الصين: مداهمة مكتب شركة أميركية لـ«حماية الأمن القومي»

أزمة بين بكين وأوتاوا بعد طرد دبلوماسي متبادل

TT

الصين: مداهمة مكتب شركة أميركية لـ«حماية الأمن القومي»

المبنى الذي يضم مكاتب شركة «كابفيجين» الأميركية في شنغهاي (رويترز)
المبنى الذي يضم مكاتب شركة «كابفيجين» الأميركية في شنغهاي (رويترز)

أكدت الصين، الثلاثاء، أن عملية مداهمة مكتب شركة الاستشارات الأميركية «كابفيجين» في مدينة سوجو، شرق البلاد، كانت تهدف لحماية «مصالح الأمن القومي والتنمية» الخاصة بها، في حين اندلعت أزمة دبلوماسية جديدة بينها وبين كندا مع إعلانها طرد القنصل العامة الكندية في شنغهاي كرد انتقامي على قرار مماثل اتخذته أوتاوا في حق دبلوماسي صيني اتهم بالسعي لتخويف نائب كندي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ونبين، عند سؤاله حول التحقيقات المتعلقة بالشركة: «قامت وكالات الأمن القومي الصينية والإدارات ذات الصلة بتنفيذ إجراءات تطبيق القانون ضد الشركة المعنية وفقاً للقانون... يهدف ذلك لتعزيز التنمية الصحية للقطاع وحماية مصالح الأمن القومي والتنمية».

وكانت قناة «سي سي تي في» التابعة للدولة، قالت (الاثنين) إن السلطات الصينية بدأت تحقيقاً في شركة «كابفيجين»، وهي شركة استشارات مقرها الولايات المتحدة. وبحسب التقرير، فإن التحقيق يستند إلى نتائج توصلت إليها السلطات الصينية، مفادها أن العمليات المحلية لشركات الاستشارات الأجنبية تم استخدامها من منظمات من الخارج للحصول على أسرار دولة ومعلومات حساسة أخرى. وأوردت وسائل إعلام رسمية في مقاطعة جيانغسو، أن التحقيق تضمن مداهمة مكتب «كابفيجين» في سوجو. وعززت بكين أخيراً رقابتها على الشركات الأجنبية في قطاع الاستشارات وأبحاث الأعمال، واحتجزت موظفين وأغلقت مكتب شركة «مينتز غروب» للعناية الواجبة بالشركات في مارس (آذار) الماضي. وفي نهاية أبريل (نيسان) الماضي، قامت السلطات الصينية باستجواب الموظفين في مكتب عملاق الاستشارات الأميركية «باين آند كومباني» في شنغهاي. وقالت الشركة، التي تقدم استشارات في مجال الاستراتيجية والإدارة، إن موظفيها تعرضوا للاستجواب من دون ذكر سبب ذلك.

أزمة دبلوماسية

إلى ذلك، أعلنت الصين، الثلاثاء، طرد القنصل العامة الكندية في شنغهاي كرد انتقامي على قرار مماثل اتخذته أوتاوا (الاثنين) في حق دبلوماسي صيني اتّهمته بالسعي لترهيب نائب كندي وعائلته على خلفية انتقادات وجّهها إلى بكين، ما أثار بين البلدين أزمة دبلوماسية حادة جديدة تتهم بكين أوتاوا بالمسؤولية عنها. وقالت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي: «لن نتسامح مع أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية»، معلنة طرد الدبلوماسي الذي أعلنته «شخصاً غير مرغوب فيه» في البلاد. ولم تتأخر الصين، ثاني أكبر شريك تجاري لكندا، بالرد. وأعلنت وزارة الخارجية الصينية (الثلاثاء) أن «الصين قررت إعلان جينيفر لين لالوند القنصل العامة لكندا في شنغهاي شخصاً غير مرغوب فيه»، مضيفة أنها «تحتفظ بالحق في اتخاذ مزيد من إجراءات الرد». وأضافت أن حكومة جاستن ترودو «تنتهك بشكل خطير ليس القانون الدولي فحسب، بل أيضاً القواعد الأساسية للعلاقات الدولية». ودعت الصين كندا إلى وقف «الاستفزازات غير المبررة» بعد طرد متبادل لدبلوماسيَّين من البلدين.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية وانغ ونبين، في إفادة صحافية: «ننصح الجانب الكندي بالتوقف الفوري عن استفزازاته غير المبررة (...) إذا لم ينصت الجانب الكندي لهذه النصيحة وتصرف بتهوّر، ستتخذ (الصين) إجراءات انتقامية حازمة وقوية، وسيتحمل الجانب الكندي كل العواقب». وبررت الوزيرة الكندية أن «هذا القرار اتُّخذ مع مراعاة كل العوامل ذات الصلة»، مشيرة في بيان مقتضب إلى أهمية «الدفاع عن الديمقراطية الكندية». ففي هذه القضية، كان لدى الصين رد قوي بعد استدعاء سفيرها الأسبوع الماضي وأدانت ما وصفته بـ«افتراء وتشهير لا أساس لهما» من قبل كندا. وأفاد مصدر مطّلع بأن تشاو وي، الدبلوماسي في القنصلية الصينية في تورونتو، سيرحّل في غضون خمسة أيام. وتتّهم أوتاوا الدبلوماسي الصيني بأنه مسؤول عن محاولات ترهيب النائب الكندي المحافظ مايكل تشونغ، الذي واجه هو وعائلته ضغوطاً صينية بسبب انتقادات وجهها إلى بكين، خصوصاً بشأن مسألة الأويغور. ومنذ أسابيع، تتعرّض حكومة جاستن ترودو لضغوط متزايدة لرفع النبرة تجاه بكين المتهمة بالتدخل المتكرر في الشؤون الكندية. وقالت المحلّلة جنفييف تيلييه، أستاذة الدراسات السياسية في جامعة أوتاوا: «كانت هناك (...) مخاطرة سياسية حقيقية لحكومة ترودو. لذلك قررت المجازفة بعرض عضلاتها». وتدهورت العلاقات بين بكين وأوتاوا بشكل حاد في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد توقيف كندا في عام 2018 الرئيسة التنفيذية لشركة «هواوي» الصينية.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».