ماذا ينتظر الجماعة الحوثية بعد اغتيال نصر الله؟

توقعات بخفض التصعيد واستبعاد البحث عن بديل لـ«حزب الله»

مُسيّرات حوثية تستخدمها الجماعة في هجماتها ضد السفن (رويترز)
مُسيّرات حوثية تستخدمها الجماعة في هجماتها ضد السفن (رويترز)
TT

ماذا ينتظر الجماعة الحوثية بعد اغتيال نصر الله؟

مُسيّرات حوثية تستخدمها الجماعة في هجماتها ضد السفن (رويترز)
مُسيّرات حوثية تستخدمها الجماعة في هجماتها ضد السفن (رويترز)

لم تمضِ سوى ساعات معدودة على احتفالات الجماعة الحوثية بإطلاق صاروخ باليستي على تل أبيب، حتى اضطر قادتها إلى الصمت، بعد إعلان الجيش الإسرائيلي عن تمكّنه من اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله في غارات جوية على الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية بيروت.

وجاءت الهجمة الصاروخية الحوثية بعد ساعات من إبداء زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، في كلمته الأسبوعية عزمه وجماعته المضي قدماً في إسناد «حزب الله» وحركة «حماس» في مواجهتهما مع الجيش الإسرائيلي، وهي الكلمة التي أكد فيها أن «(حزب الله) في تماسك تام، وأقوى من أي زمن مضى»، متوعداً إسرائيل بالهزيمة.

وبينما كانت الجماعة تُعدّ هجمتها الصاروخية تلك تعزيزاً لحضورها في مشهد الصراع الإقليمي، وتأكيداً على مزاعمها في التفوق التكنولوجي والعسكري، جاءت الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع مهمة لـ«حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان، لتضع حدّاً لتلك الاحتفالات، خصوصاً بعد إعلان إسرائيل تمكّنها من اغتيال قائد الحزب، الأمر الذي يُمثل ضربة في مقتل لمحور الممانعة.

وتتزامن هذه التطورات مع تقرير سري قدّمه خبراء في الأمم المتحدة حول تحول الجماعة الحوثية من حركة مسلحة محلية بقدرات محدودة، إلى منظمة عسكرية قوية، بعد تلقي مساعدات وخبرات من «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» اللبناني ومتخصصين وفنيين عراقيين.

ولا يمتلك الحوثيون القدرة على التطور والإنتاج من دون دعم أجنبي وأنظمة أسلحة معقدة، وفق ما نقل الخبراء عن متخصصين عسكريين يمنيين ومقربين من الحوثيين، إذ إن نطاق عمليات نقل العتاد والتكنولوجيا العسكرية من مصادر خارجية إلى الجماعة غير مسبوق، وتشمل عمليات الدعم التمويل المالي والتدريب الفني والتكتيكي.

ولاحظ الخبراء تشابه الأسلحة والتكتيكات التي تستخدمها الجماعة مع تلك التي تمتلكها وتنتجها إيران، إلى جانب توصلهم إلى زيادة التعاون بينها و«تنظيم القاعدة» من جهة، وزيادة أنشطة التهريب المتبادل بينها وحركة «الشباب» الصومالية.

استبعاد الخلافة

تضع الضربات المتتالية التي تعرض لها «حزب الله» خلال الأيام الأخيرة الجماعة الحوثية أمام خيارات معقدة، خصوصاً أنها استفادت من المواجهات بين الحزب وإسرائيل في تسويق نفسها، من خلال التصعيد الذي تخوضه في البحر الأحمر والمحيط الهندي، وصولاً إلى إطلاق صواريخ باليستية، تزعم أنها فرط صوتية، باتجاه إسرائيل.

ومن شأن التعامل الإسرائيلي العنيف تجاه «حزب الله» أن يدفع الأذرع الإيرانية في المنطقة، مثل الجماعة الحوثية، لتحسس رقابهم وفق إسلام المنسي، الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط، الذي يتوقع أن هذه الأذرع ستحسب حسابها لأي خطوة تصعيدية.

زوارق تابعة للجماعة الحوثية التي يقول خبراء الأمم المتحدة إنها تحوّلت إلى منظمة عسكرية (أ.ف.ب)

ويوضح المنسي لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية أصبحت الآن أبعد ما تكون عن الاستهانة بما يجري من تصعيد، بل إنها ستختار مساراً جديداً للتعامل مع ما فرضه هذا التصعيد، وذلك وفق لتوجيهات طهران التي تُحدد لكل طرف مهامه وأدواره، والأوامر تأتي عادة من قيادة «الحرس الثوري» و«فيلق القدس».

ولا يتوقع الباحث أن يكون هناك رد فعل انتقامي غريزي من أي ذراع إيرانية في المنطقة، دون النظر للحسابات الإقليمية والدولية، ومنها الملف النووي الإيراني والحسابات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، مستبعداً أن تسعى الجماعة الحوثية إلى وضع نفسها بديلاً لـ«حزب الله» في مواجهة إسرائيل.

