«الملاريا» يتفشى في اليمن جرَّاء الفيضانات والبعوض الأفريقي

غياب الإحصائيات بفعل الإهمال والتعمية على انتشار الأوبئة

الفيضانات تسببت في زيادة انتشار الحمّيات في اليمن إلى جانب الدمار في الممتلكات والبنية التحتية (أ.ب)
الفيضانات تسببت في زيادة انتشار الحمّيات في اليمن إلى جانب الدمار في الممتلكات والبنية التحتية (أ.ب)
TT

«الملاريا» يتفشى في اليمن جرَّاء الفيضانات والبعوض الأفريقي

الفيضانات تسببت في زيادة انتشار الحمّيات في اليمن إلى جانب الدمار في الممتلكات والبنية التحتية (أ.ب)
الفيضانات تسببت في زيادة انتشار الحمّيات في اليمن إلى جانب الدمار في الممتلكات والبنية التحتية (أ.ب)

ساهمت الفيضانات التي شهدتها محافظات يمنية عدة في اتساع رقعة تفشي وباء «الملاريا»، بالتزامن مع كشف دراسة أميركية عن وصول البعوض الناقل له إلى البلاد من أفريقيا. وفي حين لا تتوفر إحصائيات رسمية حول معدلات انتشاره، تُتهم الجماعة الحوثية بالإهمال وتجاهل مسبباته.

وتسببت المستنقعات المائية والأوحال الناجمة عن الفيضانات في اتساع المساحات التي ينتشر وينتقل فيها البعوض المسبب لـ«الملاريا»؛ خصوصاً مع انتشار واسع لمخلَّفات القمامة والنفايات، وتسرب مياه الصرف الصحي، في ظل غياب الإحصائيات الطبية، إما بسبب الإهمال، وإما لانشغال القطاع الصحي بوباء «الكوليرا» الذي تعدّ الجهات الطبية المحلية والدولية مواجهته، أولوية لها.

القطاع الصحي في اليمن يشهد تدهوراً ونقصاً في الإمكانات بسبب الانقلاب الحوثي والحرب (الأمم المتحدة)

وقال مصدر طبي رسمي في مستشفى عمومي في محافظة تعز (جنوب غرب) لـ«الشرق الأوسط»، إن حالات الحمّيات التي تستقبلها المستشفيات في مركز المحافظة، ارتفع عددها خلال الأسابيع الأخيرة بشكل كبير، مقدراً الزيادة بأكثر من 100 في المائة، مع انعدام التفريق بين أنواع هذه الإصابات، بسبب أن غالبيتها لا تخضع لإجراء تحاليل طبية.

وفسَّر المصدر الذي فضَّل حجب بياناته، عدم إجراء تحاليل طبية، بأنه بسبب الوضع المادي المتدهور للسكان؛ حيث يصل المصاب إلى المستشفى بغرض تلقي الإسعافات الأولية، والحصول على المسكنات فقط، ويتجنب المكوث في المستشفيات أو الحصول على مزيد من الرعاية، بسبب العجز عن تحمل التكاليف.

ولا تعاني مدينة تعز من انتشار المستنقعات والأوحال، نظراً لطبيعة الجغرافيا التي بُنيت عليها؛ حيث تقع غالبية أحياؤها على مرتفعات ومنحدرات، وأنشئت ممرات للسيول في وسطها تمنع أي تجمع للمياه بعد هطول الأمطار. إلا أن كميات النفايات ومخلفات القمامة التي تجرفها السيول من المرتفعات الجبلية المحيطة بالمدينة تتراكم على جوانب هذه الممرات، وبسبب الأمطار تكون بيئة صالحة لانتشار البعوض المسبب للحميات.

اتهامات للجماعة الحوثية بإنفاق أموال الدعم الدولي على فعاليات لتلميع نفسها (إعلام حوثي)

ونوه المصدر إلى أن الإصابات بالحميات في أرياف المحافظة تبقى خارج إطار المتابعة والمراقبة تماماً، وذلك بسبب القدرات المحدودة للمراكز الطبية والمستشفيات من جهة، وطول المسافات بينها وغالبية التجمعات السكانية من جهة أخرى، إلى جانب تفضيل السكان التداوي بالوصفات الشعبية والأعشاب، عوضاً عن تكاليف العلاج في المستشفيات.

