كيسنجر في الصين للمرة المائة... وشي يستقبله «صديقاً قديماً»

50 عاماً على زيارة نيكسون والعلاقات الأميركية - الصينية عند «مفترق»

شي جينبينغ لدى استقباله هنري كيسنجر في بكين الخميس (أ.ف.ب)
شي جينبينغ لدى استقباله هنري كيسنجر في بكين الخميس (أ.ف.ب)
TT

كيسنجر في الصين للمرة المائة... وشي يستقبله «صديقاً قديماً»

شي جينبينغ لدى استقباله هنري كيسنجر في بكين الخميس (أ.ف.ب)
شي جينبينغ لدى استقباله هنري كيسنجر في بكين الخميس (أ.ف.ب)

أبلغ الزعيم الصيني شي جينبينغ، وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، الخميس، أن بلاده مستعدة لمناقشة «الطريقة الصحيحة» لوقف تردي الأوضاع مع الولايات المتحدة، معتبراً أن كلا الجانبين بحاجة إلى «اتخاذ قرارات جديدة» يمكن أن تقود إلى «نجاح وازدهار»، بعدما وصلت العلاقات بينهما «إلى مفترق».

وكان كيسنجر، الذي احتفل بعيد ميلاده المائة في مايو (أيار) الماضي، يزور الصين للمرة المائة، علماً أنه يحظى باحترام كبير هناك، باعتباره مهندس فتح العلاقات بين الصين بقيادة الزعيم التاريخي ماو تسي تونغ والولايات المتحدة في عهد الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، في أوج الحرب الباردة، في ظل المنظومة الشيوعية، وتحت الاتحاد السوفياتي في أوائل السبعينيات من القرن الماضي. ويعود الفضل في هذه المهمة بشكل خاص إلى كيسنجر، حتى قبل أن يصبح كبير الدبلوماسيين الأميركيين.

صداقة قديمة

وفي زيارة تتزامن أيضاً مع الذكرى السنوية الـ50 لزيارة نيكسون يرافقه كيسنجر إلى الصين عام 1973، اجتمع الرئيس شي، الذي يشغل أيضاً منصب الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني ويعد قائد أكبر جيش في العالم، مع كيسنجر في بيت الضيافة المعروف باسم دياويوتاي ستايت، وهو مكان غير رسمي يشبه المتنزه في بكين، وحضر الاجتماع أيضاً كبير الدبلوماسيين الصينيين، مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية المركزية في الحزب الشيوعي الصيني وانغ يي.

شاشة تعرض التغطية الإعلامية لزيارة كيسنجر في أحد شوارع بكين الخميس (أ.ف.ب)

ووفقاً لبيان أصدرته وزارة الخارجية الصينية، قال شي لكيسنجر إن «الشعب الصيني يثمّن الصداقة، ولن ننسى أبداً صديقنا القديم ومساهمتك التاريخية في تشجيع تطوّر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، وتشجيع الصداقة بين الشعبين الصيني والأميركي». وعلى هذا الأساس، فإن الصين مستعدة للتباحث مع الولايات المتحدة بشأن الطريقة الصحيحة للبلدين للتوافق وتعزيز التنمية المطردة للعلاقات الثنائية.

وقال شي، معرباً عن أمله في أن يواصل كيسنجر والقادة الآخرون في واشنطن لعب دور بنّاء في إعادة العلاقات الصينية - الأميركية إلى المسار الصحيح، إن هذا سيفيد الجانبين والعالم بأسره. وأضاف أن «هذا الأمر لم يفد فقط البلدين إنّما غيّر العالم»، الذي «يشهد حالياً تغيّرات لم نشهدها منذ قرن، والنظام الدولي يمرّ بتغيّر هائل». وقال إن «الصين والولايات المتحدة تقفان مرة أخرى على مفترق (يحدد) إلى أين تتجهان، وعلى الجانبين اتخاذ قرارات جديدة»، مضيفاً أنه «بالنظر إلى المستقبل، يمكن للصين والولايات المتحدة تحقيق نجاح وازدهار مشتركين».