ويرى المنسي، وهو باحث في الشؤون الإيرانية، أن الجماعة الحوثية لا تملك القوة أو الخبرة التي كان يمتلكها «حزب الله»، والذي تعرض لاختراق كبير من طرف إسرائيل، ومع احتمالية نشوء فراغ كبير بعد اغتيال نصر الله، فإن الجماعة الحوثية ليست مؤهلة لملئه، خصوصاً مع العوائق الجغرافية وبُعد المسافة عن مركز الصراع.

وعلى مدى 10 أشهر، تشّن الجماعة الحوثية هجمات متكررة بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية على سفن في ممرات الشحن المهمة في البحر الأحمر، تحت ما تسميه «دعم الفلسطينيين» في قطاع غزة، متسببة في تعطيل حركة التجارة البحرية العالمية.

حسابات معقدة

لم يصدر رد فعل من الجماعة الحوثية على إعلان الجيش الإسرائيلي اغتيال حسن نصر الله، وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي التي ينشط فيها عدد من القادة الحوثيين على مدار الساعة، توقف غالبيتهم عن النشر، خصوصاً أنهم كانوا يحتفلون بالهجمة الصاروخية الأخيرة على تل أبيب.

لقطة شاشة لاعتراض الصاروخ الذي تبنّت الجماعة الحوثية إطلاقه على تل أبيب الجمعة الماضي (إكس)

ويتوقع الباحث السياسي صلاح علي صلاح، أن تكون الجماعة في حيرة من أمرها حالياً بين استمرار التصعيد أو التراجع عن ذلك، وأن ثمة انقساماً داخلياً حول اتخاذ قرار بهذا الشأن، خصوصاً أنها عانت مثل هذا الانقسام سابقاً في مواقف عدة، حتى وإن لم يظهر ذلك للعلن.

ولا يمكن للجماعة، وفق حديث صلاح لـ«الشرق الأوسط» أن تحسم أمرها بشأن التصعيد أو الانتقام لمقتل أمين عام «حزب الله»، والضربات التي تلقاها الحزب الذي قدم كثيراً من الخدمات والمعونات لها، وتمكنت بمساعدة خبراته من تحقيق مزيد من النفوذ والسيطرة محلياً، وتقديم نفسها لاعباً خطيراً على المستوى الإقليمي، يؤثر على مصالح كثير من القوى.

لكنه يستدرك بالإشارة إلى أن الجماعة ربما لا تدرك مخاطر التصعيد عليها وعلى المجتمع اليمني، وإن كان السكان تحت سيطرتها ليسوا في محور اهتماماتها، فإن الجناح العقائدي المتشدد فيها قد لا يكون في مستوى من الإدراك بما يمكن أن يعود به التصعيد عليها من آثار.

ويذهب صلاح إلى أن تأخر إسرائيل في الرد على الجماعة الحوثية ليس من قبيل عدم الاكتراث بهجماتها أو تجاهلها، بل إن ذلك يأتي من باب ترتيب الأولويات، فهي حالياً في طور التعامل مع «حزب الله»، قبل الانتقال إلى مصادر الهجمات التي تتعرض لها من سوريا والعراق، ثم التوجه إلى اليمن، حيث تؤثر الجغرافيا في ذلك الترتيبات.

تهدئة إجبارية

لم تتردد إسرائيل في الرد على التهديدات الحوثية، وفي العشرين من يوليو (تموز) الماضي، شنّت هجمة جوية على ميناء الحديدة على الساحل الغربي في اليمن الذي تُسيطر عليه الجماعة الحوثية، بعد يوم واحد من هجوم حوثي مميت بطائرة مسيرة على تل أبيب، ما أسفر عن احتراق منشآت وخزانات وقود وسقوط قتلى من عمال الميناء.

المخاوف تتزايد من تأثيرات مضاعفة للتصعيد الحوثي الإسرائيلي على الوضع الإنساني الكارثي في اليمن (رويترز)

ومن المرجح أن تؤثر عملية اغتيال أمين عام «حزب الله» على التصعيد الحوثي طبقاً لما يراه الباحث السياسي اليمني، عبد الرحمن أنيس، الذي يعيد التذكير بما نتج عن الضربة الإسرائيلية في ميناء الحديدة من تأثير كبير على العمليات الحوثية باتجاه إسرائيل لوقت ليس بالقصير.

ولم تلمس الجماعة الحوثية جدية في محاولة ردعها عن ممارساتها طوال أشهر من الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها مثلما شعرت بعد الضربة الإسرائيلية، طبقاً لإفادات أنيس، التي خصّ بها «الشرق الأوسط»، لدرجة أن الصاروخ الباليستي الذي أطلقته أخيراً لم يكن سوى محاولة للفت الانتباه بفرقعة إعلامية أكثر مما هي ضربة عسكرية.

