معاداة الأجانب تتصاعد في قبرص

بعد سلسلة هجمات على مهاجرين

مؤيدو اليمين المتطرف يتظاهرون ضد اللاجئين غير الشرعيين في لارنكا 16 يونيو 2023 (أ.ف.ب)
مؤيدو اليمين المتطرف يتظاهرون ضد اللاجئين غير الشرعيين في لارنكا 16 يونيو 2023 (أ.ف.ب)
TT

معاداة الأجانب تتصاعد في قبرص

مؤيدو اليمين المتطرف يتظاهرون ضد اللاجئين غير الشرعيين في لارنكا 16 يونيو 2023 (أ.ف.ب)
مؤيدو اليمين المتطرف يتظاهرون ضد اللاجئين غير الشرعيين في لارنكا 16 يونيو 2023 (أ.ف.ب)

قبل ساعات من وصول ملثّمين يحملون أعلاماً قبرصية، ويرمون قنابل مولوتوف على متاجر يديرها مهاجرون، انتشرت بينهم همسات خافتة في مدينة ليماسول الساحلية عن العنف الوشيك الذي سيلحق بهم وسط تفاقم معاداة المهاجرين في الجزيرة الأوروبية، هرع أصحاب مطعم مصري لإدخال مقتنياتهم الخارجية، فيما أزالت بائعة فيتنامينة بسرعة خضارها من الشارع. غير أنّهم لم يتمكّنوا من إخفاء تراثهم الثقافي الذي يميّزهم ويفخرون به منذ انتقالهم إلى جزيرة قبرص الواقعة في البحر الأبيض المتوسط.

يقول محمد البصراتي (38 عاماً) الذي يملك مطعماً مصرياً: «كنت واقفاً مع جارتي وطلبت منّي المغادرة قائلة: إذا رأوك، سيضربونك لأنك أجنبي». حين وصل الملثمون إلى مطعمه، اختبأ في الجزء الخلفي بينما حطّموا نوافذ المكان الذي بناه بكلّ ما لديه من مدّخرات. ويضيف: «بدأنا نسمع صوت زجاج يتكسّر... بعدها شممت رائحة دخان ونار».

فيتنامية أمام متجرها الذي هاجمه متظاهرون ضد المهاجرين بمدينة ليماسول في 5 سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)

حصل هذا الهجوم في مطلع سبتمبر (أيلول) الجاري وسط موجة عنف ضدّ المهاجرين في قبرص التي سجلّت العام الماضي أعلى عدد من طلبات اللجوء للمرة الأولى بالنسبة لعدد السكان على مستوى الاتحاد الأوروبي.

يعزو الخبراء زيادة العنف إلى تفاقم رهاب الأجانب في السياسة ووسائل الإعلام القبرصية، يغذّيه انتشار المعلومات المضللة وسوء إدارة العدد الكبير من الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عن طريق الجزيرة.

قبل أيام من الهجوم على مطعم البصراتي، شنّ سكان في بلدة قريبة من مدينة بافوس في الغرب هجوماً مماثلاً على مهاجرين بعد سنوات من الاحتكاك مع مئات المهاجرين، معظمهم من السوريين، المقيمين في مجمّع سكني. أُوقف 21 شخصاً إثر هذا الهجوم بينهم 12 سورياً.

مطعم صاحبه سوري هاجمه متظاهرون ضد المهاجرين بمدينة ليماسول في 5 سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)

كانت الشرطة قد داهمت في وقت سابق المبنى لإخلائه بعد انتشار مزاعم بسرقة الكهرباء على شبكات التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من الانتشار الكثيف للشرطة في ليماسول قُبيل المظاهرة المعادية للمهاجرين، يقول سكان إن السلطات لم تتدخّل بما فيه الكفاية لمنع العنف. ويقول عادل حسن (76 عاماً): «كانوا أكثر من 600. كم شخصاً أوقفتهم الشرطة؟ 13 فقط؟». ولم تردّ الشرطة على طلب التعليق من وكالة الصحافة الفرنسية، غير أن رئيس الشرطة ستيليوس باباتيودورو، أقرّ أمام البرلمان القبرصي بأن الاستجابة كانت «بطيئة».

