مع استمرار حرب غزة وتداعياتها التي أطالت أمد التوترات في منطقة البحر الأحمر، ازداد نزف الخسائر في «قناة السويس» المصرية، لتنخفض إيرادات الممر الملاحي بنحو 145 مليار جنيه مصري (2.99 مليار دولار)، ما يفرض على القاهرة اتخاذ إجراءات عدة للتقليل من تداعيات توترات البحر الأحمر على اقتصادها.
وقال وزير المالية المصري أحمد كجوك، في مؤتمر صحافي (السبت)، إن «البلاد خسرت 145 مليار جنيه مصري من إيرادات قناة السويس في السنة المالية 2024 - 2025؛ نتيجة الاضطرابات في البحر الأحمر»، (الدولار يساوي 48.46 جنيه).
ومنذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، غيَّرت شركات شحن عالمية مسارها، متجنبةً المرور في البحر الأحمر، إثر استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية، السفن المارة بالممر الملاحي، «رداً على استمرار الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة».
وسبق أن أشارت مصر مراراً إلى تأثر حركة الملاحة بقناة السويس بالتوترات الإقليمية. وسجَّلت إيرادات القناة في العام الماضي تراجعاً حاداً بنسبة 61 في المائة لتحقق 3.9 مليار دولار، مقارنة بنحو 10.2 مليار دولار في عام 2023 الذي شهد في نهايته اندلاع الحرب على غزة.
مقترحات بتقليل الخسائر
الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، أكد أن «وقف نزف الخسائر في قناة السويس لن يتوقف ما لم تتوقف حرب غزة». وأشار إلى إجراءات عدة من شأنها «تقليل التداعيات عبر تحسين موارد مصر الاقتصادية». وقال بدرة لـ«الشرق الأوسط»: «إن قناة السويس ممر ملاحي عالمي لا يمكن أن يعود لطبيعته ما دامت التوترات الناجمة عن حرب غزة مستمرة، لا سيما من مخاوف شركات الشحن الكبرى من تعرضها لهجوم حال مرورها في البحر الأحمر».

وأضاف: «مواجهة نزف الخسائر تتطلب الاجتهاد لتحسين موارد الدولة الاقتصادية، سواء عبر تنشيط المنطقة اللوجيستية لمحور القناة، أو عبر جذب مزيد من الاستثمارات لتحسين التصنيع والتشغيل وزيادة التبادل التجاري مع الدول المجاورة؛ ما يرفع قيمة الاستثمارات ويزيد من الإيرادات العامة للدولة».
وكان رئيس الهيئة العامة لقناة السويس، الفريق أسامة ربيع، قد أكد في وقت سابق هذا الشهر أن القناة «مستمرة في تقديم خدماتها البحرية والملاحية رغم التحديات الأمنية بمنطقة البحر الأحمر». وقال: «إن قناة السويس نجحت في اتخاذ خطوات جادة نحو الارتقاء بمستوى الخدمات الملاحية المُقدَّمة، وإضافة حزمة من الخدمات الجديدة التي لم تكن تُقدَّم من قبل، أبرزها خدمة الصيانة والإصلاح، وتبديل الأطقم، والإسعاف البحري، والتزود بالوقود، وذلك ضمن رؤية طموحة تستهدف تلبية متطلبات العملاء، وتنويع مصادر الدخل».
زيادة الاقتصاد الإنتاجي
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي، مدحت نافع، أن الاعتماد على الاقتصاد الريعي يجعل الدولة عرضةً للتأثر بالتقلبات الخارجية. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن تقليل تداعيات خسائر قناة السويس على الاقتصاد تتطلب أولاً زيادة الاقتصاد الإنتاجي من زراعة وصناعة، وتقليل الاعتماد على الاقتصاد الريعي المتمثل في عائدات القناة، والسياحة، وتحويلات المصريين في الخارج».
وأضاف: «إلى جانب ذلك، لا بد من تقليل الديون الخارجية، والحد من فاتورة الاستيراد، وهي إجراءات بدأت الحكومة فعلاً في تطبيقها تزامناً مع استمرار التحركات السياسية والدبلوماسية لخفض التصعيد في المنطقة».
وفي المؤتمر الصحافي، السبت، أشار كجوك إلى أن «الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمصر سجَّل نمواً بنسبة 4.5 في المائة في السنة المالية 2024 - 2025، مقارنة بـ2.4 في المائة في العام السابق، بدعم من الإصلاحات المرتبطة بتمويل صندوق النقد الدولي، وزيادة في نشاط الصناعات التحويلية». وتمتد السنة المالية في مصر من يوليو (تموز) حتى نهاية يونيو (حزيران).

ولمواجهة الخسائر اعتمدت قناة السويس خطةً تسويقيةً «مرنة» تزامناً مع تخفيضات على رسوم العبور، آملةً في تشجيع شركات الشحن على المرور في القناة.
لكن نافع أكد أن «مثل هذه الإجراءات قد تكون فاعلةً في حالات التنافس مع ممرات بديلة، لكنها قد لا تكون مؤثرة بدرجة كبيرة حال خشية السفينة من تعرضها لهجوم».
وشنَّ «الحوثيون» أكثر من 150 هجوماً ضد السفن منذ ذلك الوقت؛ ما أدى إلى غرق 4 سفن، وتضرر كثير من السفن الأخرى، فضلاً عن قرصنة السفينة «غالاكسي ليدر»، كما تسببت الهجمات في مقتل 10 بحّارين على الأقل.
ولا يعني توقف حرب غزة وتداعياتها في البحر الأحمر تعويض خسائر قناة السويس، حيث يحتاج الأمر إلى سنوات. وقال بدرة: «حتى لو توقفت حرب غزة الآن فإن مصر تحتاج إلى نحو 8 سنوات على الأقل لتعويض خسائر القناة في عامين».





