غموض يكتنف خطة إعمار غزة مع عودة الضربات الإسرائيلية

أطفال فلسطينيون قرب خيام النازحين في خان يونس (رويترز)
أطفال فلسطينيون قرب خيام النازحين في خان يونس (رويترز)
TT
20

غموض يكتنف خطة إعمار غزة مع عودة الضربات الإسرائيلية

أطفال فلسطينيون قرب خيام النازحين في خان يونس (رويترز)
أطفال فلسطينيون قرب خيام النازحين في خان يونس (رويترز)

أثار استئناف إسرائيل للضربات العسكرية على قطاع غزة، الثلاثاء، تساؤلات بشأن مصير المشاورات الرامية لحشد الدعم الدولي المالي والسياسي للخطة العربية - الإسلامية لإعادة إعمار غزة.

وبينما أكد مراقبون وخبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» أن تنفيذ خطة إعادة الإعمار مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوصول إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، معولين على جهود الوسطاء في مصر وقطر للدفع نحو وقف الحرب، أشاروا إلى أن «محاولات الترويج للخطة ستستمر رغم الضربات الإسرائيلية، ورغم عدم وجود إشارات واضحة من تل أبيب وواشنطن لدعم إعادة الإعمار».

وشنّت إسرائيل ضربات جوية جديدة في أنحاء قطاع غزة، متعهدة بـ«تصعيد القوة العسكرية» بعد تعثر المحادثات مع حركة «حماس» بشأن الإفراج عن مزيد من الرهائن.

قوة عسكرية إسرائيلية عند حدود قطاع غزة الثلاثاء (رويترز)
قوة عسكرية إسرائيلية عند حدود قطاع غزة الثلاثاء (رويترز)

وأدانت مصر بـ«أشد العبارات» الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت قطاع غزة، رافضة في إفادة رسمية لوزارة الخارجية الثلاثاء، «العمل على إفشال الجهود الهادفة للتهدئة واستعادة الاستقرار». ودعت الأطراف إلى «ضبط النفس وإتاحة الفرصة للوسطاء لاستكمال جهودها للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار».

وفي اتصال هاتفي، الثلاثاء، شدّد الرئيس المصري وأمير الكويت على «ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته للدفع تجاه الوقف الفوري لإطلاق النار، وتنفيذ حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية على خطوط 4 يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بما يعد الضمان الوحيد للتوصل للسلام الدائم بالشرق الأوسط».

ويرى عضو مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان المصري)، الدكتور عبد المنعم سعيد، أن الاتصالات بشأن الترويج للخطة العربية لإعادة الإعمار مستمرة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «منذ بدء الحرب كانت هناك تناقضات مستمرة تؤدي للعنف، لكن ذلك لم يمنع من اعتماد مسارات المفاوضات والوساطة للتهدئة».

وأضاف: «خطة إعادة الإعمار هي مشروع حي لإنقاذ غزة وتحقيق السلام، كونها تتضمن رؤية أعم وأوسع للسلام بشكل عام»، مشيراً إلى الاتصالات التي أجرتها وزارة الخارجية المصرية أخيراً في هذا الصدد.

فلسطينيون ينزحون من منازلهم بعدما أمرت إسرائيل بإخلاء عدد من الضواحي في قطاع غزة الثلاثاء (رويترز)
فلسطينيون ينزحون من منازلهم بعدما أمرت إسرائيل بإخلاء عدد من الضواحي في قطاع غزة الثلاثاء (رويترز)

ويتفق معه عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير محمد حجازي، مؤكداً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «الاتصالات مستمرة لحشد الدعم لإعادة الإعمار»، موضحاً أن «خطة إعادة الإعمار كانت متسقة مع اتفاق وقف إطلاق النار الذي تنصلت منه إسرائيل، لكن هذا لن يحول دون استمرار الجهود المصرية والعربية لوقف الحرب وبدء إعادة الإعمار»، معولاً على الضغوط الدولية لإنقاذ المنطقة من مزيد من التصعيد.

