عادت سياسة التصعيد الإسرائيلية مع ترقب حل أزمة الجثث الثلاث المتبقية في صفقة التبادل بالمرحلة الأولى باتفاق وقف إطلاق النار بغزة، والاستعداد لدخول المرحلة الثانية بعد قرار مجلس الأمن بنشر قوات دولية في القطاع.
ذلك التصعيد الذي جاء في شكل اغتيالات وهجمات إسرائيلية تحاصر «حماس»، يأتي في ظل تأخر تشكيل «لجنة إدارة القطاع»، وسط خلافات فلسطينية - فلسطينية بشأنها، لكن خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرجحون أن الوسطاء سيتحركون لتعجيل تشكيلها لمنع إسرائيل من أي تصعيد، أو أي ذرائع مستقبلية لتعطيل الذهاب للمرحلة الثانية.
وقال مصدر مصري لـ«الشرق الأوسط»، إنه «حتى الجمعة لم يتم التوصل إلى اتفاق لتشكيل بشأن لجنة إدارة غزة رغم أهميتها بعد قرار مجلس الأمن، لأسباب منها أن هناك تجاذبات فلسطينية - فلسطينية بين تشكيل لجنة موسعة تضم 15 شخصاً، ولجنة مقترحة تضم 7، بالإضافة إلى وزير مشرف من حكومة محمد مصطفى».
وأكد مصدر آخر فلسطيني، الجمعة، لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك جهوداً من الوسطاء تبذل لتشكيل لجنة التكنوقراط التي تأخرت بشكل كبير، وتحتاج لتوافق فلسطيني كلي»، معتقداً أن «الوسطاء قد يلجأون لتشكيلها حتى لو لم يكن هناك اتفاق عليها، لتوجد بالتزامن مع مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتشكيل مجلس السلام المشرف على تلك اللجنة وتجهيز قوات الاستقرار، وهذان الأمران يحتاجان للجنة إدارة موجودة على الأرض للتنفيذ، وتكون إحدى سبل منع تصعيد إسرائيل».
وجاء هذا التصعيد مع إعلان الجيش الإسرائيلي، في بيان، الخميس، أنه أغار على أهداف لحركة «حماس» في قطاع غزة، واستهدف «عبد الله أبو شمالة، رئيس المنظومة البحرية لحركة (حماس) في قطاع غزة وفادي أبو مصطفى، مسؤول الأنفاق في إحدى كتائب منطقة خان يونس التابعة لحركة (حماس)، الذي شارك في احتجاز رهائن».
كما أعلن «الدفاع المدني» في غزة، الخميس، مقتل 5 أشخاص، بينهم طفلة تبلغ عاماً واحداً، في غارات جوية إسرائيلية على جنوب القطاع فجراً، ما رفع عدد القتلى جراء الضربات التي شنّتها إسرائيل إلى 32، منذ الأربعاء، في ظل تبادلها وحركة «حماس» الاتهامات بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار.

وأعلن المكتب الإعلامي لـ«حماس»، في غزة، الخميس، أن الجيش الإسرائيلي تجاوز «الخط الأصفر»، الذي انسحب إليه عقب الاتفاق «عبر التوغل في المنطقة الشرقية بمدينة غزة، وتغيير أماكن تموضع العلامات الصفراء، بتوسيع المنطقة التي يسيطر عليها جيش الاحتلال بمسافة 300 متر في شوارع الشعف والنزاز وبغداد»، مشيراً إلى أن ذلك التوسع «اعتداء جديد وخرق للاتفاق».
ويأتي استئناف إسرائيل لخروقاتها العسكرية ضد القطاع الفلسطيني المدمّر بعد عامين من الحرب، بعد أيام من اعتماد مجلس الأمن الدولي في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، قراراً مقدماً من الولايات المتحدة يأذن بإنشاء «قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار في قطاع غزة».
وهذا دفع «الخارجية القطرية»، في بيان، الخميس، لإعلان أن بلادها «تدين بشدة اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي الوحشية في قطاع غزة، التي تتسبب في سقوط شهداء ومصابين، عبر تصعيد خطير يقوم بتقويض اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع».
بينما أكدت مصر في بيان لـ«الخارجية»، «أهمية التنفيذ الفعال لقرار مجلس الأمن 2803، على نحو يضمن تثبيت وقف إطلاق النار، ودعم جهود إعادة الإعمار، ويدعم أفقاً سياسياً لتسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية».
وقال أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشأنين الفلسطيني والإسرائيلي، طارق فهمي، إن مسار التصعيد الحالي، أخطره توسيع إسرائيل منطقة (الخط الأصفر) والدخول في مناطق «حماس»، بخلاف عودة سياسة الاغتيالات، مما يؤكد التعمد في توسيع الصدام، الذي قد تواجهه الحركة بعمليات رمزية بأقصى تقدير، أو اللجوء إلى الوسطاء لدفع واشنطن للضغط من أجل تهدئة.
ولا يرى فهمي في الأفق القريب، إمكانية تجاوز المرحلة الأولى، خصوصاً والقوات الدولية قد تأخذ شهرين للتشكيل، وعدم وجود انفراجة فلسطينية - فلسطينية بشأن تشكيل لجنة إدارة غزة.

ولا يستبعد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، في ظل استمرار التصعيد الإسرائيلي، أن يتحرك الوسطاء بقوة للضغط مع واشنطن، للتعجيل بقوة إدارة غزة وإنهاء الخلافات الفلسطينية - الفلسطينية.
ووسط ذلك التصعيد، وجهود البحث، لا يزال إنهاء المرحلة الأولى من اتفاق غزة يتوقف على 3 جثث إسرائيلية متبقية، ولا يزال أمرهم قيد بحث الفصائل، ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الجمعة، عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله: «هناك جهد حقيقي وصعوبة حقيقية لإعادة الجثامين»، وتتمسك إسرائيل بتسلّم الجثث قبل الانتقال لأي مرحلة.
ورغم ذلك عين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طاقماً مصغراً من 6 وزراء لإدارة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بعد اجتماع للمجلس الخميس، وفق ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية، الجمعة. والوزراء الذين عينهم نتنياهو هم: وزراء الدفاع يسرائيل كاتس، والخارجية جدعون ساعر، والمالية بتسلئيل سموتريتش، والأمن القومي إيتمار بن غفير، والعدل ياريف ليفين.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشأنين الفلسطيني والإسرائيلي، أن نتنياهو مصر على تأخير استحقاق الانتقال للمرحلة الثانية ويناور بتوسيع عملياته العسكرية، مضيفاً: «وفي كل الأمور السيناريو مفتوح لكل الاحتمالات؛ ومنها استمرار المرحلة الأولى لنهاية العام، باعتبار أنه سيناريو رابح لإسرائيل لتنفيذ مخططاتها، ولـ(حماس) بالبقاء في السلطة واستمرار تمركزها العسكري والخدمي والأمني».
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني أن تحركات نتنياهو تستهدف التهدئة مع خصومه بالحكومة وإعاقة الانتقال للمرحلة الثانية، موضحاً: «لكن لا تزال الكرة في ملعب واشنطن، وهي القادرة على ممارسة ضغوط على كل الأطراف لإنجاز شيء على الأرض يوقف التصعيد ويدفع نحو تنفيذ المرحلة الثانية وتشكيل لجنة إدارة غزة سريعاً لوقف التصعيد».









