تحريك الملف الاقتصادي يفتح نافذة في جدار الصراع اليمني

خريطة السلام تعثرت جراء هجمات الحوثيين ضد السفن

الحكومة اليمنية تتهم الحوثيين بالتهرب من تنفيذ التزاماتهم في كل الاتفاقيات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تتهم الحوثيين بالتهرب من تنفيذ التزاماتهم في كل الاتفاقيات (إعلام محلي)
TT

تحريك الملف الاقتصادي يفتح نافذة في جدار الصراع اليمني

الحكومة اليمنية تتهم الحوثيين بالتهرب من تنفيذ التزاماتهم في كل الاتفاقيات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تتهم الحوثيين بالتهرب من تنفيذ التزاماتهم في كل الاتفاقيات (إعلام محلي)

بعد انقضاء أكثر من عامين على إعلان التهدئة التي رعتها الأمم المتحدة في اليمن، وتأكيد مجلس القيادة الرئاسي جاهزيته لتحقيق السلام مع جماعة الحوثي، أدى تحريك الملف الاقتصادي إلى فتح نافذة في جدار الصراع، وذلك بعد الاتفاق الأخير على خفض المواجهة الاقتصادية المستند على خريطة الطريق التي كانت حصيلة جهود بذلتها السعودية وعُمان.

وكان التوتر الذي طبع العلاقة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي في الجولة الأخيرة من المواجهة الاقتصادية في مارس (آذار) الماضي أثار المخاوف من حدوث انتكاسة لمسار السلام، بعد أن أقدم الحوثيون على سك عملة معدنية من دون موافقة البنك المركزي في عدن، وما تبع ذلك من إجراءات.

استئناف الرحلات التجارية من صنعاء، وفتح وجهات سفر جديدة (الخطوط الجوية اليمنية)

غير أن اتفاق تخفيف المواجهة الاقتصادية عاد ليفتح باب الأمل من جديد أمام استئناف مسار السلام استناداً إلى خريطة الطريق التي كان من المفترض التوقيع عليها مطلع العام الحالي لولا ذهاب الحوثيين نحو استهداف حركة الملاحة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

وكما جرت العادة عند كل اتفاق سارعت الحكومة اليمنية إلى تنفيذ التزاماتها حيث تم إيقاف الإجراءات التي اتخذت بحق البنوك التجارية في مناطق سيطرة الحوثيين. في وقت استأنفت شركة الخطوط الجوية رحلاتها التجارية من مطار صنعاء إلى الأردن بواقع ثلاث رحلات في اليوم بدل رحلة واحدة، على أن يتم استئناف الرحلات التجارية إلى القاهرة خلال أيام بعد توقف نحو ثمانية أعوام بواقع رحلة يومية، وكذا تسيير رحلتين في الأسبوع إلى الهند للمرة الأولى منذ إيقاف الرحلات عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014.

المحادثات الاقتصادية

ووسط أنباء عن قرب الاتفاق على تصدير النفط في اليمن والتزام الحوثيين بوقف استهداف موانئ التصدير في محافظتي حضرموت وشبوة، ينتظر اليمنيون الإعلان عن موعد عقد المحادثات الاقتصادية والتي يفترض أن تناقش ملف التعقيدات الاقتصادية الأساسية والمتمثلة بانقسام العملة والبنك المركزي، وملف رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين والمقطوعة منذ ثمانية أعوام، إلى جانب مناقشة استئناف تصدير الغاز المسال وهي العملية التي توقفت مع بداية الحرب التي فجرها الحوثيون.

إنهاء الانقسام المصرفي في اليمن وتوحيد الموارد أهم الخطوات في الملف الاقتصادي (إعلام محلي)

ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه الملف الاقتصادي وكيفية اقتسام الموارد إلى حين انتهاء الحوار السياسي وتشكيل حكومة انتقالية، فإن الكثير من اليمنيين يرون أنه بالإمكان تحقيق اختراق مهم في هذا الملف إذا ما تم التوافق على توحيد البنك المركزي والعملة.