وقبيل استئناف الضربات الإسرائيلية على قطاع غزة، كثّفت مصر من تحركاتها، بهدف حشد وتعبئة الدعم السياسي والمادي للخطة العربية - الإسلامية للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة.

وفي هذا السياق، أجرى وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، سلسلة اتصالات هاتفية مع نظرائه بالدول الأعضاء باللجنة الوزارية العربية الإسلامية، شملت السعودية والإمارات والأردن وقطر وفلسطين وتركيا ونيجيريا وإندونيسيا، بشأن تنفيذ مخرجات قمة القاهرة الطارئة وخطة إعادة إعمار غزة. كما استضافت الخارجية المصرية، الاثنين، اجتماعاً مع أكثر من 100 سفير أجنبي وممثلي سفارات ومنظمات دولية، حول إعادة تأهيل القطاع الصحي بقطاع غزة، حيث تم تقديم عرض مرئي حول خطة إعادة إعمار قطاع غزة.

وخلال الاجتماع، أشار عبد العاطي إلى وجود متطلبات أساسية لنجاح الخطة، من بينها تثبيت وقف إطلاق النار في غزة. وشدّد وزير الخارجية على أن خطة إعادة إعمار غزة حصلت على تأييد إقليمي ودولي واسع، وأن مصر تعمل حالياً على ترتيب استضافة مؤتمر لإعادة إعمار غزة في القاهرة لتأمين التمويل اللازم لتنفيذ الخطة.

أطفال فلسطينيون قرب خيام النازحين في خان يونس (رويترز)
أطفال فلسطينيون قرب خيام النازحين في خان يونس (رويترز)

وعدّ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، إسرائيل «أحد المعوقات الرئيسية لتنفيذ خطة إعادة الإعمار»، مشيراً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الولايات المتحدة هي الجهة الوحيدة القادرة على إقناع إسرائيل بوقف إطلاق النار، لكنها على النقيض منحت تل أبيب ضوءاً أخضر لاستئناف الحرب».

وقال الرقب: «حتى الآن لا توجد إجراءات أو خطوات من جانب واشنطن تشير إلى رغبتها في إنجاح خطة إعادة إعمار غزة»، مشيراً إلى أن «إعادة الإعمار تتطلب الانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة، وهي ما لم يتحقق حتى الآن». وأضاف: «من غير الواضح ما إذا كان الوسطاء سيتمكنون من إقناع إسرائيل وواشنطن بالانتقال إلى المرحلة الثانية».

بدوره، أكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أنه منذ اليوم الأول لاعتماد الدول العربية وبعدها الإسلامية خطة إعادة الإعمار، «بدا أن إسرائيل مصرة على عدم تنفيذها، وظهر ذلك من خلال عرقلة المفاوضات حول المرحلة الثانية، والتمسك بمقترح أميركي لتمديد المرحلة الأولى».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يمكن تنفيذ إعادة الإعمار دون وقف كامل لإطلاق النار»، معولاً على إمكانات الوسطاء لبذل مزيد من الجهد للدفع نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بمساعدة أميركية، مشيراً إلى أن استئناف الضربات على قطاع غزة من شأنه تنفيذ خطة التهجير التي رفضتها مصر والدول العربية.

وكانت الإدارة الأميركية أرسلت إشارات متضاربة بشأن موقفها من خطة إعادة الإعمار، فبينما قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تامي بروس، في وقت سابق هذا الشهر، إن الاتفاق المقترح «لا يلبي الشروط ولا طبيعة ما يطالب به ترمب»، مضيفة أنها «ليست على قدر التوقعات». أشاد مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بجهود مصر. من دون أن يؤيد تفاصيل الخطة، وقال: «نحتاج إلى مزيد من النقاش بشأنها، لكنها تشكل خطوة أولى لحسن النية من جانب المصريين».