خطاب يميني متطرّف

رجح بعض المراقبين أن يكون الملثّمون منتمين لحزب الجبهة القومية الشعبية «إيلام» اليميني المتطرّف، وهو حزب وُلد في الأساس من حزب «الفجر الذهبي» المحسوب على النازيين الجدد في اليونان. وتمكّن الحزب من استقطاب مؤيدين بخطابه المعادي للمهاجرين، وتجلّى ذلك بحصول زعيمه كريستوس كريستو على 6 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت في فبراير (شباط) 2023.

مؤيدو اليمين المتطرف يتظاهرون ضد اللاجئين غير الشرعيين في لارنكا 16 يونيو 2023 (أ.ف.ب)

لكن يمكن أن تُنسب أعمال العنف هذه أيضاً إلى مجموعات يمينية متطرفة أصغر تتهم حزب «إيلام» بالتساهل مع مسألة الهجرة منذ تحقيق قاعدة شعبية مهمّة، حسبما يرى الأستاذ في سياسات الأحزاب الأوروبية في جامعة نيقوسيا، يورغوس خارالامبوس. ويشير خارالامبوس إلى أن «خطاب الكراهية» أصبح معمما وشائعاً لدى مختلف مكونات الطيف السياسي، ما خلق مناخاً مواتياً لهجمات وصفها بأنها «مذابح منظمة» تستهدف أعراقاً معينة. ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية: «ينبثق الأفراد والسياسيون الذين ينشرون أخباراً زائفة وخطاباً عنصرياً حول الهجرة من أحزاب يمين الوسط أيضاً».

في السنوات الأخيرة، استقبلت قبرص أعداداً كبيرة من المهاجرين، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة بينها زيادة عمليات الصدّ والرفض، حسب منظمة «المجلس القبرصي للاجئين». والشهر الماضي، أعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن قلقها بعد ترحيل أكثر من 100 سوري إلى لبنان دون فحص طلبات اللجوء التي قدموها بعناية.

مظاهرة في العاصمة القبرصية نيقوسيا احتجاجاً على أعمال العنف بحق المهاجرين الأحد الماضي (أ.ف.ب)

«الشعور بالأمان»

وتقول كورينا دروسيتيو، من «المجلس القبرصي للاجئين»، إن «لم نشهد من قبل مثل هذا المستوى» من العنف في قبرص، مع تأكيدها أنه كان متوقعاً. وتشير إلى أن «اللغة المستخدمة في البيانات الرسمية... معادية للأجانب بوضوح»، ملقيةً باللوم خصوصاً على التدابير غير المناسبة لا سيما تلك التي اتخذتها الحكومة القبرصية السابقة.

تقول الناطقة باسم وزارة الداخلية إيلينا فيسينتزو، لوكالة الصحافة الفرنسية إن الاضطرابات سببها «مشكلات متراكمة استغلّتها حسابات مجهولة على شبكات التواصل الاجتماعي... لم تعتمد السلطات أبداً خطاباً عنصرياً».

مع ذلك، يرى الكثير من الأجانب المقيمين في الجزيرة أن الضرر قد حصل بالفعل. وفي حديث مع وكالة الصحافة الفرنسية، يقول سيد سمير، وهو صاحب مطعم تعرّض للنهب: «تغيّر الوضع. لم نعد نعرف الشعور بالأمان الذي كنّا نشعر به».

استغرق الأمر من تشو ثي داو (35 عاماً) سنوات من العمل الشاق لجمع ما يكفي من المال لفتح متجرها الصغير المطل على الواجهة البحرية في ليماسول. تقول ابنتها فلورا (17 عاماً): «أرادت حياة أفضل لأطفالها». سرعان ما انتشر مقطع فيديو للسيدة الفيتنامية وهي تبكي بعد تعرّض متجرها للهجوم، ما أثار تضامناً ودعماً واسعاً من السكان في قبرص ومن الحكومة. وتضيف فلورا، وعيناها مغرورقتان بالدموع: «أريد أن أبقى هنا وأن أعيش مع أمّي وعائلتي».