ويعتقد مراقبون اقتصاديون أن بقية التفاصيل يمكن التوافق بشأنها، بخاصة أن القدرات الاقتصادية للبلاد متواضعة حيث لا يزيد إنتاجها النفطي عن 125 ألف برميل قبل اندلاع الحرب في حين لم يزد عن 70 ألف برميل عند استئناف التصدير في العام 2019، إضافة إلى استحواذ التحالف الذي تقوده شركة «توتال» الفرنسية على معظم كمية الغاز المسال الذي يتم تصديره.

الدعم الإقليمي

وقال مسؤولون يمنيون لـ«الشرق الأوسط» إن الأضرار الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد الوطني نتيجة المغامرة الانقلابية للحوثيين والحرب التي نتجت عنها تجعل من الصعب على البلاد التعافي من دون دعم إقليمي ودولي.

ويعتقدون أن هذا الدعم سيخفف من حدة التجاذبات بين الأطراف السياسية حول الموارد، مؤكدين أن انهيار مؤسسات الدولة عقب الانقلاب الحوثي والمواجهات المسلحة ألحقت أضراراً بالغة بآليات جمع الموارد المالية للحكومة، وهذا سيشكل واحداً من التحديات التي ينبغي الاتفاق عليها ووضع تصور واضح وفاعل لمعالجتها.

عملة معدنية غير شرعية من فئة 100 ريال يمني سكها الحوثيون في صنعاء (إكس)

وبالنظر إلى سجل الحوثيين الحافل بالتنصل من الاتفاقات والتحايل عليها، فإن الجانب الحكومي يبدو أكثر تشاؤماً بخصوص جدية الحوثيين في تحقيق اختراق حقيقي في الملف الاقتصادي.

ويرى أحد المسؤولين اليمنيين أن انقسام العملة أصبح مشكلة حقيقية نتيجة إجراءات الحماية الصارمة التي يفرضها الحوثيون على الطبعة القديمة منها في مقابل الدولار، ما أوجد فارقاً كبيراً في هذه القيمة مقارنة بمناطق سيطرة الحكومة، وكذلك ما يتعلق بتحصيل الموارد وتوريدها إلى حساب موحد، ويجزم أن الحوثيين سيذهبون إلى المحادثات الاقتصادية للبحث عن مكاسب فقط.


مقالات ذات صلة

«البرنامج السعودي» يضع حجر الأساس لمشروعات تنموية في مأرب

المشرق العربي دُشنت المشروعات التنموية برعاية عدد من الوزراء والمسؤولين (الشرق الأوسط)

«البرنامج السعودي» يضع حجر الأساس لمشروعات تنموية في مأرب

وضع «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» حجر الأساس لحزمة مشروعات تنموية في محافظة مأرب.

«الشرق الأوسط» (مأرب)
العالم العربي آثار عميقة تسببت بها الفيضانات في اليمن وأدت إلى تفاقم الظروف الإنسانية المتردية (أ.ف.ب)

تحذيرات من استمرار تأثير الفيضانات على الوضع الإنساني في اليمن

على الرغم من اقتراب موسم الأمطار في اليمن من نهايته مع رحيل فصل الصيف، تواصلت التحذيرات من استمرار هطول الأمطار على مناطق عدة، مع تراجع حدتها وغزارتها.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

العليمي: لا خيار سوى الانتصار على المشروع الإيراني في اليمن

وسط احتفالات واسعة بذكرى «ثورة 26 سبتمبر» أكد رئيس مجلس الحكم اليمني رشاد العليمي أنه لا خيار في بلاده إلا الانتصار على المشروع الإيراني المتمثل في الحوثيين

علي ربيع (عدن)
العالم العربي وزير الخارجية اليمني (يمين) مع مسؤول أممي في نيويورك (سبأ)

اليمن يدعو إلى دعمه دولياً لوقف تهديد الحوثيين للملاحة

جددت الحكومة اليمنية دعوة المجتمع الدولي إلى دعمها عسكرياً واقتصادياً وسياسياً؛ لضمان تأمين الملاحة في جنوب البحر الأحمر وباب المندب، ووقف تهديدات الحوثيين.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال كلمته (سبأ)

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

في لحظة وصفت بـ«التاريخية»، أعلنت الحكومة اليمنية استرداد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية، ووضعها بمتحف المتروبوليتان للفنون بمدينة نيويورك بشكل مؤقت…

