ومع اقتراب ساعة الصفر، أمسك الرجال ببنادقهم الآلية، في الوقت الذي سارع قائدهم، حبيب رحمن إنقياد، للتعرف على الموقع المحدد لهدفهم. وأمسك ببعض هواتف زملائه واتصل برؤسائه، الذين أكدوا بدورهم أنهم أرسلوا له الموضع بدقة عبر تطبيق «واتساب».
إلا أنه كانت هناك مشكلة واحدة بالأمر، أن «(واتساب) عطل حسابه، تماشياً مع العقوبات الأمريكية».
في هذا الصدد، أوضح إنقياد (25 عاماً) أن السبيل الوحيد الذي نتواصل من خلاله «واتساب»، وليست لديّ إمكانية للدخول عليه. يذكر أن «نيويورك تايمز» تتابع إنقياد منذ استيلاء «طالبان» على السلطة في أغسطس (آب) 2021.
شكاوى من الحظر المؤقت
لم يكن إنقياد وحده من أطلق هذه الشكوى، ذلك أنه خلال الأشهر الأخيرة شاعت الشكاوى على نطاق واسع بين مسؤولي «طالبان» والشرطة والجنود من أن حساباتهم عبر «واتساب» جرى حظرها أو تعطيلها مؤقتاً. وكشفت هذه الأعطال كيف أن هذا التطبيق المخصص لتبادل الرسائل أصبح بمثابة العمود الفقري لحكومة «طالبان» الناشئة. كما سلطت الضوء على العواقب واسعة النطاق للعقوبات المفروضة على حكومة تعد من بين الأكثر عزلة على مستوى العالم
المعروف أن الولايات المتحدة تجرّم منذ أمد بعيد أي شكل من أشكال الدعم لـ«طالبان». وعليه، يحرص القائمون على تطبيق «واتساب»، التابع لشركة «فيسبوك»، على مسح أسماء المجموعات ووصفها والصور الخاصة بها، من أجل رصد المستخدمين من أعضاء «طالبان» وحظر حساباتهم، طبقاً لما صرح به متحدث رسمي باسم الشركة.
ويجري تطبيق هذه السياسة منذ فرض العقوبات الأميركية ضد «طالبان» منذ أكثر عن عقدين، بحسب تقرير «نيويورك تايمز»، الأحد. حتى عندما كانت «طالبان» حركة متمردة، تسبب الحظر في تعطيل عمل بعض المقاتلين الذين كانوا يعتمدون على التطبيق، لأنه كان يخدم الأشخاص الأميين الذين ليس بمقدورهم القراءة ولا الكتابة، ويجهلون كذلك المهارات التكنولوجية، وذلك من خلال ميزة الرسائل الصوتية.
ومن خلال هذه الميزة، كان بمقدورهم البعث برسائل واستقبال رسائل والاستماع إلى التعليمات الشفهية القادمة من قادتهم من خلال مجرد ضغطة زر واحدة.
«واتساب» محوري في اتصالات طالبان
مع ذلك، اتسعت رقعة اعتماد «طالبان» على «واتساب» خلال العامين الماضيين، مع انتشار استخدام الهواتف الذكية، وتحسن مستوى شبكات الجيل الرابع في جميع أنحاء أفغانستان مع نهاية الحرب التي قادتها الولايات المتحدة.
ومع تعزيز «طالبان» سيطرتها على البلاد، أصبحت الأعمال البيروقراطية الداخلية لإدارتها أكثر تنظيماً، وتحول «واتساب» إلى عنصر محوري في الاتصالات الرسمية.
في هذا الإطار، تستخدم الإدارات الحكومية مجموعات «واتساب» لنشر المعلومات بين الموظفين. ويعتمد الموظفون على مجموعات أخرى لتوزيع بيانات على الصحافيين، وتناقل البيانات الرسمية بين الوزارات. كما تتولى قوات الأمن التخطيط وتنسيق الغارات ضد خلايا «داعش» والجماعات الإجرامية ومقاتلي المقاومة، من خلال «واتساب».
في هذا الصدد، أكد شير أحمد برهاني، المتحدث باسم الشرطة التابعة لـ«طالبان» في مقاطعة بغلان، شمال أفغانستان، أن «تطبيق (واتساب) مهم للغاية لنا. كل عملي يعتمد عليه. لو لم يكن موجوداً، لأصيبت جميع أعمالنا الإدارية وغير الإدارية بالشلل».
