القمع الحوثي يشتد في مواجهة المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية

إصرار شعبي على التحدي رغم حملات الاعتقال

من احتفالات أهالي مديرية السدة في محافظة إب بثورة سبتمبر العام الماضي (إكس)
من احتفالات أهالي مديرية السدة في محافظة إب بثورة سبتمبر العام الماضي (إكس)
TT

القمع الحوثي يشتد في مواجهة المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية

من احتفالات أهالي مديرية السدة في محافظة إب بثورة سبتمبر العام الماضي (إكس)
من احتفالات أهالي مديرية السدة في محافظة إب بثورة سبتمبر العام الماضي (إكس)

صعّدت الجماعة الحوثية من أعمالها القمعية ضد الدعوات إلى الاحتفال بذكرى الثورة اليمنية (26 سبتمبر/أيلول)، التي بدأتها مطلع الشهر الحالي وبلغت ذروتها خلال الأيام الأخيرة، وفي مقابل ذلك يستعد اليمنيون لمواجهة هذه الإجراءات وتكرار احتفالات العام الماضي.

وذكرت مصادر حقوقية أن الجماعة اختطفت أكثر من 50 شخصاً من مختلف الفئات، بينهم نساء في صنعاء وعدد من المحافظات، بعد معلومات جمعتها الجماعة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي عن هويات الداعين إلى الاحتفال بذكرى الثورة، إلى جانب بلاغات من مخبرين حول أنشطة ميدانية وأحاديث في الأماكن العامة وكتابة شعارات على الجدران.

وشنت الجماعة حملة مداهمات طالت المنازل في عدد من المحافظات، اختطفت خلالها ناشطين سياسيين وتربويين، ووفقاً للمصادر فإن عدد المختطفين في مديرية السدة، وحدها وهي منطقة ريفية، في محافظة إب (192 كيلومتراً جنوب صنعاء) يزيد على 31 شخصاً منذ بداية الشهر الحالي، في حين اختُطف 7 آخرون، السبت، في محافظة البيضاء.

وطالت الاختطافات شخصيات اجتماعية وسياسية، وركزت قوات أمن الجماعة الحوثية على قيادات في حزب «المؤتمر الشعبي»، وبحسب المصادر، فإن 6 من القيادات الوسطية للحزب اختطفتهم الجماعة واقتادتهم إلى جهات مجهولة، إلى جانب ناشطين اجتماعيين وسياسيين وكتاباً وصحافيين.

وتصف الكاتبة وضحى مرشد هذه الحملة بـ«الهستيرية» التي تعبر صراحة عن «حقد سلالي» على الثورة التي اقتلعت أجداد الحوثيين الذين حكموا اليمن في أسوأ مراحل التاريخ اليمني، كما تدل على حالة الرعب منها.

وترى مرشد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه «الانتهاكات الحوثية تكشف عن عدم قدرة هذه الجماعة الطائفية على التعايش»، متوقعة أن تأتي بنتائج عكسية عليها، ليحتفل اليمنيون في مناطق سيطرة الانقلابيين بالعيد الوطني، وبشكل غير مسبوق، كمقدمات للتحرر من هيمنة هذه الجماعة كما تقتضي صيرورة الحياة.

أطفال ضمن المشاركين في احتفالات ذكرى الثورة اليمنية العام الماضي (إكس)

ومن المختطفين الناشطة سحر الخولاني التي اشتهرت خلال الأسابيع الماضية بانتقادها الشديد لممارسات الجماعة الحوثية في مختلف القطاعات من خلال مقاطع فيديو تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان آخرها مقطع فيديو هاجمت فيه حملة الاختطافات لمنع الاحتفال بذكرى الثورة الذي حثت على المشاركة فيه.

ضحايا مسكوت عنهم

طالت الاختطافات المتضامنين مع المختطفين والمطالبين بالإفراج عنهم، في نهج وصفه عدد من الناشطين بأنه يهدف إلى إسكات جميع الأصوات، سواء الداعية للاحتفال بذكرى الثورة، أو المطالبة بوقف الانتهاكات.