مقالات ذات صلة

الجزائر تُشدد إجراءاتها لمحاربة تهريب المهاجرين إلى أوروبا

شمال افريقيا قارب للهجرة السرية في البحر المتوسط (متداولة)

الجزائر تُشدد إجراءاتها لمحاربة تهريب المهاجرين إلى أوروبا

شهدت عمليات تتبع آثار شبكات تهريب البشر عبر البحر، انطلاقاً من سواحل الجزائر، إطلاق فصيل أمني جديد خلال الأسبوع الماضي، وضعته السلطات السياسية للبلاد.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
المشرق العربي جانب من احتفالات السوريين في ألمانيا بعد سقوط نظام الأسد 8 ديسمبر 2024 (رويترز)

دراسة: إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم ستوقع آثارًا سلبية على الاقتصاد الألماني

أظهر تحليلٌ، نُشر اليوم الأربعاء، أن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم يمكن أن يكون لها آثار سلبية على الاقتصاد الألماني

«الشرق الأوسط» (كولونيا)
أوروبا وزير الهجرة واللجوء السويدي يوهان فورسيل (أ.ب)

السويد تسعى إلى تشديد القيود على طلبات اللجوء

أعلنت الحكومة السويدية اليوم الثلاثاء أنها أعدت مشروع قانون من شأنه الحد من قدرة طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم على تقديم طلبات جديدة من دون مغادرة البلاد.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
العالم العربي لاجئون سوريون ومن جنسيات أفريقية أخرى يقيمون في مصر (مفوضية اللاجئين بالقاهرة)

اشتراطات مصرية جديدة لدخول السوريين

فرضت السلطات المصرية «اشتراطات جديدة» على دخول السوريين القادمين من دول أخرى إلى أراضيها، تتضمن الحصول على «موافقة أمنية» مسبقة، إلى جانب تأشيرة الدخول.

أحمد إمبابي (القاهرة)
أوروبا عنصر من الشرطة الفرنسية في ستراسبورغ (أ.ف.ب)

مقتل 5 في إطلاق نار بشمال فرنسا... والمشتبه به يسلم نفسه للشرطة

نقلت وسائل إعلام فرنسية عن مصادر أمنية، السبت، أن اثنين من رجال الأمن ومهاجرَين قُتلوا بإطلاق نار في لون بلاج بالقرب من مدينة دونكيرك الشمالية.

«الشرق الأوسط» (باريس)

الرئيس الباكستاني يتعهد باستئصال الإرهاب من البلاد

آصف علي زرداري (أرشيفية)
آصف علي زرداري (أرشيفية)
TT

الرئيس الباكستاني يتعهد باستئصال الإرهاب من البلاد

آصف علي زرداري (أرشيفية)
آصف علي زرداري (أرشيفية)

أكد الرئيس الباكستاني، آصف علي زرداري، مجدداً على تعهده بـ«استئصال (فتنة الخوارج) من البلاد»، كما أدان بشدة «الهجوم الإرهابي الذي شهدته نقطة تفتيش في وزيرستان الجنوبية».

وأفادت صحيفة «ذا نيشن» الباكستانية، الأحد، بأن زرداري أعرب في بيان له، عن عميق حزنه، «لمقتل 16 من أبناء الوطن الشجعان في الهجوم».

وأشاد بهم، كما أرسل تعازيه لأسر الضحايا، ودعا لهم بالصبر.

جنود من الجيش الباكستاني وأقارب وسكان محليون يحضرون جنازة الجندي عمر حياة أحد الجنود الستة عشر الذين قُتلوا في هجوم شنه مسلحون على نقطة تفتيش في منطقة ماكين بوزيرستان الجنوبية العليا خلال جنازته في كوهات بباكستان في 22 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

وقال زرداري إن «الأمة بأسرها تقف متحدة مع قواتها المسلحة في الحرب التي تخوضها ضد الإرهاب».

وتابع أن «الإرهابيين أعداء للدولة وللإنسانية جمعاء»، مضيفاً أن «العمليات المناهضة للإرهاب ستستمر حتى التخلص الكامل من آفة الإرهاب».

جنود من الجيش الباكستاني وأقارب وسكان محليون يحضرون جنازة الجندي عمر حياة أحد الجنود الستة عشر الذين قُتلوا في هجوم شنه مسلحون على نقطة تفتيش في منطقة ماكين بوزيرستان الجنوبية (إ.ب.أ)

ومن جانبه، أعرب رئيس الوزراء محمد شهباز شريف، عن «عزم الحكومة الثابت على استئصال جميع صور الإرهاب من البلاد».

وأدان رئيس الوزراء بشدة «محاولة هجوم (فتنة الخوارج) الإرهابي على نقطة تفتيش أمنية في منطقة ماكين بوزيرستان الجنوبية».

جدير بالذكر أن المحاولة الإرهابية أسفرت عن مقتل 17 من أفراد قوات الأمن الباكستانية، بالإضافة إلى 8 من المسلحين.