غزو من أفريقيا

وأكدت دراسة أميركية انتقال البعوض الناقل لـ«الملاريا» في أفريقيا من نوع «أنوفيليس ستيفنسي»، إلى مناطق يمنية جديدة، مثل الحديدة وعدن، وانتشاره فيها، معلنة عن وجود نمطين وراثيين مختلفين لها، يرتبط أحدهما بالنمط الوراثي المعروف في شرق أفريقيا، أما الآخر فقد اكتُشف حديثاً، ما يبرز التنوع الجيني الكبير لهذه البعوضة في اليمن.

وأوضحت الدراسة التي أجراها باحثون من «جامعة بايلور» ونشرتها دورية «الأمراض المعدية الناشئة» بالتعاون مع «البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا» في اليمن، أن هذه البعوضة مسؤولة عن نقل «الملاريا» إلى مناطق لم تكن تعاني من المرض سابقاً، مشددة على ضرورة المراقبة المستمرة، واتخاذ إجراءات للسيطرة على انتشار الوباء في اليمن ودول الجوار.

مرضى حمِّيات يتجمعون في مكان ضيق داخل أحد المستشفيات في مدينة الحديدة (رويترز)

وتم اكتشاف بعوضة «أنوفيليس ستيفنسي» لأول مرة في جيبوتي قبل 12 عاماً، قبل أن تنتشر في عدة دول أفريقية، مثل إثيوبيا والصومال والسودان ونيجيريا وغانا وكينيا وإريتريا؛ حيث أظهرت مقاومة لعدة فئات من المبيدات الحشرية.

وراقب الباحثون انتشار هذا البعوض في اليمن وعلاقته بشرق أفريقيا، وأُبلغ لأول مرة عن وجوده في عدن منذ 3 أعوام، وتم تأكيد وجوده بتحليل جيني العام الماضي، بينما كشفت المراقبة اللاحقة وجوده في مديريتي الضحي وزبيد في الحديدة.

وتقدر منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 21 مليون يمني يعيشون في المناطق المعرضة لخطر الإصابة بـ«الملاريا»، بينما يعيش ما يقرب من 7 ملايين شخص في المناطق شديدة الخطورة، معظمها في السهول الساحلية للمحافظات الغربية وبعض المناطق في المحافظات الجنوبية.

استغلال حوثي

بينما تتجاهل الجماعة الحوثية أي إشارة إلى انتشار الحميات في مناطق سيطرتها؛ خصوصاً تلك التي ضربتها الفيضانات أخيراً، تكشف وسائل إعلامها عن انتشار واسع لهذه الأمراض، وذلك من خلال تركيزها على أنشطة الجهات الطبية والمؤسسات التابعة لها في الوقاية من «الملاريا»، دون الإشارة إلى أعداد الإصابات وكيفية تعامل المستشفيات معها.

ووصفت مصادر طبية في القطاع الصحي الذي تسيِّره الجماعة الحوثية، الوضع الصحي المرتبط بـ«الملاريا» والحميات، بـ«الكارثي منذ بدء الفيضانات»، مع ممارسات صارمة لحجب المعلومات أو الإفصاح عنها؛ خصوصاً مع جهل السكان بماهية هذه الأوبئة وطرق انتشارها.

وتتهم المصادر الجماعة الحوثية بالاكتفاء بتنفيذ حملات للوقاية من «الملاريا»، بدعم من الوكالات والمنظمات الأممية التي تضطر إلى الرضوخ لطلبات قادة الجماعة، في توجيه أنشطتها والدعم المقدم عبرها للقطاع الصحي، لصالح الترويج لها.

