مصر: أزمة نقص الدواء تخفت... وأسعاره ما زالت تحلّق

شهدت أزمة نقص الأدوية في مصر انفراجة خلال الشهور الأخيرة لكن لم تنتهِ بعد (الشرق الأوسط)
شهدت أزمة نقص الأدوية في مصر انفراجة خلال الشهور الأخيرة لكن لم تنتهِ بعد (الشرق الأوسط)
TT

مصر: أزمة نقص الدواء تخفت... وأسعاره ما زالت تحلّق

شهدت أزمة نقص الأدوية في مصر انفراجة خلال الشهور الأخيرة لكن لم تنتهِ بعد (الشرق الأوسط)
شهدت أزمة نقص الأدوية في مصر انفراجة خلال الشهور الأخيرة لكن لم تنتهِ بعد (الشرق الأوسط)

لشهور لم يجد محمد رجب، بسهولة، دواء والده لعلاج الضغط، ومسكنات عظام والدته. كان الأمر يتطلب تجولاً بين صيدليات كثيرة، وطرق أبواب عدة، بما في ذلك التي تخص زوجته التي تعمل صيدلانية في مستشفى حكومي. ومنذ نحو شهرين تيسّر الحصول على هذه الأدوية بأسعار أعلى، فمثلاً زاد سعر دواء الضغط من نحو 80 جنيهاً إلى 108 جنيهات (الدولار 50.80 جنيه).

يقول لـ«الشرق الأوسط»، وهو يعمل مهندساً معمارياً في القاهرة، إن الدواء بات عبئاً مضافاً إلى أعباء ميزانيته الكثيرة.

وخفتت أزمة نقص الأدوية في مصر، والتي ظهرت في يناير (كانون الثاني) 2023، واشتدت بعد عام، مطلع عام 2024، ثم بدأت تنفرج يونيو (حزيران) الماضي، حسب المدير التنفيذي لجمعية «الحق في الدواء» الدكتور محمود فؤاد.

ومع الاضطرار إلى رفع سعره، والذي كان حلّاً «لا بديل عنه»، وفق رئيس شعبة الأدوية في الغرفة التجارية الدكتور علي عوف، يربط فؤاد بين أزمة الأدوية و«الأزمة الاقتصادية»، خصوصاً أن 95 في المائة من المواد الخام المستخدمة في صناعة الأدوية مستوردة.

وتعاني مصر أزمة اقتصادية ممتدة منذ عام 2016، تتمثل في نقص السيولة الدولارية التي تحتاج إليها الدولة وأصحاب الصناعات لاستيراد السلع والخامات من الخارج، ما دفع الحكومة إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي مرتين، للحصول على قروض؛ الأولى في 2016، والثانية في 2023، وفق شروط من ضمنها تحرير سعر الصرف، والذي ينعكس على انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، ومن ثم ارتفاع الأسعار.

ويصف رئيس شعبة الأدوية أزمة نقصها، والتي استمرت نحو عامين بـ«المركبة»؛ مع عدم توفر الدولار من جهة لاستيراد المواد الخام، والتسعيرة الجبرية لبيع الدواء من جهة أخرى، إذ إنه بارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه لم تستوعب الأسعار السابقة الزيادة في التكلفة.

أدوية داخل إحدى الصيدليات غير المرخصة (هيئة الدواء المصرية)

وأعلنت الحكومة في مارس (آذار) الماضي عن تحرير جديد لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، ليقفز سعر الدولار الرسمي من 31 إلى أكثر من 50 جنيهاً حالياً في البنوك.

ويتابع عوف: الحكومة وعدت في يوليو (تموز) الماضي بحل أزمة الدواء في غضون 3 أشهر، وبالفعل بنهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدأت تتوافر الأدوية من ضغط وسكر ومضادات حيوية وغيرها. ومن يونيو إلى نوفمبر (تشرين الثاني) الماضيين كانت هيئة الدواء توافق على طلبات شركات الأدوية بتحريك الأسعار تباعاً، فحُجّمت الأزمة، محذراً من عودتها مجدداً إذا ما واصل الدولار ارتفاعه أمام الجنيه.

