عائلات يمنية في تعز ولحج تواجه الجوع بأوراق الأشجار

تناقض المبررات الأممية حول تقليص المساعدات

محافظة تعز من الأكثر تضرراً في اليمن بالأزمة الإنسانية نتيجة الحصار وقطع الطرقات (الأمم المتحدة)
محافظة تعز من الأكثر تضرراً في اليمن بالأزمة الإنسانية نتيجة الحصار وقطع الطرقات (الأمم المتحدة)
TT

عائلات يمنية في تعز ولحج تواجه الجوع بأوراق الأشجار

محافظة تعز من الأكثر تضرراً في اليمن بالأزمة الإنسانية نتيجة الحصار وقطع الطرقات (الأمم المتحدة)
محافظة تعز من الأكثر تضرراً في اليمن بالأزمة الإنسانية نتيجة الحصار وقطع الطرقات (الأمم المتحدة)

لجأ كثير من العائلات اليمنية في منطقة الحجرية، الموزعة على محافظتي لحج وتعز اليمنيتين، خلال الأسابيع الماضية، إلى إدراج أنواع من أوراق النباتات ضمن وجباتها الغذائية، وذلك بعد تراجع المساعدات الغذائية المقدمة من المنظمات الدولية، واعتزام برنامج الغذاء العالمي تقليص أعداد المستفيدين من معوناته.

وبينما تُوجه الاتهامات إلى الجهات الرسمية والإغاثية المحلية بالتسبّب في تقليص برنامج الغذاء العالمي معوناته الغذائية؛ أعلن البرنامج تراجع التمويل المقدم للمساعدات الإغاثية في اليمن، في حين يقول مسؤولون محليون لديه إن دواعي التقليص بسبب عدم دقة بيانات المستفيدين، وتحسّن دخل بعض الأسر بناءً على عملية مسح قام بها البرنامج خلال العامين الماضيين.

وفي محافظة تعز وحدها حذف البرنامج أكثر من 33 ألف حالة من المستفيدين من المساعدات، وهو ما يمثّل 38 في المائة من نسبة احتياج العائلات في المناطق المحررة من المحافظة، في حين شهدت مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج إسقاط أكثر من 840 عائلة من كشوفات المستهدفين بالمعونات، وارتفع الرقم إلى 1968 عائلة في مديرية تبن في المحافظة نفسها، و497 حالة في مدينة الحوطة، مركز المحافظة.

تراجع كبير في الحصص الغذائية المقدمة إلى اليمنيين صاحبه خفض لأعداد المستفيدين منها خلال السنوات الماضية (أ.ف.ب)

ويرفض نبيل طه، وهو موظف حكومي في محافظة تعز، تبريرات المسؤولين المحليين في برنامج الغذاء العالمي بتحسّن دخل العائلات، مشيراً إلى أن التحسّن غير موجود إلا في مسوحات المنظمات الدولية ودراساتها، أما على أرض الواقع فالعكس.

ويوضح طه لـ«الشرق الأوسط» أن مَن يعايش الواقع فسيلاحظ تراجع حركة الشراء في الأسواق، وزيادة أعداد المحتاجين، وانتشار مكثف للمتسولين، وازدهار أسواق الأشياء والمقتنيات المستعملة، التي تلجأ العائلات إلى بيعها لسد احتياجاتها المعيشية المتزايدة، خصوصاً مع تهاوي سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية وتراجع القدرة الشرائية وتوقف رواتب الموظفين.

وأوضخ أن العائلات التي تلجأ إلى بيع السلال الغذائية لا تفعل ذلك بسبب الوفرة، وإنما للحصول على الأموال من أجل الوفاء بالتزامات أخرى، ومن ذلك الحاجة إلى شراء الملابس أو الأدوية أو المستلزمات الدراسية لأطفالها.

تراجع متسارع

منذ نحو شهرين أفاد برنامج الغذاء العالمي بأنه سيضطر إلى إجراء مزيد من التخفيضات في برامج المساعدة الغذائية التي يقدّمها إلى الملايين في جميع أنحاء اليمن، بسبب أزمة التمويل الكبرى التي يواجهها من نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، كاشفاً أن ذلك سيؤثر في جميع برامجه الرئيسية.

لا تزال بعض الوكالات الأممية تقدّم معونات غذائية في ظل الخفض الشديد لمساعدات برنامج الغذاء العالمي (الأمم المتحدة)

وذكرت مصادر محلية في مديريتي المقاطرة التابعة لمحافظة لحج، والشمايتين التابعة لمحافظة تعز، أن السكان لجأوا إلى إدراج أوراق بعض النباتات في وجباتهم اليومية التي تراجعت من ثلاث إلى وجبتين لدى الكثير من العائلات.

وبيّنت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الأشهر الماضية شهدت نمو الكثير من هذه النباتات، مثل «الحلص والضدح والبقلة»، بسبب الأمطار الغزيرة التي شهدتها مختلف أنحاء البلاد، وهو ما أسهم في استخدامها لاستعادة وصفات غذائية موروثة من العهود السابقة التي عانى فيها اليمنيون من الفاقة والجوع.

