو حركة «طالبان» الباكستانية حياة مريحة للغاية في أفغانستان.


مقالات ذات صلة

«طالبان» حليف غير متوقَّع في مكافحة الإرهاب

تحليل إخباري يقف أعضاء «طالبان» التابعون لوزارة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في نقطة تفتيش على طول طريق على مشارف ولاية هرات... 4 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

«طالبان» حليف غير متوقَّع في مكافحة الإرهاب

بعد 3 سنوات على خروج الائتلاف الغربي من أفغانستان وسط فوضى عارمة مع سيطرة «طالبان» على كابل، باتت الحركة محاوراً غير متوقَّع في مكافحة الإرهاب.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
أوروبا عناصر من الشرطة الألمانية المختصة بمكافحة الإرهاب (غيتي)

تحريك دعوى قضائية في ألمانيا ضد 3 مراهقين للاشتباه بإعدادهم لهجوم إرهابي إسلاموي

حرك الادعاء العام الألماني دعوى قضائية ضد 3 مراهقين من ولاية شمال الراين-ويستفاليا بتهمة الإعداد لهجوم إرهابي إسلاموي.

«الشرق الأوسط» (دوسلدورف )
شمال افريقيا الرئيس التونسي قيس سعيّد في اجتماع قبل أيام حول ملف الهجرة غير النظامية مع وزير الداخلية خالد النوري وكاتب الدولة للأمن سفيان بالصادق (من موقع الرئاسة التونسية)

تونس: إيقافات ومحاكمات لتونسيين وأفارقة متهمين بتهريب البشر

كشفت مصادر أمنية وقضائية رسمية تونسية أن الأيام الماضية شهدت حوادث عديدة في ملف «تهريب البشر» من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء نحو تونس.

كمال بن يونس (تونس)
شؤون إقليمية مجلس الأمن القومي التركي برئاسة إردوغان أكد استمرار العمليات العسكرية ودعم الحل في سوريا (الرئاسة التركية)

تركيا ستواصل عملياتها ضد «الإرهاب» ودعم الحل السياسي في سوريا

أكدت تركيا أنها ستواصل عملياتها الهادفة إلى القضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا إلى جانب تكثيف جهود الحل السياسي بما يتوافق مع تطلعات ومصالح الشعب السوري.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا قوات باكستانية خلال دورية في بيشاور (وسائل إعلام باكستانية)

فشل جهود الحكومة الباكستانية في منع تصاعد العنف بالبلاد

استمر العنف في الارتفاع بمقاطعتين مضطربتين في باكستان مع مواصلة الجيش المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب في شمال غربي وجنوب غربي البلاد

عمر فاروق (إسلام آباد )

«طالبان» حليف غير متوقَّع في مكافحة الإرهاب

يقف أعضاء «طالبان» التابعون لوزارة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في نقطة تفتيش على طول طريق على مشارف ولاية هرات... 4 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
يقف أعضاء «طالبان» التابعون لوزارة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في نقطة تفتيش على طول طريق على مشارف ولاية هرات... 4 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

«طالبان» حليف غير متوقَّع في مكافحة الإرهاب

يقف أعضاء «طالبان» التابعون لوزارة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في نقطة تفتيش على طول طريق على مشارف ولاية هرات... 4 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)
يقف أعضاء «طالبان» التابعون لوزارة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في نقطة تفتيش على طول طريق على مشارف ولاية هرات... 4 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

بعد 3 سنوات على خروج الائتلاف الغربي من أفغانستان وسط فوضى عارمة مع سيطرة «طالبان» على كابل، باتت الحركة محاوراً غير متوقَّع في مكافحة الإرهاب على وقع اعتداءات تنظيم «داعش ولاية خراسان» في عدد من الدول، حسب رأي خبراء.

سيرغي لافروف (يمين) يصافح القائم بأعمال وزير خارجية أفغانستان أمير خان متقي خلال اجتماعهما في موسكو 4 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

وقال المتحدث باسم «طالبان» ذبيح الله مجاهد، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الحكومة «تتبادل معلومات أحياناً مع الدول التي تطولها هذه الجماعة»، في وقت شهدت أفغانستان في سبتمبر (أيلول) اعتداءين على الأقل نفَّذهما تنظيم «داعش ولاية خراسان» أوقعا ما لا يقل عن عشرين قتيلاً.

أفراد أمن «طالبان» يحملون بنادق خلال التزلج للاحتفال بالذكرى الثالثة لاستيلاء الحركة على أفغانستان في كابل... 14 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

وهذا ما أكده غراهام سميث، الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، موضحاً لوكالة الصحافة الفرنسية أن «مسؤولين في أجهزة استخبارات غربية قالوا لي إن هناك تعاوناً مع (طالبان) ضد تنظيم (داعش ولاية خراسان)».

وأفاد بـ«تبادل معلومات تسمح لـ(طالبان) بتنفيذ أعمال فتاكة ضد الإرهابيين». وأعلنت كابل، يوم الاثنين، قتل عنصرين في تنظيم «داعش ولاية خراسان» وتوقيف طاجيكستاني «كان يخطط لعملية انتحارية».