وفي إشارة إلى دور كيسنجر في فتح آفاق جديدة للعلاقات الأميركية - الصينية أثناء عمله مستشاراً للأمن القومي خلال إدارة نيكسون، قال وانغ يي إن الدبلوماسي الأميركي الكبير اضطلع بـ«دور لا غنى عنه في تقديم المشورة لتعزيز التفاهم المتبادل بين البلدين».

وطبقاً لبيان وزارة الخارجية الصينية، قال وانغ إن «سياسة الولايات المتحدة حيال الصين تستوجب حكمة دبلوماسية مثل حكمة كيسنجر، وشجاعة سياسية مثل شجاعة نيكسون». وأضافت أن الجانبين ناقشا أيضاً الحرب في أوكرانيا، فضلاً عن الذكاء الاصطناعي وقضايا اقتصادية. وأخبر وانغ كيسنجر أنه «يستحيل» تحويل الصين أو تطويقها أو احتواؤها، في إشارة إلى اتهام يوجهه مسؤولون صينيون للولايات المتحدة بمحاولة القيام بذلك في نزاعاتها مع الصين حول تايوان والتجارة والتكنولوجيا، وسجل بكين في مجال حقوق الإنسان.

وأجرى كيسنجر أيضاً، الثلاثاء، محادثات مع وزير الدفاع لي شانغفو، الذي مُنع من زيارة الولايات المتحدة بسبب مبيعات الأسلحة التي أشرف عليها مع روسيا. ونقلت وزارة الدفاع الصينية عن لي إشادته بالدور الذي اضطلع به كيسنجر في الانفتاح بين الصين والولايات المتحدة. لكنها أضافت أن العلاقات الثنائية وصلت إلى نقطة متدنية بسبب «بعض الأشخاص على الجانب الأميركي ممن لا يرغبون في ملاقاة الصين في منتصف الطريق».

جهود استئناف الحوار

وتزامن وجود كيسنجر مع زيارة قام بها المبعوث الأميركي للمناخ جون كيري، وهو ثالث مسؤول كبير في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في الأسابيع الأخيرة يسافر إلى الصين لحضور اجتماعات هناك، بعد وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزيرة الخزانة جانيت يلين، في مساعٍ دبلوماسية هدفها معاودة الحوار الذي أوقفته بكين بسبب خلافات عديدة، أبرزها دعم الولايات المتحدة للديمقراطية في تايوان، التي تحظى بالحكم الذاتي وتصر الصين على أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها.

هنري كيسنجر يجتمع بكبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي في بكين (أ.ب)

ويفيد المسؤولون الأميركيون بأن ليس لديهم مثل هذه النوايا، ويسعون فقط إلى الحوار الصريح والمنافسة العادلة. غير أن ذلك أدى إلى قطع الصين العديد من الاتصالات مع إدارة بايدن في أغسطس (آب) الماضي، بما في ذلك في شأن قضايا المناخ، تعبيراً عن الغضب بعد زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي لتايوان، التي تلوح الصين باستعادتها، ولو بالقوة إذا لزم الأمر، مما يهدد بجر الولايات المتحدة إلى نزاع كبير في منطقة حاسمة للاقتصاد العالمي.

واستعيدت الاتصالات ببطء. ولا تزال بكين ترفض استئناف الحوار بين الجيشين الأميركي والصيني. وحتى قبل زيارة بيلوسي، تؤكد الولايات المتحدة أن الصين رفضت أو فشلت في الرد على أكثر من عشرة مطالب من وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» لإجراء حوارات رفيعة المستوى منذ عام 2021.

ولم تردّ بعد موجة الدبلوماسية الأميركية بالمثل من قبل الصين، التي لديها قائمة التنازلات الخاصة بها التي تريدها من الولايات المتحدة. ويرفض مسؤولون أميركيون، بينهم كيري، عرض أي صفقات من هذا النوع.