جدير بالذكر أن استعانة «طالبان» بـ«واتساب» بدأت أثناء الحرب. في ذلك الوقت، اكتسب التطبيق شهرة عالمية، وبدأت أبراج شبكات الهواتف المحمولة تنتشر في مختلف أرجاء أفغانستان. اليوم، يقدر خبراء أن حوالي 70 في المائة من سكان أفغانستان لديهم هاتف محمول. ويعتمد الأفغان، مثل الملايين حول العالم، على سرعة «واتساب» ومرونته في تواصل بعضهم مع بعض، ومع العالم الخارجي.
من جانبه، قال قندوزي، قائد بجيش «طالبان»، فضّل عدم ذكر اسمه الحقيقي، لأنه غير مخول له الحديث لوسائل الإعلام، إن «تطبيق (واتساب) يعدّ أداة بسيطة، في وقت كان إرسال مقاطع الفيديو والصور عبر البريد الإلكتروني يستغرق كثيراً من الجهد والوقت»
ومنذ استيلاء «طالبان» على السلطة، تزايدت شعبية وإمكانية الوصول إلى «واتساب» بين صفوف أعضاء الجماعة. وشرع مقاتلو «طالبان» السابقون في استخدام هواتفهم الذكية على مدار الساعة، ولم يعودوا يخشون أن تستخدم القوات الغربية الإشارة لتعقبهم أو استهدافهم في ضربات الطائرات من دون طيار، حسب تصريحاتهم.
ومع تولي آلاف المقاتلين السابقين مناصب جديدة كرجال شرطة وجنود في المدن الكبرى التي أصبحت الآن تحت سيطرة «طالبان»، تمكنوا كذلك من الوصول إلى متاجر الهواتف المحمولة المناسبة.
بعد ظهر أحد الأيام داخل أحد متاجر الهواتف المحمولة في وسط كابل، احتشد عشرات من أعضاء «طالبان» على مقاعد خشبية، في انتظار استدعاء أرقام خدمتهم. ومنذ أن بدأت الحكومة الجديدة في صرف رواتب مقاتلي «طالبان» الذين تحولوا إلى موظفين حكوميين، شهدت متاجر الهواتف المحمولة تدفق عملاء جدد، بل لم يعد بإمكان كثير من البائعين مواكبة الطلب. وفي جميع أنحاء أفغانستان، أبلغت المتاجر عن نقص في بطاقات شرائح الهواتف المحمولة، واضطرت للاعتذار إلى عملاء.
وأثناء جلوسه في غرفة الانتظار، ظل محمد عارف أوميد (21 عاماً) يعبث بتذكرة ورقية في يده، وهاتفه الذكي من «سامسونغ» في اليد الأخرى. ينتمي أوميد في الأصل إلى مقاطعة هلمند في الجنوب، وقد اشترى أوميد هاتفه المحمول الأول منذ حوالي 4 سنوات.
وعن ذلك، قال: «كنا نعيش بالجبال، ولم نتمكن من الذهاب إلى المتاجر في المدن للحصول على هاتف أو شريحة». بدلاً عن ذلك، اضطر مقاتلو «طالبان» إلى تعقب تجار السلع المستعملة في المحافظات الريفية الخاضعة لسيطرة الجماعة أو إعطاء المال لأحد أقاربهم للتسوق من أجلهم. أما في الوقت الحاضر، فيرى أوميد أن الحصول على هاتف ذكي رائع وشريحة خط أصبح أمراً أسهل عن أي وقت مضى.
ومع ذلك، فإن لعبة القط والفأر لإغلاق الحسابات أصبحت مصدر إزعاج للمسؤولين في «طالبان». الأمر الذي يذكرهم على نحو شبه يومي بأن الحكومة التي يقودونها أصبحت منبوذة على الساحة العالمية.
جدير بالذكر أنه لم تعترف أي حكومة أجنبية رسمياً بإدارة «طالبان» في أفغانستان. وأدى تجميد الحكومة الأمريكية لأصول بمليارات الدولارات مملوكة للبنك المركزي الأفغاني إلى إعاقة حركة الاقتصاد. وتسبب حظر السفر في منع قادة «طالبان» من مقابلة بعض الشخصيات المرموقة في الخارج.