يذكر أن خطة إعادة الإعمار تتضمن تشكيل لجنة لتتولى إدارة شؤون قطاع غزة في مرحلة انتقالية لمدة 6 أشهر، على أن تكون مستقلة ومكونة من شخصيات غير فصائلية «تكنوقراط» تعمل تحت مظلة الحكومة الفلسطينية. ووفق الخطة، سيتم توفير سكن مؤقت للنازحين في غزة خلال عملية إعادة الإعمار، ومناطق داخل القطاع في 7 مواقع تستوعب أكثر من 1.5 مليون فرد. وقدّرت الخطة إعادة إعمار غزة بـ53 مليار دولار، وستستغرق 5 سنوات.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تقصف المستشفى المعمداني في غزة

المشرق العربي فلسطينيون ينقلون أحد ضحايا القصف الإسرائيلي على حي الشجاعية الجمعة إلى مستشفى المعمداني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

إسرائيل تقصف المستشفى المعمداني في غزة

قال مسعفون إن صاروخين إسرائيليين أصابا مبنى داخل مستشفى رئيسي في قطاع غزة، اليوم (الأحد)، مما أدى إلى تدمير قسم الطوارئ والاستقبال وإلحاق أضرار بمبان أخرى.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي جنود إسرائيليون ينفّذون عمليات في رفح بغزة (رويترز)

إسرائيل تضم رفح إلى «المنطقة الأمنية»

زادت إسرائيل، أمس (السبت)، ضغطها على حركة «حماس»، معلنة ضم مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، إلى «المنطقة الأمنية» التي تقيمها في القطاع المحاصر.

«الشرق الأوسط» (غزة - القاهرة)
العالم زعيم حزب المحافظين في كندا بيار بوالييفر (أ.ف.ب)

كندا: زعيم المحافظين يتعهد بترحيل الأجانب المروجين لمعاداة السامية

تعهد زعيم حزب المحافظين في كندا خلال حملته الانتخابية، السبت، بترحيل الأجانب الذين يثيرون الكراهية، وندد بالمسيرات المؤيدة للفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
المشرق العربي فلسطينيون يفحصون مكاناً تعرض لقصف إسرائيلي في مخيم جباليا بقطاع غزة (د.ب.أ) play-circle

«حماس»: وفد من الحركة توجه إلى القاهرة للاجتماع مع الوسطاء

قالت حركة «حماس»، اليوم السبت، إن وفداً برئاسة خليل الحية توجه إلى القاهرة للاجتماع مع الوسطاء من قطر ومصر للتوصّل إلى اتفاق ووقف الهجوم الإسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي صواريخ أطلقت من قطاع غزة باتجاه إسرائيل (أرشيفية - د.ب.أ) play-circle

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صواريخ أطلقت من غزة

قال الجيش الإسرائيلي، السبت، إنه اعترض «بنجاح» صاروخاً أُطلق من قطاع غزة، ما أدى إلى انطلاق صفارات الإنذار في عدة مناطق مفتوحة تابعة لبلدات الحدود الجنوبية.

«الشرق الأوسط» (غزة)

تشديد حوثي على وسائل الإعلام للتعتيم على أثر الضربات الأميركية

مخزن للأسلحة في وسط صنعاء استهدفته المقاتلات الأميركية (إعلام محلي)
مخزن للأسلحة في وسط صنعاء استهدفته المقاتلات الأميركية (إعلام محلي)
TT
20

تشديد حوثي على وسائل الإعلام للتعتيم على أثر الضربات الأميركية

مخزن للأسلحة في وسط صنعاء استهدفته المقاتلات الأميركية (إعلام محلي)
مخزن للأسلحة في وسط صنعاء استهدفته المقاتلات الأميركية (إعلام محلي)

استدعت الجماعة الحوثية وسائل الإعلام المختلفة في مناطق سيطرتها لاجتماع وُصف بـ«الطارئ»، في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، بغية إطلاعهم على ما تُسمى مصفوفة موجهات إعلامية جديدة تتعلق بالتصعيد العسكري الحالي والضربات الأميركية، إلى جانب تعليمات أخرى متصلة بالترويج الإعلامي للمعسكرات الصيفية.

