العراق: محافظة كركوك تعود للأكراد وسط انقسام عربي وغضب تركماني

صورة جوية لمدينة كركوك (غيتي)
صورة جوية لمدينة كركوك (غيتي)
TT

العراق: محافظة كركوك تعود للأكراد وسط انقسام عربي وغضب تركماني

صورة جوية لمدينة كركوك (غيتي)
صورة جوية لمدينة كركوك (غيتي)

بعد أقل من أسبوع، وفي فندق «الرشيد» بالمنطقة الخضراء وسط بغداد عقب حسم الحكومة المحلية في محافظة ديالى (65 كم شرق العاصمة بغداد)، شهد مساء السبت حسم الحكومة المحلية في محافظة كركوك (250 كم شمال شرقي بغداد).

ولادة كلتا الحكومتين المحليتين في المحافظتين المختلف عليهما مذهبياً ـ عشائرياً (ديالى) وعرقياً بين العرب والكرد والتركمان (كركوك)، بدت من وجهة نظر المراقبين السياسيين «قيصرية»؛ فبعد نحو 8 شهور على إجراء الانتخابات المحلية في العراق المتوقفة منذ عام 2016 على خلفية استمرار الخلافات بين المكونات العرقية والمذهبية والسياسية حول ديالى وكركوك، تم الإعلان عن تشكيلتهما الإدارية المتمثلة بالمنصب الرئيسي (المحافظ) وباقي المناصب الأخرى مثل رئيس مجلس المحافظة ونواب المحافظ وباقي التشكيلات.

الصراع حول منصب المحافظ في ديالى كان عشائرياً ـ سياسياً نتيجة الثنائية العشائرية السياسية التي تحكم ديالى بين الشيعة أنفسهم، والثنائية المذهبية السياسية التي تحكم المحافظة من زاوية أخرى بين الشيعة والسنة الذين فقدوا منصب المحافظ خلال الدورة الماضية بعد أن احتكروه لسنوات؛ كون العرب السنة في ديالى قبل سيطرة الفصائل الشيعية المسلحة هم الأغلبية السكانية.

وطبقاً للمساومات السياسية التي تحصل غالباً في اللحظات الأخيرة، فقد حُسم المنصب لصالح عدنان الشمري المدعوم من زعيم «دولة القانون» نوري المالكي، في حين كان المحافظ السابق مثنى التميمي مدعوماً من هادي العامري زعيم «منظمة بدر».

وفي كركوك تبدو المقاربة مختلفة إلى حد كبير؛ ففي الوقت الذي كان الأكراد يحتكرون منصب المحافظ حتى سنة 2016، لكنهم فقدوه بعد دخول الجيش العراقي على عهد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي كركوك بعد أحداث «داعش» والاستفتاء الكردي الفاشل وعودة سيطرة الجيش العراقي على كركوك والمناطق المتنازع عليها بموجب المادة 140 من الدستور؛ فقد أصبح المحافظ عربياً سنياً. غير أنه بموجب اتفاق رفضه نصف العرب وكل التركمان في كركوك عاد منصب المحافظ إلى الكرد ليتسلمه ريبوار طه أحد قياديي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل طالباني.

وفي هذا السياق، فقد عَدّ رئيس الجبهة التركمانية حسن توران، الأحد، جلسة انتخاب المحافظ ورئيس مجلس محافظة كركوك التي انعقدت مساء السبت في العاصمة بغداد، «مخالفة للقانون».

وقال توران في مؤتمر صحافي إن «جلسة انتخاب المحافظ ورئيس المجلس مخالفة واضحة وصريحة للقانون».

وأضاف أن «الجلسة لم تكن بعلم ولا بدعوة رئيس السن لمجلس المحافظة راكان سعيد الجبوري، وهذا ما يؤكد مخالفتها للمادة السابعة من قانون مجالس المحافظات رقم (21) لسنة 2008؛ لذا فإننا نعتبر مخرجات الجلسة مخالفة للقانون، وسنلجأ إلى القضاء لإبطال مخرجات هذه الجلسة».