عبد الهادي حبتور (الرياض)

لبنانيون خائفون من الحرب: «لم نعد نتحمّل»

يعيش اللبنانيون حالة ترقّب في ظلّ إغلاق المدارس والجامعات وتحويل بعضها مراكز إيواء لعشرات آلاف الذين فروا من مناطق طالها القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
يعيش اللبنانيون حالة ترقّب في ظلّ إغلاق المدارس والجامعات وتحويل بعضها مراكز إيواء لعشرات آلاف الذين فروا من مناطق طالها القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
TT

لبنانيون خائفون من الحرب: «لم نعد نتحمّل»

يعيش اللبنانيون حالة ترقّب في ظلّ إغلاق المدارس والجامعات وتحويل بعضها مراكز إيواء لعشرات آلاف الذين فروا من مناطق طالها القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
يعيش اللبنانيون حالة ترقّب في ظلّ إغلاق المدارس والجامعات وتحويل بعضها مراكز إيواء لعشرات آلاف الذين فروا من مناطق طالها القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

في لبنان المُثقل بالأزمات السياسية والاقتصادية، يُغرق شبح الحرب كثيرين مجدداً في الحزن واليأس. ويختصر أنيس ربيز هذا الشعور قائلاً: «كلّ شيء ينهار حولنا، لا نقوى على تحمّل هذه الحرب».

ويقول الرجل (55 عاماً)، وهو مالك شركة عقارية، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما يركن سيارته في أحد شوارع الأشرفية في شرق بيروت: «نفسية الناس متعبة، تكفينا الحرب الاقتصادية والأموال (العالقة) في المصارف».

ويشهد لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ خريف العام 2019، في ظل تدهور غير مسبوق لقيمة العملة اللبنانية، وفقدان قيمة كل الودائع بالليرة اللبنانية أو تجميدها. في أغسطس (آب) 2020، دمّر انفجار ضخم مرفأ بيروت والمنطقة المحيطة به، وحصد قتلى وجرحى وأغرق اللبنانيين في غضب على فساد وسوء إدارة ساهما في حصول الانفجار. كل ذلك، وسط انقسام سياسي وشلل مؤسساتي، في حين تدير البلاد حكومة تصريف أعمال، ويعجز البرلمان منذ العام 2022 عن انتخاب رئيس.

تصاعدت المواجهة بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي منذ الاثنين وحصدت مئات القتلى والجرحى في لبنان (أ.ف.ب)

وبدأ التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل منذ قرابة عام، مع اندلاع الحرب في قطاع غزة، عندما فتح «حزب الله» «جبهة إسناد» للفلسطينيين ضد إسرائيل. وتصاعدت المواجهة منذ الاثنين، وحصدت مئات القتلى والجرحى في لبنان بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، ونشرت الذعر.

في شوارع العاصمة، حركة السير والناس أبطأ من العادة، في مؤشر على حالة ترقّب يعيشها اللبنانيون، في ظلّ إغلاق المدارس والجامعات، وتحويل بعضها مراكز إيواء لعشرات الآلاف من الأشخاص الذين فرّوا من مناطق طالها القصف الإسرائيلي هذا الأسبوع.

ويقول ربيز: «الوضع لا يطمئن، لا أُفق للمستقبل أو حتى بصيص نور»، مشيراً إلى هجرة آلاف الشباب على وقع الأزمات المتلاحقة.

«فداء للمقاومة»

أمام مركز تسوّق في الأشرفية، تقول عبير خاطر (43 عاماً) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أنا جاهزة أساساً في حال اندلاع حرب، أعددت حقيبة تحتوي على أوراق أولادي الثبوتية وجوازات سفر وثياب، وضعتها قرب الباب».

وتروي الأم لثلاثة أولاد، وهي مديرة متجر، أنها انتقلت وعائلتها من منطقة عين الرمانة المتاخمة للضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله»، إلى بلدة بحمدون شرق بيروت. «أخشى سقوط صاروخ عن طريق الخطأ، لا يمكن لأحد أن يعرف ما قد يحصل لنا».