وكشفت مصادر حقوقية مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن أن حملات الاختطافات أوسع مما يجري تداوله، حيث اطلع أحد هذه المصادر بنفسه على وجود عدد كبير من المختطفين في قسم الشرطة خلال زيارته للإفراج عن أحد المختطفين بوساطة من قيادي حوثي رفيع.

وبين المصدر أن عدداً من المختطفين جرى احتجازهم لمجرد الاشتباه بنيتهم الاحتفال بذكرى الثورة، وهؤلاء يجري احتجازهم في أقسام الشرطة تحت التحري عنهم، بينما يجري اقتياد الناشطين والشخصيات الاجتماعية المعروفة إلى أماكن مجهولة.

وسبق للجماعة الحوثية اختطاف الشخصية الاجتماعية والقيادي في حزب «المؤتمر» أمين راجح على خلفية ترديده شعارات وطنية أثناء صراخ أنصارها بشعارهم في اجتماع شهدته صنعاء.

وفسّر رواد مواقع التواصل الاجتماعي اختطاف راجح بتحديه للجماعة ومقاطعة صراخ أنصارها بشعار وطني، تبعه فيه عدد من الحاضرين في لقاء بين قيادات حوثية و«مؤتمرية»، حيث جرى اختطافه بعد ذلك اللقاء مباشرة من منزله، مع عدد من ضيوفه.

ويؤكد الكاتب عبد الله العتواني أن حملة الاعتقالات الحالية تكشف عن مستوى عالٍ من التوجس والقلق الذي تعيشه الجماعة الحوثية، وهو ما لم يحدث لها منذ المواجهات التي شهدتها صنعاء بينها وبين الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح أواخر عام 2017.

ويوضح العتواني لـ«الشرق الأوسط» أن هذا القلق دفع الجماعة لاختطاف أطفال في محافظة إب بسبب احتفالهم بذكرى الثورة اليمنية، مرجحاً أن تؤدي هذه الممارسات إلى زيادة العداء بينها وبين المجتمع تحت سيطرتها، وستكون لها تداعيات كبيرة على نفوذها مستقبلاً.

وتفيد مصادر «الشرق الأوسط» بأن الاختطافات توسعت خلال الساعات الأخيرة إلى محافظات الضالع وريمة والمحويت وحجة والحديدة.

مخاوف غير مبررة

يستغرب الكثير من المراقبين للوضع في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من مخاوف الجماعة من الاحتفال بذكرى ثورة «26 سبتمبر» وهي التي حشدت أنصارها منذ أيام، في مختلف مناطق سيطرتها للاحتفال بالمولد النبوي الذي طبعته بصبغتها الطائفية، وجمعت لأجله جبايات طائلة، إلى جانب حشودها الأسبوعية تحت اسم التضامن مع أهالي قطاع غزة.

وتبدي الجماعة الحوثية قلقاً شديداً من تكرار اليمنيين احتفالاتهم بذكرى الثورة كما حدث خلال الأعوام الماضية؛ خصوصاً ما حدث قبل عام، حين أظهروا تمسكهم واعتزازهم بذكرى الثورة بمختلف أشكال الاحتفال في مختلف مناطق البلاد؛ خصوصاً الواقعة تحت سيطرة الجماعة.

طالبات مدرسة في مدينة تعز يتهيأن للاحتفال بذكرى ثورة سبتمبر (إكس)

ويتحسر طارق عبد الله، وهو اسم مستعار لناشط في محافظ إب، لأن المظاهر الاحتفالية التي شهدتها هذه المناسبة خلال العام الماضي كانت أكثر حضوراً وفاعلية من هذا العام، وتسببت بمخاوف وجودية للحوثيين بحسب وصفه، لكنها هذا العام تراجعت بفعل أساليب القمع والقيود المشددة.