إقصاء وخيانة

في حين عَدّ رئيس كتلة التحالف العربي في مجلس محافظة كركوك ومحافظها السابق راكان سعيد الجبوري، أن «التحالف العربي والتركمان تم إقصاؤهم من تشكيل الحكومة المحلية»، مبيناً أن «من شارك في انتخاب المحافظ ورئيس المجلس أعطى حقوق العرب والمكون بذلة».

وقال الجبوري في تسجيل مرئي وزّعه على وكالات الأنباء إن «ما حدث من قبل بعض ممثلي العرب هو سلب استحقاق هذا المكون في جلسة خارج المحافظة، حيث تم ذلك من كتلة واحدة، ولم يتم تقديم طلب رسمي عبر رئيس السن، وتم في يوم عطلة وخارج المحافظة، وهذا مخالف لنص المادة 13... ومخالفة محضر الجلسة الأولى على أن تكون الجلسة مفتوحة».

وتابع الجبوري أن «إعلان تشكيل الإدارة المحلية تم فيه إقصاء التركمان، وقبل ساعتين من المشاركة في انتخاب الإدارة أصدر ممثلو العرب الستة موقفاً بأنهم سوف لا يشاركون في جلسة الانتخاب»، معتبراً أن «ما حدث خيانة».

وشدد على أنه «سوف نتمسك بالحقوق وسوف نتوجه إلى القضاء؛ كون ما حدث غير قانوني وخارج السياقات».

وكان الاجتماع الذي عُقد في فندق «الرشيد» في العاصمة العراقية بغداد قد أسفر عن انتخاب ريبوار طه عن «الاتحاد الوطني الكردستاني» محافظاً لكركوك، وانتخاب إبراهيم الحافظ عن نصف العرب رئيساً لمجلس محافظة كركوك، في حين توزعت باقي المناصب على نفس المكونات، بما فيها قسم من التركمان حسب التقسيم المكوناتي لكركوك.

من جهته، أعلن محافظ كركوك الجديد، ريبوار طه، في أول بيان له، عن بدء مرحلة جديدة في كركوك تركز على تعزيز السلام والوئام والإعمار. وأكد طه، وهو قيادي في «الاتحاد الوطني»، أن «الأولويات ستشمل تعزيز الأمن وتحسين الخدمات وتأهيل البنى التحتية، مع الاهتمام بكافة القطاعات وتفعيل الموارد الغنية التي تتمتع بها كركوك من أجل تحسين حياة المواطنين». وأشار إلى أن منصبه سيكون «أداة لتحقيق السلم السياسي والاجتماعي وتعزيز التعايش المشترك بين جميع مكونات كركوك»، مؤكداً أنه سيكون «محافظاً للكرد والعرب والتركمان والمسيحيين وجميع شرائح المجتمع».



غضب يمني من استيلاء الانقلابيين على أراضي جامعة صنعاء

منظر عام لكلية الطب في جامعة صنعاء (إكس)
منظر عام لكلية الطب في جامعة صنعاء (إكس)
TT

غضب يمني من استيلاء الانقلابيين على أراضي جامعة صنعاء

منظر عام لكلية الطب في جامعة صنعاء (إكس)
منظر عام لكلية الطب في جامعة صنعاء (إكس)

تسببت واقعة منح أراضٍ تابعة لجامعة صنعاء إلى مستثمرين موالين للجماعة الحوثية بحالة من الغضب في الأوساط الأكاديمية اليمنية وقلق في مختلف الأوساط من أن يجري استهداف مختلف أراضي الدولة ومؤسساتها ومنشآتها الحيوية بنفس الطريقة.