وتشهد مصر موجات متتالية من التضخم، بلغت ذروتها في أكتوبر الماضي، حين سجل 26.3 في المائة، قبل أن يتراجع في نوفمبر الماضي إلى 25 في المائة.

وفي 23 أكتوبر الماضي، قال رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، إن الدولة «تجاوزت» أزمة الأدوية بنسبة 95 في المائة، «ومبقاش فيه شكاوى».

لكن رئيس جمعية «الحق في الدواء»، الدكتور محمود فؤاد، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن الأزمة لم تنتهِ بعد، وإن شهدت انفراجة مقارنة بالسابق».

في الفترة الماضية شهدت السوق نقص 1500 صنف دواء، 55 منها «منقذ للحياة»، مثل أدوية السكر وحمى البحر المتوسط وغيرهما. والآن توافرت الأدوية بنسبة 60 في المائة تقريباً، لكن لا تزال هناك نواقص، مثل أدوية الهرمونات والذئبة الحمراء والغدة وغيرها، حسب فؤاد.

الأمر نفسه يؤكده محمود جاويش، الذي يعمل في صيدليات دكتور هاني عبد الظاهر، بضاحية شبرا، شمال العاصمة، قائلاً: «هناك أنواع ليست متوفرة، وحتى الموجودة هي بكميات أقل من ذي قبل، إذ إنه بعد ارتفاع تكلفة إنتاج الدواء خفّضت الشركات من (التشغيلات)»، أي عدد دورات الإنتاج التي تحدد الكمية المنتجة من دواء معين، ومن ثم الكمية التي تضخها في السوق.

وتحاول الصيدليات تجاوز هذه الأزمة عبر اقتراح بدائل للدواء الواحد، اعتماداً على المادة الفعالة، لكنها عملية لا يُكتب لها النجاح دائماً، حسب جاويش.

وكان رئيس الوزراء قد دعا الأطباء في سبتمبر (أيلول) الماضي إلى كتابة اسم المادة الفعالة في «روشتة» المريض بدلاً من الاسم التجاري للدواء، «حتى يوضح الصيدلي للمواطن كل الأنواع من التركيبة نفسها، ما يسهل الحصول على الأدوية، خصوصاً الناقصة في الصيدليات».

وجه آخر لأزمة الأدوية حالياً يتمثل في رفع سعره

يقول جاويش لـ«الشرق الأوسط»: «بعض أنواع الأدوية ارتفعت إلى الضعف، وأخرى كان شريط الدواء بـ100 جنيه أصبح بـ150»، لافتاً إلى أن «التسعير ليس ثابتاً، ويختلف من شركة لشركة، بناء على تكلفة الإنتاج».

ويشير مدير جمعية «الحق في الدواء» إلى رفع سعر 17 ألف صنف رسمياً، وبعض الأدوية المستوردة زادت بنسبة 150 في المائة.


مقالات ذات صلة

الرئيس المصري يصدق على قانون اللاجئين

العالم العربي سودانيون بانتظار تسجيلهم في مفوضية شؤون اللاجئين الأممية بالقاهرة (المفوضية)

الرئيس المصري يصدق على قانون اللاجئين

صدّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء، على القانون الخاص بلجوء الأجانب في مصر، الذي ينظم أوضاع اللاجئين وحقوقهم والتزاماتهم المختلفة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق سمية الخشاب (إكس)

سمية الخشاب تثير جدلاً «سوشيالياً» بنصائح للشباب حول «التعليم والمال»

أثارت الفنانة المصرية سمية الخشاب حالة من الجدل على «السوشيال ميديا»، بعد مجموعة تدوينات كتبتها على حسابها بمنصة «إكس»، وتصدرت «الترند» على المنصة في مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
شمال افريقيا سويلم خلال فعاليات «اليوم المصري - الألماني للتعاون التنموي» (وزارة الموارد المائية)

مصر تستعرض خطتها لتعويض «عجز مائي» يقدَّر بـ54 مليار متر مكعب

قال وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم، الاثنين، إن بلاده تطبق خطة شاملة لتعظيم الاستفادة من مواردها المائية المحدودة.