ومن المؤكد، حسب أنيس، أن الجماعة الحوثية ستستقبل اغتيال أمين عام «حزب الله»، بجدية بالغة، وأن تلجأ إلى تخفيف حدة هجماتها، ليس فقط باتجاه إسرائيل، بل في البحر الأحمر أيضاً، وأن يتخذ قاداتها احتياطات أمنية شديدة لحماية أنفسهم، خوفاً من الاستهداف الإسرائيلي، في حين لن يطرأ أي جديد في التعامل الأميركي البريطاني معهم.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

المشرق العربي جانب من إخضاع الحوثيين سكاناً في مدينة الحديدة للتعبئة القتالية (فيسبوك)

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

بعد أن أخضعت العشرات منهم لدورات تدريبية تعبوية، منعت الجماعة الحوثية إعلاميين وصحافيين وناشطين حقوقيين في محافظة الحديدة اليمنية (223 كلم غرب صنعاء) من العمل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي جرافة حوثية تهدم محلاً تجارياً في إحدى المناطق التابعة لمحافظة الضالع (فيسبوك)

اعتداءات مسلحة أثناء تحصيل الحوثيين جبايات في الضالع

يتهم سكان محافظة الضالع اليمنية الجماعة الحوثية بارتكاب ممارسات إجرامية خلال تحصيل إتاوات تعسفية وغير قانونية من الباعة والتجار والسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحافيين ارتكبتها الجماعة الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب (إعلام محلي)

تأسيس شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين

أشهر عدد من المنظمات المحلية، بالشراكة مع منظمات أممية ودولية، شبكة لحماية الحريات الصحافية في اليمن التي تتعرّض لانتهاكات عديدة يتصدّر الحوثيون قائمة مرتكبيها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أنّ قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى، مطالبة إسرائيل بالسماح بدخول مزيد من المساعدات إليه، وتسهيل العمليات الإنسانية فيه.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وصفت المنظمة الأممية الوضع على الأرض بأنه «كارثي».

وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه عندما اندلعت الحرب في غزة، قبل أكثر من عام في أعقاب الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لجأ تقريباً جميع الذين نزحوا بسبب النزاع إلى مبان عامة أو أقاموا لدى أقارب لهم.

وأضاف، في مؤتمر صحافي بمقرّ المنظمة في جنيف: «الآن، يعيش 90 في المائة منهم في خيم».

وأوضح أن «هذا الأمر يجعلهم عرضة لأمراض الجهاز التنفّسي وغيرها، في حين يتوقّع أن يؤدّي الطقس البارد والأمطار والفيضانات إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية».

وحذّر تيدروس من أن الوضع مروِّع بشكل خاص في شمال غزة، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة، مطلع أكتوبر الماضي.

وكان تقريرٌ أُعِدّ بدعم من الأمم المتّحدة قد حذّر، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن شبح المجاعة يخيّم على شمال قطاع غزة؛ حيث اشتدّ القصف والمعارك، وتوقّف وصول المساعدات الغذائية بصورة تامة تقريباً.

وقام فريق من منظمة الصحة العالمية وشركائها، هذا الأسبوع، بزيارة إلى شمال قطاع غزة استمرّت ثلاثة أيام، وجالَ خلالها على أكثر من 12 مرفقاً صحياً.

وقال تيدروس إن الفريق رأى «عدداً كبيراً من مرضى الصدمات، وعدداً متزايداً من المصابين بأمراض مزمنة الذين يحتاجون إلى العلاج». وأضاف: «هناك نقص حادّ في الأدوية الأساسية».

ولفت المدير العام إلى أن منظمته «تفعل كلّ ما في وسعها - كلّ ما تسمح لنا إسرائيل بفعله - لتقديم الخدمات الصحية والإمدادات».

من جهته، قال ريك بيبركورن، ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، للصحافيين، إنّه من أصل 22 مهمّة إلى شمال قطاع غزة، قدّمت طلبات بشأنها، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، جرى تسهيل تسع مهام فقط.

وأضاف أنّه من المقرّر أن تُجرى، السبت، مهمّة إلى المستشفيين الوحيدين، اللذين ما زالا يعملان «بالحد الأدنى» في شمال قطاع غزة؛ وهما مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة، معرباً عن أمله في ألا تحدث عرقلة لهذه المهمة.

وقال بيبركورن إنّ هذين المستشفيين «بحاجة إلى كل شيء»، ويعانيان بالخصوص نقصاً شديداً في الوقود، محذراً من أنّه «دون وقود لا توجد عمليات إنسانية على الإطلاق».

وفي الجانب الإيجابي، قال بيبركورن إنّ منظمة الصحة العالمية سهّلت، هذا الأسبوع، إخلاء 17 مريضاً من قطاع غزة إلى الأردن، يُفترض أن يتوجه 12 منهم إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج.

وأوضح أن هؤلاء المرضى هم من بين نحو 300 مريض تمكنوا من مغادرة القطاع منذ أن أغلقت إسرائيل معبر رفح الحدودي الرئيسي في مطلع مايو (أيار) الماضي.

لكنّ نحو 12 ألف مريض ما زالوا ينتظرون، في القطاع، إجلاءهم لأسباب طبية، وفقاً لبيبركورن الذي طالب بتوفير ممرات آمنة لإخراج المرضى من القطاع.

وقال: «إذا استمررنا على هذا المنوال، فسوف نكون مشغولين، طوال السنوات العشر المقبلة».