الجماعة الحوثية تكتفي بتنظيم فعاليات حول مواجهة الملاريا دون أنشطة ميدانية (إعلام حوثي)

ولا تصدر الجهات الطبية العاملة في مناطق سيطرة الجماعة -حسب المصادر- أي تقارير أو بيانات حول انتشار الحميات، أو غيرها من الأمراض والأوبئة، إلا بعد موافقة الهيئات القيادية العليا في الجماعة، وذلك خوفاً من اتهامها بالإهمال، والتسبب في تدهور القطاع الصحي.

وتهدف الجماعة الحوثية -وفق المصادر- من خلال حملات أنشطة الوقاية من «الملاريا» إلى تلميع صورتها، مستخدمة في ذلك تمويلات منظمات دولية ووكالات أممية، وتعمل على إشراك المؤسسات والجمعيات الخيرية التابعة لها، والتي تظهر في الصورة على حساب جهات التمويل الحقيقية.

وكانت نهاية الصيف وبداية الخريف في السابق، تشهد تراجعاً في انتشار الحميات في مناطق المرتفعات الجبلية، مقابل استمرارها في المحافظات السهلية المنخفضة والساحلية، إلا أن مناطق المرتفعات عادت لتشهد زيادة كبيرة في هذه الأوبئة خلال هذه الفترة.

وفسرت المصادر ذلك باستمرار الأمطار الغزيرة الناجمة عن التغيرات المناخية، وما تخلفه من مستنقعات كبيرة وأوحال تنتشر في مناطق التجمعات السكانية وتختلط بمياه الصرف الصحي، وبالقرب من تراكم النفايات.


مقالات ذات صلة

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر
TT

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر

خلافاً للكثير من القادة الذين عاشوا في الظل طويلا، ولم يفرج عن أسمائهم إلا بعد مقتلهم، يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

النائب السابق، والإعلامي السابق، اختفى فجأة عن مسرح العمل السياسي والإعلامي، بعد اغتيال القيادي البارز عماد مغنية عام 2008، فتخلى عن المقعد النيابي واختفت آثاره ليبدأ اسمه يتردد في دوائر الاستخبارات العالمية كواحد من القادة العسكريين الميدانيين، ثم «قائداً جهادياً»، أي عضواً في المجلس الجهادي الذي يقود العمل العسكري للحزب.

ويعتبر حيدر قائداً بارزاً في مجلس الجهاد في الحزب. وتقول تقارير غربية إنه كان يرأس «الوحدة 113»، وكان يدير شبكات «حزب الله» العاملة خارج لبنان وعين قادة من مختلف الوحدات. كان قريباً جداً من مسؤول «حزب الله» العسكري السابق عماد مغنية. كما أنه إحدى الشخصيات الثلاث المعروفة في مجلس الجهاد الخاص بالحزب، مع طلال حمية، وخضر يوسف نادر.

ويعتقد أن حيدر كان المستهدف في عملية تفجير نفذت في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2019، عبر مسيرتين مفخختين انفجرت إحداهما في محلة معوض بضاحية بيروت الجنوبية.

عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية ضربت منطقة البسطة في قلب بيروت (أ.ب)

ولد حيدر في بلدة قبريخا في جنوب لبنان عام 1959، وهو حاصل على شهادة في التعليم المهني، كما درس سنوات عدة في الحوزة العلمية بين لبنان وإيران، وخضع لدورات تدريبية بينها دورة في «رسم وتدوين الاستراتيجيات العليا والإدارة الإشرافية على الأفراد والمؤسسات والتخطيط الاستراتيجي، وتقنيات ومصطلحات العمل السياسي».

بدأ حيدر عمله إدارياً في شركة «طيران الشرق الأوسط»، الناقل الوطني اللبناني، ومن ثم غادرها للتفرغ للعمل الحزبي حيث تولى مسؤوليات عدة في العمل العسكري أولاً، ليتولى بعدها موقع نائب رئيس المجلس التنفيذي وفي الوقت نفسه عضواً في مجلس التخطيط العام. وبعدها بنحو ثماني سنوات عيّن رئيساً لمجلس إدارة تلفزيون «المنار».

انتخب في العام 2005، نائباً في البرلمان اللبناني عن إحدى دوائر الجنوب.