محمد عبده حسنين (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي خلال اجتماع مع قادة القوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية (الرئاسة المصرية)

السيسي يراهن على «وعي المصريين» لتجاوز الأزمات والتهديدات الإقليمية

راهن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على وعي المصريين وتكاتفهم باعتبار ذلك «الضمانة الأساسية لتجاوز الأزمات الإقليمية والتهديدات».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)

مؤتمر دولي بالقاهرة يدعو إلى «ضوابط» لمواجهة «فوضى الفتاوى»

دعا مؤتمر دولي في القاهرة إلى «ضوابط» لمواجهة «فوضى الفتاوى» وأكد أن آراء «غير المختصين» تُشكل «خطورة» على المجتمعات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

مخاوف مصرية من احتضان قادة سوريا الجدد لـ«إخوان فارين»

أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، و«المطلوب» المصري الهارب محمود فتحي (صورة متداولة على منصة «إكس»)
أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، و«المطلوب» المصري الهارب محمود فتحي (صورة متداولة على منصة «إكس»)
TT

مخاوف مصرية من احتضان قادة سوريا الجدد لـ«إخوان فارين»

أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، و«المطلوب» المصري الهارب محمود فتحي (صورة متداولة على منصة «إكس»)
أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، و«المطلوب» المصري الهارب محمود فتحي (صورة متداولة على منصة «إكس»)

أثار استقبال أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، قائد «هيئة تحرير الشام»، التي تولّت السلطة في سوريا، بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، لأحد أبرز المطلوبين المصريين في قضايا «إرهاب»، مخاوف مصرية من احتضان سوريا لعناصر «الإخوان الهاربين»، في ظل «العلاقة الوطيدة» بين الجماعة «المحظورة» وقادة سوريا الجدد، وكذلك تضييق السلطات التركية على عناصر الجماعة منذ المصالحة مع النظام المصري.

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، صورة حديثة تجمع «الشرع» بـ«محمود فتحي»، وهو مطلوب مصري مصنف على قوائم «الإرهابين»، بحضور مستشار العلاقات الخارجية في حزب العدالة والتنمية التركي، ياسين أقطاي، ما أحدث ردود فعل واسعة، حول الهدف من اللقاء.

وقال عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، مصطفى بكري، على منصة «إكس»: «الجولاني يستقبل الإرهابي المصري محمود فتحي، قاتل المستشار هشام بركات (النائب العام المصري الأسبق)، ومعه ياسين أقطاي مستشار إردوغان ومحتضن جماعة الإخوان. البداية تكشف عن حقيقة النيات».

وألحق «بكري» كلماته بـ«تغريدة» أخرى، قائلاً: «بعد استقبال الجولاني لقاتل الشهيد هشام بركات قرر أن يمنح الإقامة لمن يسميهم المقاتلين الأجانب، أي أن سوريا ستصبح قندهار العرب، يجتمع فيها الإرهابيون لينطلقوا إلى بلدانهم متآمرين مدعومين».

أما عضو مجلس النواب المصري، محمود بدر، فعلق على الصورة عبر منشور بحسابه على «إكس»، قائلاً إنها «كلها شبكة واحدة ومحدش يحاول يقنعنا بالعكس»، مؤكداً أنها محاولة ابتزاز حقيرة وتلويح عفن بتحريك عرائس الإخوان مرة أخرى.

ونشرت وسائل إعلام محلية سيرة ذاتية لفتحي، مشيرة إلى تعاونه مع نائب المرشد الأول لجماعة الإخوان خيرت الشاطر بين عامي 2012 و2013، عندما كان مسؤولاً عن ملف «التيار السلفي»، كما أسس مع الشاطر ما يسمى «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» للسيطرة على السلفيين ودمجهم مع الجماعة.

وفي عام 2016 كشفت أوراق تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا، في واقعة اغتيال النائب العام الراحل المستشار هشام بركات، عن تورط «فتحي» في دعم وتأسيس المجموعة المنفذة للعملية. وأظهرت صحيفة الحالة الجنائية لـ«فتحي»، أنه المسؤول عن تأسيس 9 حركات إرهابية تورطت في تنفيذ عمليات إرهابية.