غياب وزير الخارجية الصيني

ولم يلتق كيسنجر وزير الخارجية الصيني تشين غانغ، الذي لا يزال بعيداً عن الأنظار منذ أكثر من ثلاثة أسابيع. وعلى رغم التكهنات في شأن المنافسات السياسية والفضائح الشخصية، لم تقدم وزارة الخارجية الصينية أي معلومات حول وضعه بما يتماشى مع النهج المعياري للحزب الشيوعي تجاه شؤون الموظفين في نظام سياسي شديد الغموض.

في غضون ذلك، أكد السفير الصيني لدى واشنطن شيه فينغ أن الصين لا تريد حرباً تجارية مع الولايات المتحدة، لكنه انتقد القيود التي فرضتها إدارة بايدن، العام الماضي، على بيع الرقائق ومعدات صناعتها في الصين. وقال في منتدى أسبن للأمن والسياسة الخارجية في أسبن بولاية كولورادو، إن «الصين لا تخجل من المنافسة، لكن أعتقد أن تعريف المنافسة من الولايات المتحدة ليس عادلاً»؛ إذ إنها «تحاول الفوز بإبعاد الصين»، في إشارة إلى الإجراءات الأميركية ضد عملاق الاتصالات الصيني «هواوي» بسبب مخاوف أمنية. وأضاف أن «هذا يشبه تقييد الجانب الآخر لارتداء ملابس السباحة القديمة في مسابقة السباحة، بينما أنت نفسك (ترتدي ماركة) سبيدو». وقال: «لا نريد حرباً تجارية، ولا حرباً تكنولوجية. نريد أن نقول وداعاً للستار الحديدي، فضلاً عن ستار السيليكون».


مقالات ذات صلة

رئيس تايوان يبدأ جولة إقليمية تشمل هاواي الأميركية

آسيا الرئيس التايواني لاي تشينغ-تي يلوّح للإعلاميين في المطار قبل مغادرته تايوان (أ.ب)

رئيس تايوان يبدأ جولة إقليمية تشمل هاواي الأميركية

غادر الرئيس التايواني لاي تشينغ-تي بلاده، اليوم السبت، للقيام بجولة مدتها أسبوع في منطقة المحيط الهادئ تشمل محطة في هاواي قوبلت بتهديدات من بكين.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)
آسيا الصحافي الصيني دونغ يويو (شبكة «سي إن إن» الأميركية)

سجن صحافي في الصين بتهمة التجسس بعد «لقاء مع دبلوماسيين يابانيين»

قضت محكمة في بكين، اليوم (الجمعة)، بسجن الصحافي الصيني دونغ يويو 7 سنوات بتهمة التجسس، وفق ما أفادت عائلته.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق رجل الأعمال الصيني الأميركي جاستن صن يأكل عملاً فنياً على شكل موزة مكون من موزة طازجة ملتصقة بالحائط بشريط لاصق في هونغ كونغ في 29 نوفمبر 2024 بعد شراء العمل الفني الاستفزازي في مزاد في نيويورك مقابل 6.2 مليون دولار (أ.ف.ب)

«إنها فعلا لذيذة»... صيني يأكل موزة اشتراها بـ6 ملايين دولار

أوفى رجل اشترى عملاً فنياً يمثل موزة مثبتة على حائط لقاء 6.2 مليون دولار، بوعده الجمعة، وأقدم على تناول قطعة الفاكهة.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ)
العالم تظهر هذه الصورة التي التقطتها قوات الدفاع الجوي اليابانية قاذفة صينية من طراز «H  -6» تحلق فوق بحر الصين الشرقي في 24 مايو 2022 (رويترز)

الجيشان الروسي والصيني ينفّذان دورية جوية مشتركة فوق بحر اليابان

قال التلفزيون المركزي الصيني (سي سي تي في)، إن الجيشَين الصيني والروسي نفَّذا الدورية الجوية الاستراتيجية المشتركة التاسعة في المجال الجوي فوق بحر اليابان.