وأظهرت وثيقة جرى الكشف عنها أخيراً عن توجيهات أصدرها القيادي الحوثي مهدي المشاط رئيس ما يُعرف بالمجلس السياسي الأعلى (مجلس الحكم الانقلابي)، بمنح 10 آلاف لبنة (وحدة قياس محلية، واللبنة الواحدة تساوي 44.44 متر مربع) من أرض جامعة صنعاء، لصالح شخص مجهول يُدعى عبده علي هادي، لتنفيذ استثمارات طبية عليها.

وثيقة تكشف عن منح القيادي الحوثي مهدي المشاط مساحة واسعة من أراضي جامعة صنعاء لمستثمر مجهول (إكس)

كما قضى التوجيه الصادر أواخر مايو (أيار) الماضي، بحسب الوثيقة الموجهة إلى القيادات الحوثية التي تسيطر على الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني، بمنح نفس الشخص 40 ألف لبنة أخرى في منطقة بني مطر غرب صنعاء، وذلك بمقترح من ذات الشخص الذي جرى منحه تلك الأراضي.

وعدّ أكاديميو الجامعة، في أحاديثهم لـ«الشرق الأوسط»، هذه الإجراءات ممارسات عبثية ممنهجة تستهدف التعليم العالي، ومحاولات للتضييق عليه، ومنعاً للمؤسسة الأكاديمية والتعليمية الأولى في البلاد من أي توسع مستقبلي لمنشآتها.

واستغرب أحد أكاديميي الجامعة هذه الإجراءات بحق أراضي الجامعة، في حين تتوفر مساحات شاسعة من أراضي الدولة داخل صنعاء وفي محيطها، وتكفي لإنشاء عشرات المشاريع، وجميعها واقعة تحت تصرف الجماعة وفسادها.

وبحسب الأكاديمي، فإن استهداف أراضي ومنشآت جامعة صنعاء يعني أن هناك سعياً ممنهجاً لتجريف العملية التعليمية والأكاديمية، وإصراراً على تحويل مؤسساتها ومنشآتها إلى منصات للترويج للمشروع الحوثي، وتخريج الآلاف من أتباعه وأنصاره.

نهب مستمر

سبق للمشاط إصدار توجيهات خلال السنوات الماضية بتسليم مساحات من أراضي جامعة صنعاء ومبانٍ ومنشآت إلى هيئة الأوقاف (كيان حوثي موازٍ)، فيما وصفته الأوساط الأكاديمية والطلابية في حينه استهدافاً للجامعة، وسعياً إلى نهبها وتجريفها.

ويلفت أكاديمي آخر إلى أن صمت رئاسة جامعة صنعاء، المكونة من قيادات حوثية، عن هذه الإجراءات، يأتي في سياق تعاون مختلف قيادات الجماعة وتنسيقها في العبث بأراضي الجامعة، باعتبارها إحدى الملكيات العامة التي تقع ضمن مخططات الجماعة لنهبها والاستيلاء عليها.

مخطط توضيحي للمساحة التي قررت الجماعة الحوثية منحها لأحد المستثمرين (إكس)

وذكر أكاديمي ثالث أن الفساد الذي طال أراضي جامعة صنعاء قبل الانقلاب الحوثي لم يتجاوز أكثر من تأجيرها بعقود تعود بإيرادات لصالح الجامعة، دون أن يتم التصرف بها لصالح شخصيات بالطريقة التي أقدم عليها المشاط.

وبمقارنته بين ممارسات الفساد السابقة للانقلاب الحوثي وممارسات الفساد الحالية، يرى الأكاديمي أن الفاسدين السابقين لم يمتلكوا الجرأة للوصول إلى الاستهداف المنهجي للجامعة كما تفعل الجماعة الحوثية التي تسعى لحرمان المجتمع من التعليم ومنعه من التقدُّم واستلاب مقدراته وحقوقه.

وذكّرت مدرسة في إحدى كليات الجامعة بأن رئاسة جامعة صنعاء المعينة من الجماعة الحوثية اتخذت قراراً منذ ثلاثة أعوام ببيع مساحة من أراضي الجامعة تحت مبرِّر دعم جبهات القتال، مبديةً أسفها لأن ذلك القرار لم يحظَ بالإبراز الكافي، ولم يُعرَف مصير الأرض التي تقرر بيعها.