ويشير حساب فتحي الحالي على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أنه مؤسس «تيار الأمة المصرية» المعارض بالخارج.

ويرى منير أديب، الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة، أن صورة الجولاني مع فتحي تشير إلى «احتمالية مشاركة مصريين في القتال بسوريا، بعد أن تدربوا على حمل السلاح، وهم من يطلق عليهم (المقاتلون الأجانب)»، كما يبدو من الصورة أن «فتحي له علاقة وطيدة بالجولاني، وقد يكون يبحث الآن عن مكافأة نظير قتاله هو وتياره مع الجولاني، ولا غرابة في ذلك، لكون الجماعات الراديكالية هي التي تتولى السلطة حالياً في سوريا».

ويضيف أديب لـ«الشرق الأوسط»: "الصورة ظهر فيها أيضاً أقطاي، وهو عرّاب الوجود المصري في تركيا، وهو من سهل لهم الوجود في سوريا، ومن ثم ممارسة العمل المسلح».

ويخشى أديب من «انعكاس هذا التقارب على محاولات عودة العنف إلى مصر، لكونهم يريدون استلهام تجربة سوريا في القاهرة، وهذا ما عبر عنه بيان الإخوان قبل أيام، من جانب جبهة التغيير أو من يسمى (الكماليين)، الذين طالبوا جبهتي الإخوان الأخريين (جبهة إبراهيم منير وجبهة محمود حسين) بضرورة الاستفادة من التجربة السورية ومن ثم تطبيق هذه التجربة في القاهرة، من خلال حمل السلاح ضد النظام السياسي».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حذّر بعد التطورات في سوريا من «الخلايا النائمة»، موضحاً خلال لقائه بعدد من الإعلاميين المصريين (الأحد)، أنها أحد التحديات التي تواجه مصر رغم كل الجهد الأمني المبذول. وأكد السيسي أن الشعب المصري هو حصن مصر، مضيفاً: «متقلقوش بفضل الله سبحانه وتعالى، وربنا يحفظها طول ما المصريين على قلب رجل واحد وإيد واحدة مع جيشهم وشرطتهم محدش هيقدر يعمل حاجة».

ويرى العقيد حاتم صابر، الخبير المصري في مكافحة الإرهاب، أن «لقاء الإخواني الهارب محمود فتحي، مع الجولاني، يؤكد كلمات الرئيس السيسي بشأن الخلايا النائمة»، مبيناً لـ«الشرق الأوسط»، أن «جماعة الإخوان تحاول بقدر الإمكان أن يكون لها دور سياسي في المنظومة السورية الجديدة، وبالتالي فهذا اللقاء يكشف نياتها السياسية القادمة».

وأضاف: «إذا كانت (هيئة تحرير الشام)، تبحث عن عمل تحالفات واستقطابات، فإن الإخوان هم الأقرب لها، فهي الجماعة التي تأكل على كل الموائد، ومن رحمها خرجت التنظيمات التكفيرية كافة، وبالتالي يأتي اللقاء طبيعياً وفقاً لذلك».

ويذهب خبير مكافحة الإرهاب إلى أن «سوريا سوف تكون بديل تركيا بالنسبة للإخوان، خاصة مع إعلان الشرع عن إلغاء التجنيد الإلزامي في الجيش السوري، والاستعاضة عنه بالميليشيات».

وعانى تنظيم «الإخوان» في تركيا من حالة ارتباك خلال الأشهر الأخيرة، في ظل تضييق السلطات التركية عليهم، في إطار المصالحة مع مصر، حيث ألزمت أنقرة قنوات الجماعة التي تبث من أرضها بوقف الهجوم على مصر، كما تم إدراج بعضهم على قوائم الترحيل من تركيا، بسبب خطورتهم على الأمن العام في البلاد.

لكن الباحث أديب يستبعد أن تكون سوريا بديل الإخوان بعد تركيا، لافتاً إلى أن عناصر الجماعة يوجدون في أكثر من دولة، وأضاف: «نعم قد تكون سوريا هي الأرض التي يتدرب فيها هؤلاء على حمل السلاح، لكن هذا ليس بديلاً عن تركيا».