وتقول إن أولادها لم يتعافوا نفسياً بعد من انفجار مرفأ بيروت. وتضيف: «عام 2006 (الحرب الأخيرة بين «حزب الله» وإسرائيل)، لم أكن متزوجة. لكن الآن يتملكني خوف كبير على أطفالي».

وخاض «حزب الله» وإسرائيل حرباً مدمّرة صيف 2006، استمرت 33 يوماً، وأسفرت عن مقتل 1200 لبناني، معظمهم مدنيون، و160 قتيلاً في الجانب الإسرائيلي معظمهم من الجنود. كما ألحقت الحرب دماراً هائلاً في مناطق وبنى تحتية لبنانية.

ويختلف اللبنانيون حول «جبهة الإسناد»، بين من يعدّ أن «حزب الله» يجرّ لبنان إلى حرب لا يريدها كثير من اللبنانيين، ومن يدعم «حزب الله» من دون تردد ضد إسرائيل. لكن القلق حيال المستقبل يجمعهم.

يتمتع «حزب الله» بنفوذ سياسي كبير في لبنان ويتهمه خصومه بأنه يتحكّم بقرار السلم والحرب (أ.ف.ب)

وسط ساحة ساسين في الأشرفية؛ حيث يرفرف علم لبناني ضخم، يجلس محمد خليل على مقعد خشبي يُفكّر بكيفية تأمين لقمة عيش عائلته بعد أن نزح مع زوجته وأطفاله الثلاثة ووالدته من قريته دير انطار في محافظة النبطية (جنوب).

ويقول خليل (33 عاماً): «منذ نحو 3 ساعات، أفكر كيف سأؤمن عملاً ومسكناً، لدي أطفال يجب أن يذهبوا إلى المدارس، أفكر في مستقبلهم... لكنني أصطدم بحائط مسدود».

رغم ذلك، يبدو خليل واثقاً بأنه «في نهاية المطاف، سيكون النصر حليفنا».

ويتابع: «ما حصل لأهل الجنوب يجب ألا يُسكت عليه»، مؤكداً أن كل شيء «فداء للمقاومة».

«ينتهي لبنان»

ويتمتع «حزب الله» بنفوذ سياسي كبير في لبنان، ويتهمه خصومه بأنه يتحكّم بـ«قرار السلم والحرب»، ويُشكّل «دولة ضمن الدولة»، ويستخدم سلاحه «للترهيب» في الداخل. لكن منذ بدء التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل، تبدو البلاد منقسمة أكثر من أي وقت مضى.

وتقول غادة حاطوم في شارع الحمرا في غرب بيروت «(حزب الله) ليس الدولة ليأخذ قرار السلم والحرب، هو كيان موازٍ للدولة، وأثبت لشعبه وبيئته التي تحتضنه أنه اتخذ قراراً خاطئاً. لا أحد يجهّز نفسه للحرب، ولا يبني ملجأ. هل أرواحنا رخيصة لهذه الغاية؟ إذا لم يكن لديّ ملجأ أختبئ فيه لم تجرني إلى الحرب؟».

على أحد أرصفة الأشرفية، يعزف فيكتور (65 عاماً) الذي رفض إعطاء اسم عائلته على آلة الأكورديون، غير مكترث لهدير دراجات نارية وأبواق سيارات من حوله.

ويقول الرجل الذي عاش الحرب الأهلية (1975 - 1990) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «تفصلني الموسيقى عن الواقع، وتهدئ أعصابي».

ويضيف بنبرة هادئة: «لستُ خائفاً من اندلاع حرب؛ لأننا اعتدنا الحروب، ومن له عمر لا تقتله الشُدّة».

على بُعد عشرات الأمتار، تبدي نينا روفايل التي كانت تسير بخطوات متسارعة تعاطفها مع أهالي الجنوب، الذين فروا من منازلهم، لكنها تخشى من تصعيد إضافي.

وتسأل: «لديّ خوف من الغد... من سيرمّم؟ من سيبني؟ من سيُطعم؟ ومن سيعلّم؟ لديَّ خوف من كل شيء».

وتضيف المدرّسة الخمسينية: «لا أشعر بالخوف من اندلاع حرب فحسب، إنما لدي خوف من أن ينتهي لبنان بالكامل».