رفض داخل الجماعة

لم تتوقف الانتقادات عند الأكاديميين والشخصيات الاجتماعية المعارضة لهيمنة ونفوذ الجماعة الحوثية، بل إن قيادات وناشطين حوثيين أبدوا استياءهم من القرار، ودعوا إلى إيقافه ومحاسبة المشاط عليه.

وهدد المحامي هاشم شرف الدين، الموالي للجماعة، بمقاضاة المشاط بعد استقطاع أراضٍ من حرم جامعة صنعاء، مطالباً بإلغاء القرار الذي عدّه باطلاً بجميع فقراته؛ لمخالفته للدستور وقانون الهيئات والمؤسسات والشركات العامة وقانون أراضي وعقارات الدولة وقانون الشركات التجارية، متوعداً باللجوء إلى القضاء، رفقة عدد من زملائه، لإيقاف القرار.

وناشد عبد الله سلام الحكيمي، وهو شخصية سياسية واجتماعية مؤيدة للجماعة، زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، إلغاء ما وصفها بصفقة الاستيلاء على أراضي جامعة صنعاء، لما تنطوي عليه من شبهات فساد، مطالباً بضم أراضي معسكر الفرقة الأولى مدرع المجاورة إلى الجامعة لاستيعاب توسعها وتطويرها مستقبلاً.

وتهكم القيادي وعضو ما يُعرف بالمجلس السياسي الأعلى (مجلس الحكم الحوثي) سلطان السامعي من قرار المشاط من خلال ادعائه بأن أحد الموالين للحكومة الشرعية اتصل به لشراء مساحة من فناء دار الرئاسة لاستثمارها بإنشاء مدينة سكنية. وسأل السامعي زملاءه في المجلس عن رأيهم في الصفقة، وهل يوافقون على البيع؟

من هو المستثمر؟

يأتي تهكُّم السامعي في إطار ما جرى تسريبه حول شخصية المستثمر الذي مُنِحت له أراضي جامعة صنعاء، والذي تم اتهامه سابقاً بالعمل لصالح الحكومة الشرعية.

ووفقاً للتسريبات، فإن هادي جرى تصنيفه من طرف الجماعة الحوثية مؤيداً للحكومة الشرعية، وصادرت جميع ممتلكاته في صنعاء، حين كان هارباً من قبضتها في الأردن، حيث أنشأ مصنعاً للأدوية، قبل أن يعود إلى صنعاء بعد عملية تنسيق مع قيادات حوثية عليا، وتم منحه مساحات واسعة من أراضي الدولة، بشكل سري، ومن دون معرفة الأسباب والأغراض وراء ذلك.

وتقول تسريبات أخرى إن هادي لا يحمل شهادة دكتوراه، كما ورد في توجيهات المشاط، وإنه كان يعمل سمسار عقارات لصالح أحد البنوك التابعة لإحدى الشخصيات الاجتماعية، وكان مقرباً من تلك الشخصية، وتوسعت أنشطته بعد عام 2012، حيث امتلك عقارات واسعة، ووكالة لاستيراد الأدوية، قبل مصادرتها من الجماعة الحوثية أثناء هروبه إلى الأردن.

وورد في التسريبات أن هادي كان «وكيل شريعة» وليس محامياً، كما يزعم، وهي الصفة التي تُطلَق على من يخوض في التقاضي أمام المحاكم دون أن يمتلك شهادة في القانون.

ويرى كثير من اليمنيين أن هذا السطو على أراضي ومؤسسات الدولة والملكيات العامة يأتي ضمن سلوك ونهج قيادات ومؤسسي الجماعة الحوثية الذين كانوا قبل الانقلاب يعملون بطرق مختلفة على نهب الأراضي والملكيات العامة والخاصة، وزاد نهمهم بعد حصولهم على القوة والنفوذ.