«الشرق الأوسط» (بكين - موسكو)
آسيا مقاتلة صينية تستعد للإقلاع من حاملة الطائرات «شاندونغ» خلال تدريبات عسكرية حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)

تايوان ترصد 41 طائرة عسكرية صينية في محيطها قبل أول رحلة خارجية لرئيسها

أعلنت وزارة الدفاع التايوانية، اليوم (الجمعة) أنها رصدت 41 طائرة عسكرية وسفناً صينية حول الجزيرة، وذلك قبل زيارة للرئيس التايواني لاي تشينغ تي، إلى الخارج.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)

إنقاذ 100 لاجئ من الروهينغا من المياه قبالة إندونيسيا

أولاد من اللاجئين الروهينغا يلعبون داخل مخيم للاجئين في بنغلادش (رويترز)
أولاد من اللاجئين الروهينغا يلعبون داخل مخيم للاجئين في بنغلادش (رويترز)
TT

إنقاذ 100 لاجئ من الروهينغا من المياه قبالة إندونيسيا

أولاد من اللاجئين الروهينغا يلعبون داخل مخيم للاجئين في بنغلادش (رويترز)
أولاد من اللاجئين الروهينغا يلعبون داخل مخيم للاجئين في بنغلادش (رويترز)

أُنقذ أكثر من مائة من اللاجئين الروهينغا بينهم نساء وأطفال بعد غرق مركبهم قبالة سواحل إندونيسيا، وفق ما أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اليوم السبت.

يعاني الروهينغا، ومعظمهم من المسلمين، من الاضطهاد في بورما (ميانمار) ويجازف الآلاف بحياتهم كل عام لخوض رحلات طويلة وخطيرة بحرا للوصول إلى ماليزيا أو إندونيسيا.

وقال فيصل رحمن من المفوضية الأممية لوكالة الصحافة الفرنسية: «تلقينا تقريرا من حكومة شرق آتشيه بأن هناك 116 لاجئا بالمجموع». وأضاف أن «اللاجئين ما زالوا على الشاطئ الآن ولم يتم اتّخاذ قرار بشأن المكان الذي سينقلون إليه».

وأشار إلى أنه تم العثور على القارب الخشبي الذي كان نصف غارق في مكان غير بعيد عن ساحل جزيرة سومطرة (شمال شرق).

وقال صياد محلي يدعى صفي الدين طاهر إن القارب رُصد أول مرة أثناء دخوله مياه شرق آتشيه صباح السبت، وغرق بعد عدة ساعات. وأضاف أن «جميع الركاب نجوا لكن أحدهم كان مريضاً وعولج فوراً»، موضحاً أن القارب كان على مسافة 100 متر فقط عن الشاطئ وأن بإمكان اللاجئين مغادرته سيرا على الأقدام بسهولة.

تتراجع وتيرة وصول الروهينغا إلى إندونيسيا في الشهور التي تشهد عواصف عادة، لتتسارع مجددا عندما يهدأ البحر.

ولم توقع إندونيسيا اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين وتشدد على أنه لا يمكن إجبارها على استقبال اللاجئين القادمين من بورما، داعية بدلا من ذلك البلدان المجاورة لمشاركة العبء وإعادة توطين الروهينغا الذين يصلون إلى شواطئها.

يتعاطف العديد من سكان آتشيه الذين اختبروا بأنفسهم عقودا من النزاعات الدموية، مع معاناة الروهينغا. لكن البعض يقولون إن صبرهم نفد متهمين الروهينغا باستهلاك الموارد الشحيحة أساسا والدخول في خلافات مع السكان.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023، أصر مئات الطلاب على نقل أكثر من مائة لاجئ من الروهينغا فاقتحموا قاعة احتمى فيها اللاجئون في آتشيه وخرّبوا أمتعتهم.