وكشفت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن أن قادة الانقلاب المتحكمين بقطاع الإعلام ألزموا وسائل الإعلام بمدن سيطرتهم، بحضور اجتماع في صنعاء، خُصِص لمناقشة ما تُسمى «آليات التعاطي الإعلامي» مع الأحداث الجارية، بناءً على خُطط وبرامج أعدَّتها الجماعة سلفاً.

وأكدت المصادر شعور كبار قادة الانقلاب بعدم الرضا عن التغطية الإخبارية والمعلومات التي تداولتها ولا تزال وسائل الإعلام، أثناء وبعد تنفيذ الضربات الأميركية ضد التجمعات والأهداف العسكرية التابعة للجماعة في بعض المحافظات.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أمر في 15 مارس (آذار) ببدء حملة عسكرية ضد جماعة الحوثي، متوعداً باستخدام «قوة مميتة» و«القضاء الكامل» على قدراتهم، في إطار مسعى واشنطن لوقف تهديدات الجماعة للملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، ولردع الهجمات المتكررة التي تستهدف إسرائيل.

من اجتماع حوثي بممثلي وسائل إعلام عقد في صنعاء (إعلام حوثي)
من اجتماع حوثي بممثلي وسائل إعلام عقد في صنعاء (إعلام حوثي)

وحاول الانقلابيون في الأيام الأخيرة خداع اليمنيين والرأي العام العالمي عبر توجيه وسائل الإعلام المختلفة، خصوصاً غير الموالية غير مرة بنشر معلومات وأنباء تُشير إلى استهداف المدنيين والأعيان والبنى التحتية والمواقع الأثرية عقب كل غارة أميركية، وعدم نشر أي معلومات تخص استهداف مواقعهم العسكرية وأماكن تجمعاتهم ومخابئهم السرية.

تعليمات مشددة

وحسبما أفاد به لـ«الشرق الأوسط» 3 إعلاميين شاركوا في اجتماع حوثي بصنعاء، كان اللقاء الأخير الذي دعت إليه الجماعة بهدف فرض إجراءات مُشددة على ما تبقَّى من العمل الإعلامي بمناطق سيطرتها، تشمل الالتزام بتعليمات إعلامية جديدة تخدم أجندات الجماعة وتُبرر لها مواصلة التصعيد العسكري إقليمياً وداخلياً.

ونقل الإعلاميون بأن مسؤولين بقطاع الإعلام الحوثي نقلوا لهم انزعاج زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي حيال استمرار التغطية الإخبارية والمعلومات التي وصفها بـ«الحساسة» التي تبثها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية الخاضعة تحت سيطرتهم حول الضربات الأميركية ضد أهداف الجماعة.

جانب من لقاء حوثي سابق بعاملين في مؤسسات إعلامية بصنعاء (إعلام حوثي)
جانب من لقاء حوثي سابق بعاملين في مؤسسات إعلامية بصنعاء (إعلام حوثي)

وحضَّت الجماعة، خلال اجتماع ترأسه هاشم شرف الدين، المُعيَّن وزيراً للإعلام في الحكومة غير المعترف بها، وبحضور القيادي يحيى المُحطوري، المسؤول الإعلامي في مكتب زعيم الجماعة، جميع وسائل الإعلام، بما في ذلك غير الموالية، على الالتزام بالتعليمات الجديدة، بما يشمل دعم المعسكرات الصيفية إعلامياً، والترويج للأنشطة المصاحبة لها، إلى جانب حثّ أولياء الأمور والطلاب على التفاعل معها، بهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من المراهقين.

وطبقاً للمصادر، شكَّلت الجماعة لجاناً خاصة لمتابعة وسائل الإعلام المستهدفة، لمعرفة مدى التزامها بالتعليمات الجديدة، متوعدة المخالفين بأشد العقوبات التي تشمل الإغلاق والمصادرة والحظر وفرض الغرامات.

وحسب مصادر مطلعة، عقدت الجماعة الحوثية نحو 3 اجتماعات منفصلة في صنعاء خلال أقل من شهر مع وسائل إعلام مختلفة، بغية إلزام العاملين فيها بانتهاج خطاب إعلامي يلبي أجندة الجماعة الأمنية والطائفية.