وهناك غارات كثيرة لا تعلّق عليها العواصم الأجنبية التي لم يعد لها تمثيل دبلوماسي في كابل.

وأضاف سميث: «ثمة فجوة بين الخطاب العلني للغربيين الذين ينددون بشريعة (طالبان) المتشددة» التي تقمع الأفغانيات خصوصاً، «وهذه الدول نفسها التي تريد من (طالبان) أن تفرض احترام القانون» في مواجهة الجماعات المسلحة.

لكن دعم الحركة بالأموال والتكنولوجيا ليس أمراً بدهياً بالنسبة إلى الدول الغربية، وهي لا تعترف بالإمارة التي حلَّت محل الجمهورية في عام 2021.

يقول آرون زيلين، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن «(طالبان) لديها حدود ضمن ما يمكنها فعله»، لأنه رغم استيلائها على ترسانة أجنبية في 2021، ليس لديها سوى إمكانات تكنولوجية محدودة.

طلب الدعم سرّاً

وأشار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة العام الماضي، إلى أن «(طالبان) طلبت سراً دعماً استخباراتياً ولوجيستياً» لمحاربة تنظيم «داعش ولاية خراسان»، «وعرضت أن تكون شريكاً في الحرب ضد الإرهاب».

وأوضح زيلين أنه من مارس (آذار) 2023 إلى الشهر نفسه عام 2024، خطط تنظيم «داعش ولاية خراسان» الذي تأسس عام 2015 لـ21 اعتداءً في 9 دول، مقابل 8 في الأشهر الـ12 السابقة.

وفي يناير (كانون الثاني)، قتل تنظيم «داعش ولاية خراسان» أكثر من 90 شخصاً في هجوم مزدوج في كرمان بإيران، وفي مارس قتل 145 آخرين في هجوم بإطلاق النار نفَّذه 4 مشتبه بهم من طاجيكستان في قاعة للحفلات الموسيقية في موسكو.

ويرى الخبراء أن هذا دليل إضافي على زيادة التجنيد في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة في آسيا الوسطى المجاورة لأفغانستان.

وتقول أميرة جدون، من جامعة «كليمسون» الأميركية، إن هذه الهجمات «أدت بالطبع إلى اشتداد القلق في العالم»، و«خلقت دينامية لزيادة التعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع (طالبان)»، حتى وإن كان «الأمر غير واضح».

بعد هذا الهجوم، أعلنت موسكو أنها تريد شطب «طالبان» من لائحتها للكيانات «الإرهابية».

وقال القائم بالأعمال الروسي في أفغانستان ديمتري جيرنوف، في يوليو (تموز)، إن «(طالبان) هي بالتأكيد حليفتنا في مكافحة الإرهاب»، مضيفاً: «إنهم يعملون على تصفية الخلايا الإرهابية».

الولايات المتحدة أيضاً

ترى تريشيا بايكون، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن روسيا هي «المرشح المفضل» للتعاون، لكنّ «(طالبان) حريصة جداً على سيادتها».

وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا أعتقد أنهم سيسمحون للروس بالقدوم والتجول في كل مكان»، لا سيما أن تنظيم «داعش ولاية خراسان» معروف بأنه يجنِّد حتى في صفوف عناصر سابقين في «طالبان».

وتشارك الولايات المتحدة أيضاً، وتندد سلطات «طالبان» بانتظام بتحليق مسيّرات أميركية في أجواء أفغانستان.

كانت واشنطن قد حذَّرت موسكو وطهران من هجمات وشيكة على أراضيهما، مما يدفع إلى الاعتقاد بأنها كانت تراقب عن كثب تنظيم «داعش ولاية خراسان».

أفغانيات يرتدين البرقع يسرن بالقرب من ميدان أحمد شاه مسعود في كابل خلال الاحتفال بالذكرى الثالثة لاستيلاء «طالبان» على أفغانستان... 14 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

وتعرض الأميركيون أنفسهم لضربات هذا التنظيم؛ ففي أغسطس (آب) 2021 تسبب اعتداء ضخم خلال عملية الإجلاء الفوضوية من مطار كابل في مقتل 170 أفغانياً و13 جندياً أميركياً.

وحذر قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، الجنرال مايكل إريك كوريلا، هذا العام، من أن تنظيم «داعش ولاية خراسان» لا تزال «لديه القدرة على ضرب المصالح الغربية في غضون 6 أشهر، سواء من دون تحذير مسبق أو بتحذير مسبق ضئيل».

لكن جدون لفتت إلى أن «الروابط المحتملة بين (طالبان) وجماعات أخرى مثل تنظيم القاعدة» الذي نفَّذ اعتداءات 11 سبتمبر 2001 الدامية في الولايات المتحدة «تحد بشكل كبير من إمكانية حصول تعاون».

وأضافت: «من المرجح أن يكون مثل هذا التعاون محدوداً وغير مباشر وموجهاً بشكل أساسي نحو التهديد الذي يشكله تنظيم (داعش ولاية خراسان)».

وسيترتب عليه، حسبها، الموازنة «بين ضرورة مواجهة هذا الخطر الناشئ» و«المخاوف الأخلاقية والاستراتيجية الهائلة الناجمة عن التعاون مع نظام (طالبان)».