لكن عبد الله يستدرك في إفادته لـ«الشرق الأوسط» بأن هذا التراجع لم يكن إلا ظاهرياً فقط، فخلال العام الماضي فاجأ اليمنيون الجماعة الحوثية من حيث لم تتوقع، لكنها هذا العام كانت مستعدة مسبقاً، وفرضت الكثير من الإجراءات لمنع، ليس فقط الاحتفالات، بل والتحضير والاستعداد لها من خلال مختلف الوسائل.

ويتهكم الكاتب باسم منصور من ادعاءات الجماعة بالحفاظ على إرث «ثورة 26 سبتمبر»، بينما تظهر كل تصرفاتها عكس ذلك تماماً، ومن ذلك عدم احتفالها بهذه المناسبة، بل ومعاقبة كل من يدعو للاحتفال بها، دون أن تقدم تفسيرات، ولو من باب الخداع لهذه التناقضات المكشوفة.

ويلفت منصور في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الجماعة الحوثية لم تصل بعد إلى مستوى الثقة بقدرتها على السيطرة والنفوذ، فهذه الحملة التي ينعتها بالمسعورة، تأتي في أعقاب فعالياتها الاستعراضية للاحتفال بالمولد النبوي، التي استمرت لما يقارب الشهر، جيرت خلالها كل شيء لصالح هذه المناسبة، حتى إنها صبغت كل المظاهر باللون الأخضر الذي تتخذه هوية لها.

وقبل عام، خرج سكان صنعاء ومختلف المدن، ليلة السادس والعشرين من سبتمبر إلى الشوارع يحملون الأعلام، وأطلقوا الألعاب النارية في احتفال شعبي كبير، متحدين إجراءات الجماعة الحوثية التي أطلقت قواتها الأمنية لقمع تلك الاحتفالات واختطاف المشاركين فيها.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني الزبيدي يثمن دور السعودية في دعم بلاده (سبأ)

الزبيدي يثمن جهود السعودية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن

وسط تأكيد سعودي على استمرار تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لليمن، ثمّن عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، سعي المملكة إلى حشد الجهود لإحلال السلام.

«الشرق الأوسط» (عدن)

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
TT

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

رحبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، معتبرة أنه خطوة «تاريخية مهمة».

وقالت الحركة في بيان إنها «خطوة ... تشكل سابقة تاريخيّة مهمة، وتصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا»، من دون الإشارة إلى مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق محمد الضيف، قائد الجناح المسلح لـ«حماس».

ودعت الحركة في بيان «محكمة الجنايات الدولية إلى توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة، لكل قادة الاحتلال».

وعدّت «حماس» القرار «سابقة تاريخية مهمة»، وقالت إن هذه الخطوة تمثل «تصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا، وحالة التغاضي المريب عن انتهاكات بشعة يتعرض لها طيلة 46 عاماً من الاحتلال».

كما حثت الحركة الفلسطينية كل دول العالم على التعاون مع المحكمة الجنائية في جلب نتنياهو وغالانت، «والعمل فوراً لوقف جرائم الإبادة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة».

وفي وقت سابق اليوم، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت؛ لتورطهما في «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وقال القيادي بحركة «حماس»، عزت الرشق، لوكالة «رويترز» للأنباء، إن أمر الجنائية الدولية يصب في المصلحة الفلسطينية.

وعدّ أن أمر «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو وغالانت يكشف عن «أن العدالة الدولية معنا، وأنها ضد الكيان الصهيوني».

من الجانب الإسرائيلي، قال رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، إن قرار المحكمة بإصدار أمري اعتقال بحق نتنياهو وغالانت «وصمة عار» للمحكمة. وندد زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، أيضاً بخطوة المحكمة، ووصفها بأنها «مكافأة للإرهاب».

ونفى المسؤولان الإسرائيليان الاتهامات بارتكاب جرائم حرب. ولا تمتلك المحكمة قوة شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامر الاعتقال، وتعتمد في ذلك على الدول الأعضاء بها.