وحسب المصادر فإن الكثير من الأفراد اتخذوا من حصاد هذه النباتات وبيعها مهنة مؤقتة تمكّنهم من جمع بعض الأموال؛ إذ يبيعونها بأسعار زهيدة لكبار السن أو العائلات التي ليس لديها أفراد قادرون على جمعها، كما تُباع في الأسواق البعيدة عن مناطق نموها.

ويشير رئيس لجنة الإغاثة الرسمية في الحكومة اليمنية، جمال بلفقيه، إلى أن تخفيض البرامج الإغاثية مساعداتها لليمنيين حدث تدريجياً منذ عدة سنوات، وبعد أن كان عدد المستهدفين 12 مليون شخص منذ بداية الأزمة، وأنه جرى خفضهم منذ عام 2018 بنسبة 30 في المائة، حتى وصلت النسبة إلى 60 في المائة أخيراً.

يمني نازح في محافظة حجة (شمال غرب) يعدّ وجبة من أوراق النباتات قبل ستة أعوام (أ.ب)

ووفقاً لحديث بلفقيه لـ«الشرق الأوسط» فإن السلة الغذائية كانت تكفي العائلات شهراً كاملاً، ومنذ 6 أعوام بدأ حجمها يقل عن السابق، واستمر بالنقصان حتى عام 2021، وبعد ذلك بدأت دورة التوزيع تنخفض كل شهرين.

ووصولاً إلى العام الحالي فإن كمية المساعدات لا تتجاوز أكثر من 20 كيلوغراماً من الدقيق بدلاً من 70 كيلوغراماً في السابق.

فشل أممي

لم تعد السلة الغذائية تحتوي على أكثر من 4 لترات من الزيت، و3 كيلوغرامات من البقوليات، في حين يتوافر الأرز في بعض الأحيان، ويختفي في أحيان أخرى.

وحسب بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية في الحكومة اليمنية، فإن المانحين لم يقدموا خلال العام الحالي سوى 700 مليون دولار لخطة الاستجابة، وبدأت المنظمات العاملة في اليمن خفض برامجها، ومنها برنامج الغذاء العالمي الذي يتلقّى نصيب الأسد من تمويل خطط الاستجابة، وهو أحد أسباب تعليق المساعدات.

إلا أن بلفقيه يشدد على أن عدم تسويق الحالة الإنسانية اليمنية بالشكل الصحيح هو أهم أسباب تراجع التمويل، وإلى جانب ذلك لم يلاحظ تحسّن الوضع الإنساني في السنوات الماضية عندما قُدمت خطط الاستجابة بمبالغ تفوق ملياراً و300 مليون دولار، وعلى العكس من ذلك كانت كل الأرقام تتكرر، بل تزداد، معبرة عن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفق قوله.

أطفال يمنيون يساعدون عائلاتهم في الحصول على المعونات الغذائية الإغاثية (أ.ف.ب)

وكان تقرير للبرنامج الأممي قد كشف منذ نحو شهرين أن انعدام الأمن الغذائي في اليمن ارتفع إلى مستويات غير مسبوقة خلال أغسطس (آب) الماضي، في تناقض مع ما يرد في تصريحات مسؤولي الإغاثة المحليين حول تحسّن المستوى المعيشي لليمنيين.

في غضون ذلك نفى مصدر مسؤول في محافظة تعز أن يكون للمحافظ نبيل شمسان أي مسؤولية أو تدخل في سقوط أسماء آلاف المستفيدين من كشوفات برنامج الغذاء العالمي، مستغرباً أن تأتي هذه الاتهامات من جهات مجتمعية، يفترض فيها التعاون مع الجهات الرسمية للبحث عن بدائل لتعويض من جرى استثناؤهم من المعونات. وكانت اللجنة الرقابية المجتمعية اتهمت السلطة المحلية ومحافظ تعز نبيل شمسان، بالمسؤولية عن إسقاط أسماء المستفيدين من كشوفات برنامج الأغذية العالمي.

المصدر المسؤول لفت، في تصريحه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن البرنامج الأممي هو من أقرّ خفض أعداد المستفيدين من معوناته، بعد دراسة مسحية أجراها، وبعد استشارة موظفيه المحليين والتفاهم معهم.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني الزبيدي يثمن دور السعودية في دعم بلاده (سبأ)

الزبيدي يثمن جهود السعودية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن

وسط تأكيد سعودي على استمرار تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لليمن، ثمّن عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، سعي المملكة إلى حشد الجهود لإحلال السلام.

«الشرق الأوسط» (عدن)

وزير خارجية الأردن: قرارات «الجنائية الدولية» يجب أن تنفذ وتحترم

أيمن الصفدي (رويترز)
أيمن الصفدي (رويترز)
TT

وزير خارجية الأردن: قرارات «الجنائية الدولية» يجب أن تنفذ وتحترم

أيمن الصفدي (رويترز)
أيمن الصفدي (رويترز)

قال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، اليوم الخميس، إن قرارات المحكمة الجنائية الدولية يجب أن «تنفذ وتحترم»، وإن الفلسطينيين يستحقون العدالة.

ووفقاً لـ«رويترز»، فقد جاء ذلك في رد